💼الرسالة النبيلة💼

 💼  الرسالة النبيلة  💼


هو ابن بلدتي و زميلي في العمل و جاري في السكن ، باختصار هو بمثابة الأخ الأكبر ، تعلمت منه أشياء كثيرة و أخذت عنه بعض الخصال الحميدة ما عدا الصبر ، فهذه هي الخصلة التي لم أستطع أن أتحلى بها رغم أني أحاول ، و كان أطال الله في عمره يوصيني بها و لكن لا أشعر بنفسي في بعض المواقف حتى أثور خصوصا إذا ظلمت ( مبني للمجهول ) أو تعرضت لموقف استفزاز من أحد .

       منذ أن التحقت للعمل معه في نفس المدرسة ،

لم أر في هذا الرجل إلا الجد و التفاني و الإخلاص في العمل ، له ارتباط وثيق مع المستوى الأول ، فهو المستوى الذي عمل به إلى أن أحيل على التقاعد ، لا لشيء و إنما لحبه لتلك الفئة الصغيرة من الأطفال ، و كثيرا ما يردد أن براءة  تعاملهم 

و عفويتهم تشجعه على تربيتهم أولا و تعليمهم ثانية ، و لعل طول المدة بهذا المستوى اكسبته مهارات و طرق بيداغوجية ، استفاد منها الكثير من الأساتذة الجدد .

        قضيت معه و مع مجموعة من الأساتذة الأفاضل أزهى الأعوام في التدريس الجاد 

و الأنشطة الهادفة ، و جلسات الترفيه و الترويح عن النفس في بيت أحد الزملاء إما بمناسبة عقيقة أو ختان أو زفاف أو نجاح من سلم إلى آخر ، 

و ربما أحيانا بدون مناسبة ، كل ذلك في جو أخوي قل نظيره ، ما حدث يوما أن وقع سوء تفاهم بيننا و إن وقع فنادر جدا ، و لا نبرح مكاننا حتى يسوى المشكل و كأن شيئا لم يقع ، فكان صاحبنا هذا هو مصلح ذات البين إذ لا يمكن لأحدنا ان يرد له طلبا ،  

أو يعصي له أمرا حياء منه ، و تقديرا لمنزلته بيننا .

         لا يمكن لأستاذنا الجليل هذا أن يغيب عن أي عمل خيري أو أي مبادرة ذات منفعة عامة أو أي نشاط هادف تنظمه إحدى الجمعيات بالبلدة ، مساعدا أحيانا و متدخلا أحيانا أخرى بأفكاره 

و آرائه السديدة ، قصده في ذلك أن يتنور شبابنا 

بنور العلم و المعرفة و تستقيم أخلاقه ، لأنه يعلم أن نهضة الأمم في صلاح أبنائها .

          تقاعد عن العمل و لم يتقاعد عن حب بوذنيب و أهله ، فهو و إن رحل عن بوذنيب لظروف شخصية فقلبه و كل جوارحه معه ، و لا يسعد إلا إذا سمع خيرا عنه و العكس صحيح .

       أظنكم عرفتموه الآن إنه با سيدي شدلي ، أطال الله في عمره و تقبل منه صالح أعماله 

و جزاه خيرا لما أسداه من مجهودات سواء للناشئة أو لأبناء البلدة عموما ، فقد ترك بصمات لا يجحدها أحد فعسى أن يتخذه شبابنا قدوة في إخلاصه 

و صفاء طويته و نبل أخلاقه ، و صدق الشاعر إذ يقول :

      كن مهذب الطباع حافظا

                  لأدب و حكم مفترق

      و عاشر الناس بخلق حسن

                 تحمد عليه زمن التفرق


         💼   الفقير إلى عفو الله  زايد وهنا    💼

⚽رجل المواقف⚽

 ⚽  رجل المواقف  ⚽


        قد تظن عزيزي القارئ أن ما أقوله لك هو من باب المبالغة و الغلو أو من باب المجاملة و المحاباة الزائدتين ، و لكن في الحقيقة لا هذه و لا تلك ، فالكاتب الذي لا يتحرى الصدق في كتاباته حري به أن يضع القلم و يتنحى جانبا ، و إلا نعت بالمروق 

و التملق ، و سقط في أعين الناس ، و هذا ما لا أرضاه لأحد فكيف أرضاه لنفسي ، إن ما أنقله لك هو واقع يشهد به العدو قبل الصديق و البعيد قبل القريب .

        هذا الذي بسببه كتبت هذا المقال هو من أبناء بوذنيب ، بها ولد و فيها ترعرع ، و هو أحد الأصدقاء الخمسة الذين قضيت معهم مرحلة الطفولة حيث كان اللعب هو عربون الصداقة ، هذه الصداقة التي بدأت تتوطد في مرحلة الشباب بتهورها و مغامراتها و ممارسة هوايات مختلفة ككرة القدم و الموسيقى و السباحة و لعب الورق ، و هذه كلها زادت الارتباط وثاقا ، و استمرت تتوطد مع مرور الأيام و أصبح لها معناها الحقيقي 

و جوهرها القيمي الانساني في مرحلة الكهولة ، إذ تمتنت عراها بحيث لا يمكن انفصامها مهما كان الأمر ، و ها نحن على مشارف الشيخوخة 

و الصداقة لا تزيد إلا محبة و وفاء و تضحية .

         إنه رجل من عيار ثقيل و معدن نفيس ، يتميز بمواقفه الرجولية ، و بعزة النفس و الكبرياء ، فهو الشجاع في المواقف التي تتطلب الشجاعة 

و هو الكريم السخي إذا سئل ، و هو القنوع إذا وجد ، و الصبور إذا منع ، لا يخشى في الحق لومة لائم ، يقف بجانب أهل البلدة في الشدة أكثر من منها في الرخاء ، يقدم المساعدة ما استطاع إليها سبيلا بجهده و ماله بل أحيانا بكل ما يملك .

فهو الحاضر المعين في الجنائز و مآتمها ، في الأفراح و مآدبها ، في اللقاءات الثقافية و الفنية 

و الرياضية و أنشطتها .

أعطى الكثير من وقته و جهده في سبيل الرفع من شأن كرة القدم ببوذنيب ، فقد كان لاعبا ماهرا يهبه مدافعو الخصم و يحسبون له ألف حساب قبل أن يلاقوه على رقعة الملعب ، و في عهده اكتسبت كرة القدم البوذنيبية سمعة طيبة إقليميا و جهويا ، 

و حتى لا نكون مجحفين في حق الآخرين ، لا ننكر ما قدمه السيد عبد الحق المرابط و السيد محمد الابراهيمي و السيد لحسن كريم و السيد عبد المجيد حسناوي و السيد مولاي الطاهر المحمدي 

و غير هؤلاء من الأبطال الأشاوس الذين شرفوا الكرة البوذنيبية في عدة ملتقيات .

و لكن ما يميز صاحبنا الذي هو موضوع حديثنا ، هو تنوع مواهبه ، فإلى جانب كرة القدم فهو عازف ماهر على آلة العود ، و قد أحيى العديد من سهرات الأعراس و المناسبات الوطنية ، و الجلسات الحبية مع ثلة من المولوعين بالغناء و الموسيقى في البلدة و خارجها ، و هو الممارس للعبة الكرة الحديدية و نظرا لمهارته فقد حصل على ألقاب محليا و إقليميا و جهويا ، و هو الآن رئيس جمعية الكرة الحديدية ببوذنيب .

         لقد ذكرت لك عزيزي القارئ  كل ما أعرفه 

 عن هذا الصديق الحميم ، و لم يبق إلا أن أبوح لك باسمه و لكن أنا على يقين أنك عرفته الآن ، إنه الأخ عبد الحفيظ دحو ، فإذا كنت تعرفه حقا ، فهل توافقني الرأي فيما قلته عنه ، و إن كان كذلك ، فالكمال لله و كلنا نتصف بالنقص و لنا عيوب كثيرة و نحب من ينبهنا إليها و يشير علينا بالنصيحة لإصلاحها ، و كذلك الأمر بالنسبة لصاحبنا فعيبه الذي طالما جادلته حوله هوأنه سريع الغضب خصوصا إذا شعر بإهانة من أحد ،  فإذا بلغ منه الغضب فوق ما يطيق فقد يميل إلى العنف ، 

و الحمد لله أن هذا الأمر أصبح يتناقص مع تقدمه في السن ، و لا أظن بقي منه شيء .

         إذن هل تعلم  لماذا أكتب عن هذا الرجل 

و عن غيره من الرجال الذين بصموا تاريخ بوذنيب ، و تركوا صدى طيبا في نفوس الناس ، فقط لسببين ، أولهما هو الاعتراف لذوي الفضل بفضلهم فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، و ثانيهما و هو أن نطلع الجيل اللاحق بما أسداه الجيل السابق عساه يتخذه قدوة في نبل الأخلاق و السعي في أعمال الخير التي تعود عليه و على البلدة 

و المجتمع بالنفع ، هذا هو الهدف الأسمى من كل هذا ، و الله من وراء القصد عليم ...

    على قدر أهل العزم تأتي العزائم

                     و تأتي على قدر الكرام المكارم

    و تعظم في عين الصغير صغارها

                   و تصغر في عين العظيم العظائم


    🌒  محبكم في الله : زايد وهنا  🌘

🎸رجال بصموا تاريخ بوذنيب🎸

 🎸رجال بصموا تاريخ بوذنيب🎸


رجل نحيف الجسم طويل القامة أسمر البشرة ، زجال و مغني يعزف على آلة الماندولين (سنيترا ) ، 

ولد و ترعرع في بوذنيب ثم انتقل في مرحلة من مراحل عمره إلى الجارة الجزائر و هناك ذاع صيته ، في مجال العزف و الغناء فالتحق بالإذاعة الجهوية بوهران ، و ترأس جوق الإذاعة بها لمدة تسع سنوات ، سجل فيها مع مجموعة من المطربين أغاني كثيرة يرجع إليه الفضل في نظم البعض من أشعارها ، و هناك بوهران ازداد له ولد سنة 1949، سماه (الشريف) ، فتح هذا المولود عينيه على أب موسيقي ، فشغف شغفا شديدا بالألوان الغنائية 

و بمطربين كبار من أمثال أحمد وهبي و دحمان الحراشي و الحاج العنقى و غيرهم كثير .

 بعد ذلك رجع الأب  إلى موطنه الأصلي بوذنيب

و معه ابنه هذا الأخير الذي تأثر بوالده و تعلم منه مبادئ العزف على آلة الماندولين التي أغرم بها 

و عشقها عشقا ليس له حدود .

هنا في المغرب تابع الإبن دراسته بمدينة الدار البيضاء ، ثم سافر إلى فرنسا حيث أتم دراسته العليا ، و بجده و عزمه حصل على ثلاث إجازات من فرنسا ، في الآداب الفرنسي ، الاقتصاد ، الطبوغرافيا ودكتوراه في الموسيقى الاثنية، وهو أول عربي يحوز على هاته الدكتوراه .

و بعد مدة من الغربة في الديار الأوروبية عاد الى المغرب و قد تشرب من الموسيقى الغربية أضافها إلى معينه من الموسيقى الجزائرية و المغربية ، مما أكسبه غنى و ثراء موسيقيا قل نظيره ، حاول في بداية الأمر أن يؤسس لمجموعة سماها ( صوت اليوم ) ( soundday) و لكن شاءت الأقدار أن يلتقي بالعناصر التي أسس معها مجموعة المشاهب ، فكانت تلك بمثابة الانطلاقة الرسمية 

و المبهرة لمجموعة المشاهب برئاسة المايسترو الذي يعتبر من العازفين المهرة على آلة الماندولين على الصعيد العالمي خصوصا لما أبدع في إحداث تغييرات عليها حيث أضاف لها الوتر التاسع مجردا و أربعة مزدوجة ليكون الجواب و المجال الصوتي أوكتافين  فأصبحت تسمى الماندولوسيل ، وقد قضى في تعديلها ثمانية أشهر ، فكانت بذلك أول ابتكار في عالم الآلات الموسيقية حيث تعزف بها  الموسيقى الغربية والعربية في سائر مقاماتها ،

و بها عزف اغاني مجموعة المشاهب الأسطورية.

كما أنه عزف بها مع المجموعة الألمانية 

(ديسي دانتان) لمدة قصيرة ولكن سرعان ما أخذه الحنين إلى الوطن و إلى مجموعة المشاهب .

لعلك أخي القارئ قد عرفتهما الآن ، فالأب هو مولاي امبارك المراني و إبنه هو الشريف المراني .

أما الأب مولاي امبارك فقد جالسته مرتين ، إحداهما كانت جلسة طرب ببيت عبد الرحمن ناصيري ( الدوحو ) أواسط الثمانينات و هي المناسبة التي حاولت من خلالها التعرف على بعض الجوانب من مسيرته الفنية ، و ثانيهما في بداية التسعينات عندما استشارني و طلب رأيي في ثلاث قصائد ملحونية كان قد نظمها و احتفظ بها 

و مازلت أتذكر أن إحداها كانت عبارة عن سيرتة الذاتية و الأخرى كانت في مدح المغفور له الملك الحسن الثاني أما الثالثة فلم أعد أذكر غرضها ، 

و كنت حينها أبحث في التراث خاصة شعر الملحون فطلبت منه أن يمدني بتلك القصائد 

و بغيرها مما جادت به قريحته لأوثق لها و تبقى عندي كمرجع و دليل على شاعر من شعراء الملحون ببوذنيب ، كنت في كل مرة ألتقي به أذكره ليسلمها لي ، حتى باغته الأجل المحتوم دون أن أظفر بها

و رغم ذلك اتصلت بابنته و حفدته عسى أن يعثروا على تلك القصائد و لكن بدون جدوى حيث لم يظهر لها أثر و كأنها دفنت معه .

أما الإبن الشريف المراني ، فلم يسبق لي أن التقيت به أو رأيته رؤيا العين ، إلا مرة واحدة رأيته مباشرة على الخشبة في سهرة أحيتها مجموعة المشاهب بالرشيدية بسينما الواحة سنة 1976 

و كنت آنذاك طالبا أدرس بالرشيدية ،

تصور أخي القارئ شعور شاب مراهق يرى أمامه ابن بلدته و قد سطع نجمه و ذاع صيته في المغرب ، و لست وحدي في ذلك بل كان أكثر من نصف المتفرجين من أهل بوذنيب طلبة و موظفين قاطنين بالرشيدية ، و دون وعي منا و بصوت مرتفع كنا نهتف باسمه و نردد كلمة بوذنيب على مسمعه ، فإذا به يعزف على الآلة تقاسيم حزينة 

و الدموع تنهمر من عينيه ، فكانت سهرة بوذنيبية بكل المقاييس تركت أثرا لا ينسى في نفوس  الحاضرين .

       في سنة 2004 لبى مولاي الشريف المراني داعي ربه و التحق بالرفيق الأعلى ، فرحمة الله عليه و على والده و والدينا و جميع أموات المسلمين ، و تكريما لروح الشريف المراني قمت أنا العبد الضعيف شخصيا بتنظيم لقاء تواصلي مع مجموعة المشاهب ببوذنيب تم فيه تأبين المرحوم حضره أعضاء من عائلته و على رأسهم أخته المرحومة لالة هشوم ، و بتلك المناسبة قدمت المجموعة سهرة عمومية بساحة 3 مارس ، 

و شاءت الأقدار سنة 2019 أن أشارك في حلقة من حلقات راديو بلوس بمراكش التي يقدمها الإذاعي المتميز السيد أحمد رمزي و كان موضوعها حول الشريف المراني رحمه الله ، فتحدثت بما فيه الكفاية و لكن مهما قلنا لن نوفيه حقه و لكن نسأل الله عز وجل أن يوفيه الأجر و الثواب .

ختاما رحم الله الإمام الشافعي إذ يقول :

         قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

                   وعاش قوم وهم في الناس أموات


             💼   العبد الضعيف  زايد وهنا  💼

ملاحظة وجيهة ، ترى هل الرد مقنع ؟

 ⏺ملاحظة وجيهة ، ترى هل الرد مقنع ؟⏺


اتصل بي أحد الأصدقاء المقربين ، و أبدى إعجابه بالمقالات التي أكتب سيما منها هذه الأخيرة التي تناولت فيها الحديث عن شخصيات بصمت تاريخ بوذنيب و تركت أثرها في نفوس من عاصرها ، 

و شجعني على الاستمرار بالنبش في ذاكرة بوذنيب ، لما في ذلك من اعتراف لذوي الفضل في أي مجال من المجالات و هو في الوقت نفسه توثيق قد تستفيد منه الأجيال اللاحقة .

 و قد نبهني صديقي أثناء حواره معي إلى ملاحظة ذات أهمية ، إذ اقترح علي أن أجعل بين المقال 

و المقال حيزا زمنيا قد يصل إلى أسبوعين ، 

استحسنت اقتراحه الصائب و شكرته على اهتمامه ، غير أن لي رأي آخر في الموضوع أتمنى أن يتفهمه القراء و يعذرونني .

        بوذنيب هذه البلدة التي تسكنني قبل أن أسكنها ، فيها كانت أول صرختي ، استنشقت هواءها و شربت ماءها و طعمت من ثمارها و عفرت جسمي بترابها لعبا ، فيها تلقيت مبادئ القراءة 

و الكتابة على يد أساتذة أجلاء منهم من قضى نحبه ( عليهم رحمة الله ) و قليل منهم من ينتظر ( أطال الله عمرهم ) ، و منذ ذلك الحين وقر في نفسي حبها و حاولت أن أرد لها بعضا من جميلها علي ، فاخترتها دون مدن المغرب لأدرس بها ، 

و الله يشهد مدى المجهود الذي بذلته في تربية 

و تعليم ناشئتها لمدة أربع و ثلاثين سنة ، و لم اكتف بذلك بل حاولت جاهدا و لا فخر  أن أرفع من شأنها في المسابقات الثقافية و الأنشطة الفكرية 

و الفنية من ندوات و محاضرات و تنشيط في المهرجانات و العمل مع الجمعيات الجادة في كل أنشطتها خلال أربع و ثلاثين سنة ، و لا أظن أن أحدا من أبناء بلدتي ينكر ذلك .

نعم انتقلت من بوذنيب و غادرتها جسدا لا روحا لأكون بجانب بناتي اللواتي يعملن و يدرسن بمراكش ، و لكن حب بوذنيب و أهله هو الدم الذي يفور في عروقي ، و رغم البعد و كبر السن 

و مشاغل الحياة لم تطاوعني نفسي أن أدير ظهري 

لأرض عشقتها و لأحبة تركوا انطباعات و ذكريات جميلة في نفوسنا ، فلم أجد غير القلم أدون به ما يجول في الخاطر أو الحديث عن بوذنيب عبر جلسات إذاعية متى سمحت الظروف بذلك .

مؤخرا قررت أن أنبش في ذاكرة بوذنيب و أعيد الاعتبار لبعض الشخصيات التي وضعت بصمتها في أحد المجالات الحياتية ، و حتى لا أقصي أحدا من هذا المشروع الذي بدأته منذ مدة قصيرة ، فقد ارتأيت أن أنشر مقالا و أتبعه بآخر مادام في الجسد شهيق و زفير ، قبل أن يدركني الموت و أنا لم أتمم مشروعي هذا لأن الأعمار بيد الله و هو القائل سبحانه و تعالى " لا تأتيكم إلا بغتة " سورة الأعراف الآية 187.

لهذا عزيزي القارئ أتسرع في نشر هذه المقالات تباعا حتى أوفي الكل حقه ما دام في العمر بقية .

ترى هل اقتنعت برأيي ؟


                 💼  ابنكم البار  زايد وهنا  💼

🎸ليلة الحناء🎸

 🎻   ليلة الحناء  🎻


        ليس من المقبول بالقصر الكبير ببوذنيب أن يمر حفل زفاف أو ختان من غير أن تقام طقوس الحناء للعريس أو المختون ، و العجيب في الأمر أنه جرت العادة عندهم منذ زمن بعيد أن هذه الطقوس لا يتولاها إلا نفس الرجل في كل المناسبات ، حتى أضحت من اختصاصه هو دون غيره .

        رجل بدين قصير القامة طلق المحيا ، سريع البديهة ، لا يرتدي من اللباس إلا ما كان لونه أبيضا ،

إذا لقيته في الطريق حياك قبل أن تحييه 

و إذا مدحته رأيت الدموع في عينيه و إذا مددته بشيء شكرك قبل أن تشكره ولسانه لا يكاد  يفتر عن الثناء و الدعاء .

لعلك الآن عرفت هذا الرجل ، إنه هاشمي مولاي علي رحمة الله عليه ، فقد كان قيد حياته هو من يخضب يدي و رجلي العريس إذ كان يتقن ذلك ببراعة مشهود له بها ، و مما يزيد من إصرار الناس على تكليفه بذلك هو الإعتقاد السائد  أنه الشريف الذي إذا وضع يده في أمر ما يسره الله و جعل فيه الخير و البركة سيما و أن مشروع الزواج أمر ذو أهمية في حياة الناس و لا أحد يريده أن يبور  .

         أثناء إقامة مراسم الحناء يتقدم رحمه الله 

و يجلس أمام العريس و حوله ثلة من أهالي القرية الذين يحفظون ما تيسر من القرآن الكريم ، فيستفتحون المجلس بآيات بينات من الذكر الحكيم ثم يرددون بعض الأذكار و الأمداح من قبيل البردة و أسماء الله الحسنى ، كل هذا 

و صاحبنا منهمك في تخضيب يدي و رجلي العريس و لسانه يلهج بالدعاء للعروسين بالمودة 

و السكينة و الرفاء و البنين ، حتى إذا أنهى طقوسه المعتادة ، يرتمي العريس على رأسه تقبيلا فيرد له القبل مشفوعة بالدعاء ، كان هذا دأبه في كل حفل زفاف أو ختان طيلة عقود من الزمن إلى أن التحق بالرفيق الأعلى ، نسأل الله جل في علاه أن يتغمده برحمته و يجعل له ذلك في ميزان حسناته .

        بعد انتهاء مراسم الحناء ، يفسح المجال للطرب و الغناء و هنا يأتي دور رجل آخر لا يقل أهمية عن سابقه ، مطرب عصامي خجول من أبناء القرية ، رجل بشوش مضياف قنوع  ، محب للفن 

و أهله ،عازف على آلة العود ، تأثر منذ شبابه بالموسيقى الكلاسيكية المصرية و المغربية 

و انتقى من فن الملحون قصائد المصليات 

و المداحيات التي كان يستهل بها الحفل جريا على عادة أهل منطقتنا ، و هذا التنوع في الأنماط الغنائية جعل الناس يقبلون على الاستماع 

و الاستمتاع .

 لا بد و أنك عرفته الآن ، إنه مولاي عبد الرحمن العمري المعروف في الأوساط البوذنيبية 

ب( بابا حو ) ، و يا ما تحملنا مشاق الطريق للسهر معه و الاستمتاع بروائعه ، و لا أخفيكم سرا أنني كنت في شبابي أشعر بسعادة غامرة و هو يؤدي ( عليك صلاة الله و سلام ) لاسمهان أو (أنا من أنا) لعلية التونسية أو موشحات صباح فخري ) 

و أنتشي بذلك حتى أصل إلى قمة تقترن فيها العظمة بالسعادة .

         كانت هذه العادات و التقاليد تسري في قصر بوذنيب كما في غيره من القرى و لكن طالها الاهمال تدريجيا حتى كادت تندثر  مع نهاية القرن الماضي ، فما أن أطل علينا هذا القرن بمستجداته التكنولوجية و الرقمية حتى انساق شبابنا وراء هذه المدنية المتدفقة بخيرها و شرها ، فانحلت القيم و ساد العبث و لم يعد الإقبال على الفنون الراقية ، فأهمل الشعر و النثر و الغناء الهادف ، 

و أصبح شبابنا يعيش فراغا روحيا و وجدانيا 

و صار عبدا للتكنولوجيا ، مدمنا على الآلة ، مستغلا إياها في الجوانب السلبية ، فأكسبه ذلك خبرة مزيفة في عالم افتراضي و لم يكسبه ثقافة 

و تذوقا .  

رحم الله مولاي علي هاشمي و والدينا و أموات  المسلمين جميعا و أطال في عمر الأحياء ممن عاصروا ذلك الزمن الزاهي على بساطته و امتد بهم العمر الى زمن تردى فيه كل جميل ، فطفا الغثاء 

و العفن على السطح و غار الفن الهادف في القعر ، فأصبحنا نشعر بالغربة بين أبنائنا و حفدتنا ، و كأن لسان الحال يقول :

 "  لقد خلقتم لزمن غير هذا ، و ما يجدي التأسف على ماض أسعدكم و التأفف من حاضر أشقاكم "


              📚  الغريب في زمانه :  زايد وهنا  📚

و لله في خلقه شؤون

 🌞 و لله في خلقه شؤون 🌞


       عرفناه منذ الصغر ، كان رحمة الله عليه رجلا كفيفا من غير عكاز و لا دليل مرشد ، يقضي مآربه لنفسه ككل المبصرين ، ما ثبت عنه يوما أن داس على بضاعة أحد أو خر ساقطا من جراء تعثر ،

كان يمشي كالمبصر معتمدا على حاسة السمع عند عبور الشوارع و الأزقة ، و العجيب في الأمر أنه كان يقطن في أحد الدواوير التي تبعد عن المدينة بنحو ثلاثة أميال ( الطاوس ) ، فيقطع تلك المسافة مشيا على الأقدام عبر طرق ضيقة ملتوية وسط الحقول و المزارع دون أن يضل في تلك المسالك أو يصاب بأدى ، يعرف الناس من خلال أصواتهم 

و يناديهم بأسمائهم كلما صادفه أحد و ألقى إليه التحية .

       هذا ما نعرفه عنه و هو أمر يثير استغرابنا 

و لكن عندما يحدثك عنه أهالي الدوار الذي يسكنه تزيد غرابة حتى أنك لا تكاد تصدق ما يقال ، 

إذ هناك أشياء يقوم بها هذا الكفيف لا يستطيع المبصر الإتيان بها ، و لولا إجماع أهل الدوار على مواهبه و مرافقتهم له في مغامراته لحسبنا ذلك ضربا من الخيال و الغلو في حقه .

       سأحدثك عن بعض الأمور الغريبة فلا تشح بوجهك عنها و تعتبرها من الخرافات فأنا مثلك لا أستسيغ إلا ما أراه منطقيا ، و لكن هي الحقيقة بعينها مدعمة بالأدلة التي وقف عليها أكثر من شخص و شهدوا لها بالصحة .

       لا تستغرب إذا قلت لك أن مهنة صاحبنا هذا هي حفر الأبار ، و أهل المنطقة جميعا يعرفون ذلك ، فيستأجرونه لحفر آبارهم ، و الأغرب من ذلك هو إتقانه لهذه التقنية بحيث يتعمق في الحفر  مستخدما مرفقيه فترى البئر كأنه أنبوب مستقيم

لا اعوجاج فيه حتى صار مضرب المثل عند الأهالي.

       لا تتعجب إذا قلت لك أن هذا الرجل الأعمى يعرف خبايا حمادة كير ( guir ) على شساعتها 

و ترامي أطرافها و قد جرت العادة عند أهالي حوض كير أنهم يزرعونها إذا استبشروا بموسم ممطر ، فكم من مجموعة مزارعين كان هو دليلهم 

و مرشدهم في ذلك الخلاء لاختيار البقعة الأكثر خصوبة .

       لا تستغرب إذا قلت لك أنه يذهب زوالا بعيدا عن قريته و ينصب الفخاخ للأرانب و الثعالب ، ثم يعود الى القرية و في الصباح يذهب ثانية ليتفقد الفخاخ ، و كم مرة رأيناه يبيع في السوق أرنبا 

أو ثعلبا .

       لا تندهش إذا قلت لك أنه يتسلق أشجار النخيل الباسقة المستعصية على المبصرين فيلقحها أو يجني ثمارها .

        و من طرائف ما سمعت عنه ، و تحققت من صدقه ما حكاه لي أحد رجال قريته أنه مرة  دعاهم أحد البدو الرحل الى مأدبة غذاء ، و كان صاحب الوليمة هذا يسكن خيمة في مكان بعيد ، و ما دام الكفيف من جملة الخمسة عناصر المدعوين ، فقد كان هو مرشدهم إلى مكان الخيمة ، و أضاف الراوي أنه خلال الطريق كان من حين لآخر يمسك التراب بيده و كأنه يتفحصه و يستأنف السير ، 

و في لحظة توقف و أمر مرافقيه بالتوقف ، ثم سألهم إن كانوا قريبين من صخرة كبيرة أو شجيرة شوكية ، فأجابوه أن هناك شجيرة على بعد مترين من طريقهم ، فأمرهم بالانتباه و أخذ الحيطة فربما هناك أفعى تستظل بظلها فقد سمع فحيحا في ذلك الاتجاه ، و فعلا وجدوا أفعى ملتوية على نفسها بجدع الشجيرة و قتلوها ، فتعجبوا جميعا كيف سمع هو فحيحها و لم يسمعوه هم .

       نعم هكذا يحكي عنه أهل قريته الكثير من المواقف و الأمور التي يستعصى على المبصرين الإتيان بمثلها .

     أما أنا فقد كنت أصادفه أحيانا و أنا في طريقي إلى العمل ، لأنها نفس الطريق التي يمر منها إذا كان متوجها نحو المدينة أو عائدا منها ، فأنظر إليه 

و هو يمشي لعلني ألاحظ تعثرا أو خروجا عن المسار و لكن في الحقيقة لا شيء من ذلك ، و قد حدث مرة أن ارتطمت رجله بقطعة قماش مهترئة ، فانحنى عليها و أخذها بين يديه و شرع يتفحصها وأنا أراقبه من بعيد ، فإذا هي قميص ( قمجة ) فأخذ يزيل أزرارها واحدا تلوى الآخر و وضع الأزرار في جيبه ، و ألقى بالخرقة بعيدا عن الطريق ثم واصل سيره .

    هذه بعض الشطحات من سيرة رجل و إن ابتلاه الله في بصره فقد عوضه  بصيرة القلب و أمده بقدرات و مهارات ، قلما تجدها عند المبصرين .

لعلك أخي القارئ عرفت من أقصد بكلامي ، و إن كنت تريد أن تعرف اسمه فقد كان الجميع يناديه بالإسم الذي اشتهر به ، فإن استطعت أن تفك لغز هذه الأعداد ستعرف أنت كذلك اسمه :

    ( سبع أعشار  زيد اربعين و ستة تقول واو )

       تغمده الله برحمته الواسعة و أثابه خيرا في الدار الآخرة و جعل له نورا يمشي به إلى الجنة .

     ختاما إذا ساورك الشك فيما قرأته ، فتذكر قول الله سبحانه و تعالى :

   "...أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور ..."

ِ                                        سورة الحج الآية 46.

    

              🕯 رجل في ذاكرة زايد وهنا 🕯

الفقيه القدوة

 ◾ الفقيه القدوة ◾


      الفقيه ، هكذا كان الناس في دوار ( آيت عشة ) يذكرونه في غيابه إذا استوجب الحديث ذكره ، أما في حضوره فهم ينادونه سيدي العماري .

هو إمام المسجد و معلم الأطفال في الكتاب .

رجل طويل القامة تعتلي وجهه مسحة من السمرة ،

لا يلبس من الثياب إلا أبيضه و أنظفه ، له هيبة 

و وقار عند الجميع ، لا يجرأ أحد على المزاح 

أو الهزل في حضرته احتراما له و لمكانته .

     كان أول عهدي به و أنا طفل صغير ، حين كان أبي يصحبني معه إلى ( بني وزيم ) في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف حيث يخرج أهالي القرية عن بكرة أبيهم صباح المولد لترديد الأذكار 

و الأمداح ، و جرت العادة في كل مناسبة أن نتناول فطور الصباح ببيت سيدي العماري إذ كان والدي من أعز أصدقائه رحمة الله عليهما .

فبالرغم من صغري سني كنت أتتبع تصرفات

و سلوكات سيدي العماري لأثبت و أتأكد من كلام أبي الذي طالما كان يحدثنا عن مكارم أخلاقه 

و رجاحة عقله و بليغ حكمته ، حتى صرت في ذلك السن أراه أعظم الناس في عيني و أجلهم قدرا في نفسي .

       كبرت و كبر معي ذلك التقدير و التعظيم لهذا الفقيه ، فقد كان حقا رجلا حكيما اجتمع فيه ما تفرق في غيره ، و لو أردت تعداد مناقبه لأسهبت في المقال و لن يصدقني إلا من عرفوه من أبناء (بني وزيم) و الدواوير المجاورة ، و لكن سأجملها في أربع خصال هي رأس الفضائل التي يتمنى كل مسلم أن يتحلى بها ، و هي صعبة المنال إلا من يسرها الله له ، و جاهد النفس عليها .

      الصبر واحدة من هذه الخصال و أعلاها درجة ، 

و هي أكثر الفضائل ذكرا في القرآن الكريم ، و لعل سيدي العماري أدرك منزلتها و ثوابها فتحلى بها ، 

و قد تعرض في حياته لمواقف كثيرة أبان فيها عن صبره و إيثاره ، و لو كلفه ذلك تعطيل أشغاله هو 

أو خسارة مادية قد تلحقه ، و لا يمكن بحال من الأحوال أن يردها في وجه سائلها .

       الحياء شعبة من الإيمان و رأس الدين كله ، 

و هذه الخصلة متجدرة في صاحبنا ، حتى أنه كان رحمة الله عليه يتجنب أن يرى أحدهم يرتكب ذنبا لئلا يزول الاحترام بينهما ، فقد كان له بستان به أشجار مثمرة تغري اللصوص باقتحامه و أكل غلته ، 

فكان هو كلما اقترب من بستانه أحدث صوتا كأن يسعل أو يذكر الله حتى يتنبه اللص و يهرب دون أن يرى أحدهما الآخر لئلا يسقط الاحترام و الحياء بينهما .

        أما الكرم فحدث و لا حرج ، كان حاتم 

ايت عشة ، لا يبخل بشيء من حيلته و قوته و ما ملكت يده  للداني و القاصي ، و العجيب في أمر هذا الرجل أنه رغم أجره الزهيد جدا ، لا يشكو ضيقا في الرزق ، و لا ضنكا في العيش ، إذا دخلت بيته و أطعمت من طعامه ظننته من أثرياء القرية .

         الجميع يتحدث عن حكمته في التعامل مع المواقف ، و كيف يعالجها بطرق سلسة و بأسلوب حضاري لا يترك أثرا سلبيا في نفوس الناس و لا يجعلهم سخرية أمام بعضهم ، ما ثبت عنه يوما أن نادى أحدا باسمه مجردا سواء كان صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، بل يدعو هم بسيدي فلان و يدعوهن بلالة فلانة ، و من طرائف حكمه على سبيل المثال لا الحصر ، أنه كان ذات مرة جالسا مع ثلة من رجال القرية بباب القصر ( فم القصر ) يتجاذبون أطراف الحديث ، فإذا به يسمع صوت زوجته ينبعث من داخل الزقاق حيث يجتمع النساء للترويح عن أنفسهن ، و مادام هو الفقيه الواعظ فلا يليق أن يبلغ صوت زوجته إلى مسامع الرجال ، فما كان منه إلا أن نادى على أحد الأطفال و طلب منه أن يذهب إلى زوجته ( باحة قسود )  و يقول لها إن الفقيه يطلب منك أن تعطيه الكلابة ( الأداة التي بها تقتلع الأضراس ) ، فلما أبلغها الطفل بالأمر ، و كانت هي كذلك على جانب من الفطنة و الذكاء اكتسبتها من حسن معاشرته ، أجابته بأنه لا يريد الكلابة و إنما يقصد بذلك أن أخفض صوتي ، و كأنه يقول لي :

  " الله يعطيك الضروس "

        لعل ما ذكرته لك أخي القارئ هو غيض من فيض ، إذ لا يسع المقال لذكر كل الأشياء ، و كما سبق و أشرت أنه كانت تجمعه بوالدي رحمة الله عليهما صداقة متينة ، أسأل الله جلت قدرته أن يجمعهما في مستقر رحمته ، صداقة مبنية على الحب في الله ، و الحمد لله أننا ورثناها عنهما ، فهي نفس الصداقة التي تجمعني بابنه عبد الرحمن الطالبي هذا الأخير الذي أخذ عن أبيه خصلة الصبر و صفاء السريرة ، فجعلت منه شخصا محبوبا طيب المعاشرة ، و هي نفسها الصداقة التي ستستمر بين أبنائنا و قد ظهرت بوادرها جالية بين ابنتينا 

(  دنيا و خولة ) .

          ختاما أخي القارئ عليك بهذه الخصال إن أطقت و إن لم تطق فأخذ القليل خير من ترك الجميع ، و احرص على أن تحب في الله ، فما كان لله دام و اتصل و ما كان لغير الله انقطع و انفصل .


        🕋    فقيه في ذاكرة   زايد وهنا   🕋

🔍ما رأيك ؟🔍

 🔍 ما رأيك ؟ 🔍


لا أحد يجادل في أهمية الرياضة و فوائدها الجمة على جسم الانسان و عقله ، و هي و إن اختلفت أنواعها و قوانينها تبقى في أغلبها مفيدة لكل ممارس دؤوب ، غير أن أحد أنواعها يستفرد بالأولوية و الريادة ألا و هي السباحة ، فإن كان الناس يعتبرونها رياضة فأنا أعتبرها مهارة قبل أن تكون رياضة ، إذ ينبغي أن يتعلمها الانسان و يتقنها منذ صغره كأولى الأولويات و بعدها يمارس ما يشاء من الرياضات ، لماذا الإصرار على إتقان هذا النوع من المهارة دون غيرها ؟ . الجواب و بكل بساطة هو أن تعلم السباحة في سن مبكرة ضروري لأطفالنا و شبابنا لأن هذه الفئة العمرية تهوى السباحة في المسابح و الأنهار و البحيرات 

و البحار ، و كثيرا ما نسمع عن حوادث الغرق التي يذهب ضحيتها شباب و أطفال في مقتبل العمر لأنهم استسهلوا الأمر  بفعل الغيرة و الحماس يلقون بأنفسهم في الماء ظنا منهم أن الأمر بسيط لا يتطلب مهارات و هنا تقع الفاجعة ، و ما أكثر الفواجع في فصل الصيف .

 و من غير السباحة قد يتعرض الإنسان في حياته لمواقف يجد نفسه ملزما بإتقان السباحة لينقذ نفسه و غيره حسب الظروف ، كفيضانات الأنهار المباغتة ، أو تعثر سيارة وسط المياه أو سقوط مفاجئ في بركة ماء أو غيرها مما يخفيه القدر ، إذن ألا ترون بأن السباحة مهارة يجب إتقانها من الصغر حتى نطمئن على فلذات أكبادنا أثناء رحلاتهم نحو البحار و الأودية .

كثيرة هي الدول تهتم بهذه الرياضة فتعلم تلامذتها منذ صغرهم مهارات العوم و الغطس ، و لعل هذه الرياضة أكثر جاذبية للأطفال و أكثر متعة من سواها بالنسبة إلى سنهم . لهذا أقول من وجهة نظري المتواضعة لكل أب أن يلتزم بتعليم ابنه السباحة قبل أي رياضة أخرى ، فهي تجمع المحاسن كلها رياضة و مهارة و استحمام و تنشيط للعقل و البدن و أنها ستلازمه طيلة حياته فتكون له المنقذ إذا ما اعترضه خطب ما .

       إذا كانت للسباحة كرياضة و مهارة هذه الأهمية و الأولوية ، فإن هناك رياضات على عكس ذلك أعتبرها في نظري همجية  لا تبث إلى الحضارة الإنسانية بصلة ، كالملاكمة و الكيك بوكسين و غيرها من الألعاب العنيفة التي تؤدي إلى الإعاقة المستدامة أو الموت أحيانا ، كما أن لها آثار سلبية على الناشئة ، فالهدف الأسمى من أي نوع من أنواع الرياضات هو تقوية الجسم و تنشيط العقل و زرع روح المنافسة البريئة و قيم التسامح و التعاون دون إلحاق أي ضرر بالإنسان .

هذه وجهة نظر متواضعة قد أكون صائبا و قد أكون مخطئا ، فما أصبت فيه فخذه عني و اعمل به و ما أخطأت فيه فقومه ، فلست معصوما من الخطإ و الكمال لله .


                     💼  بقلم الأستاذ  :  زايد وهنا  💼

💼 هل من متعظ 💼

 💼   هل من متعظ  💼


    لعل الدافع الأساس لكتابة هذه السطور هو غيرتي على وطني و حبي لأهله ، و إيماني الراسخ بأن سعادتي رهينة بسعادة الناس جميعا ، كما أن مستقبل أبنائنا و الأجيال اللاحقة عموما أسسه 

و دعائمه بين أيدينا ، فإن أتقنا بناءها فلا خوف مما سيقوم عليها من بنيان ، و هذا هو أملنا ،

 و الله من وراء القصد عليم .

       كنت أظن أن جائحة كورونا التي ابتلينا بها ستكون لنا أكبر واعظ ، و كنت أعتقد أن كثيرا من الأمور سيتم إعادة النظر فيها بالتقويم و التغيير إلى الأحسن ، و لكن بعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر ، اتضح أن لا شيء قد تغير و أننا لم نستوعب الدرس ، و أننا في طريقنا -- لا قدر الله --

نحو مآسي لا تحمد عقباها .


سبعة أشهر من المعاناة النفسية و المادية و ضعف البنيات التحتية ، و غيرها من المعضلات 

و ما زال ( ت ) :

  ⏺  الإعلام يبث التفاهة عبر قنواتنا التلفزية .

  ⏺  تبذير المال العام بخلق مناصب برواتب خيالية في هيئات ليست بالضرورية في الوقت الراهن كهيأة ضبط الكهرباء ...

  ⏺  قاطرة التعليم معطوبة قبل كورونا و توقفت أثناء كورونا و ليست هناك استراتيجية واضحة المعالم لاصلاح أعطابها .

  ⏺  جل المستشفيات تعاني نقصا كبيرا في التجهيزات و الأطر الطبية .

⏺  الارتجالية في اتخاذ القرارات ( أيام عيد الأضحى نموذجا ) .

  ⏺  نسبة البطالة في تزايد مستمر ، تتزايد معها نسبة الاجرام و الانتحار .

  ⏺  الطاقات الفكرية ذات الكفاءة العالية مهمشة 

و لا يؤخذ برأيها في تدبير الشأن العام .

  ⏺  إنفاق الأموال الطائلة على الأضرحة و الزوايا 

و المواسم و التي لا يجني المجتمع من ورائها إلا الجهل و التخلف .

  ⏺  تبذير المال العام ( الراتب الخيالي لمدرب كرة قدم أجنبي نموذجا ) .

  ⏺  المصاريف الخيالية تنفق يوميا على السيارات المخزنية على كثرتها في كل القطاعات 

و التي تستعمل غالبا لأغراض شخصية ، باستثناء الأمن و الصحة .

  ⏺  المجانين و الحمقى يجوبون الشوارع 

و الأزقة ، و لا من يهتم لأمرهم .

  ⏺  الكلاب الضالة في كل الاحياء ، تتنقل بين القمامات ، تنهش المارة و تنقل الأمراض .

  ⏺  فواتير الماء و الكهرباء و الاتصالات باهضة السعر ، و خدمات رديئة خصوصا في قطاع الاتصالات .

  ⏺  المساطر معقدة أمام المواطن للحصول على بعض الوثائق الإدارية أو القيام باستثمار يعود بالنفع على المجتمع .

  ⏺  المواطن يعيش في خوف من المشرملين الذين يعترضون المارة بأسلحتهم البيضاء .

  ⏺  الفوضى و عدم الانضباط يسود المؤسسات التعليمية باسم الحرية وحقوق الانسان .


 و غير هذا كثير مما يحز في نفس كل مواطن غيور ، يهفو لأن يرى وطنه في مصاف الدول المتقدمة ، و الحقيقة أن هذه الجائحة جاءت لتدق ناقوس الخطر عسانا نستيقظ من سباتنا ، 

و نضع قاطرة مجتمعنا على سكتها الصحيحة ، 

و لن يتأتى لنا ذلك إلا ب :

  🔹  نكران الذات و مجاهدة النفس الأمارة بالطمع ...

  🔹 الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية ذات الأولوية و على رأسها التعليم و الصحة ...

  🔹  ترشيد المال العام ، ففي ترشيده الاستغناء عن الاقتراض الدولي ...

  🔹  استئصال الفساد من جميع القطاعات ...

  🔹  حب الخير لجميع الناس بتوفير فرص الشغل بأجر يضمن العيش الكريم ...

 🔹  تقليص البون الشاسع بين الرواتب و الأجور...

 🔹  السعي في طلب العلم بجد و حزم مع تشجيع البحث العلمي ...

 🔹  تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن ، حضريون 

و قرويون ، أغنياؤهم و فقراؤهم ...

 🔹  فسح المجال أمام الخبرات و الكفاءات 

و المواهب النافعة و القطع مع التفاهة و التافهين...

 🔹  الضرب بيد من حديد على كل من يهدد أمن المواطنين ، و إلحاق أقصى العقوبات به دون رأفة.

 🔹  إرجاع الهيبة للمؤسسات التعليمية بالانضباط و الاحترام ، و التعامل وفق المفهوم السليم 

و الصحيح لحقوق الإنسان ...

         و باختصار شديد عقد النية و العزم على الاصلاح عموما ، هذا إذا كنا فعلا ننوي الإصلاح ، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، فلن يزيد إلا سوء قد ينذر بكارثة تأتي على الأخضر و اليابس حينها  يصدق فينا قول الشاعر بدر شاكر السياب :

   "فلا ذكرتنا بغير السباب أو اللعن أجيالنا الآتية"


       💼  الغيور الحالم  :    زايد وهنا  💼

👍شيخ علمته الحياة فعلمني👍

 👍 شيخ علمته الحياة فعلمني 👍


منذ عشر سنوات خلت ، و كان يوم عيد فطر ، وفي طريق عودتي من زيارة الوالدين في قبريهما 

و الدعاء لهما بالرحمة و المغفرة .

 في ذلك اليوم الأغر المبارك ، مررت صدفة برجل عجوز ، كان جالسا على كرسي أمام بيته ، و قبل أن أصل إليه ببضع خطوات نظرت إليه ، فإذا هو شيخ تقدمت به السن الى ما ينيف عن الثمانين ، و قد كسا الشيب لحيته و حاجبيه ، أضفى عليه مسحة من الهيبة و الوقار ، بيده اليمنى سبحة و باليسرى يمسك عكازه ، توجهت نحوه و بادرته بالسلام ثم مسكت يده اليمنى و قبلتها مهنئا إياه بالعيد 

و متمنيا له الصحة و العافية و طول العمر ، أعجب بتصرفي هذا ، فما كان منه إلا أن دعاني للجلوس قربه و قد بدت على محياه علامات السرور 

و الانشراح ، و طفق يدعو لي بكل خير --أسأل الله أن يتقبله منه -- ، و قال :

 " أنا جالس هنا يا ولدي لأزيد من ساعة ، و قد مر أمامي أناس كثيرون ، بعضهم يلقي تحية السلام من بعيد فأردها ، و بعضهم حرمه الله ثوابها فيمر دون أن يكلف نفسه عناء إلقائها خصوصا لشيخ هرم ، و لكنك أنت لم تكتف بإفشاء السلام بل جئت و قبلت يدي و هنأتني بالعيد و عاملتني معاملة الأبناء للأباء رغم أنك لا تعرفني و لا أعرفك ، لهذا ليس عندي ما أكافئك به على حسن صنيعك إلا نصيحة من أربع كلمات هي مفاتيح سعادتك في الدنيا و مطيتك إلى الجنة في الآخرة ، فخذها عني و اعمل بها .

    ⏺أولها التواضع :

 فهو تاج المروءة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الكبر و أشمله البلاء ، و حط قدره في أعين الناس .

كن كالماء ينساب على الأرض تواضعا و هو رفيع ، 

ولا تكن كالدخان يعلو في السماء تجبرا وهو

وضيع .

    ⏺ثانيها القناعة :

فهي كنز لا يفنى ، لا تركض وراء الدنيا ركض الوحيش في البرية فمهما فعلت فلن تدرك منها إلا ما كتبه الله لك ، فلا تنظر الى من هو فوقك فتشقى بل انظر الى من هو دونك فتسعد ، و اعلم أن ابن آدم لا يملأ جوفه إلا التراب .

    ⏺ثالثها العلم :

 فهو فريضة على كل مسلم ، اطلبه ما دمت قادرا ، فإن تعلمه حسنة و طلبه عبادة و بذله لأهله قربة ،

هو الصاحب في الغربة و المؤنس في الوحشة ، يرفع الله به قدر الانسان بين الناس .

   ⏺رابعها الصحبة :

صحبة الأخيار مركب النجاة ، لا تصحب إلا خيار القوم ممن يصدقك القول و الفعل و من ترجو عنده النصيحة لكما جميعا ، المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .

إذن عليك بهذه المفاتيح الأربعة ، ضعها نصب عينيك و لا تضيع النظر فيها ، فإنني يا ولدي بلغت من الكبر عتيا و تجرعت من الدنيا حلوها و مرها ، فلم أرى أفضل و لا أبلغ منها " .

ما أن أنهى كلامه حتى وقفت و قبلت رأسه ، 

و شكرته على نصيحته ، مطمئنا إياه بحفظها 

و العمل بها ، ودعته و انصرفت إلى حال سبيلي 

و أنا أقول في نفسي :

" هذه الباكورة الأولى جنيتها من حسن الخلق ، فلولا تواضعي الذي ساقني إليه ، ما كنت قد حصلت منه على هذه النصيحة الغالية " .


           👍 حدث مرة بالصدفة لزايد وهنا 👍

🌴تمور و أشواك🌴

 🌴 تمور و أشواك 🌴


النخيل من الأشجار المباركة المذكورة في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، تنتج تمورا مختلفة أنواعها  حجما و شكلا و لونا و مذاقا ، قد تفوق ست مائة نوع .و هي فاكهة لذيذة غنية بالكثير من العناصر المعدنية و الفيتامينات مما يجعلها تتربع على عرش الفواكه ، و لا تنازعها في قيمتها الغذائية أي فاكهة أخرى ، أكلها إذا انفردت بنفسها مقوي لذيذ ، لا يقل لذة إذا شفعت بغيرها من لبن و نحوه ، كما أن عصيرها مفيد و حلوياتها مرغوبة ، و هي الفاكهة الوحيدة التي تخزن لوقت طويل دون أن يلحقها تلف إلا إذا كانت رطبا ، و الرطب هي صنف من التمور تنضج قبل الإبان المعروف الذي هو بداية الخريف و هذا الصنف ينبغي تناوله  في أقل من أسبوع على جنيه و إلا لحقه التلف ، و هو أغنى التمور من حيث القيمة الغذائية ، و لعل قصة مريم العذراء و أكلها للرطب عند ولادة عيسى عليه السلام أبلغ دليل على منفعتها .

للنخيل منافع أخرى غير ثماره ، فخشبه يستعمله القرويون في تسقيف بيوتهم و سعفه مطلوب في بعض الصناعات التقليدية كالحصائر و الأطباق و غيرها .

شجرة النخيل هي الشجرة الأكثر علوا و شموخا في بيئتها ، تنمو في المناطق الحارة الجافة ،  لأنها تتحمل العطش خصوصا عندما تغور جذورها في التربة ، لذلك ينتشر النخيل في الواحات على طول الشريط الجنوبي للمغرب ، حيث التربة و المناخ  الملائمين لنموه و إثماره .

كل هذه المنافع التي يجود بها النخيل لا تجنى بسهولة كما يظن من لا خبرة له به ، فأشواكه من أعتى الأشواك صلابة و ألما ، فلا يمكن أن يمر موسم تلقيحه أو جنيه دون إصابات تكاد تكون مميتة أحيانا ، فإذا نجا صاحبه من السقوط ، فقد

لا ينجو من لسعات أشواكه المؤلمة .

هذه المعلومات التي ذكرناها ليست بالشيء الغريب ، إذ أن جل الناس يعرفونها ، و لكن الشيء الأكثر غرابة و الذي لا يعرفه إلا قلة منهم ، هو التشابه العجيب بين النخيل في عطائه و أهله في طباعهم ، و هو الأمر الذي لا يلحظه إلا ذو رؤية نافذة و فكر حصيف سبق له أن عاش في تلك الواحات أو أكثر من زيارتها و مخالطة أهلها .

فإذا كان النخيل يجود بكرم خيراته ، فإن الكرم مؤصل في أهله حتى صار مضرب المثل في كل البقاع .

النخيل يشرئب بهامته نحو الشموخ و لا يرضى أن يفوقه شجر آخر في السموق ، فكذلك أهله يسعون للأفضل في التنافس على القيم السامية في عزة و كبرياء قل نظيرهما .

أشجار النخيل تمورها مختلفة الأشكال و الأحجام و الألوان و الأذواق ، و هي في نفس البقعة من الأرض و رغم هذا الاختلاف فلا نعوت استهزائية بينها ، و هو الشيء نفسه عند أهلها ، أجناس  مختلفة و لهجات كثيرة و أعراف و تقاليد متنوعة و رغم هذا و ذاك فهم كالعائلة الواحدة ، لا يسخر بعضهم من بعض ، يتضامنون في السراء و الضراء.

حقا للنخيل أشواك ، و لكنه لا يلسعك بها إلا إذا أسأت التصرف في التعامل معه سواء في التلقيح أو الجني ، و كذلك أهله فإلى جانب صبرهم و كرمهم و تسامحهم و صفاء سرائرهم و قيمهم الفاضلة عموما ، ينبغي أن تحترس من إذايتهم سيما إذا حاولت المس بأعراضهم أو ارتميت على أرزاقهم ، فقد يلسعونك لسعا يفوق لسع أشواك النخيل ألما، لأنهم يجعلون الكرامة فوق كل اعتبار .

أعرفت الآن لماذا التشابه التام بين النخيل و أهله؟ 

أعرفت الآن لماذا يقال الانسان ابن بيئته ؟

أعرفت الآن لماذا أسمي أنا ذلك الشريط ب

" واحات القيم ".


          🌴 بقلم غير متحيز كتب " زايد وهنا "🌴

🍇يوميات عزيزة الخادمة🍇

 ⚫   يوميات عزيزة الخادمة  ⚫


أصبت باليتم و ذقت مرارته صغيرة ،  فقد مات والدي قبل ولادتي بشهرين ، و لا أعرف عنه شيئا إلا ما كانت أمي تحكي عنه و أنا أتأمل صوره التي لم يترك لنا غيرها ، فقد كان رحمه الله يعمل أجيرا في إحدى الضيعات المجاورة للقرية ، فشاءت حكمة الله أن تختطفه يد المنون و هو في ريعان شبابه إذ انهار عليه سقف الزريبة التي كان يتناول فيها غذاءه و يقضي بها وقت القيلولة . و بعد تلك الفاجعة ، لم تجد أمي معيلا لها فكان لزاما عليها  أن تأخذني إلى بيت أبويها إذ لا ملاد لنا غيرهما .

و هناك ترعرعت بين أحضان جدي و جدتي العجوزين ، أساعدهما قدر ما يسمح به سني 

و أرافق أمي في البحث عن لقمة العيش بين أهالي القرية المزارعين الطيبين ، الذين كانوا لا يبخلون علينا بما تجود به عليهم الأرض من خيراتها ، كنا نساعدهم في جميع الأعمال سواء داخل البيوت أو في المزارع ، و رغم  التعب الذي يلحقنا من كثرة المشاغل إلا أننا عشنا حياة بسيطة هادئة لا يكدر صفوها أحيانا إلا تذكر والدي ، فكثيرا ما كنت استشعر حزن أمي على فقده و هي تكابر على ألا تبديه لنا و لكن دموعها تفشي أسرار الترمل الذي اكتوت بناره و هي في مقتبل عمرها ، فكل الأماني التي كانت تبنيها في خيالها انهارت أمامها في رمشة عين ، و أصبح أملها الوحيد أن تراني سعيدة ، و لذلك سعت جاهدة أن تحقق في ما لم تسعفها الظروف في تحقيقه  لنفسها ، و رغم أن أمي لم يسبق لها أن ارتادت المدرسة إلا أنها كانت امرأة فاضلة يضرب بها المثل في العفة و الكرامة 

و حسن المعاملة ، كما كانت بارعة في الطبخ 

و سائر الأعمال المنزلية ، حتى أصبح أهل القرية لا يستطعون الاستغناء عن خدماتها في أفراحهم 

و أتراحهم و قد ورثت عنها هذه الخصال ما عدا الطبخ .

كم كانت فرحتي كبيرة يوم التحقت بالمدرسة كسائر أبناء و بنات القرية ،  فقد أقبلت على الدراسة إقبال الظمآن على الماء و تفوقت تفوقا استرعى انتباه الجميع و ما هي إلا ست سنوات حتى نلت شهادة الدروس الابتدائية بأعلى معدل في مجموعاتنا المدرسية ، و صرت حديث القرويين يتسامرون في مجامعهم عن تفوقي و ذكائي ، ولكن بقدر ما فرحت أمي بهذه النتيجة التي رفعت  رأسها أمام أهالي القرية بقدر ما أضحت تفكر في صعوبة انتقالي إلى المدينة لمتابعة الدراسة ، و لعل خوفها علي ، نغص عليها فرحة النجاح ، لذلك قضينا تلك العطلة الصيفية في البحث عن أسهل حل و أيسر سبيل حتى أتمكن من الدراسة في ظروف مواتية ، فما كان منها إلا أن فاجأتني يوما بقرارها القاضي بانتقالنا سويا الى المدينة لتكون قريبة مني ، إذ لا تستطيع أن تتركني بمفردي في تلك السن و في مدينة تبعد عنا سبعين ميلا ، سيما 

و أنها تسمع الكثير عن الجرائم في المدينة و عن فساد أخلاق أبنائها .

جمعنا أمتعتنا البسيطة و كل ما قد نحتاجه في مقامنا الجديد و توجهنا صوب المدينة ، و لا أخفي أنني أكاد حينها أطير من الفرحة لأنها المرة الأولى التي سأزور فيها مدينة و لكنها فرحة مشوبة بالخوف و الحذر من المجهول الذي يتربص بنا .

بحثنا عن مسكن متواضع قدر استطاعتنا فلم نجده إلا بعد عناء كبير و جهد جهيد ، غرفة واحدة 

و مرحاض مجاور لها في سطح إحدى العمارات .

قدمت أمي لصاحب الغرفة مقدم الكراء ، و اشترت لنا من أحد الأسواق الشعبية بعض المؤن الضرورية .

 في صباح اليوم الموالي رافقتني الى الاعدادية حيث أدينا للإدارة واجب التسجيل و أدلينا بالوثائق المطلوبة ، و انصرفنا نبحث عمن يبيع الكتب المستعملة لنقتني منه مقرر السنة الأولى إعدادي ، وجدنا بعضها هنا و هناك ، جمعتها 

و وضعتها في محفظة كنت قد أخذتها عن صديقة لي في القرية ، و شرعت أتصفح الكتب واحدا تلوى الآخر و أنا في أشد الشوق لبداية الموسم الجديد ، غير أن بعض هذا الحماس يطفئه حينا تفكيري في معاناة أمي معي و أحيانا أخرى يزيدني إصرارا في التحصيل الجيد ، فرغم صغر سني فأنا أشعر بما في نفسها من آمال ، و لعله الحافز الأساسي في إقبالي على الدرس بكل حزم و عزم .

في صباح اليوم الأول ، استيقظت أمي باكرا ، 

و أدت فرض ربها و جلست هنيهة كعادتها تسأل الله سبحانه و تعالى أن ييسر أمورها و أن يوفقني في دراستي و أن يحقق لها ما تقر به عينها ،

بعد ذلك حضرت الفطور و هي تتمتم بما علق في ذاكرتها من أدعية و توسلات ، حينها أيقظتني ظنا منها أنني ما زلت نائمة ، نهضت على التو ، غسلت يداي و وجهي و تناولت فطوري الذي لا يزيد عن قطعة خبز و كأس شاي ثم ارتديت ملابسي المتواضعة و قبلت رأس أمي التي ما انفكت تدعو لي بالنجاح و تنصحني نصائحها المعتادة . 

و انطلقت نحو الإعدادية كغيري من التلميذات 

و التلاميذ .

مر أسبوع كامل على بداية الدراسة ، و في مساء اليوم الثامن و بينما أنا منهمكة في إنجاز بعض التمارين ، اقتربت مني أمي و ربتت بيدها على كتفي مبتسمة ابتسامة تخفي ما تخفي من أسرار ، و أخبرتني أنها وجدت عملا في بيت أحد أشقياء المدينة عفوا أثرياء المدينة ، و لو أن الأجر زهيد ستضطر للعمل ريثما تجد من يزودها الأجر خصوصا و أنها البداية ، فهي تحتاج لوقت حتى يتأكد الناس من أخلاقها و مهارتها و يذاع صيتها في المدينة كما ذاع في القرية .

كان لكلامها وقع كبير على النفس ، نظرت إليها نظرة المشفق لحالها و ارتميت في أحضانها 

و الدموع تهمي ساخنة من مقلتي .

أخرجت أمي من جيب فستانها أحد مفتاحي الغرفة 

و ناولتني إياه ، لأتمكن من ولوج الغرفة أثناء غيابها .

التحقت أمي بعملها الجديد في بيت أحد الأغبياء عفوا الأغنياء ، و صرنا لا نلتقي إلا عند حلول المساء ، و قد اعتدت بعد إنجاز الواجبات المدرسية

و تناول العشاء الذي غالبا ما يكون مما تبقى من وجبة الغذاء ، أن أستلقي بجانب أمي و أضع رأسي على صدرها حيث الحب الصادق و العطف الدافق ، أشعر بالطمأنينة و هي تضمني إليها و تمرر أصابعها بين خصلات شعري ، مما يشجعني أن أحكي لها بكل براءة تفاصيل يومي و ما حققته من تفوق ، 

و لا أكاد أكمل كلامي حتى أجدها قد غطت في نوم عميق من شدة التعب .

و هكذا على نفس الوتيرة مرت الأيام و الشهور 

و السنين ، فكنا أنا و أمي خلال العطل الصيفية نقضي بضعة أيام في القرية نصل الرحم بجدي 

و جدتي ، و نزور الجيران و الأحبة ، ثم نعود أدراجنا إلى المدينة لتلتحق أمي بعملها ، حتى السنة الثالثة حيث اجتزت إمتحان نهاية الدروس الإعدادية بكل ثقة في النفس ، و قبل أن تعلن النتائج أخبرني بعض الأساتذة بالمفاجأة التي كنت حقا أتوقعها و هو أنني حزت المرتبة الأولى بنقطة مشرفة جدا ، فما كدت أسمعها حتى انطلقت أعدو نحو البيت لأنقل الخبر السار إلى أمي الغالية ، 

صعدت الدرج بخطى سريعة فألفيت باب الغرفة مفتوحا على مصراعيه ، دلفت الى الداخل 

و اندهشت مما رأيت ، إذ وجدت أمي تتوسط الغرفة و قد لبست أفخر ثيابها و علامات الانشراح بادية على محياها ، و أمامها مائدة عليها بعض أنواع المشروبات و الحلوى التي لم يسبق لنا أن تناولناها ، فتبادر إلى ذهني للوهلة الأولى أن أحدا سبقني و أخبرها بالنتيجة ، و لكن تبين لي أن سبب انشراحها شيء آخر ، فما كان مني إلا أن أضفت له خبر نجاحي بامتياز ، فارتمت علي بكامل ثقلها تقبلني في كل مكان و قد اختلط عندها الضحك بالبكاء ، و لم تسع أمي الغرفة و لا سطح العمارة على شساعته للتعبير عن فرحتها و شكرها لله الذي جعل فرحتها فرحتين ، كل ذلك و أنا في حيرة من أمري أنتظرها لتهدأ و تخبرني عن سر سعادتها التي لا علم لي بها .

طلبت مني أولا أن أتناول بعض الذي أحضرته 

و لسانها لا يفتر عن الحمد و الشكر ، صلينا صلاة العشاء ، و انزوينا إلى ركن الغرفة المخصص للنوم و كالعادة وضعت رأسي في حضنها و سألتها عن سر هذا التصرف المفاجئ وهذا الانشراح الذي لم أعهده فيها منذ غادرنا القرية ، عندها أفصحت عن أمور كثيرة كانت تتعمد ألا تطلعني عليها رأفة بي حتى لا يشغلني ذلك عن الدراسة ، فقالت :

   "  الآن يا فلذة كبدي و قد بلغت سن النضج ، سأحدثك عن سبب فرحتي هذا اليوم و إن كانت فرحة نجاحك أكبر عندي من أي شيء آخر في هذه الدنيا ، و لكن قبل ذلك سأطلعك على كل ما عانيته منذ وصولنا إلى هذه المدينة و الذي تكتمت عليه رأفة بك ، و تجملت بالصبر حتى لا يكون لذلك تأثير على مردوديتك في الدرس و التحصيل .

لقد كنت أظن أنني سأجد في أهل المدينة ما وجدته في أهل القرية ، و لكن شتان بين هؤلاء 

و أولئك ، فأغلب الذين عملت عندهم كخادمة رغم تفاني في خدمتهم بكل صدق و وفاء لا يعيرونني أدنى قدر من الاحترام و كأني أمة ابتاعوها في سوق النخاسة ، فكان لا يطول بي المقام في بيت حتى أغادره إلى آخر حفاظا على كرامتي و عزة نفسي التي لا ترضى الهوان و لا تقبل أن يعفر كبرياؤها في التراب .

بعضهم يا بنتي يفرض علي العمل طول اليوم مقابل أجر زهيد قد لا يتعدى في أحسن الأحوال خمسين درهما في اليوم ، و لا يقبلون أن آكل إلا مما فضل عليهم من فتات موائدهم ، و بعضهم يوثرون كلبهم علي فيقدمون له كل الطعام و لا يبالون بالجوع الذي يمزق أحشائي طول النهار ، و آخرون لا يهنأ لهم بال إلا إذا رأوني أعمل ، فإذا بلغ مني العياء مبلغه و جلست أستريح لبضع دقائق ، تراهم ينظرون إلي بعين السخط و الإزدراء و يطلبون مني القيام بعمل ما حتى لا أجد للراحة سبيلا ، بل منهم من يطلب ذلك بالشتم و القذف ، هذا إذا لم يكن رب البيت ( الحاج ) سفيها مارقا فيراودني عن نفسي كلما وجد لذلك فرصة ، لهذا يا بنتي كنت أتنقل من بيت لآخر لعل الحظ يجمعني بأسرة صالحة متفهمة تقدر عمل الخادمة و تشفق لحالها ، و كنت أسأل الله ذلك عقب كل صلاة و قد استجاب لي حمدا له و شكرا إذ وجدت صدفة بالأمس عملا لدى زوجين  فرنسيين مقيمين بالمدينة ، و العجيب في أمرهما أنهما يتكلمان العامية المغربية بطلاقة ، فحكيت لهما عن ظروفنا و ما أعانيه من سوء المعاملة في بيوت الأثرياء السفهاء من بني جلدتنا ، فأثر ذلك فيهما تأثيرا بالغا ، فأخذاني معهما في سيارتهما الى البيت وكنت خلال الطريق  أحدثتهما عنك و عن سلوكك و فطنتك ، فأعجبا بما ذكرته عنك ، و طلبا مني أن آخذك معي و نعيش معهما في نفس البيت  ما دام ليس لهما أولاد ، على أن أقوم بخدمتهما مقابل مائة درهم يوميا و هو الأجر الذي لم أكن أحلم به يوما ، عند وصولنا أخذتني السيدة ( كاترين ) من يدي 

و طافت بي أرجاء البيت الواسع و أطلعتني على كل ركن من أركانه ، أما السيد ( فيليب ) فقد أخرج من حافظة نقوده ألف درهم و ناولني إياها  كمساعدة ، و تم الإتفاق على الانتقال للعيش معهما ابتداء من الغذ .

شكرتهما و خرجت من بيتهما و أنا أدعو الله الذي فتح هذا الباب أن يوفقك في دراستك ، فأتيت مسرعة نحو الغرفة لأبلغك بهذا الخبر السار ، 

و أعددت لك هذه المفاجأة ، فإذا أنت كذلك تزفين لي بشرى نجاحك ، فأقترنت فرحتي الصغرى بفرحتك الكبرى و تفتحت أمامي كل معاني الحياة ، هذا كل ما في الأمر يا حبيبتي ، و الآن نامي نوما هادئا لنستيقظ باكرا و نجمع أمتعتنا و نذهب الى بيت الزوجين الكريمين ، فهما في شوق لرؤيتك  ".

كنت أستمع إلى كلام أمي و أرسم في مخيلتي صورا للزوجين الفرنسيين و حسن معاملتهما 

و كرمهما و صورة البيت الفسيح الذي وصفته لي ، 

و أصابني تلك الليلة أرق لم أشهده من قبل ، بت أفكر في كل كلمة قالتها أمي و أستغرب كيف جمعها الحظ بل قدرة الله و حكمته بهذين الزوجين الكريمين ، فوجدتني أقارن بين سلوك أثرياء المسلمين الذين عملت لديهم أمي و سلوك هذه الأسرة الغير المسلمة ، فلم أجد مجالا للمقارنة .

قمنا لصلاتي الفجر و الصبح و تناولنا ما بقي من مشروبات و حلويات الأمس ، و شرعنا في جمع الأمتعة ، و لم تكد تصل الساعة الثامنة حتى كنا قد أنهينا كل شيء ، حملنا الأمتعة المتواضعة على العربة و قصدنا إقامتنا الجديدة .

توقفت العربة أمام البيت ، و إذا بالسيد ( فيليب ) يفتح الباب مبتسما و يستقبلنا بحفاوة  ، و لم يكتف بذلك بل ساعدنا في نقل الأمتعة إلى الداخل في الوقت الذي كانت فيه زوجته ( كاترين ) تشير إلى مكان وضعها ، و حقيقة الأمر أننا لم نكن في حاجة إليها ، فالبيت مجهز بأحدث التجهيزات مما استوجب إيداع تلك الخردوات في غرفة ثانوية بحديقة المنزل .

أدخلتنا صاحبة البيت غرفة الجلوس ، و قد زينت مائدتها بأنواع العصائر و الفطائر ، و انضم الزوج إلينا ، فتحلقنا الأربعة حول المائدة و كأننا أفراد أسرة واحدة ، و هي اللحظة التي انتابني فيها إحساس غريب امتزجت فيه الدهشة بالإعجاب ، 

و خضنا في أحاديث كثيرة ، كان جلها يصب في طرق التعامل و برامج الأعمال اليومية .

قامت السيدة ( كاترين ) و دلتنا على غرفة نومنا ، فما أن فتحت الباب حتى وقفنا مشدوهين ، إذ لم نكن نتوقع أن تكون غرفتنا بذلك الأثاث الفاخر ، غرفة واسعة بها سريران جديدان بينهما منضدة من خشب لماع ،عليها مزهرية أزهارها مختلفة الألوان ، و في سقفها مروحة كبيرة ، و إلى الحائط المقابل للسريرين صوان كبير من نفس نوع خشب المنضدة ، و في أحد أركان الغرفة باب يحجب خلفه حماما و مرحاضا مجهزين بالضروريات 

و الكماليات ، عندها استدارت نحونا ( كاتي ) كما يناديها زوجها دلعا و تحببا ، و قالت و هي تستشعر دهشتنا :

  "  هذه غرفة النوم الخاصة بكما ، خذا لكما حماما ساخنا و استريحا لبقية اليوم ، و بعدها استعدا للخروج معنا ، فقد جرت العادة عندنا كل ليلة سبت أن نتناول العشاء في أحد مطاعم المدينة " .

استحممنا و تخلصنا من العرق الذي نضح من أجسامنا أثناء العمل ثم استلقى كل منا على سريره و أساريرنا تترجم ما يختلج القلوب من سعادة .

 عند اقتراب موعد الخروج ، ارتدينا أجمل ثيابنا ،

و ذهبنا جميعا حيث قضينا وقتا مطولا يعجز اللسان عن وصف متعته .

في صباح الغذ ، استيقظت أنا و أمي فجرا ، أدينا صلاة الصبح دون أن نزعجهما ، عدت بعد ذلك الى سريري أتلو ما تيسر من القرآن الكريم في حين اتجهت أمي مسرعة نحو المطبخ ، و ما كان تلهفها على تحضير وجبة الفطور إلا لإظهار موهبتها في الطهي و إبراز قدراتها في العمل .

و فعلا تحقق لها ذلك إذ تعجب الزوجان مما حضرت لنا أمي ، فأقبلا على الأكل بنهم و كأنهما يتذوقان هذه المستحضرات لأول مرة ، لم تجد السيدة ( كاتي ) و زوجها بدا من أن يشكراها 

و ينوها ببراعتها .

انفض الجمع عن المائدة و عادت أمي إلى مطبخها تمشي مشية الحازم المجد بينما أخرج الزوج سيارته من المرأب و نادى علي و على زوجته ، لبيت النداء و ركبت في المقعد الخلفي من السيارة ، التي انطلقت تجوب شوارع المدينة دون أن أعلم مسبقا وجهتها المقصودة ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى توقفت أمام متجر كبير لبيع الملابس .

أمسكتني السيدة من يدي و دخلنا المتجر ، كانت كل معروضاته تغري الناظر إليها ، حينها فاجأني السيد ( فيليب ) بما لم يرد بتاتا في حسباني ، إذ طلب مني أن أختار من الملابس ما يلائم ذوقي ،

انتابني الشعور بالخجل ، و قررت ألا أكثر عليهم 

فاخترت قميصا صيفيا محتشما و تراجعت إلى الوراء ، تدخلت الزوجة و قد لاحظت خجلي وعفتي  فاقتنت لي قميصا من لون مغاير 

و سروالين من النوع الفاخر و جزمة و بعض الملابس الداخلية ، أدى الزوج ثمن المشتريات 

و خرجنا من متجر الملابس لندخل إلى متجر مخصص لبيع الهواتف النقالة ، و اختار السيد ( فيليب ) هاتفا خلويا و عبأه ببطاقة الاتصالات الهاتفية و وضعه في جيبه ، و انطلقنا عائدين إلى البيت ، لنجد أمي و قد حضرت لنا وجبة الغذاء .

فرحت أمي فرحا كبيرا و هي تتفحص ملابسي الجديدة و شكرت الزوجين على كرمهما و سخائهما.  

و قامت على الفور و أحضرت الأطباق التي أعدتها لنا ، فسر الزوجان غاية السرور و هما يتساءلان عن كيفية إعداد مثل هذه الأطباق اللذيذة ، فكانت أمي تقدم الشروحات بكل تواضع و حياء و كأنها أستاذ

يعلم تلامذته ، و هو الأمر الذي جعل الزوجان يسلمانها زمام تدبير شؤون المطبخ بكل حرية ، 

و اقتصر دورهما على إحضار ما تطلبه أمي من خضر و فواكه ، و بينما نحن كذلك قام الزوج 

و أحضر حاسوبا محمولا و أخرج من جيبه الهاتف الخلوي ، و قال : 

 " هذا -- مشيرا للهاتف -- هدية لك أيتها الطاهية البارعة ، لنتمكن من الاتصال ببعضنا البعض متى استوجبت الظروف ذلك . أما الحاسوب فهو هدية لابنتي زينب مكافأة لها على تفوقها و تشجيعا لها على طلب العلم و الاستزادة منه ".

حينها لم تتمالك أمي نفسها و ارتمت عليهما تقبلهما 

و تشكر لهما حسن صنيعهما و كذلك فعلت أنا و مما زاد من حبي لهما و تعلقي بهما كلمة  * ابنتي* التي لم أسمعها من رجل قط فيما مضى من سنوات عمري بسبب اليتم ، و من يومها قررت أن أناديهما بابا ( Papa ) و ماما ( Maman ) .

لن تتصوروا مدى سعادتهما عندما ناديتهما بابا 

و ماما ، كاد يطيران فرحا لسماعها و كأن أمنية لهما قد تحققت أخيرا ، أما فرحتنا أنا و أمي فلا تضاهيها فرحة ، أصبحنا بين عشية وضحاها ننعم برغد العيش الذي لم نكن نحلم  به يوما في كنف هذين الزوجين الفاضلين و فوق هذا و ذاك تبقى حسن معاملتهما لنا أكبر سعادة من الله بها علينا .

بعد مرور ما يقرب من شهر تلقينا نبأ وفاة جدي ، لم تطق أمي صبرا على رحيل والدها ، و لكن إيمانها بالقضاء و القدر و قوة شخصيتها جعلها تذرف الدموع في صمت ، فتأثرت لحالها ماما ( كاتي ) 

و انهمر الدمع من عينيها هي الأخرى .

استأذنتهما أمي للترخيص لها بالذهاب إلى القرية 

لحضور مراسم دفن والدها ، غير أن بابا ( فيليب ) أبى إلا أن يحضر هو و زوجته و يقدمان ما يمكن تقديمه من المساعدة ، قائلا : 

  "  ألسنا الآن أسرة واحدة " 

اشترى بابا ( فيليب ) كل ما يلزم لإقامة المأتم ،و ما هي إلا ساعة حتى كنا أمام البيت بالقرية ، فإذا بنا وسط جمع غفير من أهالي القرية ، انهالوا علينا بالتعازي ، و وزعوا الأدوار بينهم ، تعجب ( فيليب )

من طيبتهم و حسن تعاونهم في مثل هذه المواقف التي لم يسبق له أن رأى مثلها في أي مكان آخر ، كما أعجب أيما إعجاب بما حبا الله القرية من جمال طبيعتها و كرم ضيافة أهلها ، مما جعله و زوجته يقضيان معنا ثلاثة أيام ، و في اليوم الرابع عدت معهما إلى المدينة و تركنا أمي تواسي والدتها لأسبوع آخر .

في طريق عودتنا كان كل كلامهما حول مناظر القرية الخلابة ، و قد سمعت ( فيليب ) يهمس لزوجته بتكرار الزيارة ، و ذاك ما حصل فعلا ، فبعد أسبوع رجعنا ثانية إلى القرية ، و أخذ الزوجان يتجولان في الحقول و البساتين ، و لما شعرا بالتعب جلسا في ظل شجرة على ضفة النهر ، و إذا بأمي تفاجئهما بإحضار الشاي و القهوة و بعض الخبز و السمن و العسل ، و قد استرعى انتباهي إقبالهما على الأكل و الإشادة بجودته و لذته 

و ببراعة معده .

عندما اقتربت الشمس من المغيب ، ودعت أمي والدتها و الدموع في عينيها ، كما ودعناها نحن كذلك بعدما زودناها بما تحتاجه من المؤن ، و في الطريق ساد صمت رهيب كسره بابا ( فيليب ) بأن أبدى إعجابه بالقرية أمام أمي و قرر أن نزورها بين الحين و الآخر ، قال ذلك و استدار نحونا مبتسما ،

و كأنه يستطلع رأينا ، فما كان من أمي إلا أن ربتت بيدها على كتفه مرحبة باقتراحه شاكرة له ما أسداه من خدمات و ما قدمه من إعانة .

حل الموسم الدراسي الجديد و التحقت بالثانوية ، و سار كل شيء على أحسن ما يرام ، بابا ( فيليب )

يساعدني فيما عسر علي في اللغة الفرنسية و أنا أساعده في تعلم و إتقان اللغة العربية ، أما أمي 

و ( كاتي ) فلهما أنشطتهما الخاصة بالطهي 

و أشغال المنزل ، فكنا في كل يوم أحد نزور جدتي في القرية و نقضي اليوم كله نتمتع بجمال الطبيعة التي يقصر عنها الوصف .

مرت سنوات الثانوية الثلاث كلمح البصر ، ازدادت خلالها علاقتنا مع الزوجين توطيدا و محبة و ازداد تعلقهما بي و حبهما لي ، حتى عادا لا يطيقان البعد عني كأني ابنتهما البيولوجية ، حصلت على شهادة الباكلوريا بأعلى معدل في جهتنا ، أقيم على إثره حفل كبير في الثانوية حضرته أمي و ماما ( كاتي )

و بابا ( فيليب ) هذا الأخير الذي ألقى كلمة بالمناسبة عبر فيها عن فرحه العظيم و حبه الكبير لابنته زينب ، أما أمي عزيزة فلم تستطع منع دموع الفرح التي كانت تنذرف من مدامعها ، في الوقت الذي كانت فيه ماما ( كاتي ) تلتقط الصور فخورة معتزة بي ، و لم نكتف بهذا بل أقمنا حفلا فيما بيننا في البيت ، تناولنا فيه أشهى الأطباق مما أعدته لنا أمي ، و في غرفة نومنا صلينا أنا و أمي الفرض جماعة و أتبعناه بنافلة حمدا لله على ما أسبغ علينا من نعم .

هنا بدأت مرحلة جديدة في حياتي حيث استبدت بي الحيرة و أنا أستعرض الخيارات المتاحة لمستقبل دراستي ، فمعدل نجاحي يؤهلني لأي معهد أرغب فيه ، و لو أن دراسة الطب كانت تستهويني منذ طفولتي ، إلا أنني أبحث عن أقصر الطرق لأنقذ أمي و أعوض لها بعض الذي قاسته من أجلي خصوصا قبل أن نتعرف على هذين الزوجين النبيلين .

لاحظ بابا ( فيليب ) شرودي و انشغالي بالتفكير ، ضمني إليه و استفسرني عن سبب شرودي 

و ذهولي ، فصارحته بما يشغلني ، فما كان منه إلا أن انتفض واقفا و نادى على أمي و ( كاتي ) ، فلما حضرتا ، قال مخاطبا الجميع :

  "  ابنتي زينب ترغب في ارتياد كلية الطب ، إذن سيكون لها ما تريد ، و ذاك ما كنت أنا كذلك أرغب فيه ، و سنقف كلنا بجانبها حتى تحقق أمنيتها "

ثم استرسل مازحا :

  "  أليست أسرتنا السعيدة في حاجة إلى طبيب 

يعالج أمراضها " 

استحسن الجميع الاقتراح و سادت البهجة المكان . 

في نفس الأسبوع و نحن في غمرة الفرحة بالنجاح

تلقينا خبر وفاة جدتي ، فانطلقنا جميعا صوب القرية ، حيث تمت مراسم دفنها عصرا ، و في تلك الليلة اجتمع الجيران  في البيت الذي عادت ملكيته لأمي ، و حضر إمام المسجد و نخبة من حفظة القرآن الكريم ، و ارتفعت الأصوات بتلاوة الذكر الحكيم ، تناول الحاضرون وجبة العشاء و رفعت أكف الضراعة بالدعاء لها و لأموات المسلمين ، 

و انفض الجمع .

في اليوم الموالي استيقظنا باكرا ، و لم نجد بابا ( فيليب ) و لا ماما ( كاتي )في مضجعهما ، خرجت أبحث عنهما ، فوجدتهما متكئين على سور المقبرة ينظران نحو القبور ، و لما شعرا بخطواتي تقترب منهما ، أخرج بابا منديلا من جيبه و مسح بخفة عينيه ، حينها عرفت أنه كان يبكي ، أو بالأحرى كان يبكيان ، و لكن تغاضيت عن الأمر و كأنني لم ألاحظ شيئا ، وضع يده على كتفي و بدأ يسرد أحداث ليلة الأمس ، و عبر عن إعجابه بالطريقة التي يتلى بها القرآن الكريم ، و أسهب في الحديث عن أخلاق الإمام و الصحبة المرافقة له و كذا أهالي القرية جميعا.

تناولنا الفطور و طلب مني أن أحضر إمام المسجد و بعض الرجال من الجيران ، استغربت الطلب 

و ظننت أنه أراد أن يمدهم بشيء من المال مقابل طيبتهم التي ما انفك يتحدث عنها ، أسرعت في تلبية طلبه و ما أن حضر الإمام و من معه حتى كانت المفاجأة الكبرى التي لم يكن أحد منا يتوقعها ، إذ طلب بابا ( فيليب ) من الإمام بصوت مصحوب بالبكاء أن يساعده و زوجته ( كاتي ) لاعتناق الإسلام ، هلل الإمام و كبر  ثلاثا و كررها الحاضرون ، و ارتمى الجمع عليه يهنئونه و يقبلون رأسه ، و انطلقت الزغاريد من أعالي بيوت الجيران ، و انتشر الخبر في القرية انتشار النار في الهشيم ، و توافد الناس على البيت مهللين 

و مكبرين و مهنئين ، نطق الزوجان بالشهادتين 

و قد انسابت على لسانهما بسهولة ، ثم شرح الإمام بكل تيسير و تبسيط للزوجين طريقة الاغتسال 

و طلب منهما أن يلحقا به إلى المسجد بعد اغتسالهما ، في المسجد نطقا بالشهادتين مرة أخرى و الدموع تنهمر من أعينهما ، و جلسا يستمعان لبعض ما تيسر من القرآن الكريم بصوت الإمام ، 

و لما أنهى الإمام التلاوة و الدعاء عرض عليهما بعض الأسماء ، استشارني بابا فاخترت له ( المهدي ) كاسم جديد ، واختارت أمي لزوجته اسم ( كريمة ) ، فطلبا منا أن نناديهما بإسميهما الجديدين عوض الإسمين الفرنسيين ، و أصبحا يشعران بفرحة عارمة كلما ناداهما أحد بها .

هذا الحدث العظيم بدل حزن أمي فرحا ، و هي تسأل الله عز و جل أن يجعل هذا العمل في ميزان حسنات والديها ، فحمدت الله أن كانت هذه المناسبة سببا في هداية زوجين من أحب الناس إلينا .

قضينا أسبوعا كاملا في القرية ، نتجول حيث نشاء ، و نجلس حيث يطيب لنا الجلوس .

كنت أعلم بابا المهدي و أحفظه بعض السور القصيرة في مقابل أن يعلمني هو السياقة ، وكنا كلما سمعنا النداء للصلاة نتوجه فورا نحو المسجد لأداء الفريضة ، كان هو يصلي مع الرجال و كنا نحن نصلي مع النساء في مكان منعزل من المسجد حيث نسمع تلاوة الإمام دون أن نرى أحدا أو يرانا .

رجعنا إلى المدينة و قد اكتملت سعادتنا ، و إن كنا قبل سعداء ، إلا أن اعتناقهما للإسلام زادنا سعادة 

و عطفا و طمأنينة لا يشعر بها إلا من عاشها حقيقة.

بعد أيام من التداريب حصلت على رخصة السياقة ، و التحقت بكلية الطب في نفس المدينة التي نسكنها ، و استمرت الحياة هادئة هنيئة ، أنستنا سعادتها مرارة اليتم و أيام البؤس .

في سنتي الخامسة في الطب ، رحلت عنا ماما كريمة (كاتي ) إلى دار البقاء جراء المرض الخبيث الذي ألم بها ، مخلفة حزنا شديدا و فراغا قاتلا ، لم نطق معه صبرا ، دفناها بمقبرة القرية إلى جانب جدي و جدتي عملا بوصيتها ، و كادت الابتسامة تجف على محيانا  لفقدها لولا إيماننا الراسخ بقضاء الله و قدره ، و رغم ذلك ساد نوع من الكآبة المنزل سيما في تلك السنة .

مرت السنتان المتبقيتان ، و تخرجت لأعمل كطبيبة ، و لحسن حظي أو ربما كانت نتيجتي سببا في تلبية طلبي ، أو هو دعاء أمي ، أو كلها هذه مجتمعة ، هي أولا و أخيرا مشيئة الله ،  إذ عينت طبيبة بأحد المستشفيات في نفس المدينة .

عادت البهجة من جديد تملأ أركان البيت ، و أقام بابا المهدي حفلا دينيا بالمنزل حيث تمت فيه تلاوة القرآن الكريم و لهجت الألسن بالدعاء للأحياء 

و الأموات .

لم يمض شهر واحد على عملي في المستشفى ، حتى زارني بابا المهدي ، و طلب مني أن أحدد له موعدا خارج أوقات العمل ليستشيرني في أمر ذي بال ، في آخر ذلك اليوم وجدته ينتظرني في إحدى المقاهي ، تجاذبنا أطراف الحديث حول ظروف عملي ، و في لحظة استجمع  قوته و قال : 

  "  أريد أن أعرض عليك هذا الأمر قبل أن أفاجئ به أمك عزيزة ، فأنا أصبحت أرملا منذ سنتين ، 

و أمك ترملت لأكثر من عقدين ، و أنت تعلمين مدى حبي لكما ، أنت تعملين في المستشفى لساعات طويلة ، و أنا و عزيزة في البيت لوحدنا ، فارتأيت أن أتزوجها ليزول الحرج و نعيش ما تبقى من حياتنا في سعادة و هناء ، فهي ذات حسن و جمال و عفة ، فماذا ترين ؟ " .

قبلته في جبينه و قلت :

  "  لا أظنها ترفض لك طلبا ، فأنت بمثابة أبي ، ألست أنت من انتشلنا من مخالب الفقر و الشقاء ، 

و بذلت كل ما في وسعك لتسعدنا ، فكيف نرد لك طلبا ، أمي عزيزة تحبك و إذا عرضت عليها الزواج سيزيدها ذلك فخرا خصوصا و قد اعتنقت الاسلام ، فليس في دنيانا من هو أفضل منك عقيدة و معاملة ، اطمئن يا بابا ، سنعرض عليها الأمر هذه الليلة، و لن يكون إلا ما تريد " .

لاحظت أمي فرحنا و مرحنا أنا و بابا ، فقالت بكل عفوية و هي تحمل صينية الشاي :

  "  أخبراني عن سر مرحكما "

تحلقنا حول المائدة ، و أخبرتها بكل شيء و هي مطأطئة الرأس ، فاحمرت وجنتاها خجلا و حياء ،

و أومأت برأسها قبولا ، قبلتها على رأسها ، و عقدنا العزم على إبرام عقد الزواج في الأسبوع المقبل . 

أحضر بابا المهدي كل ما طلبه العدلان ، و كتب عقد النكاح على أمي ، بعد تلاوة الفاتحة ، و إذا بالمهدي يفاجئنا مرة أخرى بأن سجل لدى العدلين كل ممتلكاته بإسمي ، أدى لهما أتعابهما بعد أن تناولا الشاي و الحلوى ، و دعاهما لحضور الوليمة التي ستقام ليلة الغذ بهذه المناسبة السارة .

حضر المدعوون و الذين كان أغلبهم من رواد المسجد يتقدمهم الإمام و المؤذن ، فكانت ليلة ربانية بامتياز تليت فيها سورا من القرآن الكريم 

و ختمت بالدعاء للزوجين الجديدين بالرحمة 

و السكينة ،  و انفض الجمع بعد أن أكلوا و شربوا مريئا ، مباركين مهنئين لبابا المهدي زواجه .

أما أنا فقد دخلت غرفتي و صليت ركعتين 

و حمدت الله أن من على أمي ، و عوضها عن سنوات الترمل و الحرمان بزوج صالح مؤمن متزن 

يقدر الحياة الزوجية و يسعى لإرضاء أهله .

وصل يوم الأحد ، فذهبنا إلى القرية كالعادة ، 

و بينما نحن نزور موتانا بالمقبرة سمعنا صراخ امرأة في أحد المنازل المجاورة ، فأسرعنا في اتجاه الصراخ ، وجدنا رجلا بباب المنزل ، أخبرنا أن زوجته في حالة مخاض ، أحضرت حقيبتي الطبية و ساعدتها على الوضع ، و تم كل شيء على أحسن ما يرام .

هذا الحدث جعلني أفكر في تقديم المساعدة لأهالي القرية ، ما دامت القرية تفتقر لمستوصف ، فقررت أن أزورها كلما وجدت وقتا لذلك لا لأروح عن نفسي و إنما لأفحص مرضاهم و أمدهم بما هو متوفر لدي من أدوية ، أشتريها من مالي الخاص ، 

و لا أبالي ، عساني بذلك أرد بعض الجميل لهؤلاء البسطاء الطيبين .

و تستمر الحياة ..............................................


                💼   بقلم الأستاذ    زايد وهنا   💼