🔷🔷🔷 من أدراك ؟ 🔷🔷🔷
أول ما بلغت سن الرشد و صار لدي من النضج العقلي ما أستطيع به تحليل بعض الظواهر و إدراك حقائق وجودها قدر مستواي الفكري -- من خلال ما تلقيته من معارف و علوم اكتسبت بعضها من المدارس و بعضها من حرصي الخاص في البحث
و المطالعة -- ، أصبحت أنظر إلى الحياة نظرة المستكشف المتطلع إلى معرفة كنه الأشياء
و مقاصدها في الوجود ، و تلك غاية كل شاب في مثل سني ، يهفو أن يرى الحياة جميلة ، يسودها الحب و السلام و العيش الكريم ، و لعل من بين الظواهر التي أثارت انتباهي و شغلت فكري منذ تلك السن المبكرة ، ظاهرة اجتماعية انتشرت
و استفحلت في مجتمعي كما في بعض المجتمعات العربية أيضا ، إذ كانت تلقي بظلالها على تفكيري ، و تطرق أبوابه من حين لآخر و لكن عقلي لم يستسغها و لم يقبل بها بتاتا ما دامت لا تستند على نص شرعي و لا برهان علمي .
كنت كلما زرت مدينة أو قرية من ربوع وطني الحبيب إلا و سمعت أهلها يتحدثون عن الولي الصالح دفين منطقتهم ، يشيدون بخصاله
و مكرماته بل أحيانا يتفاخرون ببعض معجزاته الخارقة و التي هي في حقيقة الأمر خرافات من نسج خيالهم ، وجدوا عليها آباءهم يتقربون بها إلى الله زلفى ، فتوارثوا تعظيمها و تقديسها و آمنوا بخوارقها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة التي توافق الشرع و العقل ، و لو سألتهم المعيار الذي صنفوا به هذا الشخص أو ذاك ضمن لائحة أولياء الله ، ما استرحت منهم الى جواب منطقي مقنع ، و رغم ذلك تجدهم يتفننون في بناء الأضرحة و يزينونها بالنقوش و الزخارف ،
و يتخذونها قبلة يتبركون بها و يتمسحون بتربتها و حيطانها و قد يعتكفون لأيام بأحد الأضرحة طلبا لشفاء مريض أو زواج عانس أو عودة مغترب أو غير ذلك مما يسعون في طلبه ،و يترجون قضاءه بعون و مدد من الولي الصالح .
والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء البلهاء من الناس ينظمون المواسم ، فينفقون الأموال الطائلة في شراء الذبائح و إقامة الولائم تقربا للولي الصالح ،
و لو اطلعت على طقوسهم الاحتفالية لملئت رعبا
و لوليت فرارا مما تراه عيناك و لا يقبله عقلك ، وتمنيت من كل قلبك لو أنفقوا تلك الأموال في سد رمق الفقراء و الأرامل و مسحوا دموع اليتامى
و المساكين و علموا الأطفال المهمشين و عالجوا المرضى البائسين ، و لم لا ينشئون مرافق ذات المنفعة العامة تكون لهم صدقة جارية ،
و لو فعلوا لكان خيرا لهم ، و لكانوا هم حقا أولياء الله من حيث لا يدرون ، و لكن الجهل و الاسترزاق على حساب المغفلين أعمى بصائرهم و مدهم في طغيانهم يعمهون .
وأنا في تلك المرحلة العمرية أسمع هذا الهراء
أعده تخلفا في نظري و لكنني أضمره في نفسي
و لم أبح به لأحد ، خوفا من أن أنعت بنعوت لا أرضاها لنفسي سيما و أن السواد الأعظم من الناس قد ترسخ لديهم الاعتقاد ببركة الولي الصالح ، فلا فائدة من مجادلتهم و لا سبيل لاقناعهم .
أحيانا كنت أحاور نفسي و أقول عجبا لهؤلاء ، أليس بينهم رجل رشيد يستعمل عقله و لو مرة واحدة ، فيسائل نفسه و عشيرته محاولا إيقاظ ضمائرهم لعلهم عن غيهم يرجعون ، مساءلة تستفز عقولهم و تستجلي لهم حقائق الأمور ، كأن يقول لهم ،
من أخبركم بأن هذا الرجل ولي من أولياء الله الصالحين؟
حتما سيجيبه المخذرون المتعصبون منهم بأن هذا الولي رجل عالم ، تقي ، ورع ، ناسك ، متعبد ، قضى حياته في طاعة الله .
ترى بأي مقياس قستم ورعه و تقواه ؟ ،
و من منكم لديه مفاتيح الغيب يقيس بها إيمان الناس و ورعهم ؟.
و ليكن صاحبكم ذا ورع و تقوى كما تدعون ، أليس ذلك من ظاهر الأمور ، فما قولكم عن السرائر التي لا يعلمها إلا الخالق سبحانه و تعالى و هو العليم بذات الصدور ، فكم من ناسك متعبد لم يقبل منه عمله ربما لرياء منه أو ربما يأتي منكرا في الخفاء ، فهو عند الناس في الظاهر إنسان مستقيم و لكنه عند الله لئيم خسيس .
و لو افترضنا - ( وهذا الافتراض مردود علينا ، إذ ليس من حقنا ذلك ) - أن هذا الرجل نقي الظاهر
و الباطن ، و أنه يستحق أن يكون من أولياء الله الصالحين ، فهل يحق لنا أن نقصده في قضاء حوائجنا و نجعله وسيطة بينناو بين خالقنا ،
فإن فعلنا نكون قد اقترفنا الشرك الأكبر و حجزنا مقعدا مخزيا في جهنم مصداقا لقوله تعالى :
" إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،و من يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما "
و قوله تعالى" فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون "
نعم لا أحد ينكر أن هناك أولياء الله الصالحين في كل زمان و مكان وهم الذين ذكرهم الله و قال في حقهم " لا خوف عليهم و لا هم يحزنون "
ولكن لا نعرفهم و لا نعلم من أمرهم شيئا ، و لا هم أنفسهم يعلمون شيئا مما حباهم الله به ، فهو جلت حكمته يجعل ولايته في من شاء من عباده لأنه هو وحده العليم الخبير بسرائر خلقه ، و لا يعلم ولايته في خلقه إلا هو جل في علاه .
فليس المطلوب منك أن تبحث عن أولياء الله لتستنجد بهم ، فقد سبق و قلت أنه من المستحيل أن تعرفهم لأن ذلك يدخل في علم الغيب ، و لن ينفعوك بشيء حتى لو افترضنا أنك عرفتهم ،
إذن عليك إن أردت أن تنجو بنفسك بعبادة الله الواحد الأحد و اتباع أوامره و اجتناب نواهيه ،
و الاهتداء بهدي رسوله الكريم ، فإن فعلت
و التزمت فربما قد تكون وليا صالحا ، دون أن تعلم بذلك في الدنيا ، و إنما تعلمه يوم تلقى ربك بقلب سليم لا تشرك به شيئا .
خلاصة القول ، من واجبنا أن نحترم الناس ونعاملهم بالحسنى أحياء ، و نترحم عليهم أمواتا ،
و لا يحق لنا أن نصنف أحدا من الخلق و نعتبره وليا من أولياء الله عن غير علم ، و أنى لنا أن نعلم ما لا تدركه عقولنا و ما ليس من اختصاصنا ،
فعلم ذلك عند الله وحده و لا يشركه في علمه أحد ، و هو ما تشير إليه الآية الكريمة :
"... و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ..."
و هو سبحانه و تعالى أعلم بمن ضل عن سبيله
و هو أعلم بالمهتدين .
هذا ما كان يشغل بالي شابا و يؤرقني كهلا
و يؤسفني شيخا ، فلست فقيها متضلعا ، و لا عالما متمكنا ، و لكن عقلي على قلة زاده أبى أن يقبل هذا الأمر ، فإن كان الصواب ما ذكرت ، فإنني أحمد الله و لا أحصي ثناء عليه ، و إن كان فيه اعوجاج فسأكون شاكرا ممتنا لمن يقوم اعوجاجي بالحجة و البرهان الساطع الذي يوافق الشرع و العقل ...
🌏 بقلم الأستاذ زايد وهنا 🌏
أول ما بلغت سن الرشد و صار لدي من النضج العقلي ما أستطيع به تحليل بعض الظواهر و إدراك حقائق وجودها قدر مستواي الفكري -- من خلال ما تلقيته من معارف و علوم اكتسبت بعضها من المدارس و بعضها من حرصي الخاص في البحث
و المطالعة -- ، أصبحت أنظر إلى الحياة نظرة المستكشف المتطلع إلى معرفة كنه الأشياء
و مقاصدها في الوجود ، و تلك غاية كل شاب في مثل سني ، يهفو أن يرى الحياة جميلة ، يسودها الحب و السلام و العيش الكريم ، و لعل من بين الظواهر التي أثارت انتباهي و شغلت فكري منذ تلك السن المبكرة ، ظاهرة اجتماعية انتشرت
و استفحلت في مجتمعي كما في بعض المجتمعات العربية أيضا ، إذ كانت تلقي بظلالها على تفكيري ، و تطرق أبوابه من حين لآخر و لكن عقلي لم يستسغها و لم يقبل بها بتاتا ما دامت لا تستند على نص شرعي و لا برهان علمي .
كنت كلما زرت مدينة أو قرية من ربوع وطني الحبيب إلا و سمعت أهلها يتحدثون عن الولي الصالح دفين منطقتهم ، يشيدون بخصاله
و مكرماته بل أحيانا يتفاخرون ببعض معجزاته الخارقة و التي هي في حقيقة الأمر خرافات من نسج خيالهم ، وجدوا عليها آباءهم يتقربون بها إلى الله زلفى ، فتوارثوا تعظيمها و تقديسها و آمنوا بخوارقها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة التي توافق الشرع و العقل ، و لو سألتهم المعيار الذي صنفوا به هذا الشخص أو ذاك ضمن لائحة أولياء الله ، ما استرحت منهم الى جواب منطقي مقنع ، و رغم ذلك تجدهم يتفننون في بناء الأضرحة و يزينونها بالنقوش و الزخارف ،
و يتخذونها قبلة يتبركون بها و يتمسحون بتربتها و حيطانها و قد يعتكفون لأيام بأحد الأضرحة طلبا لشفاء مريض أو زواج عانس أو عودة مغترب أو غير ذلك مما يسعون في طلبه ،و يترجون قضاءه بعون و مدد من الولي الصالح .
والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء البلهاء من الناس ينظمون المواسم ، فينفقون الأموال الطائلة في شراء الذبائح و إقامة الولائم تقربا للولي الصالح ،
و لو اطلعت على طقوسهم الاحتفالية لملئت رعبا
و لوليت فرارا مما تراه عيناك و لا يقبله عقلك ، وتمنيت من كل قلبك لو أنفقوا تلك الأموال في سد رمق الفقراء و الأرامل و مسحوا دموع اليتامى
و المساكين و علموا الأطفال المهمشين و عالجوا المرضى البائسين ، و لم لا ينشئون مرافق ذات المنفعة العامة تكون لهم صدقة جارية ،
و لو فعلوا لكان خيرا لهم ، و لكانوا هم حقا أولياء الله من حيث لا يدرون ، و لكن الجهل و الاسترزاق على حساب المغفلين أعمى بصائرهم و مدهم في طغيانهم يعمهون .
وأنا في تلك المرحلة العمرية أسمع هذا الهراء
أعده تخلفا في نظري و لكنني أضمره في نفسي
و لم أبح به لأحد ، خوفا من أن أنعت بنعوت لا أرضاها لنفسي سيما و أن السواد الأعظم من الناس قد ترسخ لديهم الاعتقاد ببركة الولي الصالح ، فلا فائدة من مجادلتهم و لا سبيل لاقناعهم .
أحيانا كنت أحاور نفسي و أقول عجبا لهؤلاء ، أليس بينهم رجل رشيد يستعمل عقله و لو مرة واحدة ، فيسائل نفسه و عشيرته محاولا إيقاظ ضمائرهم لعلهم عن غيهم يرجعون ، مساءلة تستفز عقولهم و تستجلي لهم حقائق الأمور ، كأن يقول لهم ،
من أخبركم بأن هذا الرجل ولي من أولياء الله الصالحين؟
حتما سيجيبه المخذرون المتعصبون منهم بأن هذا الولي رجل عالم ، تقي ، ورع ، ناسك ، متعبد ، قضى حياته في طاعة الله .
ترى بأي مقياس قستم ورعه و تقواه ؟ ،
و من منكم لديه مفاتيح الغيب يقيس بها إيمان الناس و ورعهم ؟.
و ليكن صاحبكم ذا ورع و تقوى كما تدعون ، أليس ذلك من ظاهر الأمور ، فما قولكم عن السرائر التي لا يعلمها إلا الخالق سبحانه و تعالى و هو العليم بذات الصدور ، فكم من ناسك متعبد لم يقبل منه عمله ربما لرياء منه أو ربما يأتي منكرا في الخفاء ، فهو عند الناس في الظاهر إنسان مستقيم و لكنه عند الله لئيم خسيس .
و لو افترضنا - ( وهذا الافتراض مردود علينا ، إذ ليس من حقنا ذلك ) - أن هذا الرجل نقي الظاهر
و الباطن ، و أنه يستحق أن يكون من أولياء الله الصالحين ، فهل يحق لنا أن نقصده في قضاء حوائجنا و نجعله وسيطة بينناو بين خالقنا ،
فإن فعلنا نكون قد اقترفنا الشرك الأكبر و حجزنا مقعدا مخزيا في جهنم مصداقا لقوله تعالى :
" إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،و من يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما "
و قوله تعالى" فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون "
نعم لا أحد ينكر أن هناك أولياء الله الصالحين في كل زمان و مكان وهم الذين ذكرهم الله و قال في حقهم " لا خوف عليهم و لا هم يحزنون "
ولكن لا نعرفهم و لا نعلم من أمرهم شيئا ، و لا هم أنفسهم يعلمون شيئا مما حباهم الله به ، فهو جلت حكمته يجعل ولايته في من شاء من عباده لأنه هو وحده العليم الخبير بسرائر خلقه ، و لا يعلم ولايته في خلقه إلا هو جل في علاه .
فليس المطلوب منك أن تبحث عن أولياء الله لتستنجد بهم ، فقد سبق و قلت أنه من المستحيل أن تعرفهم لأن ذلك يدخل في علم الغيب ، و لن ينفعوك بشيء حتى لو افترضنا أنك عرفتهم ،
إذن عليك إن أردت أن تنجو بنفسك بعبادة الله الواحد الأحد و اتباع أوامره و اجتناب نواهيه ،
و الاهتداء بهدي رسوله الكريم ، فإن فعلت
و التزمت فربما قد تكون وليا صالحا ، دون أن تعلم بذلك في الدنيا ، و إنما تعلمه يوم تلقى ربك بقلب سليم لا تشرك به شيئا .
خلاصة القول ، من واجبنا أن نحترم الناس ونعاملهم بالحسنى أحياء ، و نترحم عليهم أمواتا ،
و لا يحق لنا أن نصنف أحدا من الخلق و نعتبره وليا من أولياء الله عن غير علم ، و أنى لنا أن نعلم ما لا تدركه عقولنا و ما ليس من اختصاصنا ،
فعلم ذلك عند الله وحده و لا يشركه في علمه أحد ، و هو ما تشير إليه الآية الكريمة :
"... و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ..."
و هو سبحانه و تعالى أعلم بمن ضل عن سبيله
و هو أعلم بالمهتدين .
هذا ما كان يشغل بالي شابا و يؤرقني كهلا
و يؤسفني شيخا ، فلست فقيها متضلعا ، و لا عالما متمكنا ، و لكن عقلي على قلة زاده أبى أن يقبل هذا الأمر ، فإن كان الصواب ما ذكرت ، فإنني أحمد الله و لا أحصي ثناء عليه ، و إن كان فيه اعوجاج فسأكون شاكرا ممتنا لمن يقوم اعوجاجي بالحجة و البرهان الساطع الذي يوافق الشرع و العقل ...
🌏 بقلم الأستاذ زايد وهنا 🌏
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق