🔎 جهاز كشف الكذب 🔎
من باب الصدف أن كنت جالسا مع ثلة من الأصدقاء بأحد مقاهي مراكش ، و بينما نحن نتجاذب أطراف الحديث ، وقف أمامنا أحد المتسولين ، رجل بين الخمسين و الستين على ما يبدو ، مد يده طالبا من الجلساء مساعدته لاقتناء تذكرة الذهاب إلى مدينة أرفود حيث يقطن أهله ، و لا أنكر أنه انتابني إحساس غريب عندما سمعت كلمة أرفود ، لأنني أنتمي لنفس المنطقة و إن كانت بلدتي تبعد عن أرفود ب 120 كلم إلا أننا جميعا ننتمي لنفس الإقليم ، و لعل هذا ما حرك شيئا بداخلي ، و مما زاد هذا الشعور حرارة أن بعض جلسائي هتفوا بصوت واحد قائلين :
" هذا ابن منطقتك " ! .
فارت في عروقي دماء الانتماء ، و هزني الشوق
و الكبرياء خصوصا و أنا أعلم أن سكان منطقتي لا يستجدون إلا عند الحاجة القصوى ، فربما هذا واحد منهم قد تقطعت به السبل ، فاضطرته الظروف لمثل هذا الموقف ،أشفقت لحاله ،
و طلبت منه الجلوس لأعرف عن الظروف التي رمت به بعيدا عن موطنه ، أبدى تلكؤا و أبى أن
يجلس ، فبادرته بالسؤال عن الحي أو المدشر الذي
يسكنه بأرفود ، فأجاب و هو يختلس النظر في الجالسين من حوله أنه من المعاضيد و لم ينطقها جيدا ، لاحظت أن لكنة عاميته بعيدة كل البعد عن لسان أهالينا هناك ، ولأتأكد من صدق كلامه ، طفقت أسأله عن أشياء و معالم بارزة تخص أرفود و ضواحيه ، فكان في كل مرة يتهرب من السؤال ، و يهم بالانصراف هروبا من أسئلتي ، حينها اكتشفت أنه لا يعرف عن تلك المدينة إلا الإسم و لا شيء غير الاسم ، ربما سمعه عن أحدهم و بدأ يردده لأنه بلغ إلى علمه أنها بعيدة جدا عن مراكش و ثمن التذكرة إليها باهض لذلك اختارها لتدر عليه مالا كثيرا ، سيما و أن أغلب الناس هنا في مراكش لا يعرفون الشيء الكثير عن مدينة أرفود ، و لا يهمهم في شيء التحقق من انتمائه إليها ، و هو الأمر الذي جعله يتدرع بهذه الحيلة ليحصل على ما يريد دون أن ينكشف أمره .
بكل صراحة ، تقززت من أكاذيبه ، فناولته دراهم
قليلة ما دمت قد أخذت من وقته الكثير ، فانصرف مسرعا إلى حال سبيله ، لا يلوي على شيء ، إذ لم يعد يقوى أن يستجدي الناس أمام أعيننا ، فلم يكن من أحد أصدقائي إلا أن قال :
" هذا من المكاذيب ماشي من المعاضيد "
ضحك الجميع من هذه القولة التي نزلت علي بردا
و سلاما ، و ردت إلي روحي حين ثبت للجميع أن هذا المخادع لا يبث إلى منطقتي الشريفة العفيفة بصلة ، فكان هذا الحدث موضوع نقاشنا عن ظاهرة التسول و عن القيم النبيلة السامية لأهل
منطقتنا بالجنوب الشرقي ، الذين لا يسألون الناس
إلحافا .
💼 مشهد من الواقع عاينه زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق