👍 شيخ علمته الحياة فعلمني 👍
منذ عشر سنوات خلت ، و كان يوم عيد فطر ، وفي طريق عودتي من زيارة الوالدين في قبريهما
و الدعاء لهما بالرحمة و المغفرة .
في ذلك اليوم الأغر المبارك ، مررت صدفة برجل عجوز ، كان جالسا على كرسي أمام بيته ، و قبل أن أصل إليه ببضع خطوات نظرت إليه ، فإذا هو شيخ تقدمت به السن الى ما ينيف عن الثمانين ، و قد كسا الشيب لحيته و حاجبيه ، أضفى عليه مسحة من الهيبة و الوقار ، بيده اليمنى سبحة و باليسرى يمسك عكازه ، توجهت نحوه و بادرته بالسلام ثم مسكت يده اليمنى و قبلتها مهنئا إياه بالعيد
و متمنيا له الصحة و العافية و طول العمر ، أعجب بتصرفي هذا ، فما كان منه إلا أن دعاني للجلوس قربه و قد بدت على محياه علامات السرور
و الانشراح ، و طفق يدعو لي بكل خير --أسأل الله أن يتقبله منه -- ، و قال :
" أنا جالس هنا يا ولدي لأزيد من ساعة ، و قد مر أمامي أناس كثيرون ، بعضهم يلقي تحية السلام من بعيد فأردها ، و بعضهم حرمه الله ثوابها فيمر دون أن يكلف نفسه عناء إلقائها خصوصا لشيخ هرم ، و لكنك أنت لم تكتف بإفشاء السلام بل جئت و قبلت يدي و هنأتني بالعيد و عاملتني معاملة الأبناء للأباء رغم أنك لا تعرفني و لا أعرفك ، لهذا ليس عندي ما أكافئك به على حسن صنيعك إلا نصيحة من أربع كلمات هي مفاتيح سعادتك في الدنيا و مطيتك إلى الجنة في الآخرة ، فخذها عني و اعمل بها .
⏺أولها التواضع :
فهو تاج المروءة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الكبر و أشمله البلاء ، و حط قدره في أعين الناس .
كن كالماء ينساب على الأرض تواضعا و هو رفيع ،
ولا تكن كالدخان يعلو في السماء تجبرا وهو
وضيع .
⏺ثانيها القناعة :
فهي كنز لا يفنى ، لا تركض وراء الدنيا ركض الوحيش في البرية فمهما فعلت فلن تدرك منها إلا ما كتبه الله لك ، فلا تنظر الى من هو فوقك فتشقى بل انظر الى من هو دونك فتسعد ، و اعلم أن ابن آدم لا يملأ جوفه إلا التراب .
⏺ثالثها العلم :
فهو فريضة على كل مسلم ، اطلبه ما دمت قادرا ، فإن تعلمه حسنة و طلبه عبادة و بذله لأهله قربة ،
هو الصاحب في الغربة و المؤنس في الوحشة ، يرفع الله به قدر الانسان بين الناس .
⏺رابعها الصحبة :
صحبة الأخيار مركب النجاة ، لا تصحب إلا خيار القوم ممن يصدقك القول و الفعل و من ترجو عنده النصيحة لكما جميعا ، المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .
إذن عليك بهذه المفاتيح الأربعة ، ضعها نصب عينيك و لا تضيع النظر فيها ، فإنني يا ولدي بلغت من الكبر عتيا و تجرعت من الدنيا حلوها و مرها ، فلم أرى أفضل و لا أبلغ منها " .
ما أن أنهى كلامه حتى وقفت و قبلت رأسه ،
و شكرته على نصيحته ، مطمئنا إياه بحفظها
و العمل بها ، ودعته و انصرفت إلى حال سبيلي
و أنا أقول في نفسي :
" هذه الباكورة الأولى جنيتها من حسن الخلق ، فلولا تواضعي الذي ساقني إليه ، ما كنت قد حصلت منه على هذه النصيحة الغالية " .
👍 حدث مرة بالصدفة لزايد وهنا 👍
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق