رجالات تركوا بصمات خالدة في تاريخ المغرب
و طالهم النسيان .
لا يمكن أن يتصور المرء مدى القطيعة التي أحدثها الإعلام بين ماضينا القريب و حاضرنا المعاش ،
و لا مدى الحزن و الغيظ اللذين يشعر بهما أي مغربي
عاش مرحلة ما بعد الاستقلال و عاصر رجالات صنعوا
مجد المغرب بما قدموه في مجالات العلم و الفقه
و الأدب و الفن و ما خلدوه من روائع غالية لا يمكن أن
تنسى بل لازال الجيل القديم يعيش على ذكراها .
فئة عريضة من هؤلاء الجهابدة اختطفتهم يد المنون
في تسعينات القرن الماضي ، و لحقت بهم القلة المتبقية مع بداية هذا القرن .
و لكن المؤسف في الأمر أن إعلامنا طوى تلك المرحلة
الذهبية و لم يعد يحيي لها ذكرا حتى بات الجيل الحالي لا يعرف عنها شيئا ، و في المقابل عمل الإعلام
على نشر الأعمال التافهة و أنزل التافهين منزلة عالية
فأصبح شبابنا يعرف الكثير عن هؤلاء التافهين و يجهل
تماما ما عرفته تلك الفترة من نبوغ في مجالات ثقافية و فنية ، و لو سألت شبابنا اليوم مثلا عن علماء و أدباء من طينة علال الفاسي أو المختار السوسي أو عبد الله كنون أو عن المهدي المنجرة أو الجابري و غيرهم كثير ممن أثروا الخزينة بمؤلفاتهم القيمة ، و في الفنون من أمثال رواد الأغنية العصرية و المجموعات الغنائية
و اللائحة طويلة ممن شنفوا أسماعنا بأغاني قمة في
الروعة من حيث الكلمات و الألحان و الأداء ، ما استرحت منهم إلى جواب ، و شبابنا معذور لأنه لم يعاصر تلك الفترة و كيف له أن يتذوق آدابها و فنونها
و إعلامنا قد قطع معها و قابلها بالجحود و النكران
و طوى ملفها نهائيا ، و لا يعود لذكراها و الإشادة
بأصحابها ليربط الماضي بالحاضر و يجعل الشباب يستقي من ذلك الماضي أجوده و يبني حاضره
على ضوء المستجدات الحديثة دون تفريط في القيم و مجاهدة النفس للتنافس نحو الإبداع المتزن الرصين .
لهذا أحمل المسؤولية كاملة للإعلام بكل وسائله التواصلية على اختلافها ، كما أنه يحز في النفس أن
ترى موهوبا قدم الكثير لهذا الوطن و ضحى بكل غال
و نفيس في سبيل الرفع من شأن بلده ، و في الأخير يقابل إبداعه بالنكران و النسيان و لم يعد أحد يذكره
و كأننا لما دفناه ، دفنا معه أعماله ، و هذا سبب كاف
يجعل بعض الموهوبين و لو على قلتهم في أيامنا هذه لا يتشجعون على الإبداع الراقي الهادف ، مادامت
التفاهة هي السائدة و أصحابها هم المبجلون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق