تصنيف مخجل
مما يثير التعجب و يجعل المرء يتساءل في
حيرة و استغراب هو أن المغاربة كلما شاركوا في المسابقات الثقافية خارج الوطن كأولمبياد الرياضيات أو فن تجويد القرآن الكريم أو غيرها إلا و يحصلون على المراتب الأولى عن جدارة و استحقاق ، و ينالون إلى جانب تلك الميزات المشرفة إعجاب المنظمين
و الحاضرين ، و هذا يدل دلالة قاطعة أن المغاربة شعب ذكي ، لكن في المقابل نجد أن تصنيفه من حيث جودة التعليم يكاد يكون مخجلا ، فقد صنف في المرتبة 154 من أصل 199 دولة ، و هذا التصنيف يثير العديد من التساؤلات لمعرفة مكامن الخلل التي جعلته يتذيل
اللائحة ، أليس من باب الغيرة و دافع العزة بالنفس
أن نبحث عاجلا غير آجل عن مكامن الخلل و نحاول
إصلاحها لننافس غيرنا على المراتب المتقدمة .
نعم لقد قامت الوزارة الوصية على قطاع التعليم بعدة
إصلاحات متتالية و أنفقت عليها الأموال الطائلة و لكن محاولاتهم جميعها باءت بالفشل و لم تؤت أكلها ، و هذا
ما يزيد من استغراب المتتبعين للشأن التعليمي الذين
تهزهم الغيرة على بلدهم ، و هنا ثمة سؤال يفرض نفسه
و هو لماذا لم يتحقق المرغوب رغم هذه الجهود
و المحاولات ؟ .
الجواب بكل بساطة أن المسؤولين عن هذا القطاع
يعالجون الأعراض بالمسكنات و لا يكلفون أنفسهم البحث عن أصل الداء و إيجاد العلاج الناجع للداء ، إذ متى وجد العلاج الحقيقي للداء إلا و اختفت الأعراض
و أصبح الجسم معافى تماما ، و هذا لا يتأتى إلا
بالتحليلات الدقيقة من قبل الخبراء و ذوي التجربة
و الميراس في هذا المجال ، فالمسؤولون يكتفون بنقل بعض المناهج الناجحة في أقطار أخرى و يأتون بها منفردة منفصلة عن توابعها التي تعتبر الأساس في نجاحها .
فإذا أردنا و كان في نيتنا صدق الإصلاح ، فينبغي أن
ننطلق من خصوصياتنا و مقوماتنا الدينية و الوطنية ،
و نوفر لكل منهاج و برنامج ظروفه التي لا يمكنه
تحقيق المنشود بدونها ، إذ لا يمكن أن نصل إلى ما نهفو إليه ببرنامج أجنبي لوحده ، فلا بأس إذا أعجبنا ببرامج و مناهج الغير ، و لكن نقلها و العمل بها ، يتطلب نقل كل الظروف المصاحبة لها و التي لها بالغ الأثر في نجاحها و منها على سبيل المثال لا الحصر توفير بنية تحتية متكاملة من قاعات للدرس و قاعات للمطالعة الحرة و فضاءات الأنشطة الموازية و مكتبات ورقية
و رقمية و توفير عيادة طبية بالمؤسسات ، و تعيين مرشدين و مصلحين اجتماعيين للنظر في الحالات المتعثرة ، إضافة إلى توفير ملاعب رياضية مجهزة
و غير هذا من الضروريات التي تساعد في إنجاح المنظومة التعليمية عامة .
هذا من حيث البنية و اللوجستيك أما من حيث الأمور
التربوية ، فيجب التخفيف من الاكتظاظ في الأقسام
و التخفيف من ساعات العمل حسب السن و المستوى ،
و تعيين حراس مساعدين و عدم تكليف الأستاذ بمهام غير التدريس ، و تعيين أساتذة احتياطيين يتولون تعويض الأستاذ أثناء غيابه ، و فوق هذا و ذاك العمل على إرجاع الهيبة للمؤسسات التعليمية و السهر على
القيم التربوية بحيث لا يقبل من أي متعلم ما يخالف
قيمنا و خصوصياتنا و لا يقبل منه التطاول على أساتذته و فرض العقوبات الزاجرة و الرادعة لكل من سولت له نفسه أن يثير ما يكدر صفو العملية التربوية
التعلمية ، و تحسين الوضعية المادية للمدرس و الرفع
من قيمته الاعتبارية في المجتمع ، و إعادة النظر في الخريطة المدرسية التي تفرض نسبة نجاح تكاد تكون
100% دون استحقاق ، و العمل على توعية الأسرة
بدورها الريادي في التربية و حثها للتنسيق مع المؤسسات التعليمية لتوجيه المتعلم الوجهة الصحيحة .
و لا ننسى دور الإعلام و وسائل التواصل الحديثة ، فهذه لها من الأهمية و التأثير ما ليس لغيرها ، لهذا ينبغي أن تكون في خدمة العلم و تنزل العلماء
و الباحثين و المفكرين منازلهم الراقية ليتخذهم الشباب قدوة ، و أن تقطع مع التفاهة و تحارب أصحابها حتى لا
تمتد تفاهتهم إلى الشباب ، و غير هذا كثير مما يخدم
مصالح شبابنا و يحقق أهداف أمتنا الدينية و الوطنية .
فهل يا ترى قمنا بكل هذا و لم يتحقق الهدف ، بكل صراحة و موضوعية يجب الاعتراف بالفشل و الإقرار
بتقاعسنا عن أخذ المبادرة الصحيحة السليمة التي ترفع
من شأن التعليم ببلادنا .
فهذه الشروط و الظروف التي ذكرناها و غيرها مما أغفلناه سهوا ينبغي أن تطبق كليا لا جزئيا ، و هو ما اعتمدته الدول الرائدة و وفرته في مؤسساتها ،و جعلته أولى أولوياتها ، و بذلك تصدرت لائحة التصنيف ، لأنها تنظر إلى الإصلاح في شموليته و لم تغفل أي جانب تراه مساعدا على تحقيق الهدف ، و أي إخلال بأحد هذه الشروط ينعكس سلبا على العملية التربوية التعلمية برمتها و لا تحقق المطلوب منها .
أما و الحالة هذه في بلادنا ،فإننا نهتم بجانب البرنامج و المنهاج لوحدهما ، و نغفل الجوانب المدعمة لهما ،
و هذا ما جعلنا و سيجعلنا دوما ندور في حلقة مفرغة
و ننفق الأموال دون أي نتيجة تذكر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق