🔒 قروي عنيد 🔒
وقف بباب المقهى بقامته الطويلة ، يجول بنظره في أرجائها بحثا عن مكان يجلس فيه ،
و في لحظة أسرع الخطى صوب الجهة التي أجلس بها ، ظننته قد اختار لنفسه مكانا بها ،
و لكن سرعان ما دلف نحوي مبتسما و يده ممدودة يريد مصافحتي و هو يقول :
" أهلا سي ابراهيم ، مفاجأة سارة أن ألتقيك هنا
بالصدفة ، سبحان الله لم تتغير ملامحك رغم مرور
وقت طويل منذ أن غادرت القرية نحو الخارج ، ألا تذكرني أنا يوسف القادوري صديق والدك ".
استغربت تصرف هذا الرجل الغريب الذي لم يسبق
لي أن رأيته و لا عرفته ، و لا سمعت باسمه سحبت يدي بلطف و قلت له :
" أظنك يا سيدي قد أخطأت العنوان ، فأنا لست
بالشخص الذي تقصد ، و ربما شبهتني بذاك الذي
تعرفه ، و صدق من قال يخلق من الشبه أربعين ".
لم يستسغ قولي إذ كان على اقتناع تام و يقين لا
يشوبه أدنى شك أنني أنا سي ابراهيم ، حينها خاطبني بلهجة تحمل من الزجر و الإيلام ما تحمله
قائلا :
" ألست سي ابراهيم الحنفي ابن با عيسى المؤذن،
و قد كنت قبل ذهابك إلى الخارج تنقل أهل القرية
في سيارتك النفعية إلى أسواق تزنيت و نواحيها ،
فهل نسيت أم تتعمد أن تتنكر لماضيك ".
إلى هذا الحد لم أعد أتحمل هذه الهرطقات التي أنا في غنى عنها ، و لعل استفزازه و غلظته في
التخاطب جعلتني أغير أسلوب الحوار معه عساه
يتركني و شأني ، نظرت إليه نظرة الحانق و قلت :
" أنا لست بإبراهيم و لا أبي بعيسى ، و لست بسائق ، باختصار أنا لا أعرفك و لا أعرف عن قريتك شيئا ، و لا علم لي بكل ما ذكرته ، فدعني
و شأني من فضلك ".
ما أن أنهيت كلامي حتى انتحى جانبا و هو يتمتم
بكلام غير مسموع و لكن نظراته توحي بما يخالج
نفسه .
في تلك اللحظة جاء النادل و خاطبني قائلا :
" ما بك يا سي زايد ؟ أراك منفعلا ، أتريد فنجان
القهوة كالعادة ، عله يهدئ أعصابك ؟
وضعت يدي على كتفه شاكرا و قلت له :
" سأغادر المقهى حتى لا أسمع ما يقلق راحتي أكثر مما سمعت ".
و أنا في طريقي نحو الباب استرقت النظر صوب
صاحبنا ، فإذا هو يتتبع خطواتي بنظرات تحمل
الكثير من السخرية و الازدراء لأنه في قرارة
نفسه يعلم علم اليقين أنني أنا سي ابراهيم ،
الذي تغير سلوكه و أصبح متنكرا لماضيه .
لا أخفي أن ما وقع في المقهى شغلني كثيرا
و أنا في طريقي إلى البيت ، فقلت في نفسي مبتسما : " سبحان الله في لحظة وجيزة صرت
ابراهيم لا زايد أما أبي رحمه الله الذي مات منذ زمن فقد أصبح اسمه عيسى و هو حي يرزق ،
أما قريتي التي ولدت و ترعرعت فيها بالجنوب الشرقي المغربي هي الأخرى انتقلت إلى ضواحي مدينة تزنيت ، هذه المدينة التي لم أزرها قط في حياتي ، عجيب أمر هذا الرجل الغريب الذي قلب
كل شيء رأسا على عقب ، و لكنه معذور ....
💼 بقلم سي ابراهيم بل زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق