رجل أحب بوذنيب و أحببناه

 💙  رجل أحب بوذنيب فأحببناه  💙


      هو خريج مدرسة القرويين ، التحق ببوذنيب في بداية السبعينيات ليعمل مدرسا بمدرسة تزوكارت ، و مساعدا لإمام المسجد في تلاوة الحزب و مجالس الذكر و إمامة الصلاة في غياب الإمام .

رجل بشوش يعامل الجميع معاملة حسنة و ينزل الناس أنسب منازلهم ، انتقل صاحبنا إلى مدرسة الطاوس قريبا من بوذنيب حيث قضى بها خمس سنوات ، معلما للأطفال و واعظا للكبار .

في سنة 1977 انتقل إلى المدرسة المختلطة بمركز بوذنيب ، و فيها تعرفت على هذا الرجل عن قرب خصوصا لما التحقت للعمل معه في نفس المدرسة .

أقول و بكل صراحة أنني لم أر يوما هذا الرجل غاضبا أو متجهما ، بل بالعكس تراه مبتسما يزرع روح الدعابة و يروح عن نفس المهموم ، كان يجد لكل نازلة حكاية مشابهة يحكيها لنا و يستخلص منها العبر ، فكان الجميع يستحلي مجالسته 

و الاستماع لمواعظه و نوادره ، إذا رأيته على هذه الحال أجزمت في قرارة نفسك أن هذا الرجل لا يشكو من أي مشكل من مشاكل الحياة اليومية التي يشكو منها الآخرون .

قضى زهرة شبابه و كهولته بيننا على هذا الحال بين التدريس و مجالس الذكر ، له على بوذنيب غيرة ربما أكثر من كلميمة التي هي مسقط رأسه .

من طرائفه الممتعة و ما أكثرها سأقتصر على واحدة ، كنت أنا طرفا فيها ، فقد حدث مرة أن كان مدعوا عند أحدهم لمأدبة غذاء ، فتأخر صاحب الوليمة عن تقديم الطعام حتى اقتربت الساعة من الثانية زوالا مما اضطر معه صاحبنا للمغادرة قصد الالتحاق بالمدرسة دون أن يتناول وجبة الغذاء ،

خوفا من التأخر عن حصة التدريس الزوالية .

وصل في الوقت المحدد إلى المدرسة و انطلق كل منا إلى فصله ، و بعد ساعة من العمل رأيت رجلا ممن يجالسونه في مجالس الذكر قد دخل إلى المدرسة و اتجه مباشرة نحو القاعة التي يعمل بها صاحبنا و هو يحمل تحت جلبابه شيئا ، عندها عرفت بأن الوافد يحمل طعاما للأستاذ مادام قد غادر بيت الضيافة دون أن يتناوله .

قدم له الطعام و غادر الى حال سبيله ، لحظتها راودتني فكرة شيطانية و قررت أن أسرق له طعامه و أقتسمه مع الآخرين ،و فعلا طلبت من أحد الزملاء أن يستدرجه بعيدا  ، تسللت إلى القسم الذي يعمل به و أخذت الطعام الملفوف في منديل ، و ذهبت به إلى قاعة الأساتذة .

كشفت الغطاء فإذا هما رغيفان من الخبز ممتلآن باللحم ، قسمت الخبز و اللحم بالتساوي حسب عدد الأساتذة ، أثناء الاستراحة طفت عليهم جميعا بحيث أخذ كل واحد نصيبه ، فإذا بصاحبنا يأخذ نصيبه كالآخرين و هو يقول بهدوء و الابتسامة لا تفارق محياه :

 "  لقد فعلت صوابا ، فنصيبي من تلك الوليمة هو هذا الجزء اليسير ، سبحان مقسم الأرزاق "

و قد لامني أحدهم على هذا التصرف فما كان منه إلا أن قال :

 " لا تلمه فالذي فعل هو الصواب ، و الرزق مقسم بين العباد من رب السماء "

ضحك الجميع و عدنا إلى فصولنا بعد فترة الاستراحة و الكل فرح مبتهج مسرور .

     هكذا كنا و كان معنا هذا الرجل حتى سنة 1995 حيث انتقل إلى مدينة كلميمة ، و كان فراقه صعبا أبكى الجميع .

هناك بمسقط رأسه أكمل مهمة التدريس حتى أحيل على التقاعد سنة 2002 ، و تفرغ للأعمال الخيرية فكان يحفظ الناشئة القرآن الكريم و يقدم دروس الوعظ و الإرشاد بالمساجد ، حتى وافته المنية يوم الجمعة 15 يناير 2016 .

        لعلك عزيزي القارئ قد عرفته الآن ، إنه المرحوم السيد ملالي حسن الذي أحب بوذنيب 

و أحببناه ، تغمده الله بواسع رحمته و أسكنه فسيح جنانه و جعل صالح أعماله في ميزان حسناته ،و جمعنا به ووالدينا في مستقر رحمته .

كما نسأله جلت قدرته أن يلهم شبابنا و ناشئتنا إلى طريق الصواب و أن يغترفوا من ينابيع السلف الصالح نبل الأخلاق و كريم الشيم .

العمر قصير و الحياة مجرد جسر نعبره في رمشة عين ، فلينظر كل منا إلى ما قدمت يداه ، فاليوم عمل و لا جزاء و غذا جزاء و لا عمل .


          💼   العبد المذنب   زايد وهنا   💼

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق