كفاني فيك يكفوني

 



            🔎  كفاني فيك يكفوني  🔎



من المشاهد اليومية التي تثير الاستغراب ما حدث

قبل أشهر قليلة ، حيث التقيت صدفة برجل كان قد تعرف علي في أحد اللقاءات الثقافية ، 

و الحقيقة أنني كدت أنساه لو لم يذكرني باسمه 

و بكل تفاصيل ذلك النشاط الثقافي الذي كان هو نفسه أحد الأعضاء المنظمين له ، كما أبدى إعجابه

بمداخلتي في موضوع اللقاء ، و أثنى عليها كثيرا.

اعتذرت عن عدم تذكري له ، معللا ذلك بالعدد الكبير للحاضرين الذين لا يمكن أن أتذكرهم كلهم ، تفهم موقفي و قبل اعتذاري ، فطفقت أسأله عن أحواله مبديا نوعا من الانشراح في وجهه ، 

و بعدها هممت بالانصراف مودعا ، فإذا به يطلب مني أن أجالسه لبعض الوقت إذ كان يريد أن يستفسرني في بعض الأمور التي أثيرت في ذلك النشاط الفارط .

لم أجد بدا من تلبية رغبته درءا لأي إحساس قد يتولد عنده إن لم أجاره فيما يريد .

أشرت عليه باختيار المكان المناسب لهذه الجلسة ،

فلم ينتظر مني اقتراحا بل أخذ المبادرة في عجلة و أشار علي أن نتوجه نحو مقهى من خمسة نجوم

وسط المدينة و الذي لا ترتاده إلا الطبقة الراقية

من أفراد المجتمع .

لا أنكر أنني بدأت أكتشف أشياء لا تبعث على

الارتياح في اقتراح هذا الرجل و لكن رغم ذلك

أشرت عليه أن نجلس في مكان هادئ ، فنحن

نود أن نتحدث في مواضيع ذات أهمية ، فما المانع إذا جلسنا بهذا المقهى القريب منا فالمكان به فسيح ، تحيط به حديقة ، و لا يكلف الجلوس به

أكثر مما نطيق ، خصوصا و أن غايتنا هي الحديث و ليس المقهى .

لم يجد اقتراحي في نفسه قبولا ، فهو يرى أن مثل هذا المقهى الذي أشرت به عليه لا يرتاده إلا البسطاء من القوم الغير المثقفين لذلك فهو 

يختار من المقاهي تلك الفاخرة جدا و الباهضة جدا لأن الجلوس بها هو من يحدد شخصية الإنسان و مستواه الاجتماعي و الثقافي .

 إلى هذا الحد لم أستطع تحمل سماع مثل هذه التصورات التي تنبئ عن طباع تختلف تماما عما أومن به ، و عن معايير تتنافى إطلاقا مع مبادئي ، فطلبت منه دون أن أشعره بشيء مما لمسته من استعلاء في شخصيته ، أن نؤجل هذه الجلسة إلى فرصة أخرى حيث يكون لدي متسع من الوقت . 

و هكذا ودعته و انصرفت إلى حال سبيلي آملا ألا ألتقيه و أمثاله مرة أخرى ، هرولت و أنا أردد في داخلي القول المأثور  :

         " كفاني فيك يكفوني  "


               💼   من واقع   زايد  وهنا   💼

 



 


إنفاق في غير موضعه

 🔎  إنفاق في غير موضعه 🔎


لم أكن أتصور يوما أن يصل سوء التدبير إلى هذا المستوى الذي نلحظه عند البعض ، تسمعهم يتمدحون ظاهريا ببعض القيم كالكرم و الإحسان و لكنهم في الحقيقة لا يضعونها في موضعها  الصحيح الذي يترك الأثر الطيب في النفوس ، 

كمن يقيم وليمة يعتبرها صدقة يرجو من ورائها الثواب له 

و لوالديه المتوفين، فيدعو لها فئة من أصحابه و معارفه الميسورين ، و لا تجد بينهم فقيرا أو يتيما أو أي معوز هو في أمس الحاجة إلى سد الجوع أو قضاء حاجة من الضروريات ، في حين لو أن صاحب الوليمة تصدق بما أنفقه في الوليمة نقدا على الأرامل و المساكين لكان خيرا له ، أو كالذي يرتاد مطعما فاخرا ليظهر بمظهر الطبقة الراقية حسب اعتقاده ، فينفق على وجبة عشاء مبلغا كبيرا ، في حين أن مثل تلك الوجبة في مطعم آخر هي أقل تكلفة و ألذ طعما من الأول ، فلو ارتاد المطعم الأرخص و تصدق بالفرق بينهما على فقير لكان خيرا له ، أو كالذي يشتري حذاءا أو لباسا بمبلغ كبير قد يتعدى ثلث راتبه ، لا لشيء و إنما ليقال عنه أنه من مستوى راق ، و لو فكر قليلا لاشترى ما اشتراه بنصف المبلغ الذي أنفقه ، من غير أن ينقص من جودة المنتوج شيئا ، 

و ينفق الفرق بين هذا و ذاك على المساكين، أو كالذي يشتري سيارة فارهة بمبلغ خيالي قد يفوق مائة مليون ، ظنا منه أن السيارة هي من ترفع قدره بين الناس و تجعل له قيمة في أعينهم  ، و لو كان في قلبه مثقال ذرة من الرحمة لاشترى سيارة فارهة بنصف المبلغ الذي اشترى به الأولى و أنفق الفرق بينهما في أوجه البر و الإحسان ، أو كالذي ينفق على كلبه مبالغ كبيرة جدا ، و لا ينال الخادمة التي تشقى اليوم كله في بيته غير مبلغ زهيد يكاد لا يكفي لسد أدنى ضرورياتها .

و قس على ذلك أمثلة كثيرة لهذا البذخ و الترف المبالغ فيه بصورة مقيتة و التي نراها سائدة في مجتمعنا ، فليست الولائم الدسمة و لا السيارات الفارهة و لا الثياب الفاخرة هي من تصنع الرجال و تبوئهم المنزلة الراقية ، و لو كانت كذلك فلماذا يشكو أغلبهم من التعاسة رغم ثرائهم  ،  لأنهم بكل بساطة  انساقوا وراء المظاهر الزائفة ، و ضيعوا على أنفسهم المعنى الحقيقي للسعادة . 

 إن السعادة الحقيقية نسبيا لا تنال إلا بالعلم النافع الذي يصير صاحبه على جانب كبير من الوعي المقرون بالأخلاق الفاضلة من قناعة و تواضع و عطف و إيثار و تعاون و تسامح  و غيرها من الفضائل التي ترفع من شأن صاحبها و تسعده .

إن الله سبحانه و تعالى الذي يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه ، هو الذي نهى عن التبذير و الإسراف المبالغ فيه و هو من أمر بالإحسان ، و لعل تفاوت الأرزاق بين الناس هو للغاية نفسها يدبرها بحكمته و يبتلي بها من يشاء من عباده .

ففي مجتمعنا فقراء معوزين و يتامى و أرامل ، هم في أمس الحاجة إلى القليل من المال قصد سد الرمق  أو العلاج أو التعلم أو الحصول على سكن جد متواضع ، فلو نظر هؤلاء الميسورون نظرة العطف و الحنان و رقت قلوبهم لحال الضعفاء البائسين ، و خصصوا القليل مما يبذرونه في التفاهات و تصدقوا به على من يحتاجه لتذوقوا حلاوة السعادة الدنيوية و لفازوا بالسعادة الآخروية يوم يعرضون على خالقهم حيث لا ينفع لا مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .


                 💼   بقلم    زايد  وهنا   💼

من لوطننا بأمثاله

             ✏  من لوطننا بأمثاله   ✏


أحيانا قد يجمعك العمل بشخص تلمس فيه من

الطيبوبة ما يجعلك تحتار في وصف و تعداد

مناقبه ، و عن أيها تتحدث ، أعن غزارة معارفه

أم عن سعة صدره و نبل أخلاقه أم عن حسن

تعامله و تواصله ، و لا أغلو إذا قلت أن هذه 

المحاسن كلها جمعت في شخص ، شاءت الأقدار

أن تجمعني به في العمل ، و هذا النوع من السلوك قلما تجد من يتصف به في أيامنا هذه ، و لعل إعجابي بهذا الرجل هو ما دفعني لأكتب عنه هذه السطور اعترافا و امتنانا و تقديرا من غير محاباة ، لأنه هو نفسه يعرف أنني لا أجامل أحدا ، و لا

تطاوعني نفسي أن أقول عكس ما أشعر به .

         هذا الرجل هو مؤطر تربوي من المؤطرين

القلائل الذين أعجبت بنهجهم طيلة مسيرتي التعليمية . و لا أخفي أن أول لقاء معه ترك انطباعا مريحا في نفوسنا ، و قد تكررت اللقاءات ما بين زيارات و تكوينات ، فما لمسنا فيه إلا ذاك المؤطر الكفؤ الذي يمتلك آليات التواصل التي تجعلك

ترتاح إليه ، و تستفيد من خبرته و تجاربه ، 

بل يسعى هو كذلك للاستفادة من تجارب المربين

متى لمس فيها طرقا و أساليب مفيدة ، و أسلوبه

هذا كان له أثره الفعال في أوساط المربين ، يشجعهم و يحفزهم على بذل المزيد من العطاء متحدين الاكراهات و العقبات لإفادة النشء .

نعم هكذا عرفت هذا الرجل ، و لكن للأسف الشديد

لم يطل به المقام معنا إذ انتقل إلى مدينة أخرى

غير بعيدة عنا ، و بقي صدى أخلاقه و خبرته

يرن في أذهاننا .

ختاما أغبط هذا الرجل على هذه الأخلاق الإنسانية النبيلة ، و أتمنى أن يتخذه كل مسؤول

في أي قطاع  قدوة في حسن السلوك ،

 فرعيا له و لأمثاله ممن يسعون لتحقيق أهداف أمتنا .


             💼   بقلم صادق  لزايد وهنا  💼

الأستاذة

                   ✏  الأستاذة   ✏


          هذه الأستاذة الأنيقة التي تراها اليوم ترتاد إحدى الثانويات بالجنوب الشرقي المغربي لتدرس تلامذتها مادة اللغة العربية  ، هي تلك الطالبة التي عرفتها في أواخر السبعينات حيث جمعتنا زمالة  الدراسة بالثانوي لمدة ثلاث سنين متتالية  .

لقد أنزلتها منزلة الأخت ، أحترمها و أقدرها 

و أعطف عليها ، و كانت هي الأخرى تبادلني نفس الاحترام و التقدير ، فكنت من المقربين إليها لما

عرفته عني من جد و اجتهاد ، مما زاد العلاقة

الأخوية اطمئنانا في نفسها حتى غدت تبوح لي بكل أسرارها ، فكنت أشفق لحالها و أواسيها 

و أشجعها على مواصلة التحصيل .

لعل القارئ سيستغرب من دوافع حديثي عن هذه المرأة و سرد أحداث مضت عليها أربعون سنة ، 

و لكن لا تستعجل ، فقد قيل في مأثور العرب

 متى عرف السبب بطل العجب .

هذه المرأة قليل مثيلاتها ، فهي نموذج للتحدي 

و الصبر و العزم ، فقد عاشت المسكينة و هي طالبة ظروفا قاهرة ، لا يستطيع غيرها تحمل بعضها ناهيك عن كلها .

كانت تعيش في أسرة فقيرة بأحد المداشر التي تبعد بأزيد من ست كيلومترات عن المدينة حيث توجد الثانوية ، و كانت تقطع هذه المسافة مشيا على الأقدام من أجل الدراسة و تحصيل العلم ، 

و لم تكن حينها تملك كغيرها من الزميلات ملابس

فاخرة ، بل كانت كل ملابسها هي جلباب أسود

و حذاء مطاطي ، لم يسبق لنا أن رأيناها بغيرها ،

و رغم ظروفها القاسية و التي قد لا يتحملها حتى

بعض الذكور من الطلبة ، لا تنتابها الغيرة من زميلاتها اللواتي يتبرجن و يرتدين أفخر الثياب ،

 فهي لا تشعر بأدنى نقص بل بالعكس تماما كانت عفيفة قانعة راضية بقدرها و الغريب في الأمر أنها

كانت أكثرهن مرحا و بشاشة و قبولا ، لخفة ظلها ، و عذوبة حديثها ، ما ثبت يوما أن ساءت التصرف مع أحدنا ، و لا تبرم من سلوكها قريب أو بعيد ، لذلك كان الطلبة ذكورا و إناثا يحبون مجالستها 

و الإستئناس بأحاديثها .

باختصار حصلت أختنا هذه على شهادة الباكلوريا ، و شاءت الأقدار ألا تسعفها في الحصول على وظيفة توازي شهادتها آنذاك ، فلم تستسلم بل جددت العزم و أصرت على متابعة الدراسة الجامعية متنقلة بين مدينتي مكناس و فاس ،

بنفس الجدية و نفس الإصرار ، يحدوها الأمل في تحقيق رغبتها مهما كلفها الأمر ، حتى حصلت

على الإجازة ، و بعدها تجندت للخمة المدنية قبل أن يتم ترسيمها بصفة نهائية كأستاذة للغة العربية.

و لا أخفي أنني سررت لخبر توظيفها بقدر سروري

بتوظيف ابنتي البكر .

فمثل كفاحها و صبرها  لم تره عيني ، لذلك كنت أحكي لزوجتي وبناتي عن شخصية هذه المرأة التي تحدت الصعاب و قهرت العقبات بكل عزم 

و إصرار ، ما اغترت يوما بالمظاهر الزائفة التي كانت قريناتها تتنافس على الظهور بها ، بل عقدت عزمها على التحصيل العلمي ، و استطاعت أن تحقق لنفسها ما عجز عنه الكثيرون ، فأنقذت نفسها و أسرتها من البؤس الذي لازمها طيلة سنوات الدراسة ، و هي الآن أستاذة ذات مركز اجتماعي محترم تتقاضى راتبا شهريا يكفيها لتلبية حاجياتها و تعوض به ما فاتها من متع الحياة ، و رغم أن أحوالها المادية تغيرت إلى أحسن فطباعها الإنسانية لم تتغير ، فهي ما تزال 

و إلى يومنا هذا تلك المرأة المتواضعة البشوش العطوف التي يرق قلبها لحال الضعفاء .

كنت ألتقي بها من حين لآخر عند زيارتي للمدينة التي تقيم بها ، و شاءت الصدف أن التقيت بها مرة 

و أنا بصحبتي زوجتي ، فقدمتها لها ، و تفاجأت زوجتي إذ تأكد لها بالملموس ما كنت أذكره عنها من حسن الخلق ، فأعجبت هي الأخرى من بشاشتها و كرمها ، و ذاك ما ترك في نفسها انطباعا مريحا ، تذكرها به كلما أثير الحديث عن صداقتنا .

كما كنت من حين لآخر أحدث بناتي عنها عساهن يتخذن من سيرتها نموذجا يحتدى في نبل الأخلاق و طلب العلم بكل عزم و إصرار و عدم الاهتمام بالمظاهر من لباس و غيرها ، و قد تعمدت أن أجعل من سيرتها في هذا المقال درسا و عبرة لكل شبابنا ذكورا و إناثا ، ليعلم الجميع أن قيمة المرء في أخلاقه و علمه إذ هما السبيلان الوحيدان اللذان يبوئان صاحبهما المكانة

الاجتماعية المحترمة ، و ما سوى ذلك فهي أمور تافهة زائلة سرعان ما تنقضي أيامها و ترجع بالندم على صاحبها ، و لكن أنى يجدي الأسى و الندم إذا فات الأوان .


     💼  أخوك الذي لم تلده أمك :  زايد  وهنا 💼


💃أتعرف لماذا ؟💃

                         💃  أتعرف لماذا ؟  💃


              كنا و نحن صغارا نسعد لأتفه الأشياء ،

و نملأ أوقاتنا بما يرضينا ، كنا نصنع لعبنا بأيدينا ، و كان لكل موسم ألعابه و أنشطته الخاصة به إلا كرة القدم فهي تلازمنا في كل الأوقات 

و المواسم .

ففي عطلة الصيف نمارس السباحة في الوادي        و نلعب الورق في ظل أشجار النخيل ، و نصنع

العربات من الأسلاك و العلب الفارغة ، نقودها في أزقة الحي و نحن نتباهى بها أمام زملائنا .

أما فصل الخريف فهو موسم جني التمور 

و الزيتون و فيه نجمع بعض الدريهمات مما التقطناه من حبوب الزيتون فيما نسميه نحن 

 " بالتغلال " .

فإذا حل الشتاء نكتفي بلعب كرة القدم في أوقات النهار المشمسة ، و لا شيء سواها لأن البرد القارس يجبرنا على ملازمة منازلنا و مراجعة الدروس أمام المدفأة .

أما فرحتنا الكبيرة هي عندما يهل علينا فصل

الربيع ، فهو الفصل الذي نمارس فيه هوايات

عديدة ، بدءا باحتفالات عيد العرش التي نحضر 

لها في مدارسنا أياما قبل موعده ، فنردد الأناشيد بحماسة و نشارك في أدوار المسرحيات تخليدا للذكرى و إحياء للأمجاد الوطنية ، فإذا انتهت تلك الحفلات نعود لممارسة أنشطتنا المعتادة  كصيد الطيور في الحقول مستعملين الفخاخ ، أو نذهب

إلى البساتين بحثا عن المشمش الذي لم يحن 

نضجه بعد ، إذ كنا نتلذذ بحموضته .

هذه الأنشطة و غيرها مما أغفلته هي مألوفة ،

اعتاد عليها صغار القرية ، يتوارثونها جيلا عن جيل ، أما الأشياء التي تزيد من سعادتنا في ذلك

السن هي تلك التي نفاجأ بها من حين لآخر ،

كمجيء عمي بوشعيب العطار الذي ينصب خيمته

في أحد أركان ساحة الحي ، فنجدها نحن الصغار

فرصة للحصول على ما نريد من خلال المقايضة مع العطار ، إذ كنا نأتيه بمد من القمح أو الذرة 

أو ببعض البيض فيقايضنا بها لعبة بلاستيكية أو كأسا صغيرا من زجاج أو بعض الحلوى ، فلا نقبل شرب الشاي في منازلنا إلا في كأس العطار  

و نحرص كل الحرص على ألا يضيع منا .

أما إذا بلغ إلى علمنا أن السينما الحائطية في 

طريقها إلى بلدتنا ، فتلك سعادة لا تضاهيها سعادة ، تجدنا نعد الدقائق و الساعات و الشوق يهز أفئدتنا ، فنذهب قبل بداية الشريط السينمائي

بساعات لنأخذ لأنفسنا مكانا ملائما للمشاهدة ،

و في اليوم الموالي لا يكون نقاش الصغار إلا

حول الفيلم و أحداثه و كل منا يدعي أنه هو من

فهم القصة الفهم الصحيح .

و نفس الشيء إذا ما حل ببلدتنا ما نسميه نحن

ب " الحلايقي " سواء كان مهرجا أو مغنيا 

أو مروض أفاعي أو رياضيا مثل " أولاد سيدي احماد و موسى " ، فتلك كذلك مناسبات تسرنا غاية السرور  .

و الغريب في أمر زماننا ذاك ، أننا و نحن صغار

نتبع أولئك المتسولين الذين يزورون بلدتنا 

و  يستجدون العطاء متنقلين بين البيوت و هم يعزفون و يرددون بعض القصائد ، حتى أصبحنا نحن الأطفال نحفظ تلك القصائد و نرددها بيننا  .

         نعم هكذا عشنا تلك الطفولة السعيدة ، لم نكن نشعر بفقر لأن مستوى المعيشة متقارب بين

أهالي البلدة ، و لم نكن نتضجر من التهميش

الذي تعاني منه البلدة لأننا لا نعرف شيئا عما

يدور خارجها ، فكان عالمنا الصغير ذاك ببساطته

و براءتنا مفعم بالسعادة التي ما تزال ذكرياتها

راسخة في أذهاننا .

فها نحن قد صرنا كبارا ، و ها نحن نعرف كل شيء

من حولنا ، و ها قد توفر لدينا ما لم نكن نملكه قديما .

 فهل نحن حقا سعداء ؟

و هل يشعر أبناؤنا اليوم بنفس السعادة  التي غمرتنا نحن في ذلك الزمان رغم الفارق الكبير في الإمكانيات التي توفرت لهؤلاء ؟ 

أم أن ما توفر لهؤلاء هو عينه من ساهم بقسط كبير في تعاسة البعض منهم ؟


إنها أسئلة تنتظر الجواب ممن قرأ هذه المقالة 

و اقتطع من وقته لحظة للرد عليها ، فسعادة

الكاتب في مقارعة الأفكار  .



                            💼  بقلم  زايد وهنا  💼


 


الغسال

                          👍 الغسال 👍

        

       من المشاهد اليومية التي تترك في النفس انطباعا مقيتا ما سمعته و رأيته من تصرف أحدهم في إحدى الولائم التي كنت مدعوا إليها بحكم الجوار و التي أقامها الجيران بمناسبة وفاة قريب لهم .

و بكل صراحة فقد تطبعت بطبع -- ليتني لم أتطبع

به -- و هو أنني ألاحظ أحيانا أدق الأمور في سلوك و تصرفات بعض الناس و التي لا ينتبه إليها الآخرون و لا يعيرونها أدنى اهتمام ، أما أنا  فتعودت على ملاحظتها و قد أستحسنها إن كانت إنسانية نبيلة فيكبر صاحبها في عيني و قد أمقتها إن كانت من النقائص فيصغر مقترفها في عيني ، كل هذه الارتسامات تدور في خلدي ، فأحتفظ بها لنفسي و لا أبدي لأحد منها شيئا ، و لست أدري أهو طبع محمود أم مذموم .

على أي فقد جرت العادة في المآتم أن يجتمع الجيران و بعض أهالي البلدة لتقديم ولاء العزاء 

و مواساة أهل الفقيد ، و بينما كنا في بيت الجيران نستمع لما تيسر من القرآن الكريم ، دخل أحد سكان حينا متأخرا و انتصب واقفا ينظر في وجوه الحاضرين و كأني به يختار مكانا  للجلوس ، نادى عليه أحد الحاضرين و أشار عليه بالجلوس في مكان شاغر بجانبه ، فلم يرد عليه و لم يعره اهتماما بل جاء يتلمس مكانا بين الجالسين قريبا مني .

تعجبت لهذا التصرف الذي ينم عن كبر و سوء أدب ، و دفعني فضولي لأعرف السبب و لكن بطريقة لا يشعر معها بشيء مما يحز في نفسي اتجاهه ، فقلت له :

 " إن فلانا كان يدعوك للجلوس بجانبه ، ألم تسمعه ؟ "

أجابني بعد أن اقترب مني :

 " سمعته و لكنني أكره الجلوس بجانبه ، لأتجنب

مشاركته الأكل على نفس المائدة "

لم أقتنع بهذا التعليل ، إذ لا أشم فيه رائحة

المنطق السليم ، فقلت :

و لماذا تتهرب عن مشاركته الأكل على نفس المائدة ؟

انحنى قليلا ليقترب مني أكثر و قال :

 " ألا تعلم أنه هو غسال الموتى ببلدتنا " ؟

قلت : " أعلم "

قال : " لذلك تشمئز نفسي من الأكل معه ، لأنه

بغسله للموتى يصيبه من آذاهم و أوساخهم الكثير

و قد ينقلها إلينا "

حينها علمت مقدار خبث نفسه و كبرها ، و لم

أستطع أن أتجاوز الأمر و لو أن مخاطبة مثل هذا السفيه أمر حذر الحكماء منه ، إلا أنني انتفضت قائلا :

" كيف طاوعتك نفسك أن تقول هذا في حق رجل

من خيار رجال البلدة و أطيبهم نفسا ، و أنبلهم

خلقا ، تطوع جزاه الله خيرا ليقوم بهذا العمل العظيم بدون مقابل ، و إنما يريد بذلك الأجر 

و الثواب ، زيادة على ذلك فقد اشترى عدة هذا العمل من ماله الخاص - بذلة و قفازات مطاطية - و قد اعتاد أن يستحم هو نفسه مرتين ، قبل و بعد غسل الميت ، ثم أليس هو من غسل أباك رحمه الله ، تخيل لو أمسك نفسه عن هذا العمل الجليل ، أتجدون في بلدتكم من يعوضه ؟ .

سكت صاحبنا و كأنه استوعب ما قلت له ،

لا أظنه اقتنع بكلامي ، و لكنه فضل السكوت إذ  لم يجد ردا مقنعا لموقفه ، خصوصا و أنه يعرف أنني لست ممن يناصرون السفاهة ، و لست ممن

يسهل إقناعهم بهذه التفاهات .

أنهيت حديثي معه ، ولا أخفي أنني أنزلته في نفسي منزلة اللئام ، أكثر من ذي قبل .

فنحن بحكم تواجدنا في بلدة صغيرة و الناس تعرف بعضها بعضا ،  فغسال الموتى هذا جندي متقاعد أدى خدمة جليلة في الدفاع عن حوزة الوطن ، و سهر هو و زوجته على تربية أبنائهما تربية حسنة ، و هم الآن يمتهنون وظائف مختلفة ،

فهو و الحمد لله لا ينقصه شيء من متاع الدنيا ، 

و لكنه يسعى  للفوز بمتاع الآخرة ، لذلك لا يتوانى

عن المساعدة  ، و لا يبخل بشيء مما يملك في سبيل الأعمال الخيرية . 

أما صاحبنا هذا الذي يتقزز من هذا الرجل الطيب ،

لو نظر يوما  إلى نفسه في المرآة و تمعن قليلا

في حاله ، لأدرك فداحة جهله و غروره بنفسه ،

فهو عاطل يعيش عالة على أسرته ، لا يقدم أدنى

خدمة لنفسه و لا لبلدته ، إلا خدمة واحدة يتقنها

جيدا هي الجهل و التكبر  ، فكان هو الأولى بالتقزز من غيره ، و هو الحي الميت الذي في حاجة 

إلى غسل دماغه قبل جسده ، عسى أن تزول عنه

تلك الشوائب المقيتة العالقة به ، و لكن مع الأسف

ليس بالبلدة من يغسل دماغ البلهاء مثله .


             💼   من واقع   زايد  وهنا  💼





حارس العمارة

                     😢 حارس العمارة 😢


       لا أحد يناديه باسمه ، الكل يناديه  " اعميمي" 

نسبة إلى كلمة عمي تصغيرا و تحبيبا ، حتى كاد هو نفسه أن ينسى اسمه الحقيقي ، رجل في الستين من عمره ، قضى زهاء  عشرين عاما في حراسة عمارتين متلاصقتين تضمان أزيد من ست عشر شقة .

ماتت زوجته العاقر منذ زمن بعيد ، فآل على نفسه ألا يتزوج ثانية ، و اتخذ لنفسه غرفة صغيرة 

بمدخل العمارتين ، كان أحد السكان  القدامى 

" الحاج " قد توسط له في امتلاكها منذ أن تولى حراسة العمارتين .

رجل خدوم بشوش لا يرد لأحدهم طلبا ، رغم كبر

سنه ، كل سكان العمارتين يمتدحونه لنبل أخلاقه

حتى صار مضربا للمثل في الأمانة و الصدق ، 

فكان السكان يستأمنونه على شققهم و يتركون

عنده مفاتيحها و هم مطمئنين بحيث لا يساورهم

أدنى شك في ذلك ، و يسرون له بأسرار بيوتهم ،

فأصبح " اعميمي " يعلم أدق الأمور عن كل أسرة

منهم ، بل يساعدهم في تربية أبنائهم و بناتهم ،

و كأنهم حفدته ، يطيعونه أكثر من أوليائهم ،

فرغم أنه لم يخلف أبناء إلا أنه يعتمد أساليب تربوية أساسها  النصح و المراقبة و طرقها اللعب و التهريج ، فاكتسب بذلك حب الأطفال و ثقتهم ، 

فلا يمكن لأحدهم أن يدخل العمارة أو يخرج منها

دون أن يكلمه و يمازحه في احترام و وقار .

أما سكان العمارتين فكانوا حقا لا يبخلون عليه ،

في مأكله و ملبسه زيادة على أجرته بل أحيانا

يقدمون له الهدايا و الإتاوات ، يشاركهم في أفراحهم و أتراحهم و كأنه فرد من العائلة بل 

و أكثر .

هكذا قضى صاحبنا عشرين عاما على نفس الوتيرة ، دائم الحركة و الابتسام ، ما حدث يوما أن تضجر من أحدهم صغيرا كان أو كبيرا .

و في صبيحة أحد الأيام ، خرج أحد السكان متوجها نحو المسجد المجاور لأداء صلاة الصبح ،

و نادى على " اعميمي " كما جرت العادة في كل

صبح و لكنه لم يتلق ردا ، فكرر النداء ثانية

و ثالثة و لا مجيب ، طرق باب غرفته طرقا خفيفا

فتعجب إذ وجده غير موصد ، دفع دفة الباب 

و دخل ، أشعل الإنارة ، و فوجئ إذ رآه مستلقيا

على ظهره وقد ارتسمت على محياه ابتسامته المعتادة و لكنه جثة هامدة .

نزل كل السكان من شققهم ، و ارتفع عويل النساء

و الأطفال ، إذ لا أحد يصدق أن " اعميمي " قد

رحل فجأة ، و لم يطيقوا على فراقه صبرا ، و لكن 

لا مرد لقضاء الله و قدره .

 أقاموا له  مأتما دام ثلاثة أيام ، ران الحزن على قلوبهم جميعا و ساد المكان صمت رهيب ،

فقد رحل " اعميمي " و رحلت معه البهجة 

و السعادة التي كانت تملأ الأرجاء . 


                   💼   بقلم   زايد  وهنا   💼



دار العجزة

 ◾   دار العجزة   ◾


كثيرا ما نسمع عن أمور في مجتمعنا و لكننا لا نتذوق حلاوتها أو نتجرع مرارتها بنفس القدر لمن عاينها و وقف على حقيقتها و لمس حيثياتها عن قرب ، فإن سمحت الظروف لأحدنا أن يعيش موقفا مماثلا ، عندها سينتابه إحساس غريب يختلف عن إحساسه السابق الذي استقاه عن طريق السمع ، و هو الموقف الذي عشته و عاينته و ما زال أثره البالغ في مخيلتي ، أتذكره فيصيبني الأرق و تكتئب نفسي ، و لولا نعمة النسيان و السهو لما حلا العيش و استمرت الحياة .

سأحكي تفاصيل الموقف الذي شاءت الأقدار أن أعاينه ، 

و مهما أوتيت من براعة الوصف لن أستطيع أن أصف الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان في مثل هذه المواقف ، باختصار ليس الذي رأى كالذي سمع .

اتصل بي كاتب جمعية هواة فن الملحون بمراكش

كعادته فهو أحد الأصدقاء المقربين ، و بحكم حبي 

و شغفي بهذا التراث كان يدعوني لحضور أنشطة الجمعية التي كانت تقام بالمدينة بمناسبة أو بغير مناسبة ، و كان الجوق يتحفنا بروائع القصائد ، و بين الحين و الآخر يفتح باب النقاش أمام المهتمين لسبر أغوار أسرار شعر الملحون ، فكنا حقيقة نستمتع بهذه اللقاءات أيما استمتاع ،غير أن اتصاله في المرة الأخيرة كان مختلفا عما ألفته ، إذ أخبرني أن الجمعية قررت إقامة حفل موسيقي في فن الملحون لفائدة نزلاء دار العجزة بالمدينة ، شكرته على الدعوة و نوهت

بهذه البادرة الطيبة .

ذهبت في الموعد المحدد و أملي أن أستمتع كالعادة ، و لكن ما أن دخلت المؤسسة التي يقيم بها النزلاء حتى تملكني إحساس يمتزج فيه حب الاستطلاع بالشفقة على هؤلاء النزلاء ، فالمكان رحب فسيح به حدائق جميلة أزهارها ، ظليلة أشجارها ، فاخرة مبانيها ، مجهزة بكل المرافق الضرورية ، و لكن بمجرد أن رأيت عددا كبيرا من العجزة رجالا و نساء ، منهم الكفيف و المعاق و العاجز ووو... شعرت بضيق في نفسي و كأن الرجال أبائي  و النساء أمهاتي ، 

و كنت أود لو كان بالإمكان أن أعرف قصة كل واحد منهم او منهن ، و لكن عدلت عن هذا حتى لا أوقظ المواجع خصوصا

و هم يستمتعون بهذه الوصلات الملحونية ، فلا الوقت مناسب و لا الأمر ممكن .

لا أستطيع أن أصف فرحتهم بهذه البادرة الطيبة

و هم يصفقون و يهتفون و يرقصون ، فكنت أراقب هذه الأجواء و الغصة لا تفارقني ، و لم أتمالك حتى اندرفت الدموع ساخنة .

انزويت في مكان حيث لا يراني أحد ، مسحت الدموع و أنا أقول في نفسي ، كيف طاوعت أنفس بعض الأبناء إيداع آبائهم أو أمهاتهم في دار العجزة ، إنها قمة الجحود و النكران و العقوق ، ألا تتحرك فيهم عاطفة الأبوة أو الأمومة ، إنها حقا أفضع صور القسوة ، مهما تكون طباع الوالدين لا يليق تحت أي ذريعة كانت أن يعاملوا هذه المعاملة ، و لا أظن أن من يفعل ذلك في قلبه مثقال ذرة من الرحمة و العطف ، فهو كالحيوان بل أضل . 

كان من المفروض أن تفتح دار العجزة لأولئك الذين لم يخلفوا أبناء و ليس لهم من يعينهم و يعتني بهم من قريب

 أو بعيد .

بكل صدق و صراحة تأثرت كثيرا ، و لم أستمتع بالسهرة ، بل غادرت قبل انتهاء الحفل ، و من يومها و أنا اشعر بالأسى كلما راودتني تلك الذكرى .


             💼   من واقع   زايد وهنا   💼



ماسح الأحذية

                   ⛾   ماسح الأحذية   ⛾


لم يسبق لي قط أن وضعت رجلي على صندوق

ماسح الأحذية ليتولى مسحها و تلميعها ، لأنني

أقوم بذلك في بيتي .

و لكن حدث مرة أن كنت جالسا بأحد المقاهي

و إذا بماسح للأحذية يقف أمامي و يستشيرني 

إن كنت أرغب في مسح حذائي و تلميعه ، ابتسمت في وجهه و قلت له أن حذائي ليس في حاجة إلى تلميع ، و لكن المسكين ألح متوسلا لأنه في حاجة إلى نقود ، و أن يومه ذاك كان يوما شحيحا لم يكسب فيه ما يسد به رمقه  ، حينها قررت أن أساعده بما تيسر دون مقابل ، و لكنه أصر على تقديم خدمته ليشعر بأنه لا يستجدي أحدا ، اعجبت بأنفته و كبريائه ، فطلبت منه الجلوس بجانبي و ناديت على النادل ليقدم له مشروبا ، عندئذ صارحته بأنني أستحيي أن أمد رجلي لإنسان مثلي ، فينحني  أمامي على الحذاء  مسحا و تلميعا ، إنه لأمر مقزز في نظري و لا أستطيع إتيانه .

لاحظت الإعجاب باديا على قسمات وجهه ، 

و سرعان ما استدرك الموقف بحل مناسب يرضي الطرفين ، بحيث طلب مني أن أنزع الحذاء 

و يتولى العمل عليه و هو جالس على الكرسي بالقرب مني ، وافقت نزولا عند رغبته ، إذ استنفذ

كل أعذاري و لم أجد أمام إصراره مفرا .

تجاذبنا أطراف الحديث ، فشرع يحكي عن بعض المواقف ألا إنسانية التي  يتعرض لها من حين لآخر ، كان أغلبها من طرف أشخاص من مستوى اجتماعي لا بأس به ، و رغم ذلك فهم يساومونه على ذلك المبلغ الزهيد الذي لا يزيد على ثلاثة دراهم .

أنهى عمله و أشعل سيجارة نفث دخانها في الفضاء متنهدا و كأنه أزاح عن نفسه هما ثقيلا ،

إذ وجد أخيرا من يصغي إليه ، و يقدر معاناته ، احتسى مشروبه و قام مودعا ، ناولته عشرين درهما ، و شكرته قبل أن يشكرني و رأيت الدموع في عينيه ...


                 💼   بقلم  زايد  وهنا  💼



النادلة

                       ☕   النادلة  ☕


جلست بإحدى المقاهي أبتغي الاسترخاء من التعب بعد يوم شاق ، و إذا برجل طويل القامة

أنيق الهندام يتأبط جريدة الصباح ، يبدو رجلا

متعلما مثقفا .

بعد أن اعتدل في جلسته ، أتت نحوه النادلة ،

و في هدوء و احترام وقفت أمامه تنتظر أوامره

فيما يرغب في احتسائه ، رفع بصره نحوها 

و لم ينبس ببنت شفة و إنما أخذ يرمقها بنظرات 

لا توحي بالبراءة ، استغربت النادلة هذا التصرف ، و استدارت دون أن تقول شيئا  و راحت تتفقد باقي الزبناء ، و إذا بصاحبنا ينادي عليها بلهجة

يشوبها التكبر و العجرفة ، و طلب منها أن تأتيه

بفنجان قهوة ، بعد لحظة وجيزة جاءت النادلة

بما طلبه ، وضعته أمامه و تنحت جانبا ، و لكن

صاحبنا نادى عليها مرة أخرى ، و همس لها بكلام

لم أسمعه و لكن سمعت ردها ، فقد خرجت عن

صمتها و كأنها الرعد المدوي ، و خاطبته قائلة :

 "  كيف طاوعتك نفسك أن تتكلم بهذه الوقاحة

و السفاهة ، أتظن أن كل النادلات على نفس الخلق ، ألا تخجل من نفسك ، مظهرك يوحي بعكس سلوكك ، و ختمت كلماتها بالمثل العامي

ألمزوق من برا أش خبارك من داخل " .

صدم صاحبنا بهذا الرد الذي لم يكن يتوقعه ، 

و امتقع لون وجهه ، و قد علته صفرة ، خصوصا 

و أن كل رواد المقهى قد سمعوا لهذا الرد المفعم بالغضب ، و الكل ينظر إليه نظرة ازدراء ، إذ لا أحد من الحاضرين كان يصدق أن يصدر منه ما صدر ، 

قام دون أن يلوي على شيء و غادر المقهى ، يجر

أذيال الخيبة ، و نظرات السخرية تتبعه .

أصبح حديث الزبناء يدور حول هذه الواقعة ، 

و قد سمعت أحد الرواد الدائمين يمتدح أخلاق

النادلة و مستواها العلمي فهي طالبة في الجامعة ، و أن ظروفا قاهرة دفعتها للعمل كنادلة في المقهى .

هنا قلت في نفسي عجبا نادلة تعطي درسا في

الأخلاق لرجل يخال نفسه متحضرا و مثقفا .

و تيقنت حينها أن المظاهر قد تخدع أحيانا ،

و أن الحكم على الناس لا يكون بالمقاييس التي 

يظنها البعض ، فليس كل من يرتدي لباسا أنيقا

هو بالضرورة مثقفا و خلوقا ، و ليست كل النساء

اللواتي يزاولن مثل هذه المهن هن منحرفات .

لهذا ينبغي أن نحترم و نقدر الناس بغض النظر 

عن مهنهم ، و نعلم أن كل إنسان ميسر لما خلق له ،

و أن كل فرد له دور مهم في حياتنا ، و صدق

الشاعر حين قال :

     الناس من بدو و حاضرة بعضهم

                   لبعض و إن لم يشعروا خدم

و قال آخر :

      المرء بالنفس لا بالجسم مرتفع

                 و السيف بالنصل لا بالغمد و الحلل


                 💼   بقلم    زايد  وهنا   💼


من أنت ؟

            ☚  من أنت ؟!


          ما أريد إثارته هنا في هذا المقال المختصر ليس استنقاصا من قدر أحد ، و لا شماتة بأحد ، 

و لكنها وجهة نظر أملتها علي الغيرة و حب الخير لهذا الوطن و أبنائه ، فإن رأيتم ما أراه فبه و نعم ، 

و إن خالفتموني الرأي فمن حقكم أن تقوموا اعوجاجي ، و الاختلاف لا يفسد للود قضية . 


         من أغرب الغرائب في عصرنا هذا أن حازت التفاهة شهرة و نجومية لم نعهدها من قبل فيما

مضى من العصور ، و استشرت مظاهرها

بين الناس في كثير من سلوكاتهم ففي الفن مثلا

أصبح الغناء الساقط في كلماته ، المختل

في ألحانه ، المنفر في أدائه ، هو الماتع المفضل

عند السواد الأعظم من الناس ، و بات اللباس

الضيق الممزق الذي لا يكاد يستر عورة هو المرغوب خصوصا في أوساط الشباب ، بل و أكثر

من ذلك أن الشاب لا يقتنع بشخصيته إلا إذا وسم

أطراف جسمه بالأوشام ، و وضع الأقراط في أذنيه ، و رسم خرائط غريبة في شعره ، و تداول مصطلحات لا تبث للسان الفصيح و لا العامي بصلة ، و ما قيل عن الذكور يقال عن الإناث 

بل أكثر و أدهى .

و الأغرب من هذا كله أن جلهم يتابعون دراستهم

في الثانويات و المعاهد و الجامعات ، و هنا ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح ، و هو : 

ماذا أكتسبوا من تعلمهم و ثقافتهم ؟

أليسوا هم الصفوة و النموذج الذي يحتدى به في أناقتهم و سلوكهم المتزن ؟ 

و لو سألتهم المنطق الذي حدد لهم هذا النوع

من السلوكات ، ما استرحت منهم إلى جواب شاف

مجرد تقليد لا ينبني على أساس علمي ، لا تراعى

فيه الخصوصيات الإسلامية و العربية و اللغوية

و لا الأعراف و التقاليد المتوارثة عن جهابدة

علمائنا و مفكرينا الذين مازلنا نستنير بعلومهم

و معارفهم ، فلم هذا الإنسلاخ عن هذه الخصوصيات التي تقوم سلوكنا و تميزنا عن غيرنا ؟ و لماذا هذا الانسياق خلف سلوكات أمم أخرى ربما تفتقد هي ما نملكه نحن من قيم في

ديننا ؟ لماذا نشعر بالنقص في أنفسنا و نرى الخلاص في التبعية وتقليد القشور ؟

أعتقد اعتقادا راسخا أن الإنسان متى ما تلقى تربية حسنة في بيئة صالحة ، و اهتم بطلب العلم

بجد إلا و ارتقى بعلمه و معارفه إلى مدارج العلا ، و هذا النوع هو من تكون لديه شخصية متزنة تهتم بالجوهر و تنبذ كل تلك القشور والمظاهر المقززة ، و العكس صحيح ، و لكن للأسف هذا ما نراه جليا عند أغلب شبابنا اليوم ، فرغم مستواه الدراسي ، فهو يشكو فقرا و ضعفا في مستواه الثقافي ، باستثناء قلة قليلة ممن سبق عليهم القول ، و هذا الضعف و النقص يجعله يفقد الثقة في نفسه فتضعف شخصيته و يعوض ذلك كله بالتبعية العمياء .

        ختاما أناشد شبابنا ذكورا و إناثا الإقبال على 

العلم و الثقافة و التمسك بالقيم النبيلة و الأخلاق

الفاضلة ، فهذه و لا شيء سواها هي التي تبني

شخصية الإنسان و تبوئه المكانة الراقية في

مجتمعه ، ولنا عبرة في أسلافنا من العلماء من

أمثال الخوارزمي و ابن سينا و ابن النفيس 

و الرازي و غيرهم كثير من العلماء و الأدباء ،

الذين خلدوا أسماءهم في التاريخ بجدهم 

و اجتهادهم لا بملابسهم و تصافيف شعرهم .

فعليكم بمثل أخلاقهم و جدهم إن أطقتم ، فإن لم تطيقوا ، فأخذ القليل خير من ترك الجميع ، 

و بالله التوفيق .


                💼  بقلم   زايد  وهنا  💼

 



المهاجر

                  🌐    المهاجر    🌐


         لا تصدر حكما ، و لا تبدي رأيا حتى أحدث لك من قصتي ذكرا ، و بعدها لك كامل الصلاحية في قول ما تشاء ، إن شئت قدرت و أعذرت  ، 

و إن شئت انتقدت و عاتبت ، و في كلتا الحالتين لن ألومك لأنك لم تعش نفس الظروف و التجارب التي مرت بي و مازالت تمر .

ولدت في قرية صغيرة بمنطقة نائية ، في أسرة

تتكون من أب مياوم و أم ربة بيت و ثلاث بنات

و ولد واحد أصغر هن جميعا هو أنا .

بين أحضان هذه الأسرة الفقيرة ترعرعت و كنت

الذكر الوحيد مما جعلني مدللا عند الجميع ، و ما كدت أبلغ سن التمدرس حتى أسرع  أبي في إلحاقي بالمدرسة الابتدائية ، فكنت أول

فرد من الأسرة يلتحق بالمدرسة رغم أن أخواتي

أكبر مني سنا إلا أن ظروف أبي المادية حالت

دون إلحاقهن بالمدرسة ، خصوصا و أن التعليم 

الاعدادي و الثانوي لا يوجد بالقرية مما يحتم على

من يريد متابعة الدراسة مغادرة القرية إلى أقرب

مدينة و التي تبعد عنا بحوالي مائتي ميل ،

و هو الأمر الذي لم يستسغه والدي مع البنات ، 

إذ كان يخشى أن يلحقهن سوءا أو قد يتعرضن 

لتحرش يمس كرامة الأسرة أو غير ذلك من الشرور الغير المستبعدة في مثل تلك المدن الكبرى ، لذلك كان أمله الوحيد أن أكون أنا من يحمل مشعل العلم في أسرتنا و هذا ما زاد في

تدليلي و كأنني الأمير و الفارس المنقذ التي

تعلق عليه الأسرة كل آمالها ، لهذا كنت أحضى باهتمام خاص في المأكل و الملبس ، فلا يرد لي طلب و لا أمنع من أي شيء رغبت فيه .

انتهت سنوات الابتدائي و انتقلت إلى المدينة

لمتابعة دراستي الاعدادية ، و لحسن حظي كنت

من بين الممنوحين في الداخلية التابعة للمؤسسة.

باختصار شديد من دون التطرق إلى التفاصيل

المملة و المؤلمة ، اجتزت المرحلة الاعدادية 

و الثانوية و حصلت على شهادة الباكلوريا في الآداب بميزة ، فكان ذلك الحدث بمثابة عرس أقامه أهل بيتي فرحا بهذا الإنجاز الكبير و الذي هو في نظرهم منتصف الطريق نحو وظيفة راقية طالما حلموا بها لتنتشلهم من براثين الفقر خصوصا وأن والدي قد بدت عليه علامات الشيخوخة و العجز ، و رغم ذلك فهو يكابد 

و يتألم و لا يكاد يبين بل بالعكس يشجعني على المواصلة و يدعمني بما ملكت يداه و لو كان ذلك كله على حساب صحته .

هنا بدأت أعي أمورا كثيرة كنت عنها في غفلة ،

و لم أعد ذلك المراهق المدلل بل أصبح شغلي الشاغل أن أنقذ الموقف ، تقدمت للجندية لأنها

المهنة الوحيدة التي لا تطلب سوى شهادة 

الباكلوريا و لكن لسوء حظي تم رفضي لأن

قامتي أقصر مما يشترطونه بخمس سنتمترات ،

فقلت عساه خيرا ، التحقت بالجامعة و عيني

متفتحة على أي مباراة قد تلوح في الأفق لأي

مهنة كانت إذ لا يمكن لمن هو في مثل وضعي

أن يتأنى أو يختار ، و لكن دون جدوى حتى

مرت سنوات أربع و حصلت على الإجازة بميزة مشرفة ،  و عاد الأمل يراودني من جديد ،

و اعتقدت أنني بهذه الشهادة و هذه الميزة قد  أصبحت قاب قوسين من الحصول على وظيفة ،

و لكن للأسف شاءت الأقدار أن يعاكسني الحظ

في كل خطوة أخطوها .

لم أجد حلا لمعضلتي بعد أن سدت في وجهي

كل الأبواب التي طرقتها ، فاضطررت للعودة

إلى القرية بعدما علمت أن والدي طريح الفراش     و أنه لم يعد يقوى على الحركة ، حينها قررت أن 

أقوم بأي عمل مهما كان شاقا لأعول به أسرتي ،

عملت أجيرا في الفلاحة و في البناء و في التجارة

فاكتسبت خبرة كبيرة في هذه المجالات ،

و استطعت أن أوفر لأسرتي كل ما تحتاجه من

ضروريات ، كما أنني كنت أهتم بصحة والدي

و أعرضه على الأطباء بالمدينة المجاورة ، و لكن

المرض لم يمهله طويلا فمات المسكين و في

نفسه حرقة على الأمل الذي لم يتحقق .

بعد موته بأيام قليلة تزوجت أختي البكر ، و لم

نقم لها عرسا ، لأن أمي مازالت في فترة العدة ، 

و كانت تلك عادة أهل قريتنا ، فقد اكتفينا بدعوة

الأهالي للوليمة ، و رتل إمام المسجد ما تيسر من الذكر الحكيم و مضى كل إلى غايته .

خضت تجربة في المجال السياحي ، لكوني أجيد اللغتين الفرنسية و الانجليزية ، فكنت من حين لآخر أعمل دليلا سياحيا للأجانب الذين يزورون القرية قصد الاستمتاع بمناظرها الطبيعية الخلابة ، و أعجبتني هذه المهنة لأسباب عدة ،

أولها أنها غير شاقة وثانيها أكسب منها الكثير 

و ثالثها و هي الأهم أنني أستحضر ذلك المخزون

اللغوي الذي كاد يضيع مني مع مرور الوقت ،

و رابعها أنني أصبحت أربط علاقات صداقة مع

الأجانب ، و لعل هذا السبب الأخير هو الأهم من

سابقيه لأن عليه أبني أملا كبيرا في الحصول على

عمل خارج الوطن بمساعدة أحد هؤلاء السياح

الأجانب .

و أخيرا تحقق الحلم ، إذ زار القرية مجموعة من السياح الفرنسيين ، و كانت ضمنهم سائحة سبق لها أن زارت القرية ، و لا شك أنها هي من اقترحت عليهم هذه الزيارة لأنها أعجبت بجمال المناظر و استراحت لمعاملة أهلها الطيبين ، و ما أن رأتني حتى ارتمت علي تعانقني عناقا حارا لم أشعر بمثله في حياتي ، و قدمتني لرفقائها على أني صديقا لها ، فاستبشرت خيرا و شرعت في عملي أجول بهم و أحدثهم عن طبيعة القرية ، و أجيب عن تساؤلاتهم التي تنهال علي من كل فرد منهم ، كل هذا و صديقتي ملتصقة بي لا تفارقني إلا لضرورة .

لا أخفي أنها الفرصة التي كنت أضمر في صدري

و أنتظر إتاحتها ، و ها هي بوادرها قد لاحت  

من خلال علاقتي الوطيدة بهذه السائحة ، تشجعت و فاتحتها في موضوع الهجرة نحو فرنسا

للعمل ، تلألأت عيناها فرحا و ارتسمت على شفتيها

ابتسامة تنبئ عن نوع من الرضى و التفهم .

انفردت بي في مكان ظليل بأحد الحقول ، 

و سألتني عن مدى حبي لها و صدق علاقتي بها ،

فأجبتها بكل براءة إذ لم أكتشف بعد ما يدور في

خلدها ، حينها تفاجأت باقتراحها الذي لم أكن 

أتوقعه حيث طلبت مني أن أتزوجها و هي تتكفل

بجميع المصاريف داخل الوطن و خارجه .

لا أنكر أنني صدمت من طلبها هذا ، و انتابني 

إحساس غريب ، كدت أفقد معه صوابي ، فقد

امتزجت الفرحة بالأسى ، فهي تقريبا في سن

والدتي ، فكيف بابن التاسعة و العشرين أن يقترن

بامرأة أرملة تجاوزت الخمسين ، تريثت في إبداء

رأيي بينما أخذت هي تتودد إلي و تعدني وعودا

مغرية ، طلبت منها مهلة للتفكير دون أن أبدي

امتعاضا مما سمعت .

لم أشأ أن أخبر أحدا بأمري ، لأنني على يقين أن والدتي سترفض رفضا قاطعا زواجي من تلك السائحة المسنة ، و هكذا  بت ليلتي أفكر و أرجح

رأيا على رأي ، و أخيرا صممت على أن أدخل هذه

المغامرة ، و حقيقة الأمر أنني رجحت الجانب المادي و حياة الرفه على سعادتي الزوجية ، و ما

يدريك لعل الله يجعل من أمري يسرا .

استيقظت باكرا ، استحممت و خرجت إلى حيث

يقيم السياح ، وجدتها في انتظاري و قد تزينت

و لبست أفخر ملابسها ، عانقتني و قبلتني ، 

أبلغتها قراري بالموافقة على الزواج منها شريطة ألا تخبر أحدا حتى تتم مراسم عقد القران.

وافقت على الشرط و ضمتني إليها و أخذت تقبلني في كل مكان من وجهي ووووو.

مرت ثلاثة أشهر و كأنها ثلاثة عقود ، كنت خلالها

أهيئ أمي لتتقبل الأمر الواقع ، و كنت أقول لها

أن هذه السائحة لا تكبرني إلا بقليل ، و طالما امتدحت طباعها و محاسنها أمام أمي عساها ترضى عما أنا مقبل عليه .

رن هاتفي و إذا الاتصال منها تخبرني أنها في الطريق إلينا ، حضرت أمي كل ما باستطاعتها

تحضيره ، وصلت السائحة " شارلوت "

محملة بالهدايا الكثيرة لأمي و أختاي و كأنها هي الأخرى تستجدي ودهن و محبتهن لها .

انتهت مراسم الزفاف على نفقتها ، و انطلقت نحو عالم آخر يختلف تماما عما ألفته و لكن سرعان 

ما تكيفت مع الأجواء هناك بفضل مساعدتها  ،

لأنها كانت تحبني حبا كبيرا بحيث لا تعصي لي

أمرا ، بل توسطت لي في إيجاد عمل في إحدى الشركات براتب محترم ، أعدت اجتياز مباراة السياقة حسب القانون الفرنسي ، فاشترت لي 

سيارة ، و أصبحت أعيش حياة مريحة ، 

و لم أنس أمي و أختاي ، فقد كنت أرسل لهن

ما يكفيهن و زيادة ، و أتصل بهن عبر الهاتف

لأطمئن على أحوالهن ، و كانت أسعد اللحظات

 حين أسمع أمي و هي تدعو معي .

أخذت وعدا على نفسي أن نقضي إجازتنا السنوية

في زيارة أسرتي بالقرية ، و هو الأمر الذي دأبنا

عليه حتى بعد أن تزوجت أختاي و توفيت أمي .

كم كنت أود أن أرزق بمولود ولكن بلوغ زوجتي

" شارلوت " سن اليأس حال دون تحقيق هذه الرغبة التي بدأت تستحود على تفكيري و أحالت

حياتي بؤسا و تعاسة ، فأقراني من أبناء القرية

لهم أولاد و بنات و أنا محروم من هذه النعمة ،

مما جعلني أفكر في الارتباط مرة أخرى بزوجة

ولود ، و لكن ما السبيل إلى إقناع " شارلوت "

خصوصا و أننا أحببنا بعضنا حبا شديدا ، و هي لم تقترف ذنبا ، أو ساءت تصرفا ، فعدم الإنجاب ليس عيبا منها ، و هو أمر كنت أعلمه و تقبلته بداية الأمر ، فكيف اليوم و بعد كل تضحياتها أستبدلها بأخرى ، لا أظنها توافق بل إن أخبرتها سأشق صدعا لا يرأب في علاقتنا و قد ينتهي بما لا يحمد عقباه . لهذا فكرت مليا في العواقب 

و طردت تلك الهواجس من ذهني و قررت ألا

أعكر صفو حبنا ، و أن أواجه تحريض أصدقائي 

من أهالي القرية بالتجاهل و التغافل ، فليس 

من المروءة أن أعض اليد التي أحبتني 

و انتشلتني و أسرتي  من الفقر .

استمر الحال على ما هو عليه ، حب و احترام

متبادل قلما تجده في بنات جيلنا .

أنا الآن تجاوزت من العمر الأربعين و " شارلوت"

تجاوزت الستين و لكننا نعيش حياة الشباب 

بكل معانيها الحقيقية دعامتها الصدق و الصراحة ،

و لم يعد يهمني من كلام الناس شيئا ، إذ اتخذت

قرارا أن أزور أخواتي كالمعتاد و أن أتجنب مجالسة الأهالي لأنهم يتدخلون فيما لا يعنيهم ،

فيهم الحسود الحقود و فيهم النصوح الغيور ،

و في جميع الأحوال لا أرغب في سماع ما يعكر

صفو العطلة .....


           💼   بقلم   زايد  وهنا   💼




  

 








2 كن إنسانا 2

             ☚  كن إنسانا  ☚2


تماديت في غيك أياما و أعواما

و بنيت على أنقاض صبري أوهاما

فقابلت لؤمك بعسى ظنا و لعلما ...

استنفدت معك كل أفعال الرجاء

و لا أمل يلوح في الفضاء

وما منك سوى النكران و الجفاء

و اليوم جئت تنشد الصداقة

بعدما أضنتك جراح التعاسة

و يئست من لذة السعادة

أنى لك أن تكون سعيدا

و أنت تخال الناس عبيدا

كيف تكون حليما

و قد أحلت المودة جحيما 

تبدي الورع تكلفا و تصنعا

و تضمر الحسد سما منقعا

تحسب المكر و الجشع ذكاء

و تعد الصدق و القناعة غباء 

تجردت من كل فضيلة

و تدنست بكل رذيلة

وا حسرتاه   !!!

مات فيك الضمير فماتت معه بواعث السعادة

مات فيك الحب و الخير و الجمال و القناعة

فأتيت اليوم و بكل وقاحة تطلب المصافحة 

وا أسفاه  !!!

 جئت بعدما فات الأوان

و بعد أن مات فيك الإنسان

يمينا برب الكعبة و الحرمين

أرفض أن ألدغ من جحر مرتين .


        💼  شعر منثور  بقلم  زايد  وهنا  💼