عبد الرحمن

 ⚘    عبد الرحمن   ⚘


            عبد الرحمن الطالبي أحد رجالات قريتي ، تقاعد منذ ما يزيد عن عقد من الزمان ، بعد مسيرة طويلة في تدريس اللغة الانجليزية بثانوية سجلماسة بالرشيدية .

رغم ولعه بهذه اللغة إلا أنه لم يفرط يوما في لغة الضاد ، فقد كان شديد التعلق بكتاب الله ، و كيف لا يفعل و هو ابن الفقيه الذي كان إماما بمسجد القرية ، فلا غرو أن يرث عنه الكثير من الفضائل و لعل أسمى خصلة ورثها عن أبيه رحمه الله هي الصبر ، كان والده رجلا مشهودا له بدماثة خلقه

و حسن سلوكه ، حكيما في قوله ، صادقا في فعله ، و هي الصفات التي قلما تجمع في شخص إلا إذا كان من الصالحين المصلحين ، و هذا ما جعل والدي رحمة الله عليه يتقرب من الفقيه و يتعلق به ، فقد تأثر به صغيرا عندما تتلمذ على يده في الكتاب ، و نظرا لما تركته سيرة الفقيه في نفس والدي من الأثر ، لازمه و دامت الصحبة بينهما لعقود طويلة رغم فارق السن ، و هكذا دأب على زيارته صلة للصداقة و رغبة في مدارسة بعض الأمور الدينية ،و أذكر و أنا طفل صغير أن أبي كان يأخذني إلى بيت الفقيه في مناسبات مختلفة خصوصا يوم ذكرى المولد النبوي حيث كان أهل القرية ينشدون أشعارا في مدح خير البرية صلى الله عليه و سلم .

و لكن شاءت حكمة الله أن يغادرنا الفقيه إلى دار البقاء ، و لا أخفيكم سرا أن والدي تألم كثيرا لفراقه ، و حزن عليه حزنه على والده هو ، و لكنه بقي على عهده السابق ، فلم يقطع

الصلة بأهل بيته بل كان يزورهم من حين لآخر ، و هكذا استمرت العلاقة في تماسكها و انتقلت إلينا نحن الأبناء 

و ازدادت توطيدا . كان احتكاكي الفعلي بعبد الرحمن بعدما بلغت من النضج مبلغ الراشدين يوم زواجه بسيدة فاضلة

لا تقل عنه صبرا و كرما و قبولا ، عندها تم تعيينه كأستاذ بثانوية سجلماسة في أواخر السبعينات حيث كنت أنا طالبا بنفس الثانوية ، و لم نكن نفترق إلا قليلا ، إذ كان نعم الصديق و الأخ الأكبر و الأستاذ المعين و المضيف الكريم ، 

و لعل معاشرته كان لها أكبر الأثر في إتقاني للغة الانجليزية دون أن أنسى دور أستاذي المحنك مولاي ادريس الرحماني ، فإليهما يرجع كل الفضل فيما تحقق لي من مهارة في هذه اللغة الأجنبية .

كنت حقا طالبا بالداخلية التابعة للثانوية ، وكنت كلما التقيت عبد الرحمن يدعوني لزيارته في بيته خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع ، فكنت بين الحين و الآخر أزوره ببيته و كثيرا ما أجد عنده ضيوفا من أهل البلد ساقتهم إليه ظروفهم الصعبة فمنهم من يرتاد الرشيدية قصد التطبيب أو حضور

جلسات بالمحكمة أو قضاء حاجة في إحدى الإدارات التي تفتقر لمثل خدماتها قريتنا المهمشة.

كان عبد الرحمن يزور المرضى الوافدين من القرية و لا يستثني منهم أحدا ، فبمجرد أن يبلغ إلى علمه أن أحدهم طريح الفراش بمستشفى مولاي علي الشريف إلا و يذهب لزيارته و مواساته ، أما في حالة وفاة أحدهم و ما أكثرهم ، فيكون هو أول الحاضرين لتقديم المساعدات اللازمة قدر المستطاع و لا يهنأ له بال حتى يوارى الميت الثرى بقريتنا .

هذا باختصار شديد هو عبد الرحمن الذي استمال قلوب الناس بمواقفه الإنسانية و خفة ظله ، و نحمد الله و لا نحصي ثناء عليه إذ أدام علينا نعمة الصداقة و الصحبة الثابتة التي ورثناها عن والدينا رحمة الله عليهم ، و التي تركناها بدورنا لأبنائنا يتبوؤون في ظلالها و يورثونها لأبنائهم 

إلى ما شاء الله .


                    ✏   أخوك  زايد وهنا    ✏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق