الوتر الحساس

                    🎸  الوتر الحساس 🎸


        مشهد حقيقي من واقع حياتنا اليومية عاينته في وقت مضى ، لا داعي لذكر أسماء الأشخاص و الأماكن لأنني أهفو من وراء هذه القصة إلى استنباط العبرة من أحداثها و ما عدا ذلك لا يهمني و لا يهمك عزيزي القارئ في شيء .

كان الفصل صيفا و منطقة الجنوب الشرقي المغربي معروفة بشدة حرارتها التي تكاد لا تطاق ،

مما يدفع بالكثير من الأهالي إلى السفر لقضاء بعض الوقت من العطلة الصيفية في مناطق 

ذات طقس منعش طلبا للاستجمام و الترويح عن

النفس من عناء العمل الرتيب خلال السنة كلها ، 

جمعت أمتعتي و اصطحبت معي شقيقي ، وتوجهنا نحو منطقة الأطلس المعروفة صيفا

باعتدال طقسها و انتعاش هوائها ، و استقر رأينا على أجمل مدينة بها و التي يؤمها الناس من كل حدب و صوب .

عند وصولنا مباشرة بدأنا رحلة البحث عن شقة

مجهزة بكل الضروريات التي يحتاجها المقيم لبعض الوقت ، شريطة أن تكون تكاليفها على قدر

استطاعتنا ، و نظرا للقيمة السياحية للمدينة لم نجد ضالتنا إلا في حي شعبي ، و هي عبارة عن غرفة واحدة داخل شقة بها ثلاث غرف مكترات لزوار أمثالنا و يبقى المطبخ و الحمام مشترك بين

جميع القاطنين بالشقة .

اشترط علينا صاحب الشقة أن نؤدي المبلغ الكلي مسبقا لعدد الأيام التي ننوي قضاءها علما أن كل يوم بخمسين درهما ، و لم يكتف بذلك بل طلب منا أن نسلمه نسختين من بطاقتي التعريف الوطنية كإجراء عادي يقوم به مع جميع القاطنين بالشقة .

لاحظت أن لسانه العامي تطغى عليه لكنة الأمازيغية ، مما جعلني أتواصل معه باللسان الأمازيغي ، فما كدت أنطق بها حتى تغير كل شيء في الرجل و اعتلت البشاشة ملامحه ، و كيف لا وقد  اكتشف أنني أمازيغي مثله ، حينها تغيرت 

لهجته في الخطاب و ظهر انفراج و انشراح على محياه فأصبحنا نتواصل بالأمازيغية عوض العربية ، و سار بنا الحديث إلى أبعد من ذلك ، حتى أنه شاركنا بعض الأكل و هو يقول  :

  "  لا بأس ، نشركوا الطعام "

 قالها طبعا باللسان الأمازيغي ، فما كان منه إلا أن همس لي قائلا :

 " ما دمتما من أصول أمازيغية فلا داعي لبطاقتي تعريفكما ، و لا داعي للمبلغ مسبقا ، أقضيا ما شئتما من الأيام و أديا أي مبلغ يرضيكما ، فالأمازيغ معروفون بصدقهم و صفاء سرائرهم لا يخدعون أحدا من الناس أبدا " .

هم بالانصراف بعد أن شكرته ، ثم استدار نحونا

قائلا :

  " لا تترددا في طلب أي شيء ينقصكما ، اطرقا باب شقتي بالطابق العلوي متى احتجتما لشيء "

دلفت إلى داخل الغرفة و أغلقت الباب و بقدر ما

استحسنت تعامله معنا و مساعدته لنا وجدتني أقول لشقيقي :

"  سبحان الله ، ما كنت أظن أن التواصل باللسان 

الأمازيغي سيحقق لنا كل هذه التسهيلات "

و لكن شيئا ما في داخلي غير مقتنع بهذا المعيار الذي اعتمده هذا الرجل في المفاضلة بين الناس ، إذ لا يقوم على أساس الأخلاق الفاضلة و القيم 

النبيلة بقدر ما يقوم على النعرة القبلية الطائفية .


       💼  مشهد من الواقع عاينه زايد وهنا 💼





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق