⚫ من يرثي القيم ⚫

😥  من يرثي القيم ؟  😥

صحيح أن موت الناس يترك حزنا بليغا و جرحا عميقا قد لا يلتئم أبدا خصوصا لدى أهلهم
و ذويهم ، و لكن هي سنة الله في خلقه ، يموت أناس و يولد آخرون و تستمر الحياة ، و ليس في بني البشر من لم يكتو بنار الفراق عند فقدان عزيز و هو أمر ليس بالهين على النفس و إن اختلفت درجات الصبر و التحمل بين الناس ، فتجدهم يقيمون المآتم عند الجنائز ، فيبكون موتاهم بكاء مرا مريرا يخنق الأنفاس و يقطع الأكباد ، و قد يرثونهم شعرا تنذرف له دموع الحاضرين .
نعم هذا ما نراه في حياتنا اليومية المعتادة و هو المعمول به منذ أن خلق الله الإنسان و استخلفه في الأرض ، فليس من الغريب أن نتأثر بموت قريب و نحزن على فقدانه حزنا شديدا هذا أمر طبيعي جبل عليه الانسان ،  و لكن الأغرب أنني ما رأيت يوما إنسانا يبكي بنفس المرارة حزنا و كمدا
و تحسرا على موت و فقدان بعض القيم الإنسانية النبيلة ، التي نشيعها واحدة تلوى الأخرى كل يوم ،
و لا نبالي بالفراغ الذي تتركه فينا و قد دفناها
و تجردنا منها و لم يعد لها ذكرا بيننا ، و لو أن أحدنا اغتاظ أسفا عليها ما كان عندي ملوما بل كان به عندي جديرا .
  لقد ماتت فينا الفضيلة و المروءة ، و ذهب منا الحياء و الوقار ، و استهزأنا  بالصداقة و الوفاء ،
و عفرنا في الوحل الكبرياء و العفاف ، و استنقصنا الكرم و الإيثار ، و وأدنا الفنون الراقية ، و آذينا الطبيعة ووو....
و لا بكيناها يوما و لا تأسفنا على فراق هذه المكارم و لا رثيناها شعرا و لا حتى تذكرناها مجرد ذكرى
و كأنها ليست أغلى ما نملك ،
بل الأدهى أننا عوضناها بنقائضها التي لا تبث للإنسانية بصلة و صرنا كالأنعام نعلف و نلهو
متناسين أننا وارينا انسانيتنا التراب ، و دفنا سعادتنا بأيدينا ، و جلبنا البؤس و الشقاء لحياتنا باسم التقدم و التحرر في حضارة منخورة العظام ، سرعان ما يظهر فشلها و نقائصها عند كل مكروه ،
و لنا في داء كورونا أبلغ عبرة لمن أراد أن يعتبر .
لله درنا ! أليس من أولى الأولويات في نظري المتواضع أن نبكي و نحزن على فقدان أي قيمة من القيم الانسانية السامية المذكورة و الغير المذكورة ، لأن بفقدها نكون قد فقدنا قسطا من سعادتنا ، أما فقدان الأحبة فهو حكمة إلاهية و سنة كونية محسوبة العواقب ، يعتقدها و يؤمن بها كل إنسان في هذا الوجود ، و لا يجحدها إلا كنود
أو مجنون .
منذ الأزل تموت أقوام و تخلفها أقوام ، لكن إذا ماتت القيم فإنها لا تعوض بغيرها إذ ليس لها بديل يقوم مقامها ، و لكن للأسف ما نراه اليوم من تفريط في هذه القيم لا يبشر بالخير و لا يبعث على الارتياح ، و لولا قلة قليلة من الناس الذين ما يزالون متمسكين بهذه القيم ، لقلت جازما بأننا كالأنعام بل نحن أضل منها سبيلا .
     ختاما ليس اليتيم من فقد أبويه و لكن اليتيم حقا من فقد قيمه و أضاع مبادئه .

 ⚫ خاطرة من وحي الواقع لكاتبها  زايد وهنا⚫

♠أقوال من سديم أفكار زايد وهنا♠

♠  أقوال من سديم أفكار زايد وهنا  ♠

 🔴  ويل لأمة قلدت غيرها فغاب حياؤها و فسد ذوقها .

 🔴 الموت الاكلينكي أن يفقد الانسان انسانيته
و يصير عبدا للمادة  .

 🔴إنسان عصرنا يمشي كالأعرج رجل الماديات لديه سليمة غير أن رجل الروحانيات معاقة فاستبدلها بعكاز التكنولوجيا فضيع على نفسه سعادة الدنيا .

 🔴 ماذا تنتظر من أمة أصبحت فيها الرذيلة فضيلة و الأدهى أن تتفاخر بها .

 🔴عجبا لأمة حين ترى لاعبيها و مغنييها
و ممثليها أعز عندها و أكثر قيمة من علمائها
و مخترعيها و مفكريها .

🔴بعض الناس أسمع لهم و لا أراهم
و بعض الناس أراهم و لا أسمع لهم
لأن الصنف الأول يقول ما تشتهي أن تسمعه ،
و هذا الصنف تحييه دون أن تراه .
و الصنف الثاني تراه و لكن يقول ما لا تشتهي  أن تسمعه ، و هو الصنف الذي لا تستحيي أن تصفعه .

🔴بعض الناس ترغب في مجالستهم لتتعلم
    و بعض الناس ترغب في مجانبتهم لتسلم

🔴بعض الناس تود ملازمتهم لتنعم
   و بعض الناس تود مفارقتهم لتغنم

🔴بعض الناس تتمنى إقامتهم و لا تتأفف
  و بعض الناس تتمنى رحيلهم و لا تتأسف

🔴بعض الناس تهوى صحبتهم و لا تتدمر
و بعض الناس تهوى مجافاتهم و لا تتحسر


🔴ليست الغربة أن تكون بعيدا عن الأهل
و الوطن , و انما الغربة القاتلة هو أن تعيش بين أهلك في وطنك و لكنك  غريب في أفكارك
و أذواقك وتطلعاتك و لا تسعد الا في أويقات قليلة عندما تصادف أمثالك ممن يشاطرونك نفس الشعور .

🔷ما أدراك ؟🔷

🔷🔷🔷  من أدراك ؟  🔷🔷🔷
     
      أول ما بلغت سن الرشد و صار لدي من النضج العقلي ما أستطيع به تحليل بعض الظواهر و إدراك حقائق وجودها قدر مستواي الفكري -- من خلال ما تلقيته من معارف و علوم  اكتسبت بعضها من المدارس و بعضها من حرصي الخاص في البحث
و المطالعة -- ، أصبحت أنظر إلى الحياة نظرة المستكشف المتطلع إلى معرفة كنه الأشياء
و مقاصدها في الوجود ، و تلك غاية كل شاب في مثل سني ، يهفو أن يرى الحياة جميلة ، يسودها الحب و السلام و العيش الكريم ، و لعل من بين الظواهر التي أثارت انتباهي و شغلت فكري منذ تلك السن المبكرة ، ظاهرة اجتماعية انتشرت
و استفحلت في مجتمعي كما في بعض المجتمعات العربية أيضا ، إذ كانت  تلقي بظلالها على تفكيري ، و تطرق أبوابه من حين لآخر و لكن عقلي لم يستسغها و لم يقبل بها بتاتا ما دامت لا تستند على نص شرعي و لا برهان علمي .
     كنت كلما زرت مدينة أو قرية من ربوع وطني الحبيب إلا و سمعت أهلها يتحدثون عن الولي الصالح دفين منطقتهم ، يشيدون بخصاله
و مكرماته بل أحيانا يتفاخرون ببعض معجزاته الخارقة و التي هي في حقيقة الأمر خرافات من نسج خيالهم ، وجدوا عليها آباءهم يتقربون بها إلى الله زلفى ، فتوارثوا تعظيمها و تقديسها و آمنوا بخوارقها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة التي توافق الشرع و العقل ، و لو سألتهم المعيار الذي صنفوا به هذا الشخص أو ذاك ضمن لائحة أولياء الله ، ما استرحت منهم الى جواب منطقي مقنع ، و رغم ذلك تجدهم يتفننون في بناء الأضرحة  و يزينونها بالنقوش و الزخارف ،
و يتخذونها قبلة يتبركون بها و يتمسحون بتربتها و حيطانها و قد يعتكفون لأيام بأحد الأضرحة طلبا لشفاء مريض أو زواج عانس أو عودة مغترب أو غير ذلك مما يسعون في طلبه ،و يترجون قضاءه بعون و مدد من الولي الصالح .
 والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء البلهاء من الناس ينظمون المواسم ، فينفقون الأموال الطائلة في شراء الذبائح و إقامة الولائم تقربا للولي الصالح ،
و لو اطلعت على طقوسهم الاحتفالية لملئت رعبا
و لوليت فرارا مما تراه عيناك و لا يقبله عقلك ، وتمنيت من كل قلبك لو أنفقوا تلك الأموال في سد رمق  الفقراء و الأرامل و مسحوا دموع اليتامى
و المساكين و علموا الأطفال المهمشين و عالجوا المرضى البائسين ، و لم لا ينشئون مرافق ذات المنفعة العامة تكون لهم صدقة جارية ،
و لو فعلوا لكان خيرا لهم ، و لكانوا هم حقا أولياء الله من حيث لا يدرون ، و لكن الجهل و الاسترزاق على حساب المغفلين أعمى بصائرهم و مدهم في طغيانهم يعمهون .
وأنا في تلك المرحلة العمرية أسمع هذا الهراء
أعده تخلفا في نظري و لكنني أضمره في نفسي
و لم أبح به لأحد ، خوفا من أن أنعت بنعوت لا أرضاها لنفسي سيما و أن السواد الأعظم من الناس قد ترسخ لديهم الاعتقاد ببركة الولي الصالح ، فلا فائدة من مجادلتهم و لا سبيل لاقناعهم .
أحيانا كنت أحاور نفسي و أقول عجبا لهؤلاء ، أليس بينهم رجل رشيد يستعمل عقله و لو مرة واحدة ، فيسائل نفسه و عشيرته محاولا إيقاظ ضمائرهم لعلهم عن غيهم يرجعون ، مساءلة تستفز عقولهم و تستجلي لهم حقائق الأمور ، كأن يقول لهم ،
من أخبركم بأن هذا الرجل ولي من أولياء الله الصالحين؟
حتما سيجيبه المخذرون المتعصبون منهم بأن هذا الولي رجل عالم ، تقي ، ورع ، ناسك ، متعبد ، قضى حياته في طاعة الله .
ترى بأي مقياس قستم ورعه و تقواه ؟ ،
و من منكم لديه مفاتيح الغيب يقيس بها إيمان الناس و ورعهم ؟.
و ليكن صاحبكم ذا ورع و تقوى كما تدعون ،  أليس ذلك من ظاهر الأمور ، فما قولكم عن السرائر التي لا يعلمها إلا الخالق سبحانه و تعالى و هو العليم بذات الصدور  ، فكم من ناسك متعبد لم يقبل منه عمله ربما لرياء منه أو ربما يأتي منكرا في الخفاء ، فهو عند الناس في الظاهر إنسان مستقيم و لكنه عند الله لئيم خسيس .
و لو افترضنا - ( وهذا الافتراض مردود علينا ، إذ ليس من حقنا ذلك ) - أن هذا الرجل نقي الظاهر
و الباطن ، و أنه يستحق أن يكون من أولياء الله الصالحين ، فهل يحق لنا أن نقصده في قضاء حوائجنا و نجعله وسيطة بينناو بين خالقنا ،
فإن فعلنا نكون قد اقترفنا الشرك الأكبر و حجزنا مقعدا مخزيا في جهنم مصداقا لقوله تعالى :
" إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،و من يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما "
و قوله تعالى" فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون "
      نعم لا أحد ينكر أن هناك أولياء الله الصالحين في كل زمان و مكان وهم الذين ذكرهم الله و قال في حقهم " لا خوف عليهم و لا هم يحزنون "
ولكن لا نعرفهم و لا نعلم من أمرهم شيئا ، و لا هم أنفسهم يعلمون شيئا  مما حباهم الله به ، فهو جلت حكمته يجعل ولايته في من شاء من عباده لأنه هو وحده العليم الخبير بسرائر خلقه ، و لا يعلم ولايته في خلقه إلا هو جل في علاه .
فليس المطلوب منك أن تبحث عن أولياء الله لتستنجد بهم ، فقد سبق و قلت أنه من المستحيل أن تعرفهم لأن ذلك يدخل في علم الغيب ،  و لن ينفعوك بشيء حتى لو افترضنا أنك عرفتهم ،
 إذن عليك إن أردت أن تنجو بنفسك بعبادة الله الواحد الأحد و اتباع أوامره و اجتناب نواهيه ،
و الاهتداء بهدي رسوله الكريم  ، فإن فعلت
و التزمت فربما قد تكون وليا صالحا ، دون أن تعلم بذلك في الدنيا ، و إنما تعلمه يوم تلقى ربك بقلب سليم لا تشرك به شيئا .
       خلاصة القول ،  من واجبنا أن نحترم الناس ونعاملهم بالحسنى أحياء ، و نترحم عليهم أمواتا ،
و لا يحق لنا أن نصنف أحدا من الخلق و نعتبره وليا من أولياء الله عن غير علم ، و أنى لنا أن نعلم ما لا تدركه عقولنا و ما ليس من اختصاصنا ،
فعلم ذلك عند الله وحده و لا يشركه في علمه أحد ، و هو ما تشير إليه الآية الكريمة :
"... و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ..."
و هو سبحانه و تعالى أعلم بمن ضل عن سبيله
و هو أعلم بالمهتدين .
          هذا ما كان يشغل بالي شابا و يؤرقني كهلا
و يؤسفني شيخا ، فلست فقيها متضلعا ، و لا عالما متمكنا ، و لكن عقلي على قلة زاده أبى أن يقبل هذا الأمر ، فإن كان الصواب ما ذكرت ، فإنني أحمد الله و لا أحصي ثناء عليه ، و إن كان فيه اعوجاج فسأكون شاكرا ممتنا لمن يقوم اعوجاجي بالحجة و البرهان الساطع الذي يوافق الشرع و العقل ...

              🌏  بقلم الأستاذ زايد وهنا  🌏

⚫قراءة في رواية " بين اللحاء و اللحى "⚫

🌲 قراءة في رواية
              بين اللحاء و اللحى
                      للروائي السيد  " علي عديدو "🌲

  محور المداخلة :
الاسلوب الروائي في اللحاء و اللحى ميثاق معقود بين السارد و المسرود .

توطئة :
بديت باسم الغني ملا يلو مثل .....
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات و الصلاة
و السلام الأتمان الأكملان على خير الورى ومعلمها سيدنا محمد و آله و صحبه و من سار على نهجه في طلب العلم النافع الى يوم الدين .
أما بعد ، لي كامل الشرف أن يكون لي مقعد تكليف الى جانب هذه المجموعة النيرة من حملة القلوب الوامقة و الأحاسيس الصادقة و الأذواق الرائقة ، كما أنني فخور لأنكم اخترتموني رغم قلة زادي مقارنة مع هؤلاء الجهابدة  لأدلي بما فتح الله به علي من خلال قرائتي المتواضعة لهذا المنتوج الأدبي ، و التي حصرتها في ثلاثة أبواب مختصرة تفاديا للتكرار و التزاما بالوقت المخصص للمداخلة .
الباب الأول :
العنوان بين مدلول المصطلح لغويا و مدلوله فلسفيا .
الباب الثاني :
التوصيف الممتاز بين الحقيقة و المجاز .
الباب الثالث :
أسرار الأذواق بين السارد و العشاق .

الباب الأول :
العنوان بين مدلول المصطلح لغويا و مدلوله فلسفيا :
     لعل أول شيء يثير القارئ و هو يمسك الكتاب عنوانه ، و صاحبنا هذا اختار عنوان " بين اللحاء
و اللحى " لروايته هذه ، و لم يكن في الحقيقة اختيارا عشوائيا بل هو اختيار ينبئ عن ذكاء
و روية له أبعاد فلسفية أتمنى أن أكون أنا كذلك على قدر من الذكاء لاستجلاء هذه الأبعاد ، فالعنوان يتكون من ثلاث كلمات هي أصلا شبه جملة خبر مقدم لمبتدأ مؤخر محذوف لفظه ثابت  معناه في نية الكاتب ، و تلك دلالة على تمكنه من آليات لغة الضاد كما استحسنها النحويون
و البلاغيون العرب .
فاللحاء في لغة العرب هو قشر كل شيء و يطلق عموما على الطبقة الخارجية التي تكسو جذوع الأشجار ، و جمعه ألحية و لحي .
و لحاء الثمرة هو ما كسا نواتها .
أما اللحى فهي الشعر الذي ينبت على الخذين
و الذقن و تجمع على لحى و لحي .
لعل أول ملاحظة تستفز القارئ هي هذا الجناس بين الحروف المنطوقة في الكلمتين و هما حرفان :
( اللام و الحاء ) ، و إن كانت الكلمتان تختلفان في المعنى ، فالكاتب لم يجمع بينهما عبثا و إنما لحاجة في نفس يعقوب .
فاللحاء يخفي جذع الشجرة و يحميه ، و اللحية تخفي أسرارا عن صاحبها و قد تحميه باعتبارها سمة وقار ، وهنا يحضرني قول الشاعر :
     و كم لحية طالت على ذقن صاحبها
                     و ما تحتها إلا الغباوة و الجهل
     و كم راكب ظهر بغل له عقل بغله
                      تأمل ترى بغلا على ظهره بغل
فإن كانت اللحى من النوع الذي ذكره الشاعر ، فإن مقارنتها باللحاء غبن في حق هذا الأخير الذي لا ينخدع به الناس بل بالعكس له منافع اقتصادية ، وهو الأمر الذي لم يغب على صاحب الرواية و كيف يغيب عن شخص سبر أغوار اللغة و تشرب من ينابيعها .

الباب الثاني :
التوصيف الممتاز بين الحقيقة و المجاز :
لعل صاحب رواية " بين اللحاء و اللحى " كان ذكيا إذ استهل الرواية من الصفحة 5 إلى الصفحة 14 بمختصر لتفاصيلها ، يجعل القارئ متلهفا لمعرفتها ، إضافة الى ذلك فقد استحضر أثناء السرد جميع فئات القراء باختلاف بيئاتهم و أعرافهم ، فاعتمد الوصف الدقيق لإيصال المعنى إلى القارئ ، مستعملا أساليب التشبيه حينا و الصور المجازية أحيانا أخرى ، لئلا تزل قدم القارئ و يحيد عما يقصده الروائي و من ذلك قوله في :
الصفحة 6:
تخترقها الدراجة النارية متبوعة بالسيارتين مثل سائل يتدفق عبر أنبوب بلاستيكي ضيق .
الصفحة 7 :
تتفرع عنها أزقة ضيقة كأنها جداول تصب في بحيرة.
الصفحة 8 :
يتلمس طريقه وسط المارة مثل طفل حديث العهد بالمشي.
الصفحة 9 :
تنقلا بين الأكشاك لفترة مثل فراشتين تبحثان عن رحيق الأزهار.
الصفحة 11 :
يلتهم الأسماك الواحدة تلوى الأخرى مثل فقمة جائعة.
الصفحة 12 :
فشرع في ارتشافه باقتصاد مثل طفل يقضم قطعة حلوى.
الصفحة 14 :
صوت رجولي كهزيم الرعد .
الصفحة 18 :
و هو يحملق في أقرانه مثل بدوي دخل المدينة لأول مرة .
الصفحة 33 :
يرتمي من جديد في دوامة انحرافه و يستغرق فيه مثل حيوان كاسر أطلق في البرية .
الصفحة 36 :
لم يبق من ملامحه سوى أنفه المنتصب وسط وجهه مثل صاري مركب خرب .
الصفحة 43 :
تشل حركة زوجها بالمواليد مثل أعنة تلجم بها جموحه المحتمل .
الصفحة 47 :
أسئلة خرجت مثل طلقات رشاش .
الصفحة  56 :
ولى تفكيره قبل بلدته الصغيرة فتراءت له مثل دير يعتكف فيه نساك زهاد .
الصفحة 56 :
يزف إليه قنينة جعة مثل عروس عذراء في كامل زينتها .
الصفحة 57 :
أصبح معها حسين مثل قرد يتوسط حلقة من حلقات جامع الفنا .
الصفحة 61 :
رفعت السماعة مثلما يرفع مقامر الغطاء عن النرد .
الصفحة 65 :
السيارة التي انطلقت صامتة مثل حية رقطاء لذغت للتو جرذا شاردا .
الصفحة 72 :
تناسى واجب التمحيص و التحفظ في الاختيار مثل العانس التي تجاوزها الركب .
الصفحة 73 :
يحمل الحقيبة الصغيرة المملوءة بالمخدرات كما يحمل أستاذ محفظته و يلوح بها مثل ساعي بريد يحمل طردا .
الصفحة 86 :
نوافذ المنازل المتناثرةعلى جنبات الطريق كأنهن حواري هائمات في المروج من هجر الحبيب .

هذا و لم يكتف الروائي بهذه الأساليب البليغة في التعبير و لكنه في غمرة انتشائه بالسرد غاص في لجج العامية المغربية و استقى من المعيش اليومي عبارات منتقاة بعناية فائقة و كأنها قاسم مشترك بين شباب مجتمعنا كقوله :
* القبر و ما خلى
* و الله لا كانت ليهم
* الكاينة و للي تكون
* المعقودة ، التقلية
* يشد الأرض
* الله يخرج هاذ الحلمة على خير
* ياك لاباس فين بت البارح علاش ما جيتيش
* الفم المسدود ما يدخلو ذبان
* واش غادي دير بالسلامة
* على سلامة الصحراوي ، فين هاذ الغيبة
* سولي خوك للي فضحنا فالحي ، على اخر ايامي يجيوا البوليس يفتشو لي الدار بحال إلا أنا شفار
و لا بزناس
* لاطاش
* توكل على الله آ وليدي و سير دوز بحالك بحال الناس
* سير اجمع حوايجك و اتكل على الله و سير دوز  و المركوب على حسابي .
إذن لا أظن أن مثل هذا العمل الروائي الذي استعمل فيه صاحبنا كل هذا التنوع في الأساليب
و التعابير و عناصر التشويق و وظفها توظيف من له تجربة طويلة في الأعمال الروائية جاءت من فراغ بل هي نفسها الحجة القاطعة أن الكاتب على إلمام كبير باللغة العربية و آدابها و له رصيد معرفي و ثقافي كبير .

الباب الثالث :
أسرار الأذواق بين السارد و العشاق :
  ) كيف ما ينكد قلبي و كيف الروح ما تولي .....)
ليس من باب المبالغة إذا قلت أنني أثناء قراءتي لهذه الرواية كنت أتوقع أن تذكر فيها أشياء ،
و فعلا صدق حدسي ، لا لأني منجم و لكن معرفتي التامة لشخصية الروائي و مواهبه و هواياته
و نظرته لأمور الدنيا و التي لمستها فيه منذ أن تعرفت عليه لأزيد من ثلاثة عقود رغم فارق السن بيننا ، إذ وجدت فيه من الخصال ما لم أجده في الكثير من بني جيلي ، فكان حقا جديرا بصداقتي
فهو الشخص المثقف ذو السلوك القويم و الرؤى الثاقبة و الذوق الرفيع و كيف لا و قد تشرب صاحبنا من ينابيع الفن الراقي في زمن لم يكن للتفاهة نصيب ، فاستقى من الشعر أجوده و من النثر أبلغه و من الموسيقى و الغناء أروعه ،( الشعر طويل سلمه .....الشعراء في الزمان أربعة .....) و لم يفته أن يشير الى ذلك أثناء سرده للأحداث ، من قبيل قصائد الملحون بصوت أمهر النشادين المرحوم الحاج الحسين التولالي و روائع الشرق لعمالقة الطرب ، و جيل الرواد المغاربة من أمثال ابراهيم العلمي ، عبد الهادي بلخياط ، محمد الحياني ، اسماعيل أحمد و غيرهم  ممن أغنوا خزانة الإذاعة بروائعهم الغالية و بدائعهم الزهراء .
و كأني بالسارد يحن الى تلك الأيام الخوالي
و يقول
 ( غابوا  اهل الهوى و اضحى سوقي .........)
و يخجل مما آلت إليه الفنون من التفاهة و الرداءة
في زمن لم تعد فيه للقيم قيمة ، و كأنه يستحضر قول الشاعر الحاج أحمد الغرابلي :
 ( إولا ساب الكلام حتى ولوا به يدعوا ملا يقبالوا )
أو قول سيدي قدور العلمي :
للي ما يدري معنى و لا سطر مثلت كلامو الا هضر...
إذن على جفريات أهل الملحون أنهي مداخلتي المتواضعة ، و من هذا المنبر أخاطب السيد علي عديدو و أقول له : لقد وضعت رجلك في الدرج الأول و ركزت فيه قدمك و أبنت عن موهبة لا تقل قيمة أدبية و فنية عن كبار الروائيين ، فلا تستعمل موانع الحمل إلا لتنظيم النسل ، و لا تحرمنا من مثل هذه الولائم الدسمة ، وفقك الله و شرح صدرك و سدد قلمك ، و إلى عقيقة أخرى .
و السلام على الروائي و النقاد و الحاضرين و رحمة الله و بركاته .

              💼  بقلم الأستاذ  زايد وهنا  💼

♠ فن الرسيم بمنطقة كير♠

🌒 فن الرسيم بمنطقة كير 🌘

         لعل هذا النوع من الزجل قد أخذ اسمه من إيقاعه ، و هو عبارة عن أشعار زجلية يغلب عليها طابع الذكر و المديح النبوي و الوعظ و الارشاد يختص به كبار السن من أهالي القبيلة ، فهم بحكم سنهم لم يعودوا يشاركون الشباب و الكهول في أهازيجهم و رقصاتهم في الأعراس و المناسبات السارة كما كانوا يفعلون في شبابهم ، الآن و قد صاروا عجزة لا يليق بهم فعل ذلك في نظرهم مما جعلهم يختارون لأنفسهم هذا اللون الذي اصطلح عليه بالرسيم أو (الرسمة )أو( الرسم ) ، لأن أشعاره
و التي تكون من نظم الفقهاء و الحكماء تذكرهم بالآخرة و تزهدهم في الدنيا و تحثهم على فعل الخيرات و العمل الصالح ليظفروا بحسن الخاتمة .
لهذا قلنا هذه الفئة من العجزة يعتزلون شباب القبيلة لهذه الأسباب أساسا و كذا لعدم إحراج أبنائهم بوجودهم معهم في نفس المجلس خصوصا أن الشباب في وقت مضى كانوا يستحيون من الغناء و الرقص في حضرة شيوخهم .
بعد وليمة العشاء المقامة ببيت العرس ( الفرح ) ، ينسحب  الشيوخ ( كبار السن ) ، و يتجهون مباشرة الى الممر الذي يربط بين باب القصر ( فم القصر )
و المسجد ( الجامع ) حيث ينشدون الرسيم بعيدا عن ضوضاء العرس .
يجلسون في الزقاق في صفين متقابلين ، يستفتحون بما تيسر من القرآن الكريم ، بعد ذلك يقوم إثنان أو ثلاثة منهم ممن يتقنون هذا الفن ، يسيرون بين الصفين وهم ينشدون أشعار الرسيم التي تكون أبياتها غالبا  من قياس مكسور الجناح او المبيت ، كل بيت ينشدونه يردده الجالسون في هدوء و تخشع ، فإذا انتهى القسم الأول من القصيدة تأتي بعده مباشرة الرسمة و هي أشعار  قصيرة عبارة عن سويرحات تنشد بميازين خفيفة جدا مصحوبة بإيقاع من أرجل الواقفين منهم إيقاعا موازيا لميزان تلك الأشطار القصيرة ، إلا السويرحة الأخيرة من الرسمة أي البيت الأخير ينشد بطيئا و يرمز الى نهاية الرسمة الأولى في القصيدة ، و هكذا كل قسم من أقسام القصيدة ينتهي برسمة حتى نهاية القصيدة ، فإذا نال العياء و التعب من الرسامين  يتم استبدالهم بآخرين .

و هذا نموذج لقصيدة من فن الرسيم ، و هي من نظم الفقيه الزجال الطالب لحبيب بن عبد القادر بن محمد بن الصغير بن جعفر من قصر بني وزيم بوذنيب ، المتوفى سنة 1940.

القسم الأول :
يا عاشقين في المصطفى ذكروه لا تملوش صلاتو
              هي كنز للي بغى يسلم
يا عاشقين في المصطفى عنوا للذكر سعد اوقاتو
             معدودة في الحين بالمواسم
و صلاتو تزهي من هو معشوق في المحبة وتاتو
             و رافق للي فقيه عالم
اعلمو المحمودة في الادب باش تقيم صلاتو
              مرضية متابعة غنايم
اعلمو فرايض دينو و للي به تطهر ذاتو
          و الواجب بالوضوء الى التيمام

الرسمة :
الدنيا دنية الخسارة
تغوي لسلام و النصارة
مرة نوار في كرارة             
مرة ياتي جذوب غاير
من قال الخالية عمارة

تعقب لرسام الاولين
يا بويا ما يهولوني غير إلا جاو حاجين

القسم الثاني :
إلا تابع كتسرد و اختار للي يلاقلك في تحداثو
               تلقى راسك في الطريق سالم
و إلا عرضوك شياطين الناس في طبايع ليلاتو
             جاوبهم بللي انت تنجم
صلى الله عليه قد ما في الدنيا من نهار و ليلاتو
              حية و ميتة من أولاد آدم
و طيور و نحل و جراد للي عد الله حياتو
              و حجر و رمل في المقاسم
و ملايك في السماء تعبد ربي كلها يلغي بلغاتو
              لا تحرمنا يا الله دايم

الرسمة :
بسم الله نبدا في الألف للي جديد و للي بالي
و نصلي على المرسلي
و نزيد الصلاة على محمد
بولالة فاطم الزهراء عدد ما خلق الحنين الجواد
و ارضى على صحابو عشرة

على عداد المحبة في الدنيا كلها كيما جاتو
              لا تحرمنا يا الله دايم
من حب الرسول للي هي للقلب دواتو
              انا و الحافظ بنعايم
قوي ضعاف هاذ الناظم يا الله و امحي سياتو
              جعفري نسبو و الله عالم

                       🔷  الناظم : الطالب لحبيب 🔷

إذن هذا باختصار شديد ما يمكن أن يقال عن فن الرسيم ، غير أن هذه الفنون الزجلية بكل أنواعها لا يمكن أن يتذوقها الإنسان إلا إذا حضر طقوسها
و سمع كلماتها العامية المحلية و رأى رقصاتها
و الحركات المصاحبة لها ، أما نقلها كتابة على هذا النحو يبقى مجرد نظري يحتاج الى تطبيق لتكتمل الصورة معنى و تذوقا خصوصا لدى فئة الشباب ممن فاتتهم فرصة حضور مثل هذه الأعراف
و التقاليد التي حافظ عليها الأباء و الأجداد
و فرطت فيها الأجيال الحالية .

             💼  بقلم الباحث  :  زايد وهنا  💼

🔴 فن الملولي ( بونقطة ) في منطقة كير 🔴

🖼  فن الملولي ( بونقطة ) بمنطقة كير 🖼

         الملولي أو ( بونقطة) أو ( العامة ) هي مسميات لواحد من الألوان الزجلية الممتدة بين منطقة كير و حوض بوعنان ، و فن الملولي سمي كذلك لأن أشطاره موضوعة على مرمة موسيقية تتكرر فيها كلمات الحربة التي هي :
 " آ لالا  لالا  هلال يا لا يا و ها لالا "
و على جرسها تنشد الأبيات التي تتكون من فراش و غطاء ( الصدر و العجز ) ، بعضها مقفى في فراشه و غطائه و بعضها يكتفي بوحدة القافية في غطائه ، علما بأن أبياته لا تتعدى خمسة أبيات ، يتوسط شيخ العامة و ثلاثة من الردادة صفين من رجال القبيلة بأزيائهم التقليديةالمتشابهة  ، مدججين بدفوفهم و تعاريجهم ،  يتولى شيخ العامة إنشاد الملولية بيتا بيتا و بين كل بيت
و بيت يردد الردادة الحربة دون استعمال الدفوف ، إذ هذه لا تستعمل إلا في البيت الأخير الذي اصطلح على تسميته ب( الحماية ) أي البيت الذي يثير حماسة العامة فيتغنون به على إيقاع الدفوف و التعاريج بحيث يتولى أحد الصفين ترديد الشطر الأول من بيت ( الحماية ) بينما يتولى الصف الآخر ترديد الشطر الثاني ، كل هذا في حركات راقصة تتمايل لها الأجساد في نظام بديع ، لا يقبل الإخلال به ، و إن صادف أن تطفل من لا ذراية له بقواعد اللعب و سبب خللا في الايقاع أو الغناء ، فإن شيخ العامة ينبه الى ذلك بطريقة غير مباشرة و بإبداع فني كأن يقول :

  " واش داك للكلام يا لي متعرف معناتو
                 الكلام كيف الميزان فساع إبان عوارو "

 أشعار الملولي تحمل من المعاني ما يعبر بها صاحبها عما بخاطره ، و لا يجد لذلك فرصة إلا في الأعراس حيث يفسح المجال للتعبير عن مكنونات النفس مدحا أو تغزلا أو عتابا أو هجاء  دون أن يعرف الحاضرون الشخص الذي يقصده الناظم في أشعاره ، و هكذا يكون هذا اللون من الزجل متنفسا للناظم و يجد استحسانا في نفوس من اكتووا بما اكتوى به الناظم و كأنه ينطق بلسانهم و يترجم أحاسيسهم .
و هذه بعض النماذج من فن الملولي على سبيل المثال لا الحصر :
    ⚫ النموذج الأول :

  الحربة  أو  اللازمة :
" آ لالا  لالا  هلال يا لا يا و ها لالا
                       لاهل لال  لال يا هلال"

الأبيات :
 1- داتني يا بويا رجلي لفراجة
                ولو ما عجبي واش عندي من حاجة
2- دازت علي تمشي مشية موجة
              ولا بابور سايقينو عذراجة
3- فسنان فلجة و البياض كيجا
             و المخ فالساق دار عجاجة

الحماية ( البيت الأخير الذي يتغنى به )
 4 - كاع البنات معها ما قضاوا حاجة
                    مريم بو حزام صافي لفلاجة.

  ⚫ النموذج الثاني :

نفس اللازمة أو الحربة كما في النموذج الأول :

الأبيات :
1- مال محبوبي يا ربي شيان في
              و بعد العشرة لقيت قلبو نصراني
2- ياك ما قالوا ليه الناس شي علي
            يا وشوش خاطرو حبيبي عداني
3- ياك فوت معه للي اكتاب لي
           يا و مطامع فيه ما غادي يغنيني

الحماية ( البيت الذي يتغنى به ) :
4- مباركة حرازك يمهلوا علي
                شوفة منك يا العارم تزيني  .

و قس على هذا النمط أزجال عديدة و بمواضيع متنوعة تندرج ضمن فن الملولي الذي بدأ يحتضر في هذه الربوع الطيبة .

         🛇  مقال مختصر للباحث : زايد وهنا 🛇

🍀فن الميسوري في منطقة كير🍀

🌎  الميسوري بمنطقة كير  🌍

          هذا اللون من الزجل يرجع أصلا الى مبدعه السيد محمد ولد لالة الحاجة الميسورية بنت سيدي بوزيان بن أحمد من زاوية سيدي بوطيب بميسور ، و الذي عاش في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، و بعد موته سار الناس ينظمون أزجالا على منواله بنفس القياسات و أضحت أزجالهم تحتفظ بنفس الاسم الذي هو الميسوري ،و ليس بين أيدينا أي مصادر أو مراجع تثبت هذا النسب
و إنما هو تواتر أخباره عبر الرواة و الحفظة من أبناء منطقة ميسور و نواحيها كما أن بعض هذه المعلومات استقيناها من الزجال السيد محمد حمادي بالعربي المولود سنة 1950 بميسور الذي زار مدينة بوذنيب كشيخ و رئيس لفرقة فولكلورية قدمت من ميسور لتشارك أهل بوذنيب في احتفالاتهم بمناسبة عيد الاستقلال.
 لقد انتشر  هذا اللون من الزجل ( الميسوري ) بين منطقتي ميسور و تافيلالت انتشارا واسعا حتى أمسى معروفا و متداولا في كل أرجاء الجنوب الشرقي و برع في النظم على منواله زجالون كثر ينتمون لهذه البقاع .
هذا النوع من الزجل هو على قياس المبيت المجرد أو المفرد  تتكون أشطاره من فراش و غطاء أي صدر و عجز ، و لا تتسم أشعاره بوحدة القصيدة إذ كل بيت يختلف عن سابقه و لاحقه من حيث  المعنى و يحمل في طياته حكمة بليغة مستوحاة من الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية للناظم  و غالبا ما تعبر عن المعاناة و الألم .
الميسوري يردد بين شخصين و هما يعملان في مكان واحد في الحقل أو البناء ...، أو بين النسوة
و هن يقمن بعملهن في مكان معين كتنقية الحبوب أو طحنها او في النسيج أو غيرها من الأعمال الجماعية ، و هو فرصة للترويح عن النفس و البوح بالمكنونات ، كما تستعمل بعض أبياته في المزوكية
و المواويل لما لها من وقع على النفس ، و تؤدى بألحان خاصة تنسجم و مضمونها ،  متشابهة الأداء في هذه الربوع التي أشرنا إليها سلفا اللهم بعض الاختلافات البسيطة جدا في اللحن بين عشيرة
و أخرى .
و هذه نماذج من أشعار الميسوري للاستئناس فحسب :
  راني في القدرة نصرف الكاتبة
                 و وعدك يا ربي و يصرفوه الجواد
شفت القلدة و قلت سيدي شريف
                  و داني للصحراء و غر بي
ما ني بك و لا براحتك يا الريم
                و تبعتك و عصيت والداي
هذا عام السنسلة و قيد الحديد
               و الريصاني ما حنا ماليه
شفتك يا تمرة و طاح جني عليك
              ساع انت حشفة نتاعت آداو
تحلا الدفلة ما يكون فيها مرار
               و ما تحلاشي يا القائل العار
فاس و مكناس ما يجيني بعيد
                و في طوع الوالعة نولي
راني غادي لبريجة نجاور الكافرين
               و ذاك البر و لا وجوه بعضين
سيدي يا ربي تسلم الغايبين
               و جيني سيد الحبيب لا باس

و قس على هذا النمط ما لا يحصى من أشعار الميسوري مما قاله الناس و تداولوه و مولوا
 و زوكاوا به و ضربوا به الأمثال .....

   🛇  مقال مختصر بقلم الباحث : زايد وهنا 🛇

🌐الأذكار و الأمداح بمنطقة كير🌐

🌲الأذكار و الأمداح 🌲

        هذا النوع من الزجل هو عبارة عن أشعار في التقرب الى الله سبحانه و تعالى إجلالا و توسلا
واستغفارا ، بذكر صفاته و أسمائه الحسنى و عظمة قدرته و بديع صنعه ، كما أنها أشعار في مدح سراج الأمة و هادي البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم  و أهل بيته الطاهرين ، بذكر سيرته العطرة و جميل شمائله ، و هذه الأذكار و الأمداح غالبا ما تكون من نظم الفقهاء و رجال الدين الزهاد
والمتصوفة لذلك تغلب عليها الفصاحة أكثر من العامية و تردد هذه الأذكار في المناسبات الدينية كالأعياد و ليلة القدر و ذكرى المولد النبوي الشريف أو في بعض المواسم كالحصاد و تلقيح النخيل ( الذكار ) أو في الحفلات و الأعراس و الطقوس  المصاحبة لها ، فقد جرت العادة في بعض عشائرنا أن العريس في ليلة زفافه لا تخضب يداه و رجلاه بالحناء إلا مصحوبة بترديد هذه الأذكار أولا
و بعدها قد يفسح المجال لألوان أخرى من الأهازيج الشعبية المحلية .
و هذه الأزجال تنظم على قياسات ( المجرد ) أبياتها تتكون من  فراش و غطاء أي صدر و عجز ، و قد تنظم ( رباعيات ) بحيث تتكون من أربعة أشطار

نماذج من تلك الأذكار و الأمداح للاستئناس فقط :

     باسم مولانا الغفور  ****  الرؤوف رب شكور
     نمدح نعم البشير    ****   النبي مولاي محمد

     الله الله يا الله مولانا مولانا
     حالي ما يخفاك يا الله ربي
     باش بديت كلامي بالصلاة على نبينا
     باش بديت كلامي لا تحرمنا يا الله ربي

       🌷  مقال جد مختصر للكاتب  زايد وهنا 🌷

◾ إليك ابنتي ◾


                   🍎  اليك ابنتي  🍎

 كيف ما يفرح قلبي و كيف النفس ما تولي مبشورة
و أنا شايف ناس الخير في دار ايت وهنا مسرورة
هذا فرح عظيم ليه اتشد الرحال من حواضر و دشورة
 كيف شديتوا رحلكم و جيتوا تباركوا بأصوات جهورة
 هنية للالت البنات تاج الريام بعلوم و آداب مشكورة
 اجعل يا ربي فرحها دايم و تاوي القلوب تعيش مستورة
 بالسعادة والبنين ترزقهم يا حنين يكونوا أسرة مثمورة
قلت يا ربي و قولك حق تجعل الرحمة فيهم مفطورة
و اسلامي لاشياخ جملة وهاذ الحاضرين بمسوك وعطورة
و الجاحدني ما يدري معنى تالف بصيرتو مدمورة
ما نجالس مثلو ولا نذكرو في اشعار صحبتو عندي محقورة
 ناظم الابيات ما يخفى عنكم زايد وهنا اشعارو معبورة
 ما يواخذني مولايا فشاين خطيت اختم لي بحجة مبرورة

  ♦شعر الزجال زايد وهنا بمناسبة زفاف لبنى♦

◼ أسرى التقليد ◼

    أسرى التقليد

 السواد الأعظم منا يعيش على أذواق الآخرين دون أن يشعر ، و الأمثلة كثيرة ، فكلما زرت بيتا من بيوت الأحبة و الجيران إلا و تلاحظ تشابها تاما في غرف الضيوف من حيث الرياش ( كنبات عليها لحافات مغطاة بثوب يتناسب و الوسائد تتوسطها موائد كبيرة ) فلا اختلاف بين غرف الضيوف من منزل لآخر إلا في نوعية الثوب و اللون ، و كلما رأت الزوجة غرفة إحدى صديقاتها و قد زينت بثوب جديد إلا و طلبت من الزوج اقتناء نظيره لتستبدل القديم الذي قد استبدل هو بدوره منذ ثلاث أو أربع سنوات لتغير هي كذلك منظر غرفة الضيوف ببيتها ، فلا يسع الزوج إلا تدبير الأمر و لو على مضض ليجاري غيره عملا بقول الزوجة ( دير ما دار جارك و لا حول باب دارك ) ، ألست بذلك أسير التقليد ، لماذا لا نؤثث غرفنا حسب ذوقنا و طاقتنا المادية بغض النظر عن الآخرين ، أي عيب في فراش وثير على الأرض دون كنبات و قد يكون مريحا للبدن و النفس ، أليس كرم الضيافة و حسن الاستقبال و طيبة الكلام أولى و أجلب للسعادة من الرياش و النمارق .

لا بد و أنك دعيت إلى عدد كبير من الولائم عند الناس  في المناسبات كالأعراس مثلا  ، ألا تلاحظ التشابه الكبير في الأطعمة التي تقدم للمدعويين و المكونة غالبا من (  طبق الكسكس و طبق الدجاج المحمر و طبق اللحم و بعض الفواكه الموسية ) ، فإذا حان دورك و دعوت الناس إلى بيتك لعرس أو ما شابه ، تقدم لهم نفس ما أكلت عندهم ، و لو أنك حاولت أن تجتهد و تقدم ما هو أفيد للصحة و أريح للمعدة لقوبل اقتراحك بالرفض بقولهم لك أتخالف ما يفعله الناس كافة ، أعرفت الآن أنك أسير التقليد .

سبق و أن صاحبت أفراد أسرتك إلى الأسواق و المتاجر لاقتناء الملابس لأبنائك ، فتراهم يختارون من الملابس مثل ما يرونه عند أقرانهم دون مراعاة للجودة و لا للخصوصيات و قد يفوق ثمنها طاقتك و رغم ذلك تجاريهم نزولا عند رغبتهم و بإيعاز من الزوجة التي تصطف إلى جانبهم ، فلا يسعك إلا أن تؤدي الثمن و أنت على غير اقتناع تام بأذواقهم ، ألا ترى أنك أسير التقليد ، و هو الأمر الذي نشاهده لدى الأغلبية العظمى من تشابه في اللباس ، فقد لا يجد الشاب أو الشابة الراحة في نوع اللباس الذي يرتديه و لكن بفعل تقليد الآخرين يتحمل الضيق حتى لا ينعت بين أقرانه بالمتخلف .
و قس على ذلك من الظواهر و المشاهد اليومية التي ساد فيها التقليد حتى أصبحنا أسرى بين يديه يقتادنا طواعية و كرها .......

                    تأملات الكاتب   :    زايد وهنا

🕭 ناقوس الخطر 🕭

ناقوس الخطــــــــــــــر

      ليس من الغريب على كل مواطن صالح غيور واع بما يجري هذه السنوات الأخيرة في وطننا العزيز، أن يقلق و يتوجس خيفة من الخطر المحدق بهذا البلد الأمين ، و أنا بدوري لا أخفيكم إخواني القراء ، إذا قلت أن جنبي بات لا يطمئن في مضجعه،و أصبحت لا أنعم بمتع الحياة ذلك التنعم الهنيء المريء، لا من خصاصة أو شظف ، فالكفاف عفاف، و إنما من ظاهرة أمست تؤرقني ليل نهار، و أنا أشم رائحة عاصفتها الهوجاء آتية لا محالة - خيب الله ظني في وصولها – تنذر بالبوار و الثبور الذي يأتي على الأخضر و اليابس ، فلا يبقي و لا يدر، فبعد سنوات من الملاحظة و الإطلاع كل يوم على الجرائد و المواقع الإلكترونية و نشرات الأخبار، لا أرى و لا أسمع إلا مظاهرة هنا و مسيرة هناك و اعتصاما هنالك ، من أجل مطالب هي في الحقيقة عادلة و منصفة و من حق طالبيها الحصول عليها، و مع اقتراب موعد الإنتخابات تخرج الأحزاب ما في جعبتها من وعود منمقة و أساليب ترغيبية و برامج تكاد تجمع كلها على محاربة الفساد و المفسدين ، و إعادة إصلاح هياكل الدولة ، و الإهتمام بقضايا الفئات الهشة ، وتشغيل الشباب ، و تحسين أوضاع المرأة و رفع الحيف عنها ، و غيرها كثير من الأماني و الآمال ، نلخصها كلها في كلمة واحدة هي احترام كرامة المواطن ، غير أن ما يغيب عن حسبان هؤلاء جميعا أن كرامة المواطن لابد لها من قاعدة أساسية تبنى عليها ، و هي أولى الأولويات و الأصل في بناء مجتمع متحضر متماسك ، إذ لا يستقيم أمر أي مطلب مشروع دون أمن و أمان ، و من غير اطمئنان و استقرار .
يا إخواني إن ما نراه و نسمعه ينبيء بفوضى عارمة و تسيب و شطط في استغلال حقوق الإنسان بفهمنا الخاطيء لها ، إذ لم تعط هذه الحقوق بجرعات مناسبة حسب ظروفنا و خصوصياتنا و أعرافنا ، بل قدمت كاملة في جرعة واحدة لم يستسغها جسمنا ، فاستغلها البعض دون وعي فحدث عكس ما أريد بها ، و انقلبت مفاهيمها سلبا مما نتج عنه ضرر في حق البعض الآخر، و بالتالي كيف سيسعد المواطن في حياته و يؤدي مهامه على أحسن وجه و هو غير آمن في سربه، مهدد في كل لحظة من أن يعترض سبيله ( مشرمل ) أو عصابة من الصعاليك بأسلحة بيضاء ( سيوف، سلاسل، هراوات ...) فيعتدون عليه ضربا و جرحا حتى الموت ، و في أحسن الأحوال قد يلحقون به أدى بليغا يصل أحيانا إلى عاهة مستديمة تلازمه طيلة حياته، طمعا في بعض نقوده أو هاتفه أو أي متاع يرونه مدرا للربح بالنسبة إليهم ، و ربما يقع كل هذا على مرآى و مسمع من المارة و لا أحد يحرك ساكنا خوفا من المصير نفسه الذي تعرض له الضحية ، ما ذنب طفل بريء في طريقه إلى المدرسة،أو طالبة في طريقها إلى الثانوية أو الجامعة، أو امرأة خرجت في طلب الرزق لأيتامها أو موظف مخلص في عمله محب لوطنه فيتعرض هذا للترهيب و التعنيف ، و تتعرض تلك للإغتصاب و التنكيل من قبل صعاليك ميؤوس من صلاحهم ، و لا يتدخل رجال الأمن إلا بعد فوات الأوان، و إن تدخلوا في أوانها فقد لا ينجون هم كذلك من هذه المجازر، فكم من رجل أمن مخلص تعرض للقتل على يد صعلوك مشرمل و كم من مياوم يكسب قوت عياله بعرق جبينه فيقتل ببرودة دم لأن عنده 100 درهم ، و الغريب في الأمر أن هذا المجرم القاتل يعتدي على أناس بسطاء ممن قهرهم السعي في توفير أدنى متطلبات الحياة من موظفين ذوي الدخل المحدود أو أجراء أو مياومون أو غلبة من أطفال و بنات و عجزة أما الناس الميسورين فهؤلاء قلما يصادفهم في طريقه إذ أن لهم وسائل النقل الخاصة بهم و لأبنائهم و زوجاتهم و لا يتسوقون إلا في الأسواق الممتازة و قد يكونون مصحوبين بحراس خاصين ، و مع كل هذا و ذاك و بالرغم من العمد و التعمد و سبق الإصرار و الترصد يودع المجرم في سجن من خمسة نجوم حيث التغذية الكاملة الكافية و الأفرشة و الأغطية الناعمة والملاعب الرياضية و الحمام الساخن و التلفاز وووو... فيجد نعيما لم يكن يحلم به يوما ، لأن حقوق الإنسان أعطت هذه الإمتيازات للسجناء القتلة المغتصبين ، ترى لماذا لم تعط نفس هذه المتيازات و هذه الحقوق لأرملة القتيل و أبنائها الذين يتضورون جوعا و يتسولون في الشوارع، عجبا لهذه المفارقة بل المقاربة الغريبة التي يستعصى فهمها على كل ذي عقل لبيب ، فمن أحق بالرعاية و الإهتمام القاتل أو الأطفال اليتامى ؟ و هذا سبب رئيس و دافع أساس يجعل من هؤلاء اليتامى المهملين مشروع مجرمين مستقبلا .
لهذا أظن حسب رأيي المتواضع أننا نحدث ثقبا في سفينتنا عندما يقتل و يعوق الصالحون في وطننا ، و يكرم و ينعم المجرمون القتلة ، و إن امتدت بنا الأيام على هذا النحو و لم نجد لنا حلا فقد نصل إلى ما يسميه العامة قديما ( السيبا ) ويفلت زمام الأمور من بين أيدي المسؤولين ، حينها نقرأ الفاتحة ترحما على استقرارنا، وقد يقول قائل لو وجد هذا المجرم عملا لما التجأ إلى الإجرام، سأجيبك بكل صدق و من خلال تجارب عاينها بعض الأصدقاء فهؤلاء المجرمون اعتادوا الإسراف في الإنفاق على أنفسهم،فلا تكفيهم أجرة العمل التي تتراوح بين 100 و 150 درهما في اليوم،هذا ناهيك عن مشقة العمل التي لا يستطيعون تحملها كباقي المياومين، هم ألفوا و تعودوا على إسراف نقود كثيرة وبطرق سهلة للغاية من غير تعب أو مشقة، و هذا ما يجعلهم يفضلون اعتراض سبيل المارة .
فما السبيل للحد من هذا الإجرام الذي تفاقم مؤخرا حتى وصل آذاه الطريق السيار؟ لا أرى حلا أنسب إلا بإصلاح شمولي لجميع القطاعات و على رأسها قطاع التعليم في مناهجه و برامجه لتتوافق و متطلبات العصر و ما يطلبه سوق الشغل ، و الإلتزام بالإنضباط و الإحترام ، و إعادة الهيبة للمؤسسات و لرجال التعليم، وإعادة النظر في الخريطة المدرسية فلا نجاح إلا بالكفاءة و الإستحقاق ...ثم علينا بقطاع الإعلام لنجعله قطاعا هادفا يخدم المواطنين في جميع مناحي حياتهم و مكملا لدور المؤسسات التعليمية ، و كذا النظر في حقل الصحة الذي يشكو الجميع قصوره و اهماله ، وتوفير فرص الشغل للعاطلين ، و الأخذ بيد الفقراء و المساكين ، و خصوصا ذوي الإعاقة الذهنية الذين يملأون الشوارع فهذه الفئة لا أحد ينظر إليها بعين الرحمة في حين أن مكانها الأنسب هو مارستانات خاصة بها تتلقى بها الرعاية الكاملة و الإستشفاء ، و باختصار شديد النهوض بجميع القطاعات و تغيير العقلية السائدة المبنية على المصالح الشخصية و مراعاة مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فإذا استطعنا فعل ذلك و هو ليس بعزيز على همم المغاربة فإننا و لا شك سنحد من هذا الإجرام المتفاقم ، و إذا كان هناك من سولت له نفسه المساس بعرض الآخرين أوأرواحهم أو أموالهم ،فينبغي آنذاك أن يتعرض المعتدي لأشد أنواع التعذيب و التنكيل قد تصل في بعض النوازل إلى الإعدام و لا تأخذنا به رأفة .
إخواني المغاربة ، لقد أصبح المواطن في ظل هذا الخوف و عدم الإطمئنان على النفس و العرض و المال، يفضل الأمن و الإستقرار أكثر من أي مطلب آخر و كثير ممن حاورتهم يفضلون أن يعيشوا عيشة بسيطة في مأكلهم و ملبسهم و مسكنهم مقابل أن ينعموا بالأمن و الأمان، إذ لا راحة و لا سعادة في عيش و لو كان رغيدا دون أمن، فلا شيء أغلى من الحرية، حرية التنقل و التجول و الذهاب إلى العمل و العودة منه في اطمئنان دون خوف أو رعب أو تهديد، و تسود المحبة و الأخوة بين الناس كما أمرنا ديننا الحنيف ، و من أجل هذا المطلب الغالي الثمين ينبغي أن ندافع بالمظاهرات و الوقفات الإحتجاجية و غيرها من الأساليب الحضارية السلمية دون المس بالتوابث و المقدسات ، لا كما نرى في هذه الأيام حيث أصبحت بعض المسيرات تخرج عن النطاق الذي نظمت من أجله، فيتخذها بعض ضعاف العقول مطية لتمرير أفكار سامة نحن في غنى عنها، نعم نحن مع كرامة الإنسان و حقوقه و نحن ضد كل أنواع الظلم و الإستبداد و نطالب بالضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه أن يحقر مغربيا أو يبتزه في حق من حقوقه ، و لكن بدون إثارة النعرات التي تفتك بوحدتنا الوطنية و تثير الفتن بيننا و نحن عصبة واحدة تعايشنا منذ الأزل و لا زلنا على التفاهم رغم تنوع ثقافاتنا و لغاتنا و أجناسنا و أعرافنا و تقاليدنا و هذه عناصر قوة و اتحاد لا تزيدنا إلا تماسكا و انسجاما و تفهما و لا نقبل بوجه من الوجوه أن يملي علينا أحد من الخارج رأيه ، فنحن أدرى بمصلحتنا من غيرنا ، و لو كان رأيه صائبا لظهر أثره في بلده قبل غيره .
ختاما أدعو كل غيور على هذا الوطن، و أناشد المسؤولين و الأحزاب و فعاليات المجتمع المدني أن تجعل الحد من ظاهرة الإجرام أولى أولوياتها ، وتتصدى لها بكل الوسائل المتاحة و الممكنة و توفر ما يمكن توفيره من الحلول المناسبة التي ترد بشبابنا ( المشرمل) إلى السكة الصحيحة ، ليعيش الكل في أمن و أمان ، فإن توصلنا للحد منها - إن لم نقل القضاء عليها – فما دونها أهون ، و إن لم نفعل فلنترقب عواقب وخيمة لا تحمد نتائجها إن آجلا أو عاجلا ، و ما أظنه إلا عاجلا إن استمر الوضع على ما هو عليه ..........

◾ الربى الفيحاء ◾


               الربى الفيحاء

على رباك الفيحاء تغفـــــــــو
                أشفار كالسيوف والسهــــام
تحرس الرياض من كل رقيب
                 تصحو كلما دنا من الخيــام
ينساب من ثناياها بريـــــــــق
                يشع فيضا من صب الهيــام
يخترق الأبصار إلى القلــــــب
                ويسري رعشة في الأجسام
فإذا تفتق ثغر زهرهــــــــــــــا
                لاحت لآلئها في الظـــــــلام
كبرد يرشف رحيق شهــــــــد
                 ورضاب يغني عن المــــدام
يغور في سديم الطل حينـــــــا
                 ويلوح كالسنان عند الكــلام
إذا انبجس تضوع منـــــــــــه
                 صبا المسك بريا الأنســـــام
تحف عدوتيه خيمتـــــــــــــان
                 تبهران في رمق الابتســــام
وجيد ريم يستظل من لظـــاها
                 ويخجل أن يرى في الآجــام
على ضفافه يلهو ظبيـــــــــان
                 يطلان زهوا على الأكمــــام
أراقب وقت وصلها بشـــــوق
                مراقبة المتيم المستهــــــــام
أضنت مضنى حظه منــــــــها
                 مجرد ذكريات في الأحــــلام
لم أكتم هوى قد أرقـــــــــــني
                 وصبابة المشيب من الأوهام
متى أكون في مزنها قطــــــرا
                 يدوم ربيعها مدى الأيــــــام

شعر ذ.زايد وهنا

◾ حفظك الحفيظ◾

قصيدة مهداة لأخ لي لم تلده أمي ( عبد الحفيظ دحو )
بعنوان :
                     حفظك الحفيظ

الحفيظ من أسمائه الحسنى الحفظ
                و أنت عبده فنعم الإسم و المسمى
حفظه جلل الكون والخلق فليس له
                ند في الحفظ إلا ما أعطى و تكرم
نلت حظوظ العبد من حفظه  إذ  لا
                يستوي خالق و مخلوق فيما أنعم
فكنت جديرا بما  وهبك  الحفيظ
               و حظيت بما كان منه غيرك معدما
حفظت أواصر المودة عقودا فما
                كنت لصروف الدهر إلا دواء بلسما
عبد الحفيظ استفردت من آل دحو
                بكل محمدة بها علا  شأنك و سما
لأفراحها و أتراحها لك ربطة جأش
                 تجلت كالفرقد حتى تراءت للعمى
ما افتقدناك في موقف الرجال إلا
                  كنت حقا أسرع ممن أتى و تقدم
صحبتك أنس به المجالس تزدهي
                 وفي مواهبك ما رأينا أجل وأعظم
صنت سر عمر قد نيف على الهرم
                   فما أبقى لنا منه إلا عجزا و مأتما
فلله در زمان ليس في طبعه آمان
                 فتن الناس بغدره و بدد الأنس ألما
فعليك منا سلام من الحفيظ الذي
                 وعد المتحابين فيه بالجنان مقاما

شعر : الأستاذ زايد وهنا

◾ارحمونا◾

متى يأتي اليوم الذي نسمع فيه خبرا سارا يزرع الأمل في النفوس اليائسة القانطة ، فقد بلغ اليأس بالناس أقصاه و كيف لا وفي كل لحظة تجف الابتسامة على المحيا بأخبار القتل و النهب و ارتفاع الأسعار وفساد القطاعات الحيوية ذات المنفعة الاجتماعية و ضرب مجانية هذه و رفع ضريبة تلك ..............، حتى أصبح المواطن المسكين تتقاذفه أمواج القنوط و التوجس و الرعب مما قد يأتي به الغذ ، فلم يجد لذة للعيش و لو على بساطتها و فقرها ،  يكفي ما يقاسيه من أجل لقمة العيش فلا تقضوا مضجعه بأخباركم المؤلمة و وتجاربكم المفجعة فيجتمع عليه الفقر و الخوف مما ينغص عليه بعض اللحظات ، وفيه يصدق المثل العامي المغربي " إلا نشط المزلوط كيجي مول الدين إنغسو " مما نتج عنه الإقبال على الانتحار في أوساط الرجال و النساء  بل الأدهى و الأمر انتحار الشباب اليافع هذه المرحلة المعروفة بالنشاط و الحيوية و الاقبال على الحياة ... ارحمونا فإن جرائدنا و تلفزيوناتنا و هواتفنا تقطر دما و صديدا لم تعد أنفسنا تتحمل هذه المناظر المشمئزة ، نناشدكم إن كنتم لا تستطيعون إسعادنا فكفوا عنا كل ما يبعث الخوف و اليأس و اتركونا نصارع هذه الحياة ما دام مقدورنا قد أوجدنا هنا ........

♦مهماز علي♦

مهماز  علي
أشد رحال الشعر نحو الرواسي الشامخات
أسابق أفكاري أطوي المسافات
تخذلني الكلمات و تراودني التفاهات
يستهزئ بي القدر حيث الذكريات
هنا يتضوع عبير العشق
يمتص رحيق النخيلات
هنا يتجدد العهد بالعتق
يجرجر أذيالا نثرتها الآهات
ألكز جوادي بمهماز علي
في غفلة من الخيل الجاثيات
والأولاد، أولاد علي تناشد العاديات
تنبش الثرى حيارى في غبش الدكانات
علها تظفر بالمهماز
بين همزات الأفكار و لمزات الأقدار
تثور دماء الشوق
تطفئ وميض البرق
تتحدى زمن الحمق
تهفو لصبح قد دثرته أحلام القيلولة
خلف أحجار الغولة
إنا نراه قريبا عند الگارات
يشع سناه في سمر الوطيات
مهماز علي بينكم يا أولاد
 في قراب الشيوخ الطاعنات
 في همة و أنفة الإعلاويات
 نعم هو هنا  في كد السواعد الفتيات
ولم لا في لعب طفل عشقته الدميات
مهماز علي بيننا يا أولاد
سيخرج من حلك الزقاقات
إلى وهج المهرجانات
و منها إلى عنان السماوات

مهداة من زايد وهنا وطاقم التنشيط بمهرجان اولاد  علي الى كل محبي البلاد و الغيورين عليها و المتطلعين لتنميتها

♦سأذكر قومي♦

سأذكر قومي

سأذكر قومي ما دمت حيا بينهم
         وليس من مثالب الأوفياء التنكر
سأذكر قومي بكل ما هم أهل له
         و مثلهم في تظافر المكارم نادر
سأذكر قومي في حسن ضيافتهم
         و صفة الكرم عند غيرهم  تفتقر
سأذكر قومي في رقة تعاطفهم
         و في التضحية ليس بينهم مدبر
سأذكر قومي في أنفة كبريائهم
       و سواهم بالرذيلة والفحشاء يفخر
سأذكر قومي في موقف جنائزهم
       و ليس لهم صدقا في مثلها نظير
سأذكر قومي في نبالة شمائلهم
       وإن قلت ففي الغير الدنس كثير
   سأذكر قومي اذا هام الوجد لهم
       و حنينهم في القلب له نار تسعر
سأذكر قومي ما ساد أخيارهم
          والبر بالبر أولاهما للسبق جدير
سأذكر قومي ما اطمأن مضجعهم
          والامن أمان لديهم نعماء تعتبر
سأذكر قومي ما استحيا صغيرهم
          والحياء في الاخرين بات يهجر
سأذكر قومي في سير رجالاتهم
        سواء من قضى نحبه ومن ينتظر

شعر : زايد وهنا

◾ العدل ◾


                             ◾  العدل  ◾

      سبحان من رفع السماء، و وضع الميزان ،
و خص نفسه بالعدل، و جعله محمدة عظيمة
و مكرمة جليلة، تقوم على أساسه الحياة، و يستمر به الاستخلاف في الأرض، مصداقا لقوله تعالى * يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالقسط و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله * و من سمو هذه الصفة أن لقب الرسول صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب بالفاروق لعدله
 و انصافه، وقد اكتسب العدل هذه القيمة عبر العصور، و لو تصفحنا التاريخ القديم لوجدنا أن كل الامبراطوريات العظمى قامت و سادت على أساس العدل، و اضمحلت و ذهب ريحها عندما نزع العدل منها، حتى أن أول تشريع للعدل وضعه حمو رابي، و سن قانونا عادلا في بابل مفاده القصاص ، أي النفس بالنفس و العين بالعين و الجراح قصاص ،
و سارت على نهجه أمم عدة، الى أن جاء الاسلام فوضع قوانين سماوية و أحكام ربانية، لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها، فاستحسن بعض ما جرى به العرف عند بعض القبائل العربية، و بدل و غير و أضاف ما يساير التطور و الركب الحضاري، ليجعله كباقي الشرائع صالح لكل زمان
و مكان، و هكذا أصبح العدل أساس الملك، و عنصر أمان عبر العصور، و وضع له جهاز القضاء للبث في المظالم و النزاعات بين الناس، و تفاوتت نسبة بسطه بين الحكام و المسؤولين، كل حسب مبادئه و قناعاته، فاخترقت قواعده أحيانا عن قصد أو غير قصد، و حل الظلم محل العدل في بعض النوازل، و لكن على العموم بقي العدل في مجمله محاط بهيبة القضاء و مصدر يطمئن اليه الجميع في الفصل و اعادة الحق لأصحابه، غير أن مفهومه مؤخرا أخذ منحى مغايرا نظرا للمستجدات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
و على رأسها حقوق الانسان، هذه الأخيرة التي كثر عنها الكلام في المحافل الدولية و الوطنية،
و جعلتها دول كثيرة من أهم أولوياتها لتحقيق الديمقراطية و تكافؤ الفرص و المساواة بين بني الانسان، غير أن هذه الحقوق لم تستغل على الوجه المرغوب، اذ لا يعقل أن توثر هذه الحقوق انسانا على انسان و الا فأين مبدأ المساواة و العدل، حين يصبح المجرم القاتل المغتصب عمدا مع سبق الاصرار و الترصد يعامل في السجن معاملة لائقة، و يتمتع بحقوق تضم كل وسائل الترف، في حين أن أرملة القتيل و صغارها يتجرعن الفقر و التشرد و مرارة اليتم في الشوارع، أليست لها و لأبنائها اليتامى حقوق كنفس حقوق قاتل زوجها، بيد أنه من صميم حقوق الانسان و من العدل و الانصاف أن يعتنى بها و بصغارها، وهي الأحق بالرعاية، أما القاتل المتعمد ، فينبغي أن يضرب بيد من حديد على يده، و أن يلقى عذابا أليما يندم بعده ندما شديدا حيث لا ينفع الندم، و لعل هذا مثال من أمثلة عديدة لا حصر لها، و هو ما يشجع المجرمين على اقتراف جرائم بشعة بدم بارد وهم يعلمون علم اليقين أنه في حالة ضبطهم، سيعاملون معاملة لائقة طالما تمنوها في حياتهم العادية خارج أسوار السجن،اذن أين العدل في كل هذا، أين حقوق الأستاذ (البريء المظلوم) الذي يتعرض للعنف من طرف طالب صعلوك لا أمل لديه في الدراسة،
و يلحق بهذا الأستاذ ضررا جسديا قد يسبب عاهة مستديمة،مما يكلف الدولة أعباء اضافية ، فلا هذا الصعلوك صالح في مجتمعه، و لا هو يترك الصلحاء يقومون بواجبهم، وفي حالة انصاف الأستاذ يزج بالصعلوك أياما معدودات في السجن الرغيد، ثم يطلق سراحه، ليعود و يعتدي مرة أخرى على طبيب أو مهندس أو مياوم في طريقه الى العمل ليرفع من شأن هذا الوطن، و قد يقطع أذن موظفة بمدية كبيرة كما فعل أحدهم، فيرجع ثانية الى السجن لينعم بالأكل و الشرب و اللعب مع الزملاء، و التسامر معهم في مناقشة سبل الخداع
و المهارات في التعرض للمواطنين الأبرياء.، أي عدل هذا و أي منطق هذا حين يخاف الناس ليل نهار و هم في طريقهم لقضاء مآربهم، ما ذنبهم حتى يتعرضوا لمثل هذه الاعتداءات، أليست لهم حقوق الحفاظ على أنفسهم و أعراضهم وممتلكاتهم و هم المواطنون الصالحون، عجبا لهذا الفهم الضيق لحقوق الانسان، في رأيي المتواضع معتقل الفكر و الرأي هو الأجدر أن يعامل معاملة تليق بمستواه الثقافي و العلمي، أما المجرمون القتلة فهؤلاء ينبغي أن تكون الأحكام في حقهم رادعة
و زاجرة حتى يتوبوا الى رشدهم و يعيشوا كباقي المواطنين في أمن و سلام، و نحاول قدر الامكان توفير فرص الشغل و العناية بالناس في جميع الادارات حتى نقطع الطريق أمام الدرائع التي تؤدي الى الاجرام ...

           🛇 للكاتب الأستاذ زايد وهنا🛇

◾ التذوق الفني ◾


                    🍀 التذوق الفني 🍀

        ليس من الغريب في السفر أن تجمعك الحافلة بأناس قد لا تعرفهم ، ولكن سرعان ما يحدث تجاذب و تقارب بينك و بين شريكك في المقعد سيما اذا كانت المسافة طويلة ، وهو ما حصل لي ذات مرة اذ شاءت الأقدار ان يكون جليسي شاب في مقتبل العمر ، قوي البنية يرتدي ألبسة ضيقة مما يرتديه شبابنا اليوم ، و هو يعتد بنفسه وبعضلاته المفتولة ، و قد حلق رأسه و ترك كومة من الشعر في أعلاه اقتداءا بأقرانه ، حييته فرد التحية بايماءة من رأسه دون أن يكلف نفسه عناء ازالة السماعات من أذنيه ، فقد كان منشغلا بالاستماع الى هاتفه الخلوي ، وضعت حقيبتي في مكانها و جلست الى جانبه ، أتمتم ببعض ما علق في ذاكرتي من أدعية السفر، و ما هي الا لحظات حتى انطلقت الحافلة تسابق الريح نحو مدينة الرباط. و كعادتي في كل سفر، أخذت أتصفح جريدة كنت قد اقتنيتها من قبل ، و استقر بي الاختيار على موضوع أثارني من خلال عنوانه حول تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات بالاعداديات و الثانويات ،ناهيك عن الجامعات و المعاهد العليا ، قرأت المقال بكل تفاصيله ، و تأوهت حسرة على الشباب الضائع ، فطويت الجريدة و وضعتها على ركبتي ، فاذا بجليسي ينظر الي و كأنه يريد أن يقول شيئا ، فابتسمت في وجهه حتى أزيح عنه عبء ما يفكر فيه ، عندئد أزال السماعة من احدى أذنيه و قال " ألا تهوى الموسيقى و الأغاني ؟ " قلت " بلى ، أنا أعشقها عشق الولهان المتيم ، و لا أنام الا على نبراتها " ، ناولني احدى السماعتين و قال " خذ و استمع لهذا " فما كدت أضع السماعة في أذني حتى صعقت من هول ما أسمع ، مجرد أصوات آلات صاخبة لا تناغم و لا تجانس في ألحانها و لا ميازينها و لا معنى لكلماتها المبتذلة ، حينها تذكرت قول الشاعر" عوى الذئب فاستأنست به اذ عوى ***و صوت انسان فكدت أطير رغم هذا لم أبد أي رد فعل بل أعدت اليه السماعة و قلت " استمتع يا هذا ، فالطريق طويل ، و الملل يأخذ من المسافر مأخذه "، فطفق هو يحدثني حديث المتمكن البارع عن بعض المغنيين- المتطفلين و الذين لا تطاوعك نفسك لسماع نهيقهم – ويتبجح بتتبعه لمسارهم الغنائي و ما يحفظه من ألبوماتهم العجيبة في نظره ، - العكرة المنحطة في نظرالعارفين بأصول الفن الراقي- ، فكنت في كل مرة أنظر اليه وأشفق عليه من جهله و انحطاط ذوقه ، سئمت من كلامه وأردت أن أغير طبيعة النقاش ، سألته عن عمله ، فأجاب في نوع من التفاخر و الكبرياء " أنا طالب جامعي ، أحضرأطروحتي لنيل الاجازة في الأدب العربي " قلت " خيرا فعلت ،وفقك الله ، و هي فرصتنا للحديث عن الأدب العربي، قديمه و حديثه،نثره وشعره ، بلاغته و نحوه ، و هي فرصة لي كذلك لأستفيد من أمثالك ممن لهم الالمام و التخصص ، لأنني مشغوف بالشعر ، فهلا شنفت سمعي ببعض الأشعار؟ " ،امتعض قليلا و عض شفته السفلى و قال " لا أحفظ الشعر و لست ممن يهتمون به " تداركت الموقف و قلت " لا بأس في ذلك ، فللناس فيما يعشقون مذاهب " اعتدلت في جلستي ، و استجمعت قواي و استرسلت " أظن أنك تهتم بأحد الأجناس الأدبية كالنقد مثلا " أجاب " و لا ذاك مما يستهويني " حينئد ابتسمت له ابتسامة ذات حدين ، و أشحت ببصري عنه ، و عدت أتصفح الجريدة لا حبا في القراءة و انما جعلتها وسيلة لاظهار انشغالي عنه ، لأن نفسي اشمأزت من لغوه ، أخذت أنظر من نافذة الحافلة الى الحقول المترامية الأطراف و الأسى يمزق أوصالي على ما آل اليه حال شبابنا ، الذي سخر كل طاقاته في سفاسفة الأمور و التافه من المعرفة ، حتى انحط ذوقه و تبلد حسه و تصلبت أوتاروجدانه ، و الغريب في الأمر أنك لو سألته القاعدة التي رسمت له حدود التذوق و معايير الافتتان ، حتى انغمس في وحل الدناءة والركاكة ما استرحت منه الى جواب ، و الحق أنه كما يقال " فاقد الشيء لا يعطيه " ، فماذا تنتظر من شباب يجهل عن لغته الكثير ان على مستوى قواعدها النحوية و الصرفية ،أو عن بلاغتها و بيانها و جمالية تعابيرها نثرا كانت أم شعرا ، لا شك أن تذوقه يساير نتاجه المعرفي و بذلك لن يرقى الى مستويات سامية نبيلة في مجالات الفنون التعبيرية، بل يكتفي بما هو أهل له و لفهمه القاصر و هو ذلك المبتذل الساقط المتطفل على الفن في زمن غاب الفن و حل العفن ، و الأدهى و الأمر اذا كان متذوقه محسوبا على النخبة المثقفة كما هو الشأن لدى صاحبنا . تنهدت و أخرجت زفير المرارة على ما آل اليه الفن و الثقافة، غطيت وجهي بالجريدة و رحت في سنة أسترجع ذكريات الأمس القريب حين كان الطالب الجامعي يقام له و يقعد ، حافظا لأشعار القدامى و المحدثين ، ضابطا لألفية ابن مالك ، ملما باللسانيات ، ناقدا محللا مبدعا في كل صنوف الآداب ، مفيدا مؤنسا في مجالسته ... بعد صبر طويل و لأي مرير وصلت الحافلة أخيرا ، نزلت منها مهرولا كأن شيئا ما يطاردني ، ركبت سيارة أجرة وذهبت لقضاء مآربي ...؟؟؟

                 💼 الكاتب " زايد وهنا "💼

◾الناس معادن◾

                 🍊 الناس معادن  🍊

صدق من قال " الناس معادن " لذا تختلف صور تفكيرهم و تتفاوت آمالهم و أهدافهم في الحياة و تتباين طرق سعيهم لتحقيقها ، فمنهم الذي يواصل الليل بالنهار سعيا وراء الماديات لاكتساب الثراء له و لخلفه من بعده بشتى الوسائل و السبل المتاحة و غير المتاحة أحيانا ، و لا يستريح له بال حتى يحقق هدفه و أنى له أن يستريح و قد انطلق يلهث وراء بغية أخرى ، غير قانع بما اكتسبه و كأنه في صراع مع الزمن ، و لو كان ذلك على حساب راحته و سعادته ، متناسيا أن بتهافته هذا قد فوت على نفسه الكثير من متع الحياة، فهو أشبه ما يكون بالحيوان الذي يركض في البرية ، بل حتى من الحيوانات من هو أنظف و أرغد عيشا منه ، فينعكس نهمه و شراهته تلك على نفسيته مما يولد عنده حسا مبلدا مصلبا ، لا يعرف للفن قيمة و لا للجمال مكانة و لا للهم الثقافي سبيلا ، فهو بمنزلة الفحم من المعادن يستعمل وقودا و يرمى رمادا ملوثا ، و هذا النوع هو السائد في هذا الزمن المتردي و لولا قلة قليلة من المعادن النفيسة في الناس لأصبحت الحياة مشهدا مملا منفرا تكاد لا تطاق ، هؤلاء اللآلئ المضيئة في سماء هذه الظلمة الحالكة هم المعدن الذي لا يصدأ و لا يزنخ ، حملة القلوب الوامقة و الأحاسيس الصادقة و الأذواق المتأنقة ، الذين يعلمون علم اليقين أن الحياة معبر عمرها قصير و ليس للإنسان فيها إلا ما تنعم به من الخيرات والنعم و ما قدم من صالح الأعمال سعيا وراء سعادته و سعادة الآخرين ، فهم الذهب الخالص الذي يحمل قيمته في نفسه ، فيوضع حللا و حليا على جيد الحسناوات، و يذخر لوقت العسر و الشدة ذاك هو الإنسان ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

                🍈   بقلم  زايد وهنا  🍈

◾يوم في واحة كير ◾


                🕸 يوم في واحة كير 🕸

 ما زلت أذكر ذلك اليوم المشهود ، من أيام شهر ماي ، حيث قادني القدر الى دوح وارف أستفيء بظله من لفح الشمس الساطعة ، و قد لبست واحة كير من أبهى حللها ما يضفي عليها رونقا و بهاءا ، فالنخيل منتصب في شموخ مثقل بحبات البلح الأخضر مشرئبا بهامته نحو السماء ، يستذكر ذكريات و أمجادا قد ولت ، طواها النسيان و لفها الجحود ، و الماء ينساب ضحلا بالوادي و كأنه يخط تاريخا قد محته أعادي الزمان ، فلم يبق منه غير ذكرى ، تنق لها الضفادع حينا و تبكي عليها العصافير أخرى ، أشحت بوجهي عنها خجلا من أمسها المنصرم ، و كأنني لست جزءا من ذلك الماضي الدفين ، التفتت يمينا و شمالا أتأكد من خلو المكان الا مني ، فاذا بحمار ينظر الي بعينين جاحظتين و كأني به يواسي وحشتي ثم انطلق يلتهم الكلأ ، و أنا أراقبه عن كثب ، بعد هنيهة رفع رأسه و كأنه أحس بنظراتي تخترقه ، عندها قلت بصوت خافت " ترى لم ينعتونك بالغباء و البلادة ؟ " فهز رأسه ساخرا من سؤالي و قال " لولا استعلاء البشر ما كنت لأنعت بالغباء ، و ان يكن كما تدعون ، فانني أفضل أن أكون غبيا على أن أكون منافقا طماعا مفسدا وأفضل دماثة خلقي على أن أكون وسيما ، خائنا خداعا ماكرا ، " حينها رفع صوته بالنهيق و كأنه يقهقه استهزاءا بي ، و لا غرو فقد بلغ مني الغضب مبلغه ، فخاطبته حانقا " صه ، صه ان صوتك يثير اشمئزازي و يعكر صفو هدوئي ، غير أنه واصل نهيقه غير مبال بكلامي ، و لسان حاله يقول " نهيقي أحسن بكثير من بعض أغانيكم الصاخبة ، أفلا تهتدون ؟ " فقمت لا ألوي على شيء وعدت أدراجي أجر أذيال الخيبة ، فالتفتت و رأيته ينظر الي و بريق عينيه يرمي بسهام من السخرية و الأسى ...

                🍏الكاتب " زايد وهنا "🍏

♦أصناف من الزجل بمنطقة كير تكاد تندثر♦

🍎أصناف من الزجل بمنطقة كير تكاد تندثر🍎

     ♦توطئة :
من المعلوم أن لكل أمة أو عشيرة أدبا شعبيا تعتبره جزءا لا يتجزأ من تراثها الفني الثقافي و أدبها القومي ، ينطق بلسانها و يترجم أدق مشاعرها
و أحاسيسها نثرا كان أو شعرا ، و لهذا كانت العشائر قديما تجعل شاعرها سيد قومه ، و كيف لا و هو الناطق بإسمها و المؤرخ لأمجادها و المرافع عن قيمها ، لأن الله وهبه ملكة النظم سواء باللسان العربي الفصيح أو باللسان العامي ، و مادام موضوعنا يصب في الأدب الشعبي فإننا نتحدث عن الشاعر الشعبي الذي تفتحت قريحته للإبداع بلسان بيئته لسانا عربيا عاميا حسب لهجة قبيلته أو أمازيغيا تبعا للمنطقة و العشيرة التي ينتمي إليها ، و هذا النظم هو ما اصطلح عليه بالزجل ، فما هو الزجل ؟
     ♦تعريف الزجل :
كلمة الزجل هي مصدر من فعل زجل ( بفتحة على كل حروفه ) و كذا فعل زجل ( بكسر عين الفعل أي الجيم ) ، و كلاهما له عدة معاني في معاجم اللغة العربية ، و منها :
فعل زجل  (بفتح جميع حروفه)، فنقول :
   * زجل الحمام : أي أرسله بالرسائل عن بعد
   * زجل فلان صاحبه : أي رمى به و دفعه
   * زجله برمحه : أي طعنه به .
أما فعل زجل ( بكسر وسطه ) ، فنقول :
   # زجل الطفل : بمعنى لعب و لها يلهو
   # زجل الرجل : إذا رفع صوته بالتطريب .
و لعل أقرب التعريفات إلى الصواب هو ما أجمع عليه العديد من الباحثين و المهتمين ، فهو الشعر الشعبي العامي الذي لا يتقيد بقواعد اللغة المعربة ، إذ له لغته الخاصة به ، و قد اختصر هذا التعريف العلامة صفي الدين الحلي في موضوع كتابه
 " العاطل الحالي " إذ يقول عن فنون الزجل :
   "  هذه الفنون إعرابها لحن ، و فصاحتها لكن (بفتح اللام و تسكين الكاف و ضم النون ) ، و قوة لفظها وهن ، حلال الإعراب فيها حرام ، و صحة اللفظ بها سقام ، يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة ،
و تضعف صناعاتها إذا أودعت من النحو صناعة ، فهي السهل الممتنع و الأدنى المرتفع "
نستخلص من كل هذا أن الزجل هو الشعر الشعبي الذي ينظم بلسان قومه بأوزان مختلفة تشتق منها مرمات عديدة ، سهلة الغناء تردد في المناسبات
و المواسم و تختلف من منطقة إلى أخرى تبعا للهجة المنطقة و أعرافها و موروثاتها الثقافية
و الاجتماعية و الدينية ، و أصنافه كثيرة و متنوعة في ربوع وطننا الحبيب و منها على سبيل المثال لا الحصر :
  * الأذكار *الحضاري* العيساوي* الرسيم * العيطة بأنواعها *  الميسوري  * الملولي * المزوكي * الكناوي * الحساني * هوبي * انكادي * العلاوي * الدقة *  الطقطوقة * الموال *  تبارح * الأمثال *****الخ
كما تجد عند الأمازيغ ألوان كثيرة منها :
إزلان *  تماوايت * تامديازت *  أحواش * بووغانم*   قن ارزم ( ألغاز ) * بووضار ****الخ
و لكن ما يهمنا نحن من كل هذا خصوصا في هذا المقال هي أصناف الزجل المتوارثة و المتداولة بمنطقة كير و هي :
الأذكار - الميسوري - الملولي - الرسيم - المزوكية   الأمثال -  هوبي - الكناوي - إزلان - تامديازت  - بووضار ...
و نشير هنا إلى ملاحظة ذات أهمية و هو أن بعض هذه الأزجال تكون مصحوبة برقصات و لوحات فولكلورية شأنها شأن أحيدوس عند الأمازيغ ،
 و هكذا يكون لكل لون من هذه الألوان الزجلية طقوس خاصة به في ترديده و أدائه سنعرف بها في المقالات القادمة حتى تتضح الفكرة لدى القارئ و يكون على اطلاع و إلمام بتراث منطقته ، لعل بذلك نبعث الروح من جديد في هذا التراث الذي كاد يندثر .

          🌲 بقلم الأستاذ  :   زايد وهنا🌲

◾ أنا و ابني ◾

🌏 أنا و ابني 🌍

أفرحني ابني و أحزنني

أفرحني ابني حين قال :
سنكبر و نتعلم و نفهم ديننا فهما صحيحا و ندعو الى الاسلام و السلام...
و أحزنني حين قال :
أما أنتم يا أبتي فقد استخففتم به و تشعبت بكم السبل فتخلفتم و تذيلتم الأمم...

أفرحني ابني حين قال :
سنجمع كلمتنا و نعتصم بحبل الله المتين و نحرر فلسطين...
و أحزنني حين قال :
أما أنتم فقد مرغتم العروبة في التراب و أصبحتم مستسلمين خانعين...

أفرحني ابني حين قال :
سنشمر عن سواعد الجد و العلم و نناضل و نقتسم ثرواتنا عدلا ، و نقضي على الفساد ، فينمحي البؤس عن الناس جميعا...
و أحزنني حين قال :
أما أنتم فقد رضيتم بالفتات و تطبعتم على الفساد و ما عادت تؤثر فيكم دموع اليتامى و الأرامل و لا أمراض البؤساء و أنينهم ...

أفرحني ابني حين قال :
سنهتم بالقطاعات الاقتصادية و الاجتماعية كالفلاحة و الصناعة و التعليم و الصحة و نصحح مسار الاعلام فنشجع البحث العلمي و الأدبي و الفني الهادف .
و أحزنني حين قال :
أما أنتم يا أبي فقد أهملتم كل ما هو مفيد و شجعتم التفاهة و التافهين ، حتى أمست عقول الشباب مليئة بسفاسفة الأمور ، فانحطت القيم و فسدت الأذواق .

أخيرا أقنعني و أسكتني حين قال :
فإذا لم يسعفنا الزمان في تحقيق كل هذا ، فإن أبناءنا سيتممون المسيرة لأننا سنعلمهم ما خشيتم أنتم أن تعلمونا إياه ، و اعلموا يا أبتي أن صفحاتكم ستبقى وصمة عار في سجل التاريخ يضرب بها المثل في التخلف و الخذلان .
فهل ترضون لأنفسكم ذلك خصوصا و قد ابتلانا الله سبحانه و تعالى بمرض عضال و داء فتاك هو وباء كورونا ليكون لنا عبرة فنستخلص الدروس و نراجع أنفسنا ، فوالله إن هذا الوباء لأكبر واعظ لمن أراد أن يتعظ .
سامحني يا أبتي على جرأتي في حديثي معك ، فإن طاعتك واجبة و وجهة نظري حقيقة.

          🌷  ابنك البار :   زايد وهنا🌷

⚫هواية من لا هواية له⚫

⚫هواية من لا هواية له⚫

          بحثت عن الانسان في الانسان فلم أجد الانسان ، بدأ اليأس يدب الى نفسي غير أنني انتفضت واقفا و تساءلت و هل أنا الانسان ؟ احترت في أمري و بقيت في فلك السؤال المر كالأعمى أدور ، شحذت العزم على أن أبحث عن هذا الكائن العجيب مهما كلف الأمر.
أخذت صنارتي و اتجهت صوب بحر الخلق ، علي أظفر بالانسان، وضعت طعم المحبة في الشص
وألقيت بالصنارة في اليم ، فاذا بها تعلق بصيد ، انشرح له صدري ثم سرعان ما انقبض اذ اصطدت النفاق ، أصبت بخيبة أمل غير أنني لم أيأس ، فغيرت الطعم بطعم الوفاء و ألقيت به في الماء عساه يستجلب انسانا ، فلم يعلق به غير الطمع ، أعدت الكرة فوضعت طعم التسامح ، لكن خاب الظن اذ الغدر ينهش الطعم و يعلق بالصنارة ،
و هكذا دواليك في كل مرة أزرع الأمل فيورق الأسى يمزق أحشائي ، حينها وضعت الصنارة جانبا و تنهدت زفيرا حارا ، و قلت في نفسي ربما لست صيادا بارعا بما فيه الكفاية لاصطياد انسان ، طأطأت رأسي أنظر الى الماء ثم رفعت بصري نحو الأفق و فكرت مليا فوضعت قطعة نقود في الشص و ألقيت به في اليم ، و ما أن غار الطعم في الماء حتى انقض عليه الصيد بنهم شديد كاد أن ينتزع مني القصبة لولا أنني وطدت قدمي و ركزت بصري و طفقت أسحب الخيط ببطء لئلا يفلت مني ،
و أحسست برعشة تسري في جسمي و الأمل يحدوني خصوصا أن الصيد أثقل من سابقيه ، فلما تجلى وجدته مخلوقا في صورة إنسان ، يتطاير الشرر من عينيه ، و قد أخذ منه الغضب مأخذا ، فقال بصوت كأنه الرعد المدوي :
 " لم أخرجتني مما أنا فيه ؟ "
 أجبت و أنا أرتعد :
" كان مناي أن أنتشلك من يم الرذائل و تأخذ نفسا من القيم الانسانية ، في بيئتك الطبيعية التي أجبلت عليها ".
 فرد ساخرا :
" خذها لنفسك أيها الأبله ، ما رأيتك حققت شيئا بها " .
ثم ألقى بنفسه في اليم و غار في وحل الرذيلة ، عندها رميت بالصنارة في الماء و انصرفت الى حال سبيلي و قد عاهدت نفسي على ألا أمارس هذه الهواية ...

                           الكاتب " زايد وهنا "

◾رجال لا تعوض◾

وجهة نظر

في كل يوم نسمع بنعي أحد الموهبين في أي مجال من مجالات الحياة الثقافية أو الفنية أو الرياضية أو الإعلامية ، فنأسف أشد الأسف على فراق مثل هؤلاء ، و لكن لا مرد لقضاء الله و قدره و لا حول لنا في مشيئته ، فهو الفعال لما يريد ، غير أن ما يؤسفنا أكثر من فقدانهم هو عدم وجود خلف في مستوى السلف ، و لو تصفحنا تاريخنا منذ الاستقلال الى اليوم ، سنقف عند كثير من المحطات التي رزئنا فيها بفقدان أحد الأعمدة إن في المجال الثقافي و الأدبي و نذكر على سبيل المثال لا الحصر السادة : المختار السوسي، عبد الله گنون ، محمد الفاسي ، المهدي بن بركة ، المهدي المنجرة ، عبد العزيز لحبابي ، المكي الناصري ، الجابري ...واللائحة طويلة ممن أغنوا المكتبات بمؤلفاتهم و تتلمذ عليهم الكثير من حملة العلم و المعرفة ، غير اننا لم نعوض بخلف في مستواهم ، اما المجال الفني فحدث و لا حرج ، و انظر هل تجد خلفا لأحمد البيضاوي  و اسماعيل احمد و ابراهيم العلمي و المعطي بالقاسم و محمد الحياني وعبد السلام عامر و عبد الرحيم السقاط و الحاج الحسين التولالي و بوجميع و العربي باطما و الشريف المراني و ماجدة عبد الوهاب و غيرهم كثير ممن أمتعوا و شنفوا الاسماع بأغانيهم الخالدة ، و في مجال الاعلام اين تجد امثال ابو الصواب و الجفان ومشبال و غيرهم ممن ابدعوا فأجادوا و أفادوا و امتعوا، و ما قيل عن الثقافة و الفن و الاعلام  ينطبق على جميع المجالات الأخرى ، و لعل التردي الثقافي و الفني راجع بالاساس الى اسباب متعددة و متداخلة يأتي في مقدمتها اسلوب التعليم الحالي باعتباره الركيزة الاساس لكل تنمية و ارتقاء ، يليه الاعلام الذي لم تعد تهمه الجودة بقدر ما يهمه الربح المادي ، و عموما طغت الماديات و تاه الانسان و انساق وراء هذه المدنية الدافق تيارها بخيره و شره ، و لم تعد للقيم و الاخلاقيات قيمة ، وساد التافه و اعتلى منصات التتويج ،ففسدت الأذواق ، و تبلد الحس ، فأصبح كل من هب و دب كاتبا و شاعرا و ملحنا و مغنيا و رساما و اعلاميا ، فكثر الفنانون و لكنهم غثاء كغثاء السيل ، و قل الفن بمعناه الراقي و إن كان - على قلته - فهو مقصي غير مرغوب فيه إلا لدى فئة قليلة ممن ارتووا من الينابيع الثقافية و الفنية التي قلنا عنها أن روادها فارقوا الحياة ، فدفنت معهم روائعهم الغالية و بدائعهم الزهراء التي تركوها لنا نتأسى و نتآنس بها و ننظف بها هذا التلوث السمعي البصري ، فرحمة الله عليهم أجمعين و الحقنا بهم مسلمين لا مبدلين و لا مغيرين ، و أحمد الله و لا أحصي ثناء عليه ..

🚫 كادح موهوب 🚫

****  كادح موهوب  ****

ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي التقيت فيه برجل ، ما رأيت فيمن صادفتهم من الرجال شبيها له في الأفكار ، و في طريقة فهمه و تحليله للأمور ، تخاله أحيانا فيلسوفا و أحيانا أخرى يبدو لك كالأحمق ، و لكنه حقا حكيم في كلتا الحالتين .
رجل في أواخر عقده الخامس  قد نيف على الستين ، له عربة ذات عجلتين يجرها أو يدفعها بيديه ، يحمل عليها متاع الناس و بضائعهم إلى حيث يريدون مقابل أجر غير محدد ، يجوب شوارع البلدة و أسواقها ساعيا في طلب الرزق الحلال ، تراه يترنم و يغني بصوت مهموس ، وهو يبتسم في وجوه المارين و لا يتوقف عن الغناء إلا  ليلقي التحية على أحدهم ممن يمازحونه .
استوقفته يوما و طلبت منه أن ينقل بعض أغراضي إلى البيت ، فأومأ برأسه موافقا إذ كان يردد أغنية " يا أسفا عليك " لمجموعة جيل جيلالة .
و نحن في طريقنا إلى البيت ، لا أنكر أنني استمتعت بأغانيه التي كان يؤديها بصوت جميل جدا ، و التي تنم عن رقي و سلامة  ذوقه ، و فجأة أوقف دفع عربته ، و انتصب يستجمع قوته ثم شخص ببصره نحوي و قال :
  "  أتعرف من هم السعداء منا الذين أحبهم الله و رضي عنهم ؟ "
أجبت عن سؤاله ، لكنه لم يستحسن جوابي و لم يقتنع به .
فأجاب و هو يزهو بنفسه و كأنه يعلمني ما لم أعلم :
  "  السعداء منا هم أولئك الذين هاجروا هذه البلاد نحو بلدان أخرى حيث الكرامة و الديمقراطية الحقيقية ".
ثم سألني مرة أخرى :
  "  أتعرف من هم المحظوظون منا ؟ "
أجبت بالنفي ، لأنني أعرف مسبقا أنه لن يقتنع بجوابي .
قال :
  "  المحظوظون منا هم أولئك الذين أصابهم العقم و لم يرزقهم الله ذرية في هذه البلاد "
ثم استرسل في دفع العربة ، سائلا :
  "  أتعرف من هم التعساء ؟ "
  " هم أولئك الذين ينجبون ذريتهم في هذه البلاد"
 " أتعرف من هم المغفلون في الدنيا ، الخاسرون في الآخرة ؟"
 " هم أولئك الذين يستنزفون خيرات البلاد ، و يستغلون العباد ".
  " أتعرف من هم الجهلاء ؟ "
  " هم أولئك الذين يؤمنون بالشعوذة ، و يتمسحون بالأضرحة و يزورون الأولياء ، و كأن الله أخبرهم بولاية و صلاح أولئك الموتى ، و الغريب في الأمر أن هناك من له مصلحة في ذلك فيشجعهم على الشرك الأكبر ".
 " أتعرف من هم المثقفون ؟ ".
 " هم أولئك الذين لا يعيشون طويلا ، تفنيهم الحسرات و تخنقهم الغصات على مآل البلاد و العباد " .
لم يسكت الرجل إلا و نحن بباب البيت ، أخذت أغراضي و ناولته أجرته ، و أضفت له علاوة عنها قليلا من المال ، و لسان حالي يقول ، ترى هل وفيته حقه لما أسداه إلي ، فقد حمل عني أغراضي و أطربني بغنائه و أفادني بفلسفته .
 شكرته و ودعته ، فانطلق الرجل على عادته يغني بصوت مسموع :
 " يا حبيبي كل شيء بقضاء
  ما بأيدينا خلقنا تعساء
  ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم
  بعدما عز اللقاء
  فأذا أنكر خل خله
  و تلاقينا لقاء الغرباء
  و مضى كل إلى غايته
  لا تقل شئنا فإن الحظ شاء "

                                الكاتب : زايد وهنا

🛇التفتوا نحوهم🛇

********     التفتوا نحوهم    ********

لقد جرت العادة في بلدتنا الطيبة أننا بين الحين   و الآخر نكرم شخصية من أبنائها البررة الذين أسدوا خدمات لهذا الربع المهمش رغم قلة الامكانيات ، و كنا نختار لهذا التكريم من يستحقه من موظفين و فنانين و حفظة القرآن الكريم ،      و هذه كلها التفاتات يشكر عليها المجتمع المدني   و من يشاركه في ذلك ، غير أن لي اقتراحات كنت أنادي بها و أنا بين ظهرانيكم و هأنذا أنادي بها رغم بعدي عنكم لأن حب بلدتي و غيرتي عليها هما الأكسجين الذي أتنفسه أينما حللت و ارتحلت       و صدق أمير القوافي حين قال  :
وطني لو شغلت بالخلد عنه   ***
                     لنازعتني اليه في الخلد نفسي
أظن يا إخوتي أن هناك من يستحق التفاتة التكريم و الامتنان في أوساط بسطاء القوم الذين يقدمون خدمات جليلة و لو بالمقابل أي بأجرة زهيدة  إذ لا يستطيع غيرهم تقديمها و منها على سبيل المثال لا الحصر ( غسال الموتى، حفار القبور ، طباخ الولائم ،  خادمات البيوت ، منظف الشوارع ،و عمال قنوات الصرف الصحي....الخ ) فاعلموا يا إخوتي أن هؤلاء أحق بالشكر و العرفان لأنهم يناضلون في سبيل لقمة العيش الحلال على بساطتها و لا يشترطون أي مبلغ بل يقنعون بما يعطى لهم دون سخط و لا تبرم ، علما بأن هذه المهام و إن كانت تبدو في ظاهرها بسيطة فهي في الحقيقة عظيمة و لا يمكن أن يقوم بها إلا الصبور القنوع ، و تكريم مثل هؤلاء يشجعهم على المضي في طريق التفاني و يوسع من دائرة التضامن و التآزر و الإقبال على فعل الخير من لدن شبابنا مستقبلا حتى لا تنقطع هذه القيم و الشيم التي نحسد عليها و التي لا تجد لها نظيرا في أوساط أخرى .

                        الأستاذ.   :     زايد وهنا

✂ رجال ساهموا في تربيتنا ✂

الروضة الفيحاء

رجال ساهمو في تربيتنا

🍁 رجال ساهموا في تربيتنا🍁

كن من تكون أو ابن من تكون ، لن يشفع لك سنك الصغير و لا مكانة أبيك شيئا مع حزم و صرامة ( الشاوش ) مولاي(...) و( شانبيط ) مولاي (...) ، فأنت المحظوظ إذا لم يلق عليك القبض أما الكرة فلا أمل لك في استرجاعها ، و كيف تسترجعها و قد قطعت بسكين حادة الى قطع صغيرة ، و لا يمكن لأحد أن يتدخل لانقاذك لأنك أنت الملوم إذ تلعب الكرة مع أقرانك في المكان العام .
هكذا عرفنا هذين الرجلين اللذين يعملان ضمن القوات المساعدة في ستينيات و بداية سبعينيات القرن الماضي ،  كانا مكلفان باستتاب الأمن
والنظام في بلدتنا الصغيرة ، و كانت كلمتهما لا ترد
و عقابهما قاس لا يحتمل على من أخل بالنظام ،
كنا نحسب لهما ألف حساب قبل أن نقدم على أي خطوة من خطوات لعبنا ، لذلك كنا نذهب بعيدا عن المنازل و الشوارع لنلعب كرة القدم و إذا ما حصل في يوم ما أن لعبنا في ساحة من ساحات البلدة ، فإننا نكلف طفلين بالتناوب و المداومة بين اللعب
و الحراسة لمراقبة الجهتين اللتين يمكن أن يفاجئنا منها أحد الرجلين ، فما أن نسمع صراخ أحد الطفلين حتى يلتقط صاحب الكرة كرته إذا أمكنه ذلك و نطلق سيقاننا للريح صوب أي جهة نرى فيها نجاتنا متلمسين الخلاص لأنفسنا ، و إذا تعثر حظ أحدنا و وقع في قبضتهما ، فذاك نذير شؤم لأنه بفعل الخوف سيشي بالجميع ، أما إذا اقتصر الأمر على عقابه هو دون الآخرين فتلك فرحة و بشرى للأقران ، أما الجلوس في الحدائق العمومية بالنسبة لنا نحن الأطفال آنذاك فهو مغامرة غير محسوبة العواقب ، فالويل كل الويل لمن جلس أو استلقى على العشب الأخضر ، أو مر بالقرب من شجرة المشمش الوحيدة التي كانت تزين الحديقة قريبا من باب القيادة ، خصوصا و هي محملة بحبات المشمش .
حقا و نحن في تلك السن كنا نخاف هذين الرجلين أكثر مما نخاف آباءنا و هو الأمر الذي جعلنا نكرههما كرها بليغا ، لأنهما يقفان سدا منيعا أمام شغبنا و تهورنا ، و لكن مع مرور الأيام و تخطي تلك المرحلة العمرية عرفنا بأنهما كانا يسعيان لتربيتنا و استقامة سلوكنا ، فاللهم جازيهم عنا خيرا و ارحمهم و ارحم بفضلك آباءنا و أمهاتنا
 و كل من له فضل في تربيتنا و تعليمنا و سائر أموات المسلمين .

         🍀 ذكريات من طفولة   زايد وهنا 🍀

⛾منطقة كير ( guir ) عبر التاريخ⛾

◼منطقة كير ( guir ) عبر التاريخ◼

            لا يمكن أن نؤرخ لمنطقة كير إلا من خلال ما وصلنا عبر الرواة ، و حيث أن المنطقة لم تعرف تأريخا بالمعنى العلمي الدقيق ، فإن أي إهمال
 أو خطإ فهو غير مقصود ، و لسنا مسؤولينا عنه ، إذ الدافع هو معرفة بعضا من تاريخ المنطقة دون حيف أو تحيز، و إنما ننقل بأمانة و حسن نية ما سمعناه عن سلفنا و ننقله نقلا صريحا ، لا نزيد فيه و لا ننقص .
تمتد منطقة واحات كير في شمالها الغربي إلى مرتفعات الأطلس الكبير شمال كرامة ، و هذه المرتفعات هي المنبع الرئيسي لواد كير و يضم حوض هذا الواد كل من واحة كرامة ، تولال ، ملاحة، باكنو، إيرارة، الكرعان، قدوسة، تازوكارت، بوذنيب الكبير، أولاد علي، بني وزيم و السهلي ،
و ينساب إلى حدود بوعنان حيث يلتقي واد كير بواد (أيت عيسى) و واد (زلمو) فيشتركان في واد واحد كبير هو واد (الداورة ). و هكذا تكون نهاية واد كير هي نقطة التقائه بهذا الواد ، و قد أطلق القدامى على هذا الجزء الأخير منه ( كير ذوي منيع )، و الراجح أن هذا الاسم أطلق على ذلك الجزء لأن قبائل البدو الرحال من عشائر ذوي منيع كانت تستوطنه ، إذ وجدت فيه مرتعا خصبا لإبلها
و أغنامها .
 إذن نستنتج مما سبق أن حوض واد كير يمتد من شمال كرامة إلى بوعنان و هي المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي لإقليم الرشيدية ، و عليه فإن هذه المنطقة التي تتخللها هذه الواحات كانت في وقت ما معبرا للقوافل التجارية ، وكانت تعرف باسم (لمزالق ) ذلك أن الدواب تنزلق في طين حماداتها أثناء التساقطات المطرية، و رغم ذلك كانوا يعتمدونها لأن واحاتها توفر لهم و لدوابهم الماء والكلأ والظل خصوصا أيام القيظ ، فأطلقوا اسم بوذنيب على المنطقة الوسطى منها بالتحديد،
و بالرجوع إلى القواميس القديمة كلسان العرب لابن منظور أو غيره من المناجد لم نجد اشتقاقا لهذه التسمية أو الكلمة إلا من فعل( ذنب) الذي وجدنا له عدة تعاريف منها :
* ذنب-ذنبا : بمعنى تبعه ولم يفارق إثره .
* تذنب الطريق : بمعنى أخذه و مشى فيه .
* ذناب الشيء : عقبه و مؤخره .
* ذنب الرجل عمامته : إذا أرخى جزءا منها خلف رأسه .
* سالت المذانب : أي جرت مسيلات الماء .
* أذنب : أي ارتكب جرما و خرج عن جادة الصواب .
* الذنب : ذيل الدابة .
* الذنب من الوادي : الموضع الذي ينتهي إليه مسيله .
و لعل أقرب التعريفات إلى الصواب، هو أن القوافل التجارية كانت تذنب أي تغير مسارها، فعوض أن تمر بدرعة أو تافيلالت ، كانت تفضل العروج على بوذنيب طلبا للأمن و الراحة و اختصارا للطريق . كما أن منطقة كير تعتبر صلة وصل بين ثلاث جهات أساسية، ذلك أنها إلى الجنوب تطل على الصحراء الكبرى عبر حمادة كير، و إلى الشرق ترتبط بالجزائر ارتباطا وثيقا، و إلى الغرب كانت منفتحة على سجلماسة الضاربة في القدم و التي كانت تعتبر مركزا تجاريا مهما بالجنوب الشرقي المغربي آنذاك، و معقلا لكثير من الزوايا الصوفية التي كان الناس يؤمونها من كل البقاع طلبا للعلم والتبرك . وقد سمعنا من شيوخنا و أجدادنا في مجالسهم أن واحات كير عرفت سلسلة من الهجرات عبر تاريخها بدءا بهجرة بني هلال و بني سليم و بعدهم بني يحسن ودخيسة ، و لا زالت بالمنطقة بعض الآثار التي تدل على مقامهم في العديد من القصور على طول واد كير، كما جاء اليهود و استوطنوا بها و اندمجوا مع السكان الأصليين، و تعاطوا للتجارة و بعض الحرف التقليدية كالنسيج ، الدباغة ، الفخار، واستغلوا مسد النخيل في صناعة الحصائر و الأطباق وغيرها كثير . كما يحكي الشيوخ و العجزة أن اليهود هم السباقون إلى بناء منازلهم في الضفة الغربية لواد الكرابة ، و كان الناس يسمونه ( الفيلاج) village ، في حين أن بعض السكان الأصليين أقاموا بعض الزراعات المعاشية في الضفة الشرقية لواد الكرابا ، (graba ) كل في كربه ( كاف معقوفة مضمومة
و راء ساكنة و باء مكسورة ) و الكربي  gourbi هو عبارة عن كوخ داخل  بستان محاط بسور من التابوت أي( اللوح ) تتوسطه بئر يسقي منها صاحب الكربي مزروعاته بطريقة ( أغرور) هذه المزروعات التي لا تعدو أن تكون إلا خضرا يقتاتون بها و يبيعون بعضها لليهود في الضفة الأخرى
 أي (الفيلاج) و حيث أن جمع كلمة الكربي هي الكرابا ،فقد أطلق هذا الإسم على هذه الضفة ، و لا زالت تسمى كذلك حتى عهد قريب حيث استبدل الاسم بالحي المحمدي، رغم أنني أفضل أن تحتفظ باسمها القديم ذي المدلول التاريخي ، و إلى يومنا هذا هناك بعض الدور التي ما زالت تحتفظ ببعض الآثار من تلك البساتين التي كانوا يسمونها ( لبحيرة ) labhira .
و قد أجمع القدامى على أن أقدم قصر ( الدوار أو المدشر ) هو قصر تزوكارت إذ يزيد عمره عن ستة قرون ، و قد استوطنته قبائل مختلفة بعضها جاء إليه من المشرق و البعض الآخر من تافيلالت ، و قد اختاروا هذا المكان لوعورة تضاريسه حيث بنوا بيوتهم في أعلى الجبل لصد هجوم المغيرين عليهم و منعهم من اقتحام القصر ، لأن في ذلك العهد لم تكن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب تهتم بهذه المناطق النائية فشاع ما يسمى بالسيبة أي الفوضى و الغلبة للقوي ، و كثرت النزاعات
 و المعارك بين القبائل التي كانت تستنجد بقبائل أخرى من الأمازيغ و غيرها مقابل تفويت جزء من الأرض لها .
 بعد تزوكارت انتشرت القصور --المذكورة آنفا-- على طول ضفتي واد كير على حقب مختلفة .
كانت كل قبيلة تستجلب إليها رجلا تقيا ورعا من شرفاء إحدى الزوايا فتتبرك به ليعلمها دينها و يؤم بها في الصلاة و يحكم بينها في النوازل ، و كانت القبائل تخصص له أرضا زراعية من أخصب أراضيها و تبني له بيتا مجاورا للمسجد ، كما لا يخفى على الجميع أن بعض الأسر من هؤلاء الشرفاء كانوا يصطحبون معهم العبيد أينما حلوا و ارتحلوا ، لأن العبيد من الرجال هم من يتولون تدبير شؤون الزراعة و الرعي ، و الإيماء يعملن خادمات للنساء الشريفات اللواتي يتحجبن في البيوت ، إذ جرت العادة ألا يخرجن من بيوتهن و لا يسفرن عن وجوههن لغير بعولتهن .
و هكذا عرفت منطقة كير تنوعا في الأجناس البشرية و لا يخلو قصر من قصورها من هذا التنوع ، و الذي مع مرور الوقت ذابت معه تلك الحزازات فتعايش الجميع و اندمجوا بفعل المصاهرة و أصبح الكل ينعم بما توفره له واحته من خيرات ، و فسح المجال لكل عشيرة في إظهار موروثها الفني ، تختلف باختلاف الألسن
والعادات و التقاليد و لكنها في مجملها لا تخرج عن أزجال تتداول في الذكر أو الميسوري أو الملولي
 أو الرسم و أهازيج من نوع العروبي ما زالت تردد الى يومنا هذا في المناسبات السارة .
أما التأريخ بالمعنى الدقيق ، فيعود للحقبة القريبة منا و بالضبط مع بداية القرن العشرين ، إبان دخول المستعمر الفرنسي للمغرب باسم الحماية ، خصوصا أن فرنسا كانت قد استعمرت الجزائر منذ 1830 ،
و كانت أطماعها تزداد لضم المغرب فمهدت لذلك في معاهدة لالة مغنية ، و استتاب لها الأمر باتفاق بعض الدول الأوربية في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 ، و قد حاولت فرنسا أن تدخل المغرب من الواجهة الجنوبية الشرقية الموالية للجزائر ، فكانت هناك معارك تمهيدية في منطقة المنكوب ،
و لكن تبقى معركة ( أورير ) ببني وزيم على بعد ثمان كيلومترات منه شرقا هي المعركة الكبرى التي أبانت فيها قبائل الجنوب الشرقي التي استنفرت عشائرها للدفاع عن حوزة الوطن و صد المستعمر الغاشم بزعامة المقاوم الباسل المرحوم مولاي أحمد السبعي و ابنه مولاي علي و زعماء آخرين من أهل تافيلالت و آيت حديدو و ايت مرغاد و ايت عطا و ايت زدك ...و كانت الخسائر في الأرواح كبيرة في كلا الطرفين خصوصا في صفوف المقاومة إذ كان المستعمر يفوقها عدة و عتادا
و رغم ذلك فقد أدى ثمن توغله في قتل العديد من جنوده لا سيما في صفوف الضباط الثلاثة الذين لقوا حتفهم على يد المقاومة ، مما دفعه للتراجع
و طلب الدعم البشري و المادي ، فأعاد الكرة و ظفر بمبتغاه و هو أن يحتل بوذنيب و يجعلها قاعدة  ينطلق منها لاكتساح المناطق الأخرى ، و فعلا بنى ببوذنيب مركزا للمقيم العام ، و من خلفه مركزا آخر للضباط و قلعة للجنود على ضفة واد كير مقابلة لحي الكرابا و مطارا للطيران العسكري خلف نفس الحي ، و كذا القيادة المدنية (bureau) تحت الوصاية العسكرية ، و مستشفى سنة 1921 هذا الأخير الذي استغل فيما بعد كمدرسة لتعليم أبناء المسلمين و اليهود و سماها المستعمر المدرسة النصرانية ، فامتنع المسلمون عن إرسال أبنائهم فغير الاسم لتشجيعهم على التعلم و أصبح إسمها المدرسة الاسلامية و هذا الاسم كذلك لم يرق اليهود الذين توقفوا عن الذهاب إليها ، فلم يجد الفرنسيون حلا سوى أن يسموها المدرسة المختلطة بحيث تضم جميع الأجناس بمختلف دياناتهم .
فكان تصميم بوذنيب على شكل مدينة متحضرة  تعتبر قاعدة تتصل مباشرة بقاعدتي بشار و وهران بالجزائر و بالقاعدة المغربية بمدينة أزرو ، و ما توالى من أحداث سواء في المنطقة أو في المغرب ككل فالجميع يعرفها و لا داعي لسرد ما هو معروف لدى السواد الأعظم من الناس.
كانت هذه بعض المعلومات التي استقيناها من تراثنا القديم كما رواها لنا القدامى من خلال أبحاث شخصية قمنا بها ،لا لشيء و إنما لمعرفة تاريخ بلدتنا من منطلق حبنا لها و غيرتنا عليها ، فما أصبنا فيه فبعون من الله و ما اخطأنا فيه فمن أنفسنا
 و تقصيرنا ، و الله من وراء القصد عليم .

                       🛇  الكاتب :   زايد وهنا  🚫

⏪ رجل في الذاكرة ⏩

🚲 رجل في الذاكرة 🚲

     إني مخبرك عن رجل كان من أوائل الرجال الذين عرفتهم في طفولتي بحكم الجوار ،  كان حقا أغرب الناس في نظري و كان رأس ما أغربه عندي ، طريقته في تدبير أمور حياته ، ما رأيت له شبيها فيمن عرفتهم من الرجال في تلك السن و بعدها ،  إذا صادفه في الطريق من لا يعرفه و أمعن النظر في ثيابه الرثة و نعليه المهترئتين ظنه مجنونا
أو فقيرا معدما، و لكن الحقيقة لا هذا و لا ذاك مما يظنه البعض و إنما هي فلسفته في الحياة ، يعيشها وفق هواه ، و كأن لسان حاله يقول لكم عالمكم
 و لي عالمي .
 تراه يمشي وحيدا بخطى وئيدة مطأطأ الرأس ، لا يلتفت البتة ،غير مكثرت بما يجري حوله و كأن العالم بصخبه و حركته لا يهمه منه غير رغيف خبز و علبة سردين يبتاعها من متجر جاره و ما سوى ذلك لا يعنيه في شيء .
  ما ثبت عنه يوما أن شارك أهل البلد في تجمعاتهم سواء كانت أفراحا أو أتراحا أو غير ذلك مما ينجذب إليه الناس ، و رغم ذلك فالجميع يعرفه ، لأنه هو الوحيد في البلدة الذي كان الأهالي يقصدونه لإصلاح دراجاتهم الهوائية كما يقصده الأطفال لاكتراء الدراجات الصغيرة التي تناسب أعمارهم ، و كنت أحد هؤلاء الأطفال الذين ما أن تقع بين أيديهم القطعة النقدية الصفراء من فئة عشرين سنتيما إلا و انطلقت أسابق الريح صوب ورشته لأظفر بتلك الدراجة الصغيرة الزرقاء قبل أن يسبقني إليها أحد الأقران ، فإذا لم أجدها أنتظر عودتها في شوق و لهفة لمدة عشرين دقيقة ، إذ هي المدة التي تخولها عشرون سنتيما لمكتريها ،
و المحظوظ من الأقران في ذلك الزمن من جادت عليه الأقدار بالقطعة النقدية الصفراء الكبيرة الحجم من فئة خمسين سنتيما ، فهو يقلبها بين يديه و يعتد مزهوا بنفسه و بقطعته ، و لم لا يفاخر و هو يعلم أنها تمكنه من ركوب الدراجة لمدة ساعة ، ففرحته بذلك لا تضاهيها فرحة ، و اعتزازه بما يملك يشعل نار الغبطة و الغيرة في نفوس الأتراب .
     هكذا عرفنا هذا الرجل و نحن أطفال ، و لم يكن يهمنا من حياته سوى تلك المتعة التي توفرها لنا دراجاته ، ولكن عندما كبرت ، بدأت أتساءل في قرارة نفسي عن طباع هذا الرجل الغريبة ، خصوصا و أنني سكنت في نفس الحي الذي يسكنه قبل أن تنتقل أسرتي الى حي جديد ، فقد تعود أهل الحي و الجيران على رتابة حياة هذا الرجل الأعزب الذي لم يسبق له أن تزوج ، بل كرس حياته في خدمة والدته  التي بلغت من الكبر عتيا ، إلى أن غادرته الى دار البقاء ، فأصبح  يعيش وحيدا في بيت من تراب جد متواضع ، يفتقر لأدنى ضروريات العيش .
      لا يمكنك أن تمر يوما أمام ورشته دون أن ترى مجموعة من القطط تحوم حوله ، بل إن بعضها تتخذ ركبتيه متكأ تستلقي عليها في اطمئنان
 و هدوء شامل و كأنها في حضن أمها  ، و كيف لا تعتبره كذلك و هو الذي يطعمها  يوميا  لحما
 و سمكا ، و ربما قبل أن يطعم نفسه .
 كما لا يمكن أن تمر به دون أن تسمع صوت مذياعه ، يملأ المكان من حوله أخبارا و ألحانا ، مذياع أخضر اللون متوسط الحجم  و قد وضع له غلافا من الجلد ، دأب على تعليقه بعتبة باب الورشة على مرمى من يده ليتمكن دون أن يتنحى عن كرسيه من تغيير الموجات الإذاعية تبعا للبرامج التي كان يترصد موعد بثها بدقة متناهية ، ولعل إدمانه على الاستماع للبرامج الإذاعية المتنوعة  أكسبه ثقافة إعلامية قل نظيرها حتى في أوساط المهتمين ، فأغلب دول العالم يعرف عواصمها
و رؤساءها و زعماءها السياسيين ، و لا يقتصر الأمر على هذه المعارف بل له إلمام بالمجال الفني خصوصا مجال الغناء فبمجرد أن يسمع أغنية من أغاني ذاك الزمن الجميل إلا و ذكر لك شاعرها
و ملحنها و مغنيها ، و قد يزيد على ذلك .
كان هذا دأبه في كل يوم ، يعمل منشرح الصدر ، لا يتبرم و لا يتسخط و لا يشكو ألما الى أحد ، يتقن عمله بأجر زهيد ، و إذا أعطيته أجرته شكرك قبل أن تشكره .
 ينهي العمل قبل حلول الظلام إذ ليس في الورشة إنارة كهربائية ، فيأخذ المذياع --أنيسه الوحيد -- على كتفه و يتجه صوب المقهى المعتاد حيث يقضي وقتا يسيرا يجالس فيه ثلة من الرجال ممن اعتاد على مجالستهم ، و الذين هم بدورهم ينتظرونه ليطلعهم عما جد في الأخبار الوطنية
 و العالمية .
 يحتسي الشاي في صمت و لا يتدخل في النقاش إلا لتوضيح فكرة أو تقويم اعوجاج ، فإذا حان موعد العشاء حمل مذياعه كعادته على كتفه
و انصرف بهدوء مودعا جلساءه .
كان عالمه ينحصر بين البيت و الورشة مرورا بالمقهى الشعبي المتواجد بينهما في مسار يكاد يكون مستقيما ، و لا يذكر أحد من الأهالي أن رآه في مكان غير هذا المسار .
         لا أنكر انه كانت تتملكني رغبة في معرفة بعض أسرار هذا الرجل ، و لكن لم أستطع أن أخوض في خصوصياته إذ لا حق لي في ذلك ، بل كنت من حين لآخر أمازحه بطرح أسئلة فنية قصد تعجيزه ، فكان يومئ برأسه في حركة استهزائية من سؤالي ، إذ يعتبره سهلا و بسيطا فيجيب عنه إجابة شافية ، و شيئا فشيئا بدأت أتجرأ في طرح الأسئلة و أتوسع في النقاش سيما أن الرجل ليس لديه ما يخفيه ، يتحدث بعفوية و براءة ، فأطلعني على أمور لم أكن لأتخيلها أو أتوقعها ، إذ أخبرني أنه منذ سنة 1959 لم يغادر البلدة و العجيب في الأمر أنه منذ ذلك العهد لم يزر مدشرا من المداشر المحيطة بها بل الأغرب من ذلك كله أنه خلال كل هذه المدة التي تزيد عن الخمسين سنة لم تطأ قدمه مصلحة من المصالح العمومية التي يرتادها الناس لقضاء حاجاتهم الإدارية ، و لم يقصد قط مستوصفا للاستشفاء إلا مرة واحدة حيث سيق إليه مرغما مكرها جراء نزيف حاد من جرح غائر كاد يفقده يده لولا تدخل أحد الجيران الذي سمع أنينه و هاله ما رأى من خطورة الجرح  فطلب الاسعاف على وجه السرعة ، فكانت تلك أول و آخر مرة يركب وسيلة نقل --الساعفة-- كما كانت أول و آخر مرة يزور فيها المستشفى حتى أنه غادره قبل أن يأذن له الطبيب و دون أن يراه أحد ، مستعجلا عودته إلى عالمه المتحرر من كل القيود .
       إذن إلى هذا الحد لم أستطع معه صبرا
 و تساءلت  كيف يقضي مآربه الإدارية إذا كان حقا لا يزور المصالح العمومية ، فاكتشفت أمرا محيرا إذ أخبرني أنه لا يملك بطاقة هوية و أضاف أنه ليس في حاجة إليها ما دام لا يسافر و لا يشارك في الاستحقاقات الوطنية ، لأن اسمه غير مدرج في اللوائح الانتخابية ، كما أنه لا يملك هاتفا و لا يتراسل مع أحد ، و أكثر من هذا و تفاديا لأي علاقة أو احتكاك بينه و بين المؤسسات العمومية آلى على نفسه ألا يربط ورشته و بيته بشبكة توزيع الماء و الكهرباء لئلا يكون لديه ما يربطه بالمخزن على حد تعبيره .
      هكذا اختار الرجل أن يعيش حياته على الهامش بل هكذا قدر له أن يقضيها غاية في البساطة و القناعة ، و لكنها متحررة من كل قيد يعكر صفوها ، لذلك عرفت السعادة طريقها الى قلبه في حين ضلت طريقها الى قلوب الكثيرين ،
و هنا استبدت بي الحيرة ، و وجدتني أسائل نفسي  سؤالا فلسفيا ، كيف خلق هذا الرجل عالمه الخاص ، و تعايش معه طيلة هذه المدة دون كلل أو ملل ، راضي النفس مطمئن البال ؟؟؟
       نعم هكذا عاش المسكين في صمت و رحل في صمت ولم يترك خلفه غير قططه ترثيه مواء.
و لم يبق في خاطري أنا غير أثر من ذكريات الزمن الجميل ، ذكريات عاثت بها عوادي الليالي فأمست جمرا يتأجج كلما هبت عليه رياح الحنين فيذرف الشوق حبرا أسكبه عبرات و أدعية على أبواب المدافن .

               🚵الكاتب  :  زايد وهنا🚴