🌍 أفضع جريمة في تاريخ البشرية 🌍
قليلون هم الذين يعرفونه ، و هؤلان أنفسهم لا يعرفون عنه إلا اسمه ، و ما عدا ذلك فلا أحد يهتم لأمره ، يعيش وحيدا في بيت صغير من تراب ، لا
يغادره إلا للعمل ، فقد كان حارس أمن في مستودع لإحدى الجماعات الترابية ، يقتعد ببابها كرسيا ، يراقب المارة في صمت ، لا يكلم أحدا و لا يتدخل في شيء من أمور الناس ، إلا ما كان من
أمر عمله كحارس للمستودع ، إذ كان لا يكثر الكلام حتى مع المستخدمين الذين نادرا ما يرتادون المستودع لقضاء مأرب من مآرب الجماعة ، و ما عدا ذلك ، يبقى صاحبنا وحيدا منعزلا ، و قد تستمر وحدته لبعض الأيام خصوصا إذا لم يكن لمستخدمي الجماعة ما يحتاجونه من المستودع .
إذا نظرت إليه لمست مسحة من الحزن و الكآبة تعلو محياه ، و كأنه يحمل في صدره أسرارا حزينة لا يستطيع جسمه النحيل تحمل عبئها ، يظهر أثرها جليا على قسمات وجهه و في نظراته الذابلة ، التي لا تخفي على الناظر إليها حزنا دفينا .
أليس هو الغريب الذي هجر يوم عيد الأضحى من الجزائر كغيره من المغاربة الذين طردهم النظام
الجزائري لا لذنب اقترفوه و إنما لكونهم يعودون في أصلهم للمغرب .
ترك المسكين زوجته الجزائرية و أبناءه بعد أن ذبح لهم أضحية العيد التي تركها هي بدورها معلقة ببهو الدار ، لم يتناول منها قطعة لحم و لم يعرف لها طعما ، فقد أخرجوه من داره بمدينة وهران تحت تهديد السلاح و لم يتركوا له فرصة
لحمل ملابسه و لا لتوديع أهله ، و إنما حمل كغيره من المغاربة المطرودين على ظهر شاحنة كما تحمل قطعان الأغنام ، و رمي به و الذين معه على الحدود المغربية الجزائرية ، و طلب منهم الدخول إلى أرض المغرب مع الوعيد لهم بالقتل إن هم فكروا في العودة ثانية إلى أرض الجزائر .
كانت تلك الذكريات الأليمة كوابيس تؤرق مضجعه ، ففراق الزوجة و الأبناء كان الأسى المرير الذي نال الحظ الأوفر من تفكيره ، فقد انقطعت عنه أخبارهم ، كما انقطع خبره عنهم ،
و لم تعد في الأعوام الموالية للتهجير أي وسيلة للتواصل معهم ، لذلك اشتاق إليهم اشتياقا لا حدود له ، و لكنه لم يفقد الأمل و لم ييأس إذ كان يمني النفس بجمع الشمل مرة أخرى إذا تراجع النظام الجزائري الجائر عن غيه و اهتدى إلى الصواب ، و لعل ذلك البصيص من الأمل هو ما يبعث فيه القليل من العزم في مواصلة الحياة
رغم قساوتها .
مضت سنوات طوال كان صاحبنا يعدها قرونا ،
و في أحد الأيام سمع أن الجارين اتفقا على فتح
الحدود لكلا الطرفين حتى تتم صلة الرحم بين
الشعبين الشقيقين ، لم تسعه الدنيا فرحا ، و لأول
مرة يظهر انفراج على أسارير وجهه ، و علا محياه
بريق يشع أملا ، قام بكل ما يلزم من إجراءات
إدارية ، و حصل على الجواز و الترخيص ، و بات
ليلته يجمع ما يحتاجه للسفر السعيد ، عاقدا العزم على الاستيقاظ صباحا ليستقل الحافلة المتوجهة إلى مدينة وجدة و منها يخترق الحدود إلى مدينة وهران الجزائرية حيث الأهل في انتظاره .
أشرقت شمس الصباح و لم يغادر صاحبنا بيته ،
ربما غط في نوم عميق بسبب السهر ليلته تلك ،
و لكن ظل باب بيته موصدا في ذلك اليوم و في
الأيام الموالية ، حتى تقدم أحد الجيران بإخبار
رجال الدرك أنه يشم رائحة كريهة تنبعث من بيت جاره المهجر .
قام رجال الدرك بإخبار وكيل الملك الذي أذن لهم
باقتحام المنزل ، و ما كادوا يفعلون حتى فوجئوا
بوجود جثة قد بدأت تتحلل بفعل الحرارة المفرطة
نقلت الجثة إلى مستودع الأموات بالمستشفى حيث أجري تشريحها الذي أكد من خلاله الطبيب
الشرعي أن صاحبها مات بسبب سكتة قلبية .
مات المسكين قبيل وقت قصير من تحقيق آماله ، دفنت جثته و دفنت معها الآلام و الآمال ، و لم
يبق في خاطر من يعرفونه غير تلك الخساسة
و النذالة و الهمجية التي ستبقى وصمة عار على جبين النظام الجزائري يسجل التاريخ فضاعتها بحبر من دم و يذكر الناس لؤمها جيلا بعد جيل .
👌 بحبر من الدمع كتبها زايد وهنا 👌
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق