😅 مسرح في ورشة 😂
لا يمكنك أن تمر أمام ورشته دون أن تسترعي انتباهك آلة التصوير التقليدية و هي عبارة عن صندوق خشبي ملفع برداء أسود على شكل كيس، تحمله ثلاثة أدرع خشبية يتوسطها سطل به ماء ، و أمام بوابة عدسته رداء أبيض كخلفية للصورة ملتصق بجدار السارية ، و إلى جانبه مرآة
و مشط ، يستعملها في تصفيف شعره كل من يتأهب لأخذ صورة ، طبعا من غير ألوان ، قد يحتاجها في بطاقة التعريف أو كناش الحالة المدنية آنذاك .
كما لا يمكنك أن تمر أمام ورشته دون أن تستوقفك ضحكاته و قهقهاته و هو يمازح جلساءه أو أحد المارة بمستملحاته و ما أكثرها .
فإن لم تسترعي انتباهك آلة التصوير العتيقة ، و لم تستوقفك ضحكاته و قهقهات جلسائه ، فإنك
و لا شك ستنجذب إلى صوت الحاكي ( tourne disque) و هو يشنف أسماع المارة بأغنية ( الباسبور الأخضر ) أو ( يا ابن سيدي و يا خويا )
أو ( بناصر أو خويا و حادة و عكي ) أو ( قصة ابراهيم الخليل ) أو ( بنت بلادي زينة ) أو ( جاري يا حمودة ) ، و قلما تسمع شيئا آخر غير هذه التي ذكرنا ، فإن لم تسمع شيئا فاعلم أنه منهمك في إصلاح مذياع داخل ورشته الضيقة الممتلئة عن آخرها بالأجهزة المعطلة من شتى الأشكال
و الألوان ، و في ركن منها دراجته النارية الحمراء
و التي لا يخرجها إلا مرة واحدة في السنة ، يوم ثالث مارس حيث كان الناس يحتفلون بعيد العرش ، كان هذا في أواخر الستينيات و بداية السبعينيات .
لعلك الآن عزيزي القارئ قد عرفته خصوصا إذا كنت تنتمي للجيل الذي عاصره ، و للمزيد من الإيضاح هو رجل نحيف الجسم قصير القامة ، كثير المزاح ، إذا جالسته أسمعك من المستملحات ما ينسيك همومك و يبعث فيك نفسا جديدا لمواجهة الحياة .
و من طرائفه و ما أكثرها سأقتصر على واحدة أظنها كافية ليعرف القارئ مدى ما يتميز به هذا الرجل من خفة ظله و لطف مزاحه ، فقد حدث مرة أن وجد عجوزا يهودية أرملة ( أيام كان اليهود ببوذنيب ) واقفة بباب مركز القيادة ، جاءت تشكو مكتريها الذي لم يرد أن يسدد لها ما عليه من دين ، فسألها بشير عن سبب مجيئها إلى القيادة ، فأفضت له بكل التفاصيل ، فطمأنها و وعدها بأن يتكلف هو بالدفاع عنها شريطة أن تذهب معه و تقول أمام الحاكم أن ما يقوله بشير هو الصواب ، فما كان منه إلا أن أدخلها إلى مكتب العدول و قال لهما أنه يريد أن يتزوج من هذه اليهودية ، و أمرهما بكتابة العقد ، و ما دام العدلان يعرفان مزاحه ، فقد ارتفعت الأصوات بالضحك و مما زاد الفرجة متعة عندما سأل العدلان العجوز اليهودية عن صحة ما يقوله بشير ، فأومأت برأسها قبولا ظنا منها أنه يترافع على مشكلتها التي جاءت من أجلها ، فتعجب الجميع و هو يقول لهم أنها تحبه و يحبها فما المانع من الزواج ، اجتمع كل موظفي القيادة يتفرجون على هذه المسرحية و كاد الجميع يموت من شدة الضحك خصوصا عندما يسألها العدلان ، أتقبلين بهذا فتجيب على الفور أنها موافقة على كل ما يقوله بشير ، فلم يجد العدلان حلا إلا بطردهما من القيادة ، و أمام القيادة سألت اليهودية بشير عما وصل إليه من حل في مشكلتها مع المكتري ، فقال لها أن ترجع إليهما في الغذ و ستجد نقودها عندهما ، و هكذا سيخلق للعدلين مشكلا جديدا
عندما تزورهما اليهودية في الغذ .
هكذا كان رحال بشير المعروف ب( الحمان) يخلق المواقف الفكاهية في زمن لم يكن فيه تلفاز و لا قاعة مسرح .
رحمه الله و أثابه الأجر الكبير على ما كان يروح به عن الناس ، و رحم الله جميع أمواتنا و جمعنا بهم في مستقر رحمته .
هذا حال الدنيا و دوام الحال من المحال ، و خير الزاد تقوى الله ، و المعاملة الحسنة و الاحسان إلى الخلق سبيل أهل الجنة .
💼 من ذكريات زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق