🎻 الأثر الطيب 🎻
جميع أهل البلدة يعرفونه بلقب اشتهر به ، فإذا اقتصرت في حديثك على ذكر اسمه فقط
(عبد الرحمن ) ، فاعلم يقينا أن محاورك سيسألك أي عبد الرحمن تقصد لأن كثير هم الذين يحملون هذا الاسم ، فإذا أضفت اللقب ( الدوحو ) بتشديد الحرفين معا أو أضفت إحدى حرفتيه كأن تقول
( الحلاق ) أو ( الحجام : الختان : الطهار ) ، آنذاك تكون قد استثنيته عن أشباهه في الاسم .
عرفت هذا الرجل و أنا في سن مبكرة ، حيث كان من الأصدقاء المقربين إلى والدي عليهما رحمة الله ، و رغم صغر سني فقد أعجبت بهذا الرجل لا لشيء و إنما لأنه مطرب يعزف على آلة العود
و يغني قصائد و أغاني جميلة كان لها الأثر البالغ في نفسي ، سيما و أن والدي كان يدعوه أحيانا إلى بيتنا ليسمع منه بعض القصائد الدينية من فن الملحون ، فكنت أجلس بجانبهما و أنا جد متشوق
للإستماع و كانت تلك اللحظات من أسعد الأوقات التي أتمنى ألا تنقضي ، و إن انقضت أن تتكرر قريبا
هكذا بدأ إعجابي بهذا الرجل يزداد شيئا فشيئا مع مرور الوقت .
لما بلغت سن النضج عرفت أنه من قرية بني وزيم ( آيت عشة ) من عائلة كبيرة معروفة ب
( آيت يطو ناصر ) و قد غادر القرية في شبابه بحثا عن لقمة العيش ، زار الجزائر و مكث بها بضع سنين ، ثم رجع الى المغرب و عمل في مناجم أحولي بميدالت في بداية الستينات ، و بعدها انتقل إلى بني تدجيت باقتراح من والدي الذي كان تاجرا هناك و امتهن حرفة الحلاقة في نفس الشارع الذي كان فيه متجر والدي ، و هناك بدأت بوادر إعجابي به .
شاءت الأقدار أن تعود أسرتي إلى بلدتنا بوذنيب ، و من حسن حظي أن لحقت بنا أسرة عمي عبد الرحمن ، فاجتمع الشمل من جديد ، و أصبحت أحضر تلك الجلسات الغنائية سواء في بيتنا أو في بيته أو في بيوت أقاربه .
لعل قصيدة " كل نور من نور الهاشمي كمل" التي كثيرا ما كان يفتتح بها السمر الفني هي أول قصيدة من فن الملحون حفظتها و عشقتها
و همت بها حتى أضحت لا تفارق لساني ، و لا غرو إذا قلت أنها الارهاصات الأولى في عشقي لفن الملحون ، كما كان رحمه الله يتقن الغناء باللسان الأمازيغي ، و ذلك راجع لنشأته وسط قبيلة أغلب سكانها من الأمازيغ ، و لذكائه الحاد في اكتسابها .
في أواسط السبعينيات مات " با جيلالي " رحمه الله ، الرجل الذي كان آنذاك يختن الصبيان ، فأخذ عنه عمي عبد الرحمن تلك الحرفة التي اكتسب تقنيتها من خلال مساعدته له في كل عملية ختان ،فحمل مشعلها و أصبح يزاولها بمهارة فائقة ، ربما فاقت معلمه إتقانا ، بإدخاله لتقنية تعقيم الأدوات . و من طريف ما شاهدته ، أنه يقتني كمية من الحلوى يضعها في جيبه ، فإذا زار مختونا أو التقى بطفل كان قد ختنه يسلمه واحدة ، فسألته يوما عن السر في ذلك ، فأخرج واحدة من جيبه ، سلمني إياها و أفصح لي عن سبب ذلك بقوله أن الطفل بعد الختان و من شدة خوفه يكره أن يرى الحجام ، بل يصبح الحجام في نظره عدوا لدودا ، سيما و أن الناس قديما كانوا لا يختنون أولادهم إلا بعد السنة الثانية فما فوق ، لذلك تبقى صورة الحجام عالقة بأذهانهم فيكنون له البغض
و الكراهية ، و أنا أحاول أن أمحو تلك الصورة من أذهانهم بإعطائهم الحلوى عساهم يغيرون نظرتهم للحجام ، و قد ورث عنه ابنه عمر ناصيري حرفتي الحلاقة و الختانة ( الإعذار ) ماعدا التبرع على الصبيان بالحلوى فهذه تبقى خاصة بوالده .
ذاك هو عمي عبد الرحمن ناصيري ( الدوحو )،
عليه و على والدينا و والديكم رحمة الله ، رجل سهل المراس ، لين المعاملة ، صفي السريرة ،
كثير الابتسامة ، أسأل الله جلت قدرته أن يتغمده برحمته و يجمعه بوالدينا في الفردوس الأعلى ، إنه على ما يشاء قدير و بالاستجابة جدير .
عزيزي القارئ هذا واحد ممن بصموا تاريخ بوذنيب ، فانهل من ذكراهم عبق الفضائل و خذ من سيرهم العبر و المواعظ ، و اعمل أنت كذلك لتترك أثرا طيبا تلحقك به رحمات الناس لعل الله يغفر ذنوبنا .
💼 سائل الرحمات : زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق