🕭 استيقظوا من سباتكم 🕭
أنا لم أكتب هذه السطور لأفند الأكاذيب و الادعاءات التي ما انفك جيران السوء يخرجون بها من حين لآخر دون حياء و لا خجل ، لأنها لا تحتاج إلى بينة ما دامت براهينها ساطعة و لا شك في ثبوتها ما دامت أدلتها قائمة يشهد لها التاريخ العريق و الحركة العلمية و الأدبية منذ أزيد من أربعة عشر قرنا لم يكن آنذاك و لا بعدها لجارنا تاريخ يذكر .
و لكن الدافع للكتابة هو عندما تصدر مثل هذه الهرطقات ممن يعتبرون أنفسهم دكاترة مثقفين ، و الحقيقة أن الثقافة بريئة من أمثالهم و لا تربطهم بها أي علاقة و الدليل واضح وضوح الشمس في كبد السماء من خلال كتاباتهم التي تثير الغثيان شكلا و مضمونا ، حتى لا يخال إلى القارئ أن من كتب تلك العفونات لا يعدو أن يكون تلميذا في الإعدادي .
فلو صدرت هذه الخزعبلات من صبيانهم أو من مجانينهم ما كانوا عندي ملومين ، و لكن أن تصدر ممن يحسبون على الثقافة والبحث العلمي ، فهذا ما يثير التقزز و الإسفاف في أبهى صوره .
و إليكم بعضا من هذه الأكاذيب و كأنها نكت تضحك أكثر مما تحز ، فقد سمعت من أحد دكاترتهم في ملتقى مستغانم للملحون في عرض تناول فيه تاريخ الملحون عندهم ، و بغض النظر عن الأخطاء و الخلط و الارتباك في تحديد المفاهيم
و التعريف بها ، فقد ادعى الدكتور المحاضر أن سيدي عبد الرحمن المجدوب صاحب الرباعيات هو جزائري عاصر
الشاعر لخضر بن خلوف ، و العجب كيف لا ينتابه الخجل
و هو يهرطق دون أدلة و لا براهين.
كما أنهم يدعون أن المنشد محمد بلكبير هو كذلك جزائري ، و نحن نعرف الرجل تمام المعرفة فهو من تافيلالت و قد حضرنا حفلاته في الأعراس غير مرة ، نعم كان يتردد على مدينة بشار من حين لآخر و قد سجل بها عدة قصائد خصوصا في أواخر أيام حياته .
و قالوا نفس الكلام عن مولاي امبارك المراني ، والد الشريف المراني مايسترو مجموعة المشاهب و هو أصلا من مدينة بوذنيب فيها نشأ و ترعرع و أحيى حفلاتها و لم يغادرها إلا كهلا حيث ذهب إلى الجزائر و انضم إلى جوق مدينة وهران لمدة تسع سنين و هناك ولد له ابنه الشريف و لم يلبث أن عاد بعدها إلى المغرب إلى أحضان بلدته بوذنيب .
هذا ناهيك عن ادعائهم أن القفطان المغربي أصله جزائري
و أن الكسكس المغربي هو كذلك منقول من الطبخ الجزائري و غير هذا من الافتراءات التي لا تستند على أساس علمي .
بل منهم من يقول أن بعض الأنبياء و الصحابة مدفونين بأرضهم ، و أن القرآن الكريم تراث جزائري ، و أن الجزائر مذكورة في الثوراة في أكثر من عشرين موضعا ، و هلم جرة من التخاريف التي لا يأتيها الحمقى فما بالك بذوي العقول السليمة .
و لكن هل تعلم عزيزي القارئ لماذا يفعلون كل هذا لأنهم يشعرون بالنقص لأن ليس لهم تاريخ عريق و لا حضارة راقية ، فهم يحاولون من خلال هذه الافتراءات أن يجدوا لأنفسهم مكانة حضارية على غرار دول الجوار ممن كان لهم جامع القرويين و جامع الزيتونة و جامع الأزهر ، هذه الجامعات التي تخرج منها عبر العصور علماء أفذاذ أغنوا خزانات الدنيا بمؤلفاتهم ، أما هؤلاء فأول جامع بني عندهم هو المسجد الكبير الذي بناه يوسف بن تاشفين بتلمسان حين توسعت الإمبراطورية المرابطية ، و اقتصر دوره على الشعائر الدينيةو لم يثبت أن كانت فيه مجالس العلم و الفقه و الأدب كما كان عند جيرانه ، بمعنى آخر لم يكن له إشعاعا ثقافيا .
ختاما أظن أن الكذب وإن كان مذموما ، فعلى الكذاب أن يكون ذكيا ، فلا يفتري إلا على الأمور التي لا دليل لها
و التي يسهل عليه أن يخادع بها الناس دون أن يشعروا ، أما الأمور الواضحة المحسومة التي أجمع عليها العالم فلا سبيل لديهم للخوض فيها ، و نسبتها إليهم أمر مردود عليهم ،
و لو سكتنا على هذه الخزعبلات لتوهموا أنها حقا من حقوقهم ، و لا غرو أن تمتد بهم الحماقة و الجهل و خساسة نفوسهم فتسمعهم يقولون يوما أن آدم عليه السلام و عنترة بن شداد و ابن خلدون و المتنبي و محمد علي كلاي
و إنشتاين و عبد الباسط و فيكتور هيجو والتولالي و ناس الغيوان و رويشة كلهم جزائريون ، نعم هذا غير مستبعد أن يصدر من مثل هؤلاء المثقفين المجانين ما داموا على هذا الحال يهرطقون و يتنطعون كأنهم حمر مستنفرة .
و كلمتنا هذه لا نقصد بها الشرفاء من أبناء الجزائر الذين لا يحملون في قلوبهم غلا و لا حقدا على أحد ، و لا نتهم مثقفيهم النبلاء الذين تركوا بصماتهم في مجال العلم و الأدب من أمثال المرحوم مالك بن نبي و غيره ، فهؤلاء العقلاء إخوتنا تجمعنا معهم روابط الدين و اللغة و الجوار و هذه كلها مقومات تحثنا على حسن المعاملة و التعاون و التآزر ، و هو ما كنا عليه قديما ، و يا ما قدم لهم المغرب من مساعدات
و دعم لنيل استقلالهم ، فقابلوا الإحسان بالإساءة و الشكر بالجحود و النكران ، شأنهم في ذلك شأن اللئام ، إذ فيهم يصدق قول المتنبي :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا
شاءت الأقدار و لسوء حظ الشعب الجزائري أن يتسلط عليه هذا النظام العسكري المقيت و المتمسحين به من المتملقين المحسوبين على الثقافة فكانوا سببا في هذه القطيعة ، لا لشيء و إنما حسدا من أنفسهم ، فموتوا بغيضكم ، و إلى الله المشتكى .
فهم يدعون الثقافة ، و يجتهدون في هذه الافتراءات التي لا تزيدهم إلا جهلا و انحطاطا حتى أضحوا أضحوكة العالم أجمع ، ليتهم استيقظوا من سباتهم و وجهوا سهامهم نحو النظام العسكري الذي استحود على كل خيرات البلد و صنع لهم الأوهام في عداوة جيرانهم بل امتدت الوقاحة بهذا النظام الفاشل الجاهل أن جعل من كرة القدم التي هي مجرد لعبة قضية وطنية يخدر بها أبناء الجزائر ليصرفهم عن الأهم .
ماذا استفدتم من استفزاز جيرانكم و حقدكم عليهم طيلة هذه المدة ، لو كنتم حقا تعقلون ، فجيرانكم لا وقت لديهم للرد عليكم بالمثل ثم إن تربيتهم و أخلاقهم التي ورثوها عن أجدادهم تأبى أن تنزل إلى ذلك المستوى المنحط ، فهم يسيرون ببلدهم من أحسن إلى أحسن ، و تركوا لنظامكم الخساسة يسبح في مستنقعها حتى وصل به الجهل أن وضع نفسه موضع السخرية بين الأمم .
و الحقيقة أننا نحن أنفسنا لا نرضى أن يكون لنا جار لئيم نظامه ينعته الناس بهذه النعوت القدحية، و لكن للأسف هذا ابتلاء ابتلي به شعبه و جيرانه ،
و مسك الختام قول خير البرية صلى الله عليه و سلم :
" دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب "
💼 بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق