النادلة

                       ☕   النادلة  ☕


جلست بإحدى المقاهي أبتغي الاسترخاء من التعب بعد يوم شاق ، و إذا برجل طويل القامة

أنيق الهندام يتأبط جريدة الصباح ، يبدو رجلا

متعلما مثقفا .

بعد أن اعتدل في جلسته ، أتت نحوه النادلة ،

و في هدوء و احترام وقفت أمامه تنتظر أوامره

فيما يرغب في احتسائه ، رفع بصره نحوها 

و لم ينبس ببنت شفة و إنما أخذ يرمقها بنظرات 

لا توحي بالبراءة ، استغربت النادلة هذا التصرف ، و استدارت دون أن تقول شيئا  و راحت تتفقد باقي الزبناء ، و إذا بصاحبنا ينادي عليها بلهجة

يشوبها التكبر و العجرفة ، و طلب منها أن تأتيه

بفنجان قهوة ، بعد لحظة وجيزة جاءت النادلة

بما طلبه ، وضعته أمامه و تنحت جانبا ، و لكن

صاحبنا نادى عليها مرة أخرى ، و همس لها بكلام

لم أسمعه و لكن سمعت ردها ، فقد خرجت عن

صمتها و كأنها الرعد المدوي ، و خاطبته قائلة :

 "  كيف طاوعتك نفسك أن تتكلم بهذه الوقاحة

و السفاهة ، أتظن أن كل النادلات على نفس الخلق ، ألا تخجل من نفسك ، مظهرك يوحي بعكس سلوكك ، و ختمت كلماتها بالمثل العامي

ألمزوق من برا أش خبارك من داخل " .

صدم صاحبنا بهذا الرد الذي لم يكن يتوقعه ، 

و امتقع لون وجهه ، و قد علته صفرة ، خصوصا 

و أن كل رواد المقهى قد سمعوا لهذا الرد المفعم بالغضب ، و الكل ينظر إليه نظرة ازدراء ، إذ لا أحد من الحاضرين كان يصدق أن يصدر منه ما صدر ، 

قام دون أن يلوي على شيء و غادر المقهى ، يجر

أذيال الخيبة ، و نظرات السخرية تتبعه .

أصبح حديث الزبناء يدور حول هذه الواقعة ، 

و قد سمعت أحد الرواد الدائمين يمتدح أخلاق

النادلة و مستواها العلمي فهي طالبة في الجامعة ، و أن ظروفا قاهرة دفعتها للعمل كنادلة في المقهى .

هنا قلت في نفسي عجبا نادلة تعطي درسا في

الأخلاق لرجل يخال نفسه متحضرا و مثقفا .

و تيقنت حينها أن المظاهر قد تخدع أحيانا ،

و أن الحكم على الناس لا يكون بالمقاييس التي 

يظنها البعض ، فليس كل من يرتدي لباسا أنيقا

هو بالضرورة مثقفا و خلوقا ، و ليست كل النساء

اللواتي يزاولن مثل هذه المهن هن منحرفات .

لهذا ينبغي أن نحترم و نقدر الناس بغض النظر 

عن مهنهم ، و نعلم أن كل إنسان ميسر لما خلق له ،

و أن كل فرد له دور مهم في حياتنا ، و صدق

الشاعر حين قال :

     الناس من بدو و حاضرة بعضهم

                   لبعض و إن لم يشعروا خدم

و قال آخر :

      المرء بالنفس لا بالجسم مرتفع

                 و السيف بالنصل لا بالغمد و الحلل


                 💼   بقلم    زايد  وهنا   💼


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق