🛏 من الدرس إلى الرمس 🛏
كان الأستاذ يحال على المعاش في سن الستين بعد أن يكون قد قضى زهاء أربعين سنة في التدريس ، استنفذ خلالها كل طاقاته الفكرية
و البدنية في تربية الأجيال و تكوينهم ، وتراه ينتظر بشوق كبير ذلك اليوم الذي يودع فيه المؤسسة التعليمية ليتفرغ إلى شؤونه الخاصة ، إذ كل أمله أن يمتع نفسه بما حرم منه طيلة مشواره المهني و لو لسنوات قليلة ، إذ بعدها
- إن طال عمره - ستبدأ لديه رحلة التردد على
المستشفيات و الأطباء عساه يرمم بعض ما خلفته سنوات العمل الشاق من أمراض مختلفة ،
و لكن في الحقيقة أنى لها أن ترمم و قد استشرى داؤها و لم تعد تنفع معه إلا المسكنات في انتظار الرحيل الأخير ، لذلك تجد أغلب المتقاعدين لا يعمرون طويلا حتى يلتحقوا بالرفيق الأعلى فهم لا يقتنصون من راحتهم بعد التقاعد إلا سنوات عجاف .
هكذا كانت الأمور تسير و قد اعتاد الناس عليها رغم ضنكها و نصبها ، حتى خرجت الحكومة بقرارها المشؤوم فمددت سن التقاعد إجباريا إلى
ثلاث و ستين سنة بدل الستين المعمول بها منذ فجر الاستقلال ، عساها هي الأخرى أن ترمم عجز
الصندوق المغربي للتقاعد الذي أشرف على الإفلاس بسبب سوء التدبير و التسيير ، و عوض أن تحاسب المسؤولين عليه المتلاعبين بأمواله ،
أو أن تدعم الصندوق من جهات أخرى أو من قطاعات غنية ذات فائض ، اتجهت في إصلاحها نحو الأستاذ المسكين لتزيده ثلاث سنوات من العمل فتعمق بذلك جراحه و تفقده الأمل في الاستمتاع بتلك السنوات القليلة المتبقية من عمره
لتستمر معاناته في العمل المضني ، فلا يغادر
المؤسسة إلا محمولا على الأكتاف إلى المقبرة ،
و عوض أن يقام له حفل امتنان و تكرم ، يقام له حفل تأبين و ترحم .
فنعم التبجيل هذا الذي وفيتموه للذي كاد أن يكون رسولا .
💼 بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق