🍭 العطار 🍭
أسعد الأيام بالنسبة إلينا و نحن أطفال هي
تلك الأيام التي يقضيها العطار بين ظهرانينا ، فقد
اعتاد أن يزور البلدة مرتين في السنة ، ينصب خيمته وسط الحي و يعرض بضاعته المتواضعة
التي تتكون أساسا من أنواع التوابل و الأعشاب
الطبية و بعض أدوات الزينة الخاصة بالنساء ،
و إلى جانب هذه الأساسيات يعرض كذلك بعض
الأواني المنزلية البسيطة ، تأتي في مقدمتها كؤوس زجاجية صغيرة الحجم ، دون أن ننسى ما يهمنا نحن الأطفال من حلوى و حمص و نبق
و ( كلل ) أو كرات ( بلي ) وهي تلك الكويرات الزجاجية التي يدحرجها الأطفال على الأرض
و التي لها قواعد خاصة متفق عليها بين الجميع .
و رغم أننا لا نملك نقودا لاقتناء ما يستهوينا نحن
الصغار عند العطار ، فقد كنا نحصل عليها بالمقايضة و هي تسهيلات يقدمها العطار لنا لأنه
هو الرابح الأكبر من هذه المقايضة .
كنا نقايض كأسا صغيرة بقفة من تمر أو نحصل على بعض حبات الحلوى او الحمص مقابل بيضتين أو ثلاث ، و لكن ما كنا نرغب فيه بشدة
هي الكلل الزجاجية ذات الألوان البراقة ، فهذه
نظرا لأهميتها فقد كنا نقايضها بصاع من الحبوب
قمحا أو ذرة ، لأننا نتفاخر بكثرة عددها بين
أقراننا ، فإذا منعنا حلول الظلام من اللعب بها ،
دخلنا منازلنا و أخرجنا الكأس الصغيرة من
مخبئها ، نمسكها بأيدينا و نحضنها في انتظار أن تملأ بالشاي إذ لا نشربه إلا فيها ، و لا يجوز لغيرنا
أن يستعملها ، فهي خاصة بنا ونحن من قايضنا من
أجلها ، و كم يكون حزننا شديدا إذا تكسرت الكأس
نقضي الليل نجمع ما يقبله العطار للمقايضة في
انتظار الصباح للحصول على كأس جديدة .
هكذا يمر ذلك الأسبوع الذي يقضيه العطار بيننا ،
فإذا أيقن أن وتيرة البيع و الشراء بدأت تفتر ، جمع متاعه و انتقل إلى بلدة أخرى بعد أن يعدنا
بالعودة مرة أخرى كالمعتاد و معه بضاعة جديدة
و عصرية كما يدعي هو ، فنبقى نحن ننتظر موعد
قدومه بشوق لنجدد الكلل أي الكويرات الزجاجية
التي لحقتها الكسور و الخدوش أو تلك التي خسرناها أثناء اللعب مع الأقران .
✏ من ذكريات طفولة زايد وهنا ✏
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق