🔎 إنفاق في غير موضعه 🔎
لم أكن أتصور يوما أن يصل سوء التدبير إلى هذا المستوى الذي نلحظه عند البعض ، تسمعهم يتمدحون ظاهريا ببعض القيم كالكرم و الإحسان و لكنهم في الحقيقة لا يضعونها في موضعها الصحيح الذي يترك الأثر الطيب في النفوس ،
كمن يقيم وليمة يعتبرها صدقة يرجو من ورائها الثواب له
و لوالديه المتوفين، فيدعو لها فئة من أصحابه و معارفه الميسورين ، و لا تجد بينهم فقيرا أو يتيما أو أي معوز هو في أمس الحاجة إلى سد الجوع أو قضاء حاجة من الضروريات ، في حين لو أن صاحب الوليمة تصدق بما أنفقه في الوليمة نقدا على الأرامل و المساكين لكان خيرا له ، أو كالذي يرتاد مطعما فاخرا ليظهر بمظهر الطبقة الراقية حسب اعتقاده ، فينفق على وجبة عشاء مبلغا كبيرا ، في حين أن مثل تلك الوجبة في مطعم آخر هي أقل تكلفة و ألذ طعما من الأول ، فلو ارتاد المطعم الأرخص و تصدق بالفرق بينهما على فقير لكان خيرا له ، أو كالذي يشتري حذاءا أو لباسا بمبلغ كبير قد يتعدى ثلث راتبه ، لا لشيء و إنما ليقال عنه أنه من مستوى راق ، و لو فكر قليلا لاشترى ما اشتراه بنصف المبلغ الذي أنفقه ، من غير أن ينقص من جودة المنتوج شيئا ،
و ينفق الفرق بين هذا و ذاك على المساكين، أو كالذي يشتري سيارة فارهة بمبلغ خيالي قد يفوق مائة مليون ، ظنا منه أن السيارة هي من ترفع قدره بين الناس و تجعل له قيمة في أعينهم ، و لو كان في قلبه مثقال ذرة من الرحمة لاشترى سيارة فارهة بنصف المبلغ الذي اشترى به الأولى و أنفق الفرق بينهما في أوجه البر و الإحسان ، أو كالذي ينفق على كلبه مبالغ كبيرة جدا ، و لا ينال الخادمة التي تشقى اليوم كله في بيته غير مبلغ زهيد يكاد لا يكفي لسد أدنى ضرورياتها .
و قس على ذلك أمثلة كثيرة لهذا البذخ و الترف المبالغ فيه بصورة مقيتة و التي نراها سائدة في مجتمعنا ، فليست الولائم الدسمة و لا السيارات الفارهة و لا الثياب الفاخرة هي من تصنع الرجال و تبوئهم المنزلة الراقية ، و لو كانت كذلك فلماذا يشكو أغلبهم من التعاسة رغم ثرائهم ، لأنهم بكل بساطة انساقوا وراء المظاهر الزائفة ، و ضيعوا على أنفسهم المعنى الحقيقي للسعادة .
إن السعادة الحقيقية نسبيا لا تنال إلا بالعلم النافع الذي يصير صاحبه على جانب كبير من الوعي المقرون بالأخلاق الفاضلة من قناعة و تواضع و عطف و إيثار و تعاون و تسامح و غيرها من الفضائل التي ترفع من شأن صاحبها و تسعده .
إن الله سبحانه و تعالى الذي يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه ، هو الذي نهى عن التبذير و الإسراف المبالغ فيه و هو من أمر بالإحسان ، و لعل تفاوت الأرزاق بين الناس هو للغاية نفسها يدبرها بحكمته و يبتلي بها من يشاء من عباده .
ففي مجتمعنا فقراء معوزين و يتامى و أرامل ، هم في أمس الحاجة إلى القليل من المال قصد سد الرمق أو العلاج أو التعلم أو الحصول على سكن جد متواضع ، فلو نظر هؤلاء الميسورون نظرة العطف و الحنان و رقت قلوبهم لحال الضعفاء البائسين ، و خصصوا القليل مما يبذرونه في التفاهات و تصدقوا به على من يحتاجه لتذوقوا حلاوة السعادة الدنيوية و لفازوا بالسعادة الآخروية يوم يعرضون على خالقهم حيث لا ينفع لا مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
💼 بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق