🎸رجال بصموا تاريخ بوذنيب🎸
رجل نحيف الجسم طويل القامة أسمر البشرة ، زجال و مغني يعزف على آلة الماندولين (سنيترا ) ،
ولد و ترعرع في بوذنيب ثم انتقل في مرحلة من مراحل عمره إلى الجارة الجزائر و هناك ذاع صيته ، في مجال العزف و الغناء فالتحق بالإذاعة الجهوية بوهران ، و ترأس جوق الإذاعة بها لمدة تسع سنوات ، سجل فيها مع مجموعة من المطربين أغاني كثيرة يرجع إليه الفضل في نظم البعض من أشعارها ، و هناك بوهران ازداد له ولد سنة 1949، سماه (الشريف) ، فتح هذا المولود عينيه على أب موسيقي ، فشغف شغفا شديدا بالألوان الغنائية
و بمطربين كبار من أمثال أحمد وهبي و دحمان الحراشي و الحاج العنقى و غيرهم كثير .
بعد ذلك رجع الأب إلى موطنه الأصلي بوذنيب
و معه ابنه هذا الأخير الذي تأثر بوالده و تعلم منه مبادئ العزف على آلة الماندولين التي أغرم بها
و عشقها عشقا ليس له حدود .
هنا في المغرب تابع الإبن دراسته بمدينة الدار البيضاء ، ثم سافر إلى فرنسا حيث أتم دراسته العليا ، و بجده و عزمه حصل على ثلاث إجازات من فرنسا ، في الآداب الفرنسي ، الاقتصاد ، الطبوغرافيا ودكتوراه في الموسيقى الاثنية، وهو أول عربي يحوز على هاته الدكتوراه .
و بعد مدة من الغربة في الديار الأوروبية عاد الى المغرب و قد تشرب من الموسيقى الغربية أضافها إلى معينه من الموسيقى الجزائرية و المغربية ، مما أكسبه غنى و ثراء موسيقيا قل نظيره ، حاول في بداية الأمر أن يؤسس لمجموعة سماها ( صوت اليوم ) ( soundday) و لكن شاءت الأقدار أن يلتقي بالعناصر التي أسس معها مجموعة المشاهب ، فكانت تلك بمثابة الانطلاقة الرسمية
و المبهرة لمجموعة المشاهب برئاسة المايسترو الذي يعتبر من العازفين المهرة على آلة الماندولين على الصعيد العالمي خصوصا لما أبدع في إحداث تغييرات عليها حيث أضاف لها الوتر التاسع مجردا و أربعة مزدوجة ليكون الجواب و المجال الصوتي أوكتافين فأصبحت تسمى الماندولوسيل ، وقد قضى في تعديلها ثمانية أشهر ، فكانت بذلك أول ابتكار في عالم الآلات الموسيقية حيث تعزف بها الموسيقى الغربية والعربية في سائر مقاماتها ،
و بها عزف اغاني مجموعة المشاهب الأسطورية.
كما أنه عزف بها مع المجموعة الألمانية
(ديسي دانتان) لمدة قصيرة ولكن سرعان ما أخذه الحنين إلى الوطن و إلى مجموعة المشاهب .
لعلك أخي القارئ قد عرفتهما الآن ، فالأب هو مولاي امبارك المراني و إبنه هو الشريف المراني .
أما الأب مولاي امبارك فقد جالسته مرتين ، إحداهما كانت جلسة طرب ببيت عبد الرحمن ناصيري ( الدوحو ) أواسط الثمانينات و هي المناسبة التي حاولت من خلالها التعرف على بعض الجوانب من مسيرته الفنية ، و ثانيهما في بداية التسعينات عندما استشارني و طلب رأيي في ثلاث قصائد ملحونية كان قد نظمها و احتفظ بها
و مازلت أتذكر أن إحداها كانت عبارة عن سيرتة الذاتية و الأخرى كانت في مدح المغفور له الملك الحسن الثاني أما الثالثة فلم أعد أذكر غرضها ،
و كنت حينها أبحث في التراث خاصة شعر الملحون فطلبت منه أن يمدني بتلك القصائد
و بغيرها مما جادت به قريحته لأوثق لها و تبقى عندي كمرجع و دليل على شاعر من شعراء الملحون ببوذنيب ، كنت في كل مرة ألتقي به أذكره ليسلمها لي ، حتى باغته الأجل المحتوم دون أن أظفر بها
و رغم ذلك اتصلت بابنته و حفدته عسى أن يعثروا على تلك القصائد و لكن بدون جدوى حيث لم يظهر لها أثر و كأنها دفنت معه .
أما الإبن الشريف المراني ، فلم يسبق لي أن التقيت به أو رأيته رؤيا العين ، إلا مرة واحدة رأيته مباشرة على الخشبة في سهرة أحيتها مجموعة المشاهب بالرشيدية بسينما الواحة سنة 1976
و كنت آنذاك طالبا أدرس بالرشيدية ،
تصور أخي القارئ شعور شاب مراهق يرى أمامه ابن بلدته و قد سطع نجمه و ذاع صيته في المغرب ، و لست وحدي في ذلك بل كان أكثر من نصف المتفرجين من أهل بوذنيب طلبة و موظفين قاطنين بالرشيدية ، و دون وعي منا و بصوت مرتفع كنا نهتف باسمه و نردد كلمة بوذنيب على مسمعه ، فإذا به يعزف على الآلة تقاسيم حزينة
و الدموع تنهمر من عينيه ، فكانت سهرة بوذنيبية بكل المقاييس تركت أثرا لا ينسى في نفوس الحاضرين .
في سنة 2004 لبى مولاي الشريف المراني داعي ربه و التحق بالرفيق الأعلى ، فرحمة الله عليه و على والده و والدينا و جميع أموات المسلمين ، و تكريما لروح الشريف المراني قمت أنا العبد الضعيف شخصيا بتنظيم لقاء تواصلي مع مجموعة المشاهب ببوذنيب تم فيه تأبين المرحوم حضره أعضاء من عائلته و على رأسهم أخته المرحومة لالة هشوم ، و بتلك المناسبة قدمت المجموعة سهرة عمومية بساحة 3 مارس ،
و شاءت الأقدار سنة 2019 أن أشارك في حلقة من حلقات راديو بلوس بمراكش التي يقدمها الإذاعي المتميز السيد أحمد رمزي و كان موضوعها حول الشريف المراني رحمه الله ، فتحدثت بما فيه الكفاية و لكن مهما قلنا لن نوفيه حقه و لكن نسأل الله عز وجل أن يوفيه الأجر و الثواب .
ختاما رحم الله الإمام الشافعي إذ يقول :
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
💼 العبد الضعيف زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق