🎻 ابن هنين ⚽
تحدثت في العديد من المقالات عن أشخاص كان لهم و ما يزال الأثر البالغ في الذاكرة ، منهم من قضى نحبه و منهم من لا زال ينتظر ، فالرحمة للأموات و الصحة و العافية للأحياء .
لم أترك أحدا ممن احتفظت ذاكرتي بشيء يميزه سواء كان صديقا أو أحد أبناء البلدة التي أنتمي إليها ، إلا و وفيته
حقه قدر الاستطاعة موضحا الجوانب المضيئة في حياته
و التي تفرد بها دون غيره ، و لم أتحيز يوما لأحد فأثني على من لا يستحق أو أجحف حق من يستحق قريبا كان أو بعيدا ، و لم أكن أختار اختيارا عشوائيا ، بل أتحرى الدقة و الصدق ، فلا يحضى عندي بالتقدير و التبجيل إلا من أسدى لهذه البلدة و لأهلها خدمات جليلة يشهد له بها العدو قبل الصديق ، كل في مجال معين ، و هذا لا يعني قطعا أنني وفيت الجميع حقهم ، فربما هناك آخرون أغفلت الحديث عنهم و السبب بكل بساطة أنني لا أحتفظ لهم بشيء في ذاكرتي و لا أعرف عنهم شيئا مما يصعب التكهن بالحديث عنهم و إن فعلت فربما أجحف في حقهم و أسقط في أخطاء قد تسيء إلى سيرهم أكثر مما تحسن ، و هذا ما لا أسعى إليه .
اليوم قد حان دور رجل من أعز أصدقائي ، قضينا معا كل مراحل العمر من الطفولة إلى حدود كتابة هذه الأسطر ، جمعت بيننا صداقة متينة و صحبة دائمة ، أما الصداقة فما زالت قائمة ثابتة ، و أما الصحبة فقد فرق بيننا السعي وراء لقمة العيش فأضحت المسافة بيننا بعيدة ، و لم نعد نلتقي إلا قليلا و لكننا نتواصل عبر الهاتف .
كان الأجدر بي أن أبدأ به قبل الآخرين نظرا للروابط المتينة التي تجمعنا ، و لكن لا أخفي سرا أنه كلما هممت بتناول سيرته يأبى القلم أن يسعفني لأنني لا أعرف من أين سأبدأ
و إلى أين سأنتهي و ماذا سأقدم و ماذا سأؤخر في سيرة رجل لازمني و لازمته منذ الطفولة إلى الآن ، و لو أطلقت العنان للقلم ، لنفذ حبره دون أن أوفيه حقه ، و لكن ارتأيت أن أذكر القليل خير من أن أترك الجميع و بالله التوفيق .
إنه رشيد الذي أناديه ب " ابن هنين " و هو نفس اللقب الذي يناديني به ، و قد اعتاد كل منا مناداة الآخر بهذا اللقب و لا داعي لذكر السبب .
كان رشيد أول طفل تعرفت عليه سنة 1972 عندما انتقلت أسرتي للسكن في الحي الذي يقطنه رشيد ، قادمة من الحي الذي تهدمت منازله المحادية للواد بفعل الفيضان ، و كان منزلنا من جملة تلك البيوت التي داهمها السيل و دمرها عن آخرها .
رشيد كان و ما يزال ذلك الشخص المتعدد المواهب ، فإلى جانب إتقانه لكرة القدم كان سباحا ماهرا و عازفا بارعا على آلة العود ، و كان يتميز بالعدو السريع ، لا يمكنك أن تمسك به مهما حاولت كما كان يتحلى بأخلاق فاضلة تأتي في مقدمتها
الثقة التامة ، استأمنه على خزائن الدنيا و اطمئن حباه الله قناعة قلما تجدها في غيره .
و نظرا للصحبة التي جمعتنا ، كنا لا نفترق عن بعضنا نهارا
و ليلا ، فقد يمضي أسبوع أو أكثر دون أن يشارك أسرته على المائدة أو ينام في بيته ، و إنما كان يكتفي بزيارتهم لدقائق معدودة ثم ينطلق معي إلى حيث نريد ، لأنني كنت أستضيفه بمنزلي و كان أهلي يعتبرونه ابنا لهم و أخا لي ، نأكل سويا
و ننام سويا ، حتى بلغ الأمر بوالدته رحمة الله عليها أن كانت تقول لي مازحة لقد أصبح رشيد ابنكم و ليس ابننا .
نعم هكذا قضينا الطفولة و الشباب ، و ما زالت تلك الذكريات راسخة في أذهاننا ، نسترجع شريطها كلما سمحت الظروف باللقاء .
✏ رفيق الدرب زايد وهنا ✏
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق