🕤 غيروا اتجاه البوصلة 🕖
لقد اعتاد الناس منذ زمن بعيد أن يقضوا عطلة الأسبوع في أنشطة يروحون بها عن أنفسهم لتنسيهم تعب الأسبوع ، فمنهم مثلا من يقوم بنزهة ، و منهم من يصطاد السمك ، و منهم من يمارس هوايته المفضلة في إحدى الرياضات التي تستهويه سواء كانت فردية أو جماعية ، فكان
الكثير يميل نحو كرة القدم لأنها لعبة جماعية تجمعك بمن تعرف من الأصدقاء فتوطد علاقتك بهم و بمن لا تعرف فتجعلك تربط معهم علاقات ودية ، و يستوي في ذلك المنتصر و المنهزم ، إذ الهدف عند الجميع هو صحة الأبدان
و إسعاد النفس و التخفيف عنها من ضغوط الحياة
و همومها ، حتى الذين لا يمارسون اللعبة يجدون متعة في التفرج على الآخرين فيشجعون هذا أو ذاك في جو من المرح و السعادة ، فإذا انقضت تلك اللحظات الجميلة ، يعود الناس لمزاولة مهامهم و وظائفهم و قد شحنوا بطاريات العزم
و الصبر ، و هم ينتظرون آخر الأسبوع المقبل في شوق لممارسة هواياتهم و اللقاء بأصدقائهم .
هكذا كانت تجري الأمور من غير تعصب لأن الكل
يعتبر ذلك من وسائل الترفيه و المنافسة فيه بريئة لا طائل من ورائها غير ما ذكر سلفا من صحة الأبدان و سعادة النفوس .
فليت الناس اليوم يعلمون ذلك ، و ليصبوا كامل اهتماماتهم على الأمور الجادة التي ترفع من شأن أوطانهم ، و ليكن تنافسهم الحقيقي في مجالات العلم و الطب و الصناعة
و الفلاحة و التجارة و غيرها من المجالات التي تضمن العيش الكريم لكل الناس و تبوئهم المنزلة الراقية بين الأمم ،
ليتجردوا من التبعية لغيرهم ، فيحتاج إليهم الغير أكثر مما يحتاجونه هم ، فعوض أن تبذر الأموال الطائلة على ألعاب لا تعود على الشعب بمنافع تذكر ، فلم لا تنفق هذه الأموال في الضروريات التي يعاني الشعب من نقصانها أو انعدامها .
و حتى لو افترضنا أن هذا الشعب حاز كأسا قارية أو عالمية هل هذه الكأس توفر مقعدا دراسيا لطفل في قرية نائية ، أو توفر سريرا لمريض في مستشفى ليس به من ضروريات العلاج قليلها ، أو توفر وظيفة لشاب عاطل تنقذه من الانحراف ، أو تحد من ظاهرة التسول أو تجمع الحمقى
و المجانين من الشوارع أو تنشئ مصانع و معامل و سدود أو ، أو ، أو .
أظن هذه الكؤوس لا تغير في الواقع شيئا بل بالعكس تستنزف ميزانية البلد ، الذي هو في أمس الحاجة إليها .
و لعل أبلغ دليل هو ما نراه جليا في عالمنا العجيب هذا ، فدولة البرازيل حازت خمس ألقاب عالمية ، فماذا تغير فيها
و أغلبية شعبها ترزح تحت وطأة الفقر و الانحراف و الاجرام ، و نفس الشيء بالنسبة لدولة مصر فقد فازت بسبعة ألقاب قارية أي سبعة كؤوس إفريقية ، فأي أثر أحدثته هذه
الألقاب على شعبها ، و قس على ذلك .
أنا لا أقول بإهمال الرياضة ، أبدا فأنا أحبها و مارستها في شبابي و ها أنا قد نيفت على الستين و ما زلت أعشقها لما لها من فوائد جمة خصوصا على ممارسها ، و لكن يجب أن نحسن تدبير أمورها حتى لا تأخذ منا أكثر مما تأخذه
القطاعات الحية في المجتمع ، فأي منطق سلكنا لنعين مدربا من خارج الوطن براتب شهري مبالغ فيه ، قد لا يحصل عليه أستاذ تخرجت على يديه أطرا أو طبيب أنقذ حياة الكثيرين طيلة حياتهما المهنية ، أو غير هذين ممن أفنوا زهرة شبابهم
في خدمة هذا الوطن ، ماذا سيفعل هذا المدرب أكثر مما يفعله مدرب من داخل الوطن ، ماذا حقق لنا هؤلاء المدربون الأجانب طيلة هذه العقود الماضية ، لم لا يتم تعيين مدرب من أبناء جلدتنا و براتب يوازي راتب الوزير أو أكثر قليلا ، أقلها أن هذا المدرب المحلي قد يستثمر أمواله داخل البلد في مشاريع يستفيد منها أبناء بلده ، فإذا فزنا بلقب فبها و نعم ،
و إن لم يحالفنا الحظ فما خسرنا كثيرا ، و تبقى كرة القدم لعبة ترفيهية لا أقل و لا أكثر .
كما أن هذه القيمة التي أعطيت لكرة القدم من طرف المسؤولين ، و كذا الهالة الإعلامية التي عظمت قدرها جعلت الطالب يوليها اهتماما أكثر مما يوليه لدروسه ، فتراه يهمل التحضير للإمتحان ليتفرج على المباراة ، و تجد الموظف يغادر مكان عمله ليشاهد المباراة غير مبال بما يحدثه غيابه من ضياع لمصالح البلاد و العباد ، و قد تمتد العصبية التي تثيرها كرة القدم بين أنصار هذا الفريق و أنصار الفريق الخصم إلى العنف الذي يسفر عن خسائر مادية و أحيانا بشرية ، أليس هذا إدمان قد يفوق المخدرات ضررا ؟ .
باختصار شديد ينبغي الوعي بهذه الأمور ، و لا ننساق وراء الغرب ، فلهم دينهم و لنا ديننا و لهم إمكانياتهم و لنا إمكانياتنا ، لهذا يجب ترشيد النفقات في هذا القطاع إلى الحد الأدنى الذي لا يؤثر على ميزانية الدولة ، ومتى حصل لدينا اكتفاء ذاتي و تخلصنا من الديون الخارجية و ازدهر اقتصادنا و تعلم جاهلنا و صح مريضنا و عني بذوي الاحتياجات الخاصة ، و حققنا الغاية في كل الأولويات ،
و فضل لدينا فائض ، آنذاك قد لا نلام إذا صرفناه في الترفيه و الكماليات ، أسوة ببعض الدول المتقدمة.
أعرف أن البعض من القراء قد لا يشاطرونني الرأي
و لكن هذه وجهة نظري و يكفيني أنني مقتنع بها فمن شاء فليؤيد و من شاء فليعارض و ما أنا إلا بشر قد أصيب و قد أخطئ ، و أحمد الله و لا أحصي ثناء عليه .
💼 بقلم زايد وهنا 💼