◼ أسرى التقليد ◼

    أسرى التقليد

 السواد الأعظم منا يعيش على أذواق الآخرين دون أن يشعر ، و الأمثلة كثيرة ، فكلما زرت بيتا من بيوت الأحبة و الجيران إلا و تلاحظ تشابها تاما في غرف الضيوف من حيث الرياش ( كنبات عليها لحافات مغطاة بثوب يتناسب و الوسائد تتوسطها موائد كبيرة ) فلا اختلاف بين غرف الضيوف من منزل لآخر إلا في نوعية الثوب و اللون ، و كلما رأت الزوجة غرفة إحدى صديقاتها و قد زينت بثوب جديد إلا و طلبت من الزوج اقتناء نظيره لتستبدل القديم الذي قد استبدل هو بدوره منذ ثلاث أو أربع سنوات لتغير هي كذلك منظر غرفة الضيوف ببيتها ، فلا يسع الزوج إلا تدبير الأمر و لو على مضض ليجاري غيره عملا بقول الزوجة ( دير ما دار جارك و لا حول باب دارك ) ، ألست بذلك أسير التقليد ، لماذا لا نؤثث غرفنا حسب ذوقنا و طاقتنا المادية بغض النظر عن الآخرين ، أي عيب في فراش وثير على الأرض دون كنبات و قد يكون مريحا للبدن و النفس ، أليس كرم الضيافة و حسن الاستقبال و طيبة الكلام أولى و أجلب للسعادة من الرياش و النمارق .

لا بد و أنك دعيت إلى عدد كبير من الولائم عند الناس  في المناسبات كالأعراس مثلا  ، ألا تلاحظ التشابه الكبير في الأطعمة التي تقدم للمدعويين و المكونة غالبا من (  طبق الكسكس و طبق الدجاج المحمر و طبق اللحم و بعض الفواكه الموسية ) ، فإذا حان دورك و دعوت الناس إلى بيتك لعرس أو ما شابه ، تقدم لهم نفس ما أكلت عندهم ، و لو أنك حاولت أن تجتهد و تقدم ما هو أفيد للصحة و أريح للمعدة لقوبل اقتراحك بالرفض بقولهم لك أتخالف ما يفعله الناس كافة ، أعرفت الآن أنك أسير التقليد .

سبق و أن صاحبت أفراد أسرتك إلى الأسواق و المتاجر لاقتناء الملابس لأبنائك ، فتراهم يختارون من الملابس مثل ما يرونه عند أقرانهم دون مراعاة للجودة و لا للخصوصيات و قد يفوق ثمنها طاقتك و رغم ذلك تجاريهم نزولا عند رغبتهم و بإيعاز من الزوجة التي تصطف إلى جانبهم ، فلا يسعك إلا أن تؤدي الثمن و أنت على غير اقتناع تام بأذواقهم ، ألا ترى أنك أسير التقليد ، و هو الأمر الذي نشاهده لدى الأغلبية العظمى من تشابه في اللباس ، فقد لا يجد الشاب أو الشابة الراحة في نوع اللباس الذي يرتديه و لكن بفعل تقليد الآخرين يتحمل الضيق حتى لا ينعت بين أقرانه بالمتخلف .
و قس على ذلك من الظواهر و المشاهد اليومية التي ساد فيها التقليد حتى أصبحنا أسرى بين يديه يقتادنا طواعية و كرها .......

                    تأملات الكاتب   :    زايد وهنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق