إشكالية الفهم و التطبيق
إذا كانت لحقوق الإنسان مرامي و غايات
إنسانية نبيلة ناضل من أجلها حقوقيون و وضعوا لها أسسا و قواعد تنبني على إسعاد الإنسان بحيث
ترفع عنه الحيف و تجعل له هامشا كبيرا من الحرية لإبداء رأيه في إطار من الوعي والمسؤولية ، فيكشف عن مواهبه و يسخر طاقاته الفكرية ليبدع و ينتج دون قيد أو تحفظ في سبيل إسعاد نفسه و غيره ، فإن الفهم السطحي
و الخاطئ لمفهوم حقوق الإنسان ، و عدم الوعي
بهذه الغايات السامية التي وضعت من أجلها ،
قد حاد بها عن سكتها و أدى لدى كثير من الناس
إلى عكس ما كان منتظرا منها ، فعدم فهمها الفهم
السليم جعل العشوائية هي سيد الموقف ، و بات
الخلط بين الحقوق و الواجبات أمرا معتادا ، بل
أصبح معظم الناس لا يدرون الحدود التي تنتهي
عندها حرياتهم ، لذلك تجدهم يتمشدقون
بمفهوم حقوق الإنسان من غير وعي به أو فهم
لأهدافه ، فيتصرفون وفق أهوائهم مما انعكس
سلبا على المجتمع إذ كثر الإجرام و استفحل
الفساد و انحلت الأسر و ضرب بالقيم و الأخلاق
الفاضلة عرض الحائط و حل التسيب و الفوضى
و سادت التفاهة ، و لم يعد أحد يحترم القانون
و ينضبط لضوابطه إذ غابت العقوبات الزجرية
الرادعة بل امتد الأمر إلى التطاول على رجال
السلطة و الأمن و أصبح التلاميذ المشاغبون
يعتدون على الأساتذة و يتوعدونهم بالعنف بل
منهم من عرض حياة الأساتذة للخطر و غير هذا
من التسيب باسم حقوق الإنسان .
فليست الحقوق هي حرية التلفظ بألفاظ نابية تخدش الحياء على مرآى و مسمع من الناس في الشوارع و الحافلات و في جميع الأماكن العمومية مما يسبب الحرج و التقزز للمارة خصوصا إذا كانوا مصحوبين بأحد أفراد أسرهم .
و ليست الحقوق هي حرية ارتداء ملابس غير محتشمة كما نرى لدى الشبان و الشابات
و يقصدون مؤسساتهم التعليمية و لا أحد يقف لهم بالمرصاد و يمنعهم من الدخول إلى المؤسسة إذ لديهم كامل الحرية في ارتداء ما تشتهي أنفسهم ما دامت الأسرة قد أقرت بذلك و أضحى عرفا مقبولا لدى الجميع .
إذا كان اللعب حقا من حقوق الأطفال ، فهذا لا يعني أن تمارس لعبة كرة القدم في الشوارع حيث
تمر السيارات و الدراجات ، بل تمارس في الأماكن
المخصصة لها ، فكم من الضحايا أزهقت أرواحهم
لهذا السبب .
و قس على ذلك كثيرا من الأمور التي تمارس باسم الحرية و حقوق الإنسان و هي في الحقيقة
لا تبث إليهما بصلة و لا تنضبط لشروطهما
و قواعدهما و إنما هي تهور و استهتار و تسيب
و انحلال ، لأننا نستورد المفاهيم من الغرب
اللاديني و لا نستورد معها حيثياتها و خصوصياتها
و آليات تنزيلها ، و الأدهى أننا لا نكتفي بما استوردناه بل نغالي فيه و نبالغ لدرجة تفوق
ميوعته ميوعة من صدروه لنا .
و الصواب أننا نحن المسلمون لو تمسكنا بقيمنا
الاسلامية السامية ما كنا في حاجة إلى تقليد الغرب لأن ديننا الحنيف أعطى لكل فرد حقوقه
سواء كان ذكرا أو أنثى ، كبيرا أو صغيرا ، بل هو
الرحمة المهداة للناس أجمعين ، في ظله نتمتع
بالدفء الأسري الذي يفتقده الغرب ، و جعل الحياء أرقى شعبة من شعب الإيمان يغلف جميع
تصرفاتنا ، فالغرب يغبطنا على هذه القيم الاسلامية و يحاول تشويهها في حين أن العقلاء
منهم ممن هداهم الله قد اعتنقوا الإسلام لما رأوا
فيه من حقوق و واجبات لا ينتابها حيف و لا ظلم
و إنما هو العدل و المساواة و التعاضد و الرحمة .
ختاما أخوف ما نخافه هو إن امتدت الأيام على هذه الوتيرة ، و لم نتصالح مع ديننا و قيمه
و نجعله المصباح الذي ينير الظلام ، فلا شك أننا نسير نحو الهاوية بل نحن على مشارفها إذا لم ننجز لأنفسنا أمرا ، و استعجلنا إصلاح ما اعوج ، فقد نقضي على أنفسنا و يذهب ريحنا ، و ليتحمل كل فرد منا المسؤولية فيما فرط فيه ، من موقعه الخاص و بقدر ما في يده من سلطة أو قدرة
أو علم ، فالله نسأل أن يلهمنا إلى الصواب ولا حول و لا قوة إلا بالله .
بقلم : زايد وهنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق