🖒 التحدي الكبير لهيلين كيلر البوذنيبية 🖒
ليس من السهل على فتاة ولدت في أسرة فقيرة ، تعيش في قرية مهمشة بالجنوب الشرقي المغربي ( الطاوس بوذنيب ) ، أن تقطع مسافة ثلاثة أميال يوميا لتتابع دراستها بالإعدادية ، شأنها شأن جميع أبناء قريتها و القرى المجاورة ، فهذا أمر اعتاد عليه هؤلاء التلاميذ حتى غدا عاديا .
و لكن أن تكون هذه الفتاة في سنتها الثالثة إعدادي و هي التلميذة المجدة المتخلقة و تصاب فجأة بفقدان البصر كليا ، فهو في الحقيقة حدث مؤلم و محزن يدمي القلب و تدمع له العيون ،
نعم تلك مشيئة الله و حكمته البليغة في خلقه ،
و نحن راضون بقضائه و قدره ، غير أن مثل هذا الحدث قد يقلب حياة الإنسان رأسا على عقب
و يضطره لملازمة بيته خصوصا و أن الإعاقة من النوع المعجز للرجال فما بالك بفتاة في مقتبل العمر ، و في ظروف مثل ظروفها .
و لكن شاءت قدرته سبحانه و تعالى أن تطفئ نور بصرها و تفتح لها أنوار بصيرتها ، فأودع سبحانه في نفس هذه الفتاة إصرارا و تحديا لم أرى لهما نظيرا إلا عند أبي العلاء المعري و طه حسين
و هيلين كيلر ، هؤلاء الذين سجل لهم التاريخ تحديهم للإعاقة ،و أبى أن يسجل لبطلتنا (مونية رجدالي) رغم أنها قدمت نموذجا في التحدي معتمدة على السمع دون استعمال طريقة ( برايل ) و حققت ما عجز عنه الأوائل و الأواخر .
لم تستسلم للفقر و لا لليتم و لا للتهميش و لا للإعاقة البصرية ، فصممت أن تدرك مبتغاها بما ملكت من عزم و إصرار ، فلا تستغرب و قل ما شاء الله ، فقد حصلت على شهادة الاعدادي بامتياز ،
و بعدها شهادة الباكلوريا سنة 2014 بميزة مستحسن و هي المناسبة التي تم فيها تكريمها بدار الشباب ببوذنيب و كنت أنا العبد الضعيف منشط
و مقدم فقرات تلك الأمسية التي أبكت و أفرحت جميع ساكنة بوذنيب .
لم تكتف ابنتنا مونية رجدالي بهذا التتويج بل كان لها حافزا على مواصلة التحدي ، إذ التحقت بمدرسة المكفوفين بالرباط ، و لا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل للأخ سعيد حمي ابن قرية بني وزيم الذي قدم لها يد المساعدة ، فقضت بها سنة كاملة ، انتقلت بعدها الى الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية شعبة الدراسات الاسلامية ،
و في السنة ما قبل الإجازة ، التحقت والدتها بالرفيق الأعلى مما عمق جراحها و اكتنف الأسى عالمها المظلم ، و لكن إصرارها المشع حماسا كان أقوى من هذه المآسي التي تكالبت عليها ،فنفضتها خلفها و تابعت دراستها حتى نالت شهادة الإجازة سنة 2018 بميزة حسن بأطروحة تحت عنوان :
" الودائع في البنوك الاسلامية " .
و في انتظار أن يفتح الله بابا لوظيفة تناسبها ،
ارتأت هذه المناضلة ألا تضيع الوقت ، فقد انضمت حاليا إلى جمعية الإمام مالك لتحفيظ القرآن الكريم بالرشيدية لتكمل حفظه و تغترف من علوم اللغة و النحو و غيرها ما يزيدها ثقافة و إلماما في تخصصها .
عزيزي القارئ ، أليس هذا التحدي مما ينبغي
أن يسجله التاريخ بمداد من ذهب على صفحات بوذنيب ، فإن لم يفعل ، فهاأنذا أوثقه قدر ما استطعت و ذلك أضعف الإيمان .
فمثل هذا التحدي صراحة لم تره عيني و لا جال بخاطري يوما أن فتاة في مثل هذه الظروف تحقق ما حققته مونية رجدالي .
فالله جل في علاه نسأل أن ييسر أمرها و يفتح لها أبواب الخير ، و أن يعوضها من حيث لا تحتسب ،
أيها الشاب البوذنيبي ، أيتها الشابة البوذنيبية ، لقد حباكم الله بصحة الأبدان و سلامة
الحواس ، فلا تستكينوا للكسل و التواكل ،
و شمروا على سواعد الجد ، و اجعلوا خيار القوم أسوة لكم في الحياة ، و دللوا الصعاب بحماس
و أنتم ترددون :
إني و إن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطع الأوائل
💼 محبكم في الله زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق