😢 حارس العمارة 😢
لا أحد يناديه باسمه ، الكل يناديه " اعميمي"
نسبة إلى كلمة عمي تصغيرا و تحبيبا ، حتى كاد هو نفسه أن ينسى اسمه الحقيقي ، رجل في الستين من عمره ، قضى زهاء عشرين عاما في حراسة عمارتين متلاصقتين تضمان أزيد من ست عشر شقة .
ماتت زوجته العاقر منذ زمن بعيد ، فآل على نفسه ألا يتزوج ثانية ، و اتخذ لنفسه غرفة صغيرة
بمدخل العمارتين ، كان أحد السكان القدامى
" الحاج " قد توسط له في امتلاكها منذ أن تولى حراسة العمارتين .
رجل خدوم بشوش لا يرد لأحدهم طلبا ، رغم كبر
سنه ، كل سكان العمارتين يمتدحونه لنبل أخلاقه
حتى صار مضربا للمثل في الأمانة و الصدق ،
فكان السكان يستأمنونه على شققهم و يتركون
عنده مفاتيحها و هم مطمئنين بحيث لا يساورهم
أدنى شك في ذلك ، و يسرون له بأسرار بيوتهم ،
فأصبح " اعميمي " يعلم أدق الأمور عن كل أسرة
منهم ، بل يساعدهم في تربية أبنائهم و بناتهم ،
و كأنهم حفدته ، يطيعونه أكثر من أوليائهم ،
فرغم أنه لم يخلف أبناء إلا أنه يعتمد أساليب تربوية أساسها النصح و المراقبة و طرقها اللعب و التهريج ، فاكتسب بذلك حب الأطفال و ثقتهم ،
فلا يمكن لأحدهم أن يدخل العمارة أو يخرج منها
دون أن يكلمه و يمازحه في احترام و وقار .
أما سكان العمارتين فكانوا حقا لا يبخلون عليه ،
في مأكله و ملبسه زيادة على أجرته بل أحيانا
يقدمون له الهدايا و الإتاوات ، يشاركهم في أفراحهم و أتراحهم و كأنه فرد من العائلة بل
و أكثر .
هكذا قضى صاحبنا عشرين عاما على نفس الوتيرة ، دائم الحركة و الابتسام ، ما حدث يوما أن تضجر من أحدهم صغيرا كان أو كبيرا .
و في صبيحة أحد الأيام ، خرج أحد السكان متوجها نحو المسجد المجاور لأداء صلاة الصبح ،
و نادى على " اعميمي " كما جرت العادة في كل
صبح و لكنه لم يتلق ردا ، فكرر النداء ثانية
و ثالثة و لا مجيب ، طرق باب غرفته طرقا خفيفا
فتعجب إذ وجده غير موصد ، دفع دفة الباب
و دخل ، أشعل الإنارة ، و فوجئ إذ رآه مستلقيا
على ظهره وقد ارتسمت على محياه ابتسامته المعتادة و لكنه جثة هامدة .
نزل كل السكان من شققهم ، و ارتفع عويل النساء
و الأطفال ، إذ لا أحد يصدق أن " اعميمي " قد
رحل فجأة ، و لم يطيقوا على فراقه صبرا ، و لكن
لا مرد لقضاء الله و قدره .
أقاموا له مأتما دام ثلاثة أيام ، ران الحزن على قلوبهم جميعا و ساد المكان صمت رهيب ،
فقد رحل " اعميمي " و رحلت معه البهجة
و السعادة التي كانت تملأ الأرجاء .
💼 بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق