لا عذر لك

                          🔍   لا عذر لك  🔎


         في زمان ما و مكان ما ، التقيت صدفة بأحد زملائي في الدراسة ، سعدت بلقياه إذ جعل ذاكرتي تنتعش من جديد و تستحضر ذلك الماضي

البعيد حيث كان يجمعنا فصل واحد و أمل واحد

أن نكسر حاجز الفقر و نحقق لأنفسنا مستقبلا زاهرا بالحصول على وظيفة محترمة  ننتشل بها أسرنا من براثين الفقر فنستمتع كغيرنا من الموظفين بملذات الحياة التي حرمنا منها أيام الصبا و الشباب .

جلسنا طويلا بأحد المقاهي و تجاذبنا أطراف

الحديث نتنقل بين الذكريات حلوها و مرها 

و حتى المر منها آنذاك أصبح الآن ذكرى حلوة ، يتمنى المرء لو أنها تعود ثانية و لكن هيهات !

سألته عن أحواله فطمأنني موضحا أنه يشتغل هو كذلك في قطاع التعليم و أن له زوجة و أبناء ، 

خضنا في أحاديث كثيرة كان جلها عن العمل 

و المصاعب التي تعترض رجل التعليم في أداء رسالته على الوجه المطلوب و كذا بعض الطرائف التي تحدث أحيانا ، و من جملتها طريفة حدثت لهذا الزميل ،  استرعت انتباهي و وقفت عندها كثيرا إذ تحمل من العبر و الدروس ما يجب أن يضعه في الحسبان كل مشتغل في هذا القطاع الحساس .

فقد حكى لي زميلي هذا أنه كان يدرس في إحدى 

القرى النائية و ذلك في بداية مشواره المهني ،

و حدث أن توفي رجل من أهل تلك القرية الصغيرة أثناء غياب إمام المسجد ، و ليس بالقرية

من ينوب عنه في الصلاة على الجنازة إذ كل أهالي

القرية لا يعرفون شيئا عن ذلك ، مما اضطرهم إلى

طلب المساعدة من الأستاذ هذا الأخير الذي لا 

يعجزه شيء في نظرهم ، فتوجه بعض أعيان

القبيلة نحو بيت الأستاذ - زميلي هذا - و طلبوا

منه أن يصاحبهم ليؤمهم في الصلاة على الميت ،

فإذا بصاحبنا يعتذر لهم بأعذار واهية حتى لا يضع

نفسه موضع السخرية إذ هو نفسه يجهل كيفية 

الصلاة على الميت ، و لم يبق أمامهم سوى 

الاستنجاد بإمام قرية تبعد عنهم بحوالي عشرين كيلومترا .

كان هذا آخر حديث بيننا ثم افترقنا على أمل أن

يتجدد اللقاء في وقت لاحق ، ودعته و أنا أشعر بالخجل مكانه ، إذ لا يليق في نظري بالأستاذ أن يجهل مثل هذه الأمور البسيطة ، فهي من

الأولويات التي ينبغي أن يحرص على اكتسابها ،

فهو قبل كل شيء مسلم و معلم الأجيال ، فلا بد أن يكون ملما ببعض الأمور البسيطة في الدين ،

كالوضوء و التيمم و الصلاة بكل أنواعها ، سيما 

و أنه يعمل في مجتمع صغير جدا ، حتى

لا يعرض نفسه للسخرية من الناس ، و يقلل من

تقديرهم له ، فتسقط عنه القدوة و الكفاءة في

أعينهم و أعين تلامذته ، و هو ما ينعكس على

مردوديته سلوكا و عملا .

فالشائع بين أهالي القرى الصغيرة النائية أن 

الأستاذ هو المرجع و المصدر الموثوق و المنقذ

في كل النوازل ، كثيرا ما يرجعون إليه ليستشرونه

في أمور شتى ، لهذا ينبغي أن يكون على جانب

من المعرفة خصوصا في الأمور البسيطة مثل

هذه ، أما الأمور الأكثر تعقيدا فهي لذوي الاختصاص و لا يلام على عدم الإلمام بها .

ختاما أرى من وجهة نظري المتواضعة أن الأستاذ

الناجح لا بد له من شروط أربعة إذا أخل بواحدة منها اختلت لديه قدسية الرسالة الملقاة على عاتقه

و هذه الشروط هي :

      ⏺ القدوة

      ⏺ الكفاءة

      ⏺ الإخلاص

      ⏺ التواصل .


                    💼   بقلم    زايد وهنا   💼



من الدرس إلى الرمس

             🛏   من الدرس إلى الرمس  🛏


        كان الأستاذ يحال على المعاش في سن الستين بعد أن يكون قد قضى زهاء أربعين سنة في التدريس ، استنفذ خلالها كل طاقاته الفكرية 

و البدنية في تربية الأجيال و تكوينهم ، وتراه ينتظر بشوق كبير ذلك اليوم الذي يودع فيه المؤسسة التعليمية ليتفرغ إلى شؤونه الخاصة ، إذ كل أمله أن يمتع نفسه بما حرم منه طيلة مشواره المهني و لو لسنوات قليلة ، إذ بعدها 

- إن طال عمره - ستبدأ لديه رحلة التردد على 

 المستشفيات و الأطباء عساه يرمم بعض ما خلفته سنوات العمل الشاق من أمراض مختلفة ، 

و لكن في الحقيقة أنى لها أن ترمم و قد استشرى داؤها و لم تعد تنفع معه إلا المسكنات في انتظار الرحيل الأخير ، لذلك تجد أغلب المتقاعدين لا يعمرون طويلا حتى يلتحقوا بالرفيق الأعلى فهم لا يقتنصون من راحتهم بعد التقاعد إلا سنوات عجاف .

هكذا كانت الأمور تسير و قد اعتاد الناس عليها رغم ضنكها و نصبها ، حتى خرجت الحكومة بقرارها المشؤوم فمددت سن التقاعد إجباريا إلى 

ثلاث و ستين سنة بدل الستين المعمول بها منذ فجر الاستقلال ، عساها هي الأخرى أن ترمم عجز 

الصندوق المغربي للتقاعد الذي أشرف على الإفلاس بسبب سوء التدبير و التسيير ، و عوض أن تحاسب المسؤولين عليه المتلاعبين بأمواله ، 

أو أن تدعم الصندوق من جهات أخرى أو من قطاعات غنية ذات فائض ، اتجهت في إصلاحها نحو الأستاذ المسكين لتزيده ثلاث سنوات من العمل فتعمق بذلك جراحه و تفقده الأمل في الاستمتاع بتلك السنوات القليلة المتبقية من عمره

لتستمر معاناته في العمل المضني ، فلا يغادر

المؤسسة إلا محمولا على الأكتاف إلى المقبرة ،

و عوض أن يقام له حفل امتنان و تكرم  ، يقام له حفل تأبين و ترحم .

فنعم التبجيل هذا الذي وفيتموه للذي كاد أن يكون رسولا . 


            💼   بقلم   زايد وهنا   💼

  

ارحموا الناشئة

                         ✏  ارحموا الناشئة  ✏


            سبق و نشرنا مقالا حول بعض التدوينات التي تكتب بلغة عربية ذات مواضيع تافهة و تعابير ركيكة و أخطاء نحوية و إملائية كثيرة تستفز القارئ المتضلع و لا يندى لها جبين الكاتب المتنطع .

كلنا نعلم أن ناشئتنا و شبابنا أصبحوا مدمنين على

تصفح مواقع التواصل الاجتماعي ، فلماذا لا نستغل هذا الإدمان فيما يعود عليهم بالنفع ، فلا

ننشر إلا المقالات الهادفة ، و أن يتحرى كل كاتب الدقة في اختيار المواضيع المفيدة ، و يكتبها بأسلوب راق خال من الأخطاء ، فإذا كان ممن لا يجيدون الكتابة بلغة عربية سليمة ، فلا عيب في أن يستشير خبيرا يساعده في صياغة المقال حتى يخرج في حلة بديعة تستهوي القراء و تنال إعجابهم ، و بذلك يكون من ناحية قد ساهم في إحياء اللغة العربية وفق ما تقتضيه قواعدها 

و ضوابطها و من ناحية أخرى يكون قد ساعد الناشئة في تحصيلها و إتقانها نطقا و كتابة .

أما ما نراه اليوم في أغلب التدوينات فلا يعدو 

إلا أن يكون معولا ينضاف إلى سلبيات الإدمان ،  في هدم جمالية اللغة و إفساد معارف و أذواق الناشئة .


          💼   وجهة نظر الأستاذ  زايد وهنا   💼           

التبعية العمياء

                      🔼 التبعية العمياء 🔼


يقال :

        🍎 كل بشهوتك و البس بشهوة الناس 🍎

         مثل شائع في ثقافتنا الشعبية ، ورثناه عن السلف و ما زلنا نتداوله كلما وجدناه يوافق سياق

الحديث ، و معناه أن تختار لنفسك من المأكولات ما تشتهيه ، و لكن اللباس ينبغي أن تلبس ما يروق

الناس و يوافق أذواقهم ، بحيث لا يكون لك في

اللباس خيار إلا ما يرضي الناس و يبهرهم إذا رأوك

ترتديه . غير أن لي رأيا مخالفا للشطر الأخير من 

المثل ، فكما أنني أتناول من الأكل ما أشتهيه ، فما

المانع أن أرتدي من اللباس ما أشتهيه كذلك ، بغض

النظر عن رأي الناس في ذلك ، إذ المطلوب من

اللباس أن يكون نظيفا ساترا يريح صاحبه ، و قد يزيد على ذلك حسنا إذا كان يوافق خصوصيات

الانسان و يعبر عن أصالته ، أما إذا حاولنا أن نرضي الناس فيما يعشقونه سيما في وقتنا الحاضر ، فالسواد الأعظم من الناس اليوم يرتدون

ثيابا لا أشتهي أن أراها عليهم ، فهي إما ضيقة 

تثير الحرج في الحركة و إما سافرة تبدي مفاتن

لابسها وإما ممزقة و مدلاة تكشف عن أماكن يستحيي الإنسان النظر إليها إلا اختلاسا ، و هذا النوع من اللباس أصبح عاما بين الناس يرون فيه 

الحداثة و الموضة ، فكيف لي أن أرتديه و أنا غير مقتنع به ، و لا مستريح فيه ، فهل أرتديه لأن الجميع يشتهيه ؟ لا أبدا إنه لأمر في غاية السخافة 

أن أفعل شيئا عن غير اقتناع لأرضي غيري سواء

في أكلي أو لباسي أو حتى سلوكي و تصرفاتي ، 

فالمطلوب من الإنسان أن تكون لديه قناعة شخصية في كل المواقف و ألا يغتر بأي تصرف

صدر من الناس ما لم يقتنع بجدواه ، لدى عليه أن يستحضر عقله و يتصرف وفق ما يرضي الله 

و يرضاه الضمير و ذاك لعمري عين الصواب الذي 

يستحسنه عقلاء القوم . 


                 💼   هكذا يرى  زايد وهنا  💼


كيف ننهض بتعليمنا

 ***  كيف ننهض بتعليمنا ؟ ***


            لعل ما نسمعه و نطلع عليه في الاعلام الالكتروني و الصحافة المكتوبة عن جهود الدولة في الرفع من مستوى التعليم الذي وصل حدا من التدني لا يمكن السكوت عنه ، بعدما خضع في العقود الأخيرة لتجارب عديدة لم تزد حالته إلا سوءا ، فقد ارتأت وزارة التربية الوطنية بعد أربع سنوات من البحث و التمحيص أن تحدث  بعض التغييرات على البرامج و المناهج الدراسية في الأسلاك الثلاث مركزة جهودها على التعليم الإبتدائي باعتباره اللبنة الأساس و المنطلق السليم نحو مسيرة علمية موفقة ، و ركزت اهتمامها على إدماج اللغات الحية في سنوات التمدرس الأولى ، ناهيك عن بعض الإصلاحات و الإضافات البيداغوجية التي تساير النظرة الشمولية لتحقيق الأهداف المرجوة .

فإذا سلمنا جذلا أن نية الوزارة صادقة في تحسين صورة التعليم ببلادنا من خلال بحثها عن حلول مناسبة و ملائمة لنساير العصر الحديث و نلحق بالركب الحضاري ، فالذي يعاب عليها هو تركيزها على الجانب البيداغوجي في المناهج و المقررات و إغفالها لجوانب أخرى أكثر أهمية بل و لن يستقيم أمر التعليم إلا بها و أي إصلاح أو بحث أو اجتهاد لن يؤتي أكله في غيابها و هي ما تغفله الوزارة و الباحثون في هذا المجال عن قصد أو غير قصد .

فالطبيب الكفؤ  لا يقتصر في علاجه لمريض يشكو تقيحا في أحد أعضائه بوضع البلسم و الضماد على  العضو المصاب ، بل يدعم ذلك بمضادات حيوية و تنظيف وتعقيم مستمرين ، و يحتفظ بالمريض تحت المراقبة الدائمة لمدة من الزمن 

و غيرها مما يعرفه أهل الاختصاص ....،  و هذا ما ينبغي أن ينطبق على إصلاح التعليم ، فالاهتمام بالمناهج و البرامج و اللغات و البيداغوجيات هي فقط جزء من الإصلاح العام و لن نجني منها ثمارا في غياب النقط التالية :

  ●  الاهتمام بالبنية التحتية للمؤسسات

  ●  توفير مختبرات و مكتبات و معلوميات

  ●  انتقاء الكفاءات العلمية العالية للتدريس ، فقطاع التربية و التعليم هو العمود الفقري ، و هو 

الركيزة الأساسية لنهضة المجتمع و تقدمه ، و رسالته انسانية نبيلة لا يمكن أن يقوم بها إلا الأكفاء ، علما و سلوكا .

  ●  تكوين بيداغوجي لا يقل عن سنتين

  ●  الرفع من مستوى رجل التعليم ماديا 

و معنويا ، و تحسين أوضاعه ليتبوأ المنزلة الاجتماعية اللائقة  ، لأنه هو القدوة و هو مكون أجيال المستقبل .

  ●  تخفيف العبء عن الأستاذ ، خصوصا أستاذ التعليم الإبتدائي .

  ⚫ فتح باب الترقية إلى خارج السلم أمام الجميع .

  ⚫ التراجع عن قرار تمديد سنوات العمل فوق الستين ، فالأستاذ فوق هذا السن يقل مردوده 

و تتكالب عليه الأمراض لأنه قضى أكثر من 38 سنة في القسم ، علما أن مهنته أكثر المهن تعبا .

  ●  إرجاع الهيبة و الانضباط للمؤسسات ، 

و جعل كلمة المدير و الأساتذة فوق كل اعتبار . 

  ●  التصدي الرادع و العقوبات الزجرية لمن تسول له نفسه المساس بالتنظيم الداخلي للمؤسسة أو المس بكرامة الأستاذ تحت أي ظرف كان ، و محاربة الفوضى و التسيب بيد من حديد ، و لا تأخذنا رأفة بمن لا رغبة له في الدراسة ، فطرده أفيد للآخرين .

  ●  الفهم الصحيح و السليم لحقوق الإنسان .

  ●  لا نجاح إلا بالإستحقاق دون خضوع للخريطة المدرسية .

  ●  التركيز على هندام الطالب و حلاقة شعره ، بحيث تكون تربوية أخلاقية غير منافية لقيمنا 

و خصوصياتنا .

  ●  تقديم المساعدة الضرورية و العاجلة لرجل التعليم و لأسرته في قضاء مآربهم بالادارات العمومية الأخرى ، ليتسنى له الالتحاق بعمله .

  ●  جعل الاعلام في خدمة العلم و الأدب ....

بحيث يتم القطع مع التفاهة و كل ما يسيء إلى تربية الأبناء .

و غير هذا  مما يعضد و يدعم العملية التربوية التعلمية ، و يهذب السلوك ، و يوقظ الحس الوطني لدى أبنائنا ليكونوا على كامل الأهبة لتحمل المسؤولية و الرفع من شأن امتنا بين الأمم.

حينها يقينا سنصل الى ما نصبو إليه ، و لن تذهب الجهود سدى ما دمنا قد عقدنا العزم و أخذنا بكل الأسباب الممكنة ، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، فلننتظر الأسوأ ، و هذا ما لا يرغب فيه عاقل غيور محب لوطنه .


            💼 وجهة نظر الأستاذ  :  زايد وهنا 💼

الوتر الحساس

                    🎸  الوتر الحساس 🎸


        مشهد حقيقي من واقع حياتنا اليومية عاينته في وقت مضى ، لا داعي لذكر أسماء الأشخاص و الأماكن لأنني أهفو من وراء هذه القصة إلى استنباط العبرة من أحداثها و ما عدا ذلك لا يهمني و لا يهمك عزيزي القارئ في شيء .

كان الفصل صيفا و منطقة الجنوب الشرقي المغربي معروفة بشدة حرارتها التي تكاد لا تطاق ،

مما يدفع بالكثير من الأهالي إلى السفر لقضاء بعض الوقت من العطلة الصيفية في مناطق 

ذات طقس منعش طلبا للاستجمام و الترويح عن

النفس من عناء العمل الرتيب خلال السنة كلها ، 

جمعت أمتعتي و اصطحبت معي شقيقي ، وتوجهنا نحو منطقة الأطلس المعروفة صيفا

باعتدال طقسها و انتعاش هوائها ، و استقر رأينا على أجمل مدينة بها و التي يؤمها الناس من كل حدب و صوب .

عند وصولنا مباشرة بدأنا رحلة البحث عن شقة

مجهزة بكل الضروريات التي يحتاجها المقيم لبعض الوقت ، شريطة أن تكون تكاليفها على قدر

استطاعتنا ، و نظرا للقيمة السياحية للمدينة لم نجد ضالتنا إلا في حي شعبي ، و هي عبارة عن غرفة واحدة داخل شقة بها ثلاث غرف مكترات لزوار أمثالنا و يبقى المطبخ و الحمام مشترك بين

جميع القاطنين بالشقة .

اشترط علينا صاحب الشقة أن نؤدي المبلغ الكلي مسبقا لعدد الأيام التي ننوي قضاءها علما أن كل يوم بخمسين درهما ، و لم يكتف بذلك بل طلب منا أن نسلمه نسختين من بطاقتي التعريف الوطنية كإجراء عادي يقوم به مع جميع القاطنين بالشقة .

لاحظت أن لسانه العامي تطغى عليه لكنة الأمازيغية ، مما جعلني أتواصل معه باللسان الأمازيغي ، فما كدت أنطق بها حتى تغير كل شيء في الرجل و اعتلت البشاشة ملامحه ، و كيف لا وقد  اكتشف أنني أمازيغي مثله ، حينها تغيرت 

لهجته في الخطاب و ظهر انفراج و انشراح على محياه فأصبحنا نتواصل بالأمازيغية عوض العربية ، و سار بنا الحديث إلى أبعد من ذلك ، حتى أنه شاركنا بعض الأكل و هو يقول  :

  "  لا بأس ، نشركوا الطعام "

 قالها طبعا باللسان الأمازيغي ، فما كان منه إلا أن همس لي قائلا :

 " ما دمتما من أصول أمازيغية فلا داعي لبطاقتي تعريفكما ، و لا داعي للمبلغ مسبقا ، أقضيا ما شئتما من الأيام و أديا أي مبلغ يرضيكما ، فالأمازيغ معروفون بصدقهم و صفاء سرائرهم لا يخدعون أحدا من الناس أبدا " .

هم بالانصراف بعد أن شكرته ، ثم استدار نحونا

قائلا :

  " لا تترددا في طلب أي شيء ينقصكما ، اطرقا باب شقتي بالطابق العلوي متى احتجتما لشيء "

دلفت إلى داخل الغرفة و أغلقت الباب و بقدر ما

استحسنت تعامله معنا و مساعدته لنا وجدتني أقول لشقيقي :

"  سبحان الله ، ما كنت أظن أن التواصل باللسان 

الأمازيغي سيحقق لنا كل هذه التسهيلات "

و لكن شيئا ما في داخلي غير مقتنع بهذا المعيار الذي اعتمده هذا الرجل في المفاضلة بين الناس ، إذ لا يقوم على أساس الأخلاق الفاضلة و القيم 

النبيلة بقدر ما يقوم على النعرة القبلية الطائفية .


       💼  مشهد من الواقع عاينه زايد وهنا 💼





جهاز كشف الكذب

                     🔎 جهاز كشف الكذب 🔎


           من باب الصدف أن كنت جالسا مع ثلة من الأصدقاء بأحد مقاهي مراكش ، و بينما نحن  نتجاذب أطراف الحديث ، وقف أمامنا أحد المتسولين ، رجل بين الخمسين و الستين على ما يبدو ، مد يده طالبا من الجلساء مساعدته لاقتناء تذكرة الذهاب إلى مدينة أرفود حيث يقطن أهله ، و لا أنكر أنه انتابني إحساس غريب عندما سمعت كلمة أرفود ، لأنني أنتمي لنفس المنطقة و إن كانت  بلدتي تبعد عن أرفود ب 120 كلم إلا  أننا جميعا ننتمي لنفس الإقليم ، و لعل هذا ما حرك شيئا بداخلي ، و مما زاد هذا الشعور حرارة أن بعض جلسائي هتفوا بصوت واحد قائلين :

 " هذا ابن منطقتك " ! .

فارت في عروقي دماء الانتماء ، و هزني الشوق 

و الكبرياء خصوصا و أنا أعلم أن سكان منطقتي لا يستجدون إلا عند الحاجة القصوى ، فربما هذا واحد منهم قد تقطعت به السبل ، فاضطرته الظروف لمثل هذا الموقف ،أشفقت لحاله ، 

و طلبت منه الجلوس لأعرف عن الظروف التي رمت به بعيدا عن موطنه ، أبدى تلكؤا و أبى أن

يجلس ، فبادرته بالسؤال عن الحي أو المدشر الذي 

يسكنه بأرفود ، فأجاب و هو يختلس النظر في الجالسين من حوله أنه من المعاضيد و لم ينطقها جيدا ، لاحظت أن لكنة عاميته بعيدة كل البعد عن لسان أهالينا هناك ، ولأتأكد من صدق كلامه ، طفقت أسأله عن أشياء و معالم بارزة تخص أرفود و ضواحيه  ، فكان في كل مرة يتهرب من السؤال ، و يهم بالانصراف هروبا من أسئلتي ، حينها اكتشفت أنه لا يعرف عن تلك المدينة إلا الإسم و لا شيء غير الاسم  ، ربما سمعه عن أحدهم و بدأ يردده لأنه بلغ إلى علمه أنها بعيدة جدا عن مراكش و ثمن التذكرة إليها باهض لذلك اختارها لتدر عليه مالا كثيرا ، سيما و أن أغلب الناس هنا في مراكش لا يعرفون الشيء الكثير عن مدينة أرفود ، و لا يهمهم في شيء التحقق من انتمائه إليها ، و هو الأمر الذي جعله يتدرع بهذه الحيلة ليحصل على ما يريد دون أن ينكشف أمره .

بكل صراحة ، تقززت من أكاذيبه ، فناولته دراهم

قليلة ما دمت قد أخذت من وقته الكثير ، فانصرف مسرعا إلى حال سبيله ، لا يلوي على شيء ، إذ لم يعد يقوى أن يستجدي الناس أمام أعيننا ، فلم يكن من أحد أصدقائي إلا أن قال : 

  " هذا من المكاذيب ماشي من المعاضيد "

ضحك الجميع من هذه القولة التي نزلت علي بردا 

و سلاما ، و ردت إلي روحي حين ثبت للجميع أن هذا المخادع لا يبث إلى منطقتي الشريفة العفيفة بصلة ، فكان هذا الحدث موضوع نقاشنا عن ظاهرة التسول و عن القيم النبيلة السامية لأهل

منطقتنا بالجنوب الشرقي ، الذين لا يسألون الناس

إلحافا .


      💼  مشهد من الواقع عاينه  زايد وهنا  💼 



  


متعة الحرف

 ✏  متعة الحرف  ✏


       ليس من الغريب على كل دارس مهتم باللغة العربية أن يتذوق حلاوة تعبيرها و قوة بيانها و جمال بلاغتها و غنى معجمها ، فهي اللغة التي تتميز بحساسية مفرطة ، إذا لم يحسن الناطق بها أو كاتبها استعمال الحروف و الكلمات 

و الفواصل و النقط في مواضعها الصحيحة ، و إن لم يضبط رسم الحروف ( الخط ) ، فقد يتغير المعنى المراد إلى معنى غير مقصود ، فاستبدال مكان الكلمة يمكن أن يغير المعنى 

أو استعمال أداة ربط في غير موضعها قد ينحو بالكلام منحى آخر ، أو ترك فراغ بين حروف الكلمة الواحدة قد يجعلها كلمتين و غير ذلك من الاختلالات التي تغير المعاني 

و المرامي التي يريد صاحبها أن يوصلها للمتلقي ، و للمزيد من الإيضاح نضرب أمثلة لذلك ،

   * حرف الواو مثلا يستعمل في عدة معان :

واو العطف - واو القسم - واو الترتيب - واو الوصل - 

واو الفصل - واو الاقتران - واو المعية - واو الثمانية .

    * الحرف الأبجدي لوحده جاف :

 حرف القاف مثلا ، فإن كتب أو نطق على هذه الصورة ( ق )

تحته كسرة ، فقد أصبح كلمة و هي فعل أمر من وقى ، فإن أضفت إليه ضمير كقولك ( قه ) كلا الحرفان مكسور فقد أصبح هذان الحرفان جملة مفيدة تتضمن فعلا و فاعلا 

و مفعولا به ، 

( ق ) فعل أمر ، الفاعل ضمير تقديره أنت ، الهاء 

( ه ) ضمير متصل في محل نصب مفعول به .

    * مثال عن التغيير الذي يلحق المعنى عند ترك الفراغ بين الحروف :

  -  أعطيتك مالك .

  - أعطيتك ما  لك .

الأولى تعني أنني أعطيتك نقودك ( مالك )

الثانية تعني أنني أعطيتك حقك ، نصيبك من أي شيء لك 

و هو عندي ( ما  لك ) .

  * تغيير أماكن الكلمات يغير المعنى ، كقولنا :

 ( جاء عمر فيوسف )

أي جاء عمر هو الأول وبعده مباشرة جاء يوسف

فإن غيرنا مكانيهما في الجملة و قلنا :

  (جاء يوسف فعمر )

فإننا نقصد أن يوسف سبق عمر في المجيء .

و باختصار شديد فالأمثلة كثيرة و لا حصر لها ، و لكن اكتفينا ببعضها لنوضح ما سبق ذكره عن حساسية اللغة العربية 

و غناها ، هذا ناهيك عن مخارج حروفها أثناء الحديث بها .

إذن ينبغي على كل متحدث بها أو كاتب لها أن يتوخى الحذر حتى لا يفهم كلامه في سياق غير السياق الذي ارتضاه .


   ⚫⚫ ملاحظة شخصية ⚫⚫


من خلال تعاملي مع اللغة العربية و محاولة اكتساب مهارة استعمالها على الوجه المرغوب لاحظت أن أحد حروفها الأبجدية و الذي هو حرف ( الخاء ) يوجد في كثير من الكلمات ذات معنى مقرف و هذه بعضها :

خيانة - خداع - خذلان - خوف - بخل - رضوخ - خنوع - خشونة - خساسة - سخافة - خزي - مسخ - خبث - سخرية - خلاعة - إخفاق - خسارة - استخفاف - خمول - اختلاس - تبخيس - خراب - صراخ - خرافة - اختناق - اختلال - اختطاف - خطر - خمر - خبل - خلل - وخز - تبختر - خجل -

خلاف - خصام - دخان - تخمة - خدش - خسف - شخير - إخصاء - تخلف - إخلاف - خواء - فخ - نخاسة - مخدرات - تدخين - دخيل - خنزير - وخيم - خطأ - مخفر - .....


و لكن رغم ذلك فهو حرف له الخلود و النخوة ،

ترى هل توافقني الرأي يا عزيزي القارئ ؟؟؟.


             💼  وجهة نظر   زايد وهنا  💼

تصرف غريب

                    🦂  تصرف غريب  🦂


          إني مخبرك عن رجل ، ليس لي به سابق معرفة، يحترمني كثيرا ، و يبادرني بالتحية كلما صادفني و لا يكتفي بها من بعيد بل يهرول نحوي ويصافحني بحرارة و يسأل عن أحوالي الشخصية ، فكنت أتعجب من هذه التصرفات 

و هذا الإهتمام المبالغ فيه ، فأنا لا أعرفه و لا أعرف عنه شيئا بل أجهل حتى اسمه و مهنته ، 

و لعل هذا ما زاد من تعجبي ، و رغم ذلك كنت أعامله بالمثل ، و لكن في حدود الحيطة و الحذر ، استمر الحال على ما هو عليه ، حتى أنني فوجئت بزيارته لي في مقر عملي أي في المدرسة ، و بعد أن صافحني و سأل عن أحوالي كعادته ، انتقل بحديثه يسأل عن سيرة ابنه عملا و سلوكا ، حينها اتضح الأمر و عرفت أنه والد أحد تلامذتي ، فقلت في نفسي ، هذا هو إذن سر اهتمامه بي ، و هو أمر محمود أن تعامل أستاذ ابنك المعاملة اللائقة وأن تتواصل معه فذاك كله يصب في مصلحة التلميذ ،

و هو ما نسعى إليه جميعا . و لكن ما يستغرب له أنه بعد انقضاء العام الدراسي و انتقال ابنه إلى مستوى أعلى ، انقطعت الصلة تماما ، إذ أصبح الرجل يراني و كأنه لا يعرفني البتة ، فصارت كل تلك المصافحات و الكلام الطيب من الماضي ، أدت مهمتها في وقتها و انتهى كل شيء .

           قلت سبحان الله ما كانت مصافحته لي 

و حلو حديثه إلا من أجل مصلحة ابنه ، ظنا منه أن ذلك سيجعلني أهتم بابنه أكثر ، و لكن ما لا يعرفه هو أن الأستاذ يهتم بجميع تلامذته و لا فرق عنده بين هذا و ذاك ، و مادام هذا هو السبب في لطف معاملته لي في السنة الماضية ،  فليته لم يفعل ، ما ربح من وراء ذلك شيئا سوى أنه صنف نفسه ضمن قائمة اللئام .


            💼  من صميم واقع  زايد وهنا  💼

أموات أحياء

                     🌒  أموات أحياء  🌘


           كثيرا ما تراود مخيلتنا صور لأناس كانوا بالأمس بيننا و اليوم هم في قبورهم راقدون ، أناس طبعوا حياتنا بأحداث و مواقف أصبحت مجرد ذكرى تؤرقنا كلما تذكرناهم ، بعضهم من أهالينا و ذوينا تربطنا بهم صلة الرحم ، رحلوا عن دنيانا و تركوا لوعة و حزنا عميقين لا تمحوهما الأيام ، و بعضهم لا تجمعنا بهم أي صلة قرابة 

و لكننا نعرفهم من خلال ما قدموه لنا من أفضال في حياتهم ، سواء كانوا علماء أو فقهاء أو أدباء

أو فنانين أو غيرهم ممن بصموا في ذاكرتنا بصمات ما زلنا بين الحين و الآخر  نردد صداها الجميل فتتأجج في نفوسنا نار فراقهم  فلا نملك إلا أن نعزي النفس بالرجوع إلى ما قدموا من رونق إنتاجاتهم في مجالات الفكر و الأدب و الفن ، لنستحضر ذلك الزمن الجميل ببدائعه الزهراء 

و روائعه الغالية  ، عساها تخفف من وطأة  الغصة التي تخنقنا من جراء ما آلت إليه الحركة الفكرية و الفنية في أيامنا هذه من انحطاط و وضاعة .

و نظرا لهذا الأثر الطيب الذي تركه هؤلاء الموتى في نفوسنا ، تجدنا من حين لآخر نستحضر صورهم و نسترجع ذكرياتهم و أعمالهم الخالدة ، 

و نأخذ العبرة منهم لنعلم علم اليقين أننا في يوم ما سنغادر هذه الدنيا إلى حيث لا رجعة .

 فهل يا ترى قدمنا بين أيدينا ما يشفع لنا يوم نصير إلى ما صاروا إليه ؟ 

و هل يا ترى تركنا خلفنا أثرا طيبا تذكرنا به أجيالنا الآتية  فنؤجر عليه ؟

بالنسبة لي ، الجواب عن هذين السؤالين هو ما يقض مضجعي و يندرف له دمعي أكثر من حزني على فراق الأحبة .


            💼  العبد المذنب  زايد وهنا  💼


لا تنغصوا علينا سفرنا

           ◾   لا تنغصوا علينا سفرنا ◾


            ليس منا من لم يدخل يوما إلى إحدى المحطات الطرقية ببلادنا ، إما مسافرا أو مستقبلا ضيفا عزيزا أو مودعا قريبا ، أو منتظرا طردا ، و لا يخرج منها إلا و قلبه منقبض لما يجري بساحتها من صراخ و عراك بين سائقي الحافلات و أعوانهم لأسباب تافهة كأن يتأخر أحد السائقين عن موعد مغادرته للمحطة أو استمالة أحد الركاب إلى حافلة  أخرى أو غيرها من الأسباب التي تشعل نار الخصام الذي يمتد في أحيان كثيرة إلى العنف الجسدي و تبادل الشتائم بألفاظ ساقطة تخدش حياء المسافرين خصوصا أولئك  الذين يصطحبون معهم أفراد أسرهم أو عائلاتهم مما يلوث أسماعهم و يثير اشمئزازا في نفوسهم ، و ينغص عليهم متعة السفر ، هذا ناهيك عن اللصوص والمشرملين الذين يتربصون بالمسافرين المغفلين.

أما الأزبال و القادورات و الروائح الكريهة فتعد المحطات الطرقية مطرحا لها ، لذلك فهي المكان الوحيد الذي يلوث السمع و البصر و الشم في آن واحد .

و الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة تعم أغلب

المحطات الطرقية سيما الموجودة منها في المدن

الكبرى . و لولا قلة قليلة من عمالها الذين يتحلون بالخلق الحسن لظن المرء أن مزاولة هذا النوع من العمل لا تقبل إلا من كان عديم الحياء و المروءة ذا خلق فاسد ، و كأن هذا الفجور هو المطلوب في مثل هذا العمل لكسب الرزق وجلب الأرباح لأرباب الحافلات .

 لهذا لن أكون مغاليا إذا  أجزمت القول أن شر البقاع في يومنا هذا هي محطاتنا الطرقية .


          💼  صور من الواقع لزايد وهنا 💼







 



   



قدسية الرسالة

            🕯  قدسية الرسالة 🕯


     و نحن صغار نتدرج في المستويات الدنيا بالمدرسة الإبتدائية ، كنا ننظر إلى معلمنا نظرة إكبار و إجلال و إعجاب بل و تقديس يوحيه لنا

اهتمامه بالنظافة و اعتناؤه بالهندام و فوق هذا 

و ذاك حسن سلوكه و نبل تصرفاته و إلمامه العجيب بكل المعارف فهو الذي لا يعجزه شيء 

و لا يرجع القهقرى أمام الصعوبات التي تعترضه .

و لكن الأغرب من كل هذا أننا و نحن في تلك السن المبكرة كانت تراودنا أسئلة غريبة جدا 

من قبيل ، هل المعلم كسائر الناس يأكل و ينام 

و يتبول و يتغوط ؟ ، أم أنه كالملاك منزه عن هذه

الأشياء الفطرية ، فكان هذا النوع من التساؤلات

يستحوذ على أذهاننا الصغيرة و لم تنجل غمامته

إلا بعد أن اجتازنا تلك المرحلة إذ عرفنا أن المعلم كباقي البشر لا يختلف عنهم في شيء سوى أنه

القدوة في كل شيء .

فاللهم أسبل شآبيب الرحمة و الرضوان على والدينا و معلمينا ، و اجعل لهم من كل حرف علموه لنا و كل سلوك قوموه لنا حسنة ترفعهم

بها أعلى الدرجات في الجنة .

        

        💼  أوهام الطفولة لزايد وهنا  💼

تحت كل شعرة معلومة

            ✂ تحت كل شعرة معلومة  ✂


لعل الحلاق هو أكثر الحرفيين اطلاعا على الأخبار و أسرعهم في معرفة ما يدور من أحداث يومية سواء منها المحلية أو الوطنية أو العالمية ، 

أعرفت لماذا ؟

لأنه هو الوحيد من بين الحرفيين الذي لا ينقطع صوت المذياع في دكانه ، و هو الوحيد الذي يقضي وقتا طويلا مع زبنائه ، يحلق رؤوسهم 

و يتجاذب معهم أطراف الحديث .

و ما دام زبناؤه من مختلف شرائح المجتمع ، منهم

المتعلم و السياسي و المثقف و الأمي و الجاهل بل حتى المجنون أحيانا ، فهذا ما أكسبه معرفة 

بأمور كثيرة و متشعبة ، فما لم يسمعه عبر أمواج الإذاعة يسمعه عبر أفواج الزبناء ، بل يعمد إلى نقلها من زبون لآخر ليعرف وجهة نظر هذا فيها 

و يتأكد من صدق قول ذاك ، حتى بات معلوما عند الجميع أن استشارة الحلاق في البحث عن منزل للكراء أولى و أجدى من شخص آخر .

و أنا أكتب هذه السطور تذكرت نصا قرائيا درسناه

في طفولتنا بعنوان " خريطة الحلاق "

و فيه يبين الكاتب بأسلوب ساخر ثرثرة الحلاق

و حماسه الزائد في نشر الأخبار مما يجعله ينفعل 

أحيانا و هو ما وقع في هذا النص ، إذ كان الحلاق 

و هو يحلق شعر  زبونه يحدثه عن الحرب العالمية 

و قد تفاعل مع الأحداث و هو ينظر إلى رأس زبونه كأنه خريطة أوروبا البلقانية، فرفع يديه 

و نزل بهما على أم رأس الزبون قائلا قولته المشهورة 

"" و هنا التقى الجيشان "

مما أثار غضب الزبون فقام يولول و يهرول و يلعن

السياسة و السياسيين و الروس و اليابانيين 

و الناس أجمعين .

ترى هل مازال هذا النوع من الحلاقين إلى أيامنا هذه ، أم مضى زمانهم و أصبح مجرد أحلام في 

ذاكرة من عاصرهم . 


       💼   من ذكريات الطفولة لزايد وهنا  💼


وصية في الاتجاه المعاكس

         🔍 وصية في الاتجاه المعاكس 🔍


            جلس عجوز يوما إلى ابنه الشاب يحدثه ، فقال : " يا بني لقد بلغت من الكبر مبلغ الوهن 

و العجز ، و أشرفت شمس أيامي على الغروب ، ربما قد تستيقظ يوما يا ولدي فتجدني جثة هامدة ، لهذا أريدك أن تسمع مني هذه الوصايا ما دامت روحي بين جوانحي .

يا بني لقد عشت زمنا طويلا و هاأنذا قد نيفت على الثمانين ، تشربت من الدنيا حلوها و تجرعت

مرها ووجدت أن مرارتها أكثر من حلاوتها ، و أن

لحظات سعادتها قليلة و زائلة بينما بؤسها

و شقاؤها دائمان متصلان يكسران تلك الأويقات 

القليلة السعيدة ، و أن ليس للمرء في حياته إلا ما غنمه من سعادة  في طفولته قبل أن يتحمل العبء و يخوض غمار الحياة كأنه مصارع  في ميدان المبارزة فلا يكاد يخرج من قتام حتى يدخل في آخر فينتصر حينا و ينهزم أحيانا كثيرة  .

منذ أن بلغت سن الرشد و تسلمت زمام أمري و أنا 

أخوض هذه المعارك بدءا بالبحث عن لقمة العيش

لأعول نفسي و أهلي ، فكنت كلما ظننت أنني انتصرت و وفرت قليلا من المال إلا و نزلت بساحتي فاجعة من فجائع الدهر فتذهب بما جمعت و تطمع في الذي سأجمع .

لا أنكر حقا أن بعض هذه الصروف كانت بسبب قراراتي الخاطئة و تقديراتي السيئة ، و لكن صروفا أخرى كانت خارجة عن إراداتي و لا يد لي فيها ، فما الحيلة يا بني و قد ولدت في مجتمع متخلف لا كرامة للإنسان فيه ، مجتمع عبارة عن مستنقع يسوده الاستبداد و الظلم و الفساد ، الغلبة فيه للمال الحرام و أصحابه ، التافه فيه ممجد محظوظ و الصالح مهمش منبوذ ، يرى البشاعة بعينيه و لا يستطيع أن يغير منها شيئا لأنه مسلوب الإرادة ، مغلوب على أمره و لو فكر يوما أن يسبح ضد التيار و يعبر عما يؤرقه ، سيصبح حالة شاذة تحاصر أو يزج بها في السجن ، فلا يملك غير مجاراة الظروف و مداراة البشاعة و لو على مضض ، فكيف لمثله أن يهنأ له عيش أو يجد للحياة مذاقا .

أما قراراتي الخاطئة فكثيرة ، ذلك أن سوء قراءتي 

لهذا المجتمع الذي أعيش فيه جعلني أرتكب أخطاء فادحة . فشلت في الزواج ثلاث مرات 

و عانيت الكثير من تبعات الطلاق  ،  فكان لزاما علي في المرة الرابعة أن أخضع للأمر الواقع 

و أتحمل طباع الزوجة مهما كان الحال حتى لا أكون سخرية تلوكني الأفواه ، فكانت هذه الرابعة هي أمك يا بني التي ولدتك و أنجبت بعدك إخوتك الخمسة ظنا منها أنكم على كثرتكم ستكونون عونا لنا ولكن للأسف ففي مثل هذه الظروف أنتم عالة علينا ، أثقلتم كاهلنا  ، فلم نعد نفكر في أنفسنا بقدر ما نفكر في إعالتكم 

و تربيتكم ، و رغم ذلك سهرنا على تربيتكم التربية الحسنة و لقناكم مكارم الأخلاق ظنا منا أنها السبيل الأقوم في مواجهة صعاب الحياة و لكن اتضح لنا أن التفاهة و السفاهة و الخذلان 

و المصالح الشخصية هي العملة الرائجة ، 

و أصحابها هم المحبورون  المنعمون ، أما الصالحون المصلحون فهم المهمشون البائسون.

إذن أقبل مني يا ولدي و اسمع عني و خذ بما أوصيك به و استفد من تجربتي حتى لا تكرر نفس الأخطاء التي وقعت فيها ، حينها تخنقك الغصة 

و تعض على الأنامل ندما و لكن أنى  ينفعك الندم .

اعتز بوطنك و اجعل حبه نصب عينيك و لكن إذا ضاق بك العيش فيه و أتيحت لك فرصة العيش في قطر آخر هو أحفظ لكرامتك فلا تفوت عليك الفرصة و هاجر فأرض الله واسعة ، و إذا لم يحالفك الحظ و بقيت في مستنقعك فأنصحك ألا تتزوج بل عش حرا طليقا كابد همومك لوحدك و لا تحمل نفسك هموم من ارتبطت بها ، فإن حدث 

و ارتبطت فلا تنجب وإن أنجبت فلا تكثر ، و دع عنك القيم التي ربيتك عليها و اتجه بنفسك نحو التفاهة فهي الوسيلة المثلى لكسب المال و الشهرة في أيامنا هذه ، أتدري لماذا لأنك لست في مجتمع نظيف ، أما إذا تتبعت خطاي فاعلم أنك ستقضي بقية عمرك تعيسا كما قضيتها أنا و ما زلت أتجرع عواقبها ".

             في تلك اللحظة دخلت عليهما الأم و هي تحمل طبق الشاي ، و لم تكد تعتدل في جلستها حتى صرخت في وجه زوجها ، موجهة الخطاب نحو ابنها قائلة :

 " لقد سمعت كل شيء و أنا أعد لكما الشاي في المطبخ ، فقد صدق أبوك فيما حدثك به  ، إلا وصيته الأخيرة هذه فلا أظنها تليق بك و لا أخالها توصلك إلى شط الأمان .

 يابني لا تغادر وطنك لتعمل في وطن آخر ، فبلدك يحتاج إليك رغم ما فيه من عيوب و نقائص حاول أن تتحدى الصعاب ، إنه لا يرفع شأن البلاد إلا أبناؤها ، أما العمل في بلدان المهجر فنفعه محصور على الأجر الذي يتقاضاه العامل و لو كان كافيا 

و زيادة ، فهم يبنون حضارتهم من عرق الطبقة العاملة من المهاجرين ، فلا يغرنك ما تراه من سعة أحوال المهاجرين المادية و هم يقضون إجازاتهم بيننا ، فإنك لو اطلعت على معاناتهم النفسية من جراء الغربة في المهجر لما رغبت في مغادرة بلدك ، فنار الغربة حارقة و لا يشعر  بلوعتها إلا من فارق الأهل و العشيرة .

يا ولدي لا تفرط في القيم التي ربيناك عليها 

فمهما طال ظلام الليل لا بد أن يمحوه لسان الصبح ، أما تعلم أن التدافع بين الخير و الشر قائم في كل عصر و مصر  إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.

 شمر عن ساعد الجد و العزم و تمسك بدينك 

و تشبث بقيمك ، و اسلك سبل الرشاد و لا تغرنك التفاهة ، فإن فعلت فقد برأت نفسك و أخذت بالأسباب و ما عدا ذلك فهو بيد من لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء يدبره كيف شاءت حكمته . 

تزوج عندما تجد من تليق بك و اختر لنفسك العفيفة من النساء لتساعدك على مشاق الدهر  

و تحسن تربية أبنائكما ، فتلك سنة الحياة التي بها يتم الاستخلاف في الأرض و لا استقرار للمرء إلا في دفء الأسرة ، و اقنع بما قسم الله لك ، فلا تنظر إلى من هو أفضل منك بل أنظر إلى من هو دونك و اعلم أن الأرزاق بيد واهبها و أن الكل ميسر لما خلق له .

يا بني اعمل بما قلت لك و لا تعمل بما أوصاك به 

أبوك ، فهو حقا قست عليه ظروف الحياة فجعلته ينظر إليها بمنظار الساخط المتشائم ، و زاده الهرم و العجز بؤسا على بؤسه لذلك أظلمت الدنيا في عينيه فلا يرى فيها إلا السواد " .

               نهض الشاب دون أن ينبس ببنت شفة و غادر الغرفة إلى غرفة النوم و جلس على حافة السرير يفكر في قول والديه و يعيد شريط الوصيتين المتناقضتين و كأنه يبحث عن مبرر ليرجح إحداهما على الأخرى ، و بعد طول تفكير صمم العزم على الأخذ بوصية والدته .

في صباح اليوم الموالي جمع أمتعته و ودع والديه  بعد أن ترك شهادة إجازته الأدبية أمانة عند أمه للذكرى فقط ، إذ لم تعد لها أي قيمة تذكر ، فسوق الشغل تطلب الإجازات و الدبلومات العلمية و هذه في الغالب كذلك ليست كافية إذ لم تدعم بالقليل من المحسوبية و الزبونية ، و بهذا اقتنع المسكين أن لا سبيل لكسب العيش غير ما يأتي بعرق الجبين ، لذلك  قصد المدينة للعمل في أوراش للبناء . 

 

  

                           ✏  بقلم  زايد وهنا  ✏

  


إلى متى ؟

 إلى متى ؟

إلى متى و نحن نترفع عن النزول إلى مستوى تلك الشردمة التافهة من سفلة القوم في المجتمع الجزائري الذين أصبح شغلهم الشاغل هو المس بكرامتنا و الإساءة إلى رموزنا و التنطع و التطفل على تراثنا ، مع كامل احتراماتنا لإخواننا الجزائريين الذين يستنكرون ما يقوم به هؤلاء ،

ففي الوقت الذي يسعى فيه الشعبان المغربي 

و الجزائري لجمع الكلمة و رأب الصدع و فتح الحدود و ربط علاقة المحبة و التعاون بحكم الجوار و وحدة الدين و اللغة و بحكم العلاقات الاجتماعية التي تجمع البلدين ، تخرج ثلة مارقة

من الجزائريين لزرع الفتنة و التفرقة و إذكاء نار الحقد و الكراهية في النفوس و ذلك بالإساءة إلى المغاربة و بأسلوب غير حضاري ينم عن خساستهم و جهلهم و قلة زادهم المعرفي ، فيخبطون العشواء تارة بالإساءة إلى رموزنا و تارة بالتنطع على تراثنا بادعائهم أن الملحون تراث جزائري و ليس مغربي و غير هذا من الهرطقات و الخزعبلات

فكنا بحكم تربيتنا على القيم الاسلامية و الانسانية نترفع عن السقوط معهم في مثل هذه

الخساسة ، عساهم يوما يستيقظون من غفلتهم

و ينتبهون إلى أوضاعهم المزرية التي فاح ريحها النتن ، فكان الأجدر بهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم

أشباه مثقفين أن يصلحوا أحوالهم الداخلية ،

فنظامهم العسكري الذي تقوده مجموعة جاهلة من

الجنرالات هو من أوصلهم لما هم فيه .

أما عن تراثنا فهذا هو الجهل بعينه ، فشعر الملحون مغربي أصيل لا غبار على ذلك ، نعم لهم 

أشعار شعبية كما في جميع الأقطار العربية و لكن

شعر الملحون عندنا خاص له مميزات و ضوابط و قواعد لا توجد في غيره من الأشعار الشعبية ، 

و أبسط دليل على ذلك أن اللهجة المغربية التي ينظم بها شعراؤنا الفطاحل تختلف كثيرا عن اللهجة العامية بالجزائر بل تستعصى عليهم في 

نطقها مما جعلهم يغيرون بعض الكلمات ، كما أن القياسات التي تؤدى بها قصائد شعر الملحون

و ألحانها تستعصى عليهم كذلك فيؤدونها على 

الشكل الذي يلائمهم ، إذن فالملحون عندنا يحمل في معجمه و بحوره و قياساته و مرماته و مكونات قصائده من سرابات و أقسام و كراسي و زروب ما يجعله يدافع عن نفسه و يثبت أنه مغربي قح و لا يحتاج إلى دليل آخر رغم كثرتها .

ختاما نحن شعب لسنا باللعانين و لا نرد الشتائم بمثلها لأن تربيتنا لا تسمح لنا بذلك و لكن نقول لكم أنظروا إلى وجوهكم في المرايا لعلكم تتعظون أما تطاولكم علينا فلن يزيدنا إلا تقدما و تشبتا بصحرائنا و لن يزيدكم إلا تخلفا و مقتا بين

الشعوب .