ما ذنب هذا إذا كان ذاك يريد الانتحار

        ● ما ذنب هذا إذا كان ذاك يريد الانتحار ●


في الحقيقة ينبغي إعادة النظر في المساطر المتبعة أثناء وقوع أي حادثة سير ، حفظنا الله و إياكم من بأسها ،  و من عيوب هذه المساطر التي يتشكى منها الجميع ، إخضاع السائق لعدة إجراءات رغم كونه غير

مخطئ ، هذه الإجراءات التي بموجبها يتوقف عن عمله

ليتفرغ للبحث و الاستجوابات و التحقيقات و الحضور لجلسات المحكمة و غيرها من العراقيل و التي ليس له يد فيها ، و إنما وقعت بمحض الصدفة و بخطإ من الغير ، و هذا يحدث كثيرا خصوصا بالمدن التي تعرف اكتظاظا و ازدحاما في السير ، و لعل أغلب ضحايا حوادث السير داخل المدن و ضواحيها هم من الشباب أصحاب الدراجات النارية الذين لا يحترمون قانون السير ، و لا ينضبطون لعلامات المرور ، بحيث يقودون بسرعة جنونية و يتهورون في القيادة و هم يراوغون السيارات كأنهم في حلبة سباق ، و هو الأمر الذي يؤدي إلى وقوع حوادث مميتة و في أحسن الأحوال تصيبهم بعاهات مستديمة ، فيصبحون بين عشية و ضحاها عالة على أسرهم و مجتمعهم ، و رغم أن سائق المركبة لم يرتكب أي خطإ فيما وقع ، إلا أنه يبقى رهن إشارة البحث و الأخذ و الرد ، يحرم لأيام طويلة من مزاولة عمله و التفرغ لشؤون بيته ، أمله الوحيد أن يخرج من هذه الورطة سالما .

و قد حدث مرة بإحدى المدن السياحية الكبيرة التي تعج بالدراجات النارية و المشهورة وطنيا بهذه الظاهرة

أن شاحنة كبيرة من النوع الثقيل كانت تدور حول محور ملتقى الطرق بسرعة بطيئة جدا ، و لها حق الأسبقية في المرور ، توقفت السيارات الأخرى في

انتظار مرور الشاحنة لأن الأولوية لها ، إلا شابا كان

على متن دراجة نارية من النوع السريع ، لم يحترم 

كغيره ، بل جاء بسرعة البرق يريد أن يسبق الشاحنة 

قبل أن تكمل دورتها ، فإذا به يفاجأ أن مابقي من 

الطريق لا يكفيه للمرور ، فاصطدم بالعجلات الأمامية للشاحنة ، و هذه ألقت به إلى العجلات الخلفية التي

دهسته و ألصقته بالأرض في منظر جد مؤلم أصاب الحاضرين بالرعب و الهلع لشدة هوله .

إذن ما ذنب سائق الشاحنة ، إذا كان صاحب الدراجة

يريد الانتحار و بحضور الشهود ، و كيف يعقل أن تتخذ ضده كل تلك الاجراءات التي تؤرقه و تزيده ألما على الألم الذي خلفته في نفسه تلك الحادثة التي أودت بحياة شاب في مقتبل العمر .

لهذا أظن أنه لا داعي لتعقيد المسطرة على السائق الذي

ثبت بالمعاينة و الأدلة و الشهود أنه بريء مما حدث و لا يد له فيه ، إذ لم يرتكب أدنى خطإ ليحاسب ذلك الحساب العسير . 

و مثل ذلك ما حكى لي أحد الأصدقاء عن سيارة كانت مركونة في مكان مسموح لصاحبها أن يركنها فيه ، إلى جانب سيارات مصطفة في نفس الاتجاه ، و إذا بصاحب دراجة نارية يقودها هو كذلك بسرعة فائقة ، أراد أن ينحرف عن سيارة أخرى حتى يتفادى الاصطدام بها ، فانزلقت به دراجته نحو السيارة

المركونة ، ارتطمت الدراجة بأبواب السيارة ، أما هو فقد انزلق بفعل السرعة أسفل السيارة المركونة ، و لم يعد يظهر منه إلا سيل من الدماء و قد انسابت من أسفل السيارة .

بالله عليكم ما ذنب صاحب السيارة و قد أركنها في وضع قانوني سليم ، و كيف يتعرض للبحث و المشاكل و هو بريء كل البراءة مما وقع ، فهو أصلا كان جالسا بالمقهى يحتسي مشروبه .

لهذا ينبغي إعادة النظر في مثل هذه الأمور ، و ألا نحمل البريء الذي  لا ذنب له ما لا يطيق من الاجراءات 

و العراقيل ، فكل إنسان له مسؤوليات في عمله و في

بيته ، فلنخفف عنه ليتفرغ لها مادام لم يخل بالقانون

و لم يكن سببا في حدوث ما وقع .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق