⚫قراءة في رواية " بين اللحاء و اللحى "⚫

🌲 قراءة في رواية
              بين اللحاء و اللحى
                      للروائي السيد  " علي عديدو "🌲

  محور المداخلة :
الاسلوب الروائي في اللحاء و اللحى ميثاق معقود بين السارد و المسرود .

توطئة :
بديت باسم الغني ملا يلو مثل .....
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات و الصلاة
و السلام الأتمان الأكملان على خير الورى ومعلمها سيدنا محمد و آله و صحبه و من سار على نهجه في طلب العلم النافع الى يوم الدين .
أما بعد ، لي كامل الشرف أن يكون لي مقعد تكليف الى جانب هذه المجموعة النيرة من حملة القلوب الوامقة و الأحاسيس الصادقة و الأذواق الرائقة ، كما أنني فخور لأنكم اخترتموني رغم قلة زادي مقارنة مع هؤلاء الجهابدة  لأدلي بما فتح الله به علي من خلال قرائتي المتواضعة لهذا المنتوج الأدبي ، و التي حصرتها في ثلاثة أبواب مختصرة تفاديا للتكرار و التزاما بالوقت المخصص للمداخلة .
الباب الأول :
العنوان بين مدلول المصطلح لغويا و مدلوله فلسفيا .
الباب الثاني :
التوصيف الممتاز بين الحقيقة و المجاز .
الباب الثالث :
أسرار الأذواق بين السارد و العشاق .

الباب الأول :
العنوان بين مدلول المصطلح لغويا و مدلوله فلسفيا :
     لعل أول شيء يثير القارئ و هو يمسك الكتاب عنوانه ، و صاحبنا هذا اختار عنوان " بين اللحاء
و اللحى " لروايته هذه ، و لم يكن في الحقيقة اختيارا عشوائيا بل هو اختيار ينبئ عن ذكاء
و روية له أبعاد فلسفية أتمنى أن أكون أنا كذلك على قدر من الذكاء لاستجلاء هذه الأبعاد ، فالعنوان يتكون من ثلاث كلمات هي أصلا شبه جملة خبر مقدم لمبتدأ مؤخر محذوف لفظه ثابت  معناه في نية الكاتب ، و تلك دلالة على تمكنه من آليات لغة الضاد كما استحسنها النحويون
و البلاغيون العرب .
فاللحاء في لغة العرب هو قشر كل شيء و يطلق عموما على الطبقة الخارجية التي تكسو جذوع الأشجار ، و جمعه ألحية و لحي .
و لحاء الثمرة هو ما كسا نواتها .
أما اللحى فهي الشعر الذي ينبت على الخذين
و الذقن و تجمع على لحى و لحي .
لعل أول ملاحظة تستفز القارئ هي هذا الجناس بين الحروف المنطوقة في الكلمتين و هما حرفان :
( اللام و الحاء ) ، و إن كانت الكلمتان تختلفان في المعنى ، فالكاتب لم يجمع بينهما عبثا و إنما لحاجة في نفس يعقوب .
فاللحاء يخفي جذع الشجرة و يحميه ، و اللحية تخفي أسرارا عن صاحبها و قد تحميه باعتبارها سمة وقار ، وهنا يحضرني قول الشاعر :
     و كم لحية طالت على ذقن صاحبها
                     و ما تحتها إلا الغباوة و الجهل
     و كم راكب ظهر بغل له عقل بغله
                      تأمل ترى بغلا على ظهره بغل
فإن كانت اللحى من النوع الذي ذكره الشاعر ، فإن مقارنتها باللحاء غبن في حق هذا الأخير الذي لا ينخدع به الناس بل بالعكس له منافع اقتصادية ، وهو الأمر الذي لم يغب على صاحب الرواية و كيف يغيب عن شخص سبر أغوار اللغة و تشرب من ينابيعها .

الباب الثاني :
التوصيف الممتاز بين الحقيقة و المجاز :
لعل صاحب رواية " بين اللحاء و اللحى " كان ذكيا إذ استهل الرواية من الصفحة 5 إلى الصفحة 14 بمختصر لتفاصيلها ، يجعل القارئ متلهفا لمعرفتها ، إضافة الى ذلك فقد استحضر أثناء السرد جميع فئات القراء باختلاف بيئاتهم و أعرافهم ، فاعتمد الوصف الدقيق لإيصال المعنى إلى القارئ ، مستعملا أساليب التشبيه حينا و الصور المجازية أحيانا أخرى ، لئلا تزل قدم القارئ و يحيد عما يقصده الروائي و من ذلك قوله في :
الصفحة 6:
تخترقها الدراجة النارية متبوعة بالسيارتين مثل سائل يتدفق عبر أنبوب بلاستيكي ضيق .
الصفحة 7 :
تتفرع عنها أزقة ضيقة كأنها جداول تصب في بحيرة.
الصفحة 8 :
يتلمس طريقه وسط المارة مثل طفل حديث العهد بالمشي.
الصفحة 9 :
تنقلا بين الأكشاك لفترة مثل فراشتين تبحثان عن رحيق الأزهار.
الصفحة 11 :
يلتهم الأسماك الواحدة تلوى الأخرى مثل فقمة جائعة.
الصفحة 12 :
فشرع في ارتشافه باقتصاد مثل طفل يقضم قطعة حلوى.
الصفحة 14 :
صوت رجولي كهزيم الرعد .
الصفحة 18 :
و هو يحملق في أقرانه مثل بدوي دخل المدينة لأول مرة .
الصفحة 33 :
يرتمي من جديد في دوامة انحرافه و يستغرق فيه مثل حيوان كاسر أطلق في البرية .
الصفحة 36 :
لم يبق من ملامحه سوى أنفه المنتصب وسط وجهه مثل صاري مركب خرب .
الصفحة 43 :
تشل حركة زوجها بالمواليد مثل أعنة تلجم بها جموحه المحتمل .
الصفحة 47 :
أسئلة خرجت مثل طلقات رشاش .
الصفحة  56 :
ولى تفكيره قبل بلدته الصغيرة فتراءت له مثل دير يعتكف فيه نساك زهاد .
الصفحة 56 :
يزف إليه قنينة جعة مثل عروس عذراء في كامل زينتها .
الصفحة 57 :
أصبح معها حسين مثل قرد يتوسط حلقة من حلقات جامع الفنا .
الصفحة 61 :
رفعت السماعة مثلما يرفع مقامر الغطاء عن النرد .
الصفحة 65 :
السيارة التي انطلقت صامتة مثل حية رقطاء لذغت للتو جرذا شاردا .
الصفحة 72 :
تناسى واجب التمحيص و التحفظ في الاختيار مثل العانس التي تجاوزها الركب .
الصفحة 73 :
يحمل الحقيبة الصغيرة المملوءة بالمخدرات كما يحمل أستاذ محفظته و يلوح بها مثل ساعي بريد يحمل طردا .
الصفحة 86 :
نوافذ المنازل المتناثرةعلى جنبات الطريق كأنهن حواري هائمات في المروج من هجر الحبيب .

هذا و لم يكتف الروائي بهذه الأساليب البليغة في التعبير و لكنه في غمرة انتشائه بالسرد غاص في لجج العامية المغربية و استقى من المعيش اليومي عبارات منتقاة بعناية فائقة و كأنها قاسم مشترك بين شباب مجتمعنا كقوله :
* القبر و ما خلى
* و الله لا كانت ليهم
* الكاينة و للي تكون
* المعقودة ، التقلية
* يشد الأرض
* الله يخرج هاذ الحلمة على خير
* ياك لاباس فين بت البارح علاش ما جيتيش
* الفم المسدود ما يدخلو ذبان
* واش غادي دير بالسلامة
* على سلامة الصحراوي ، فين هاذ الغيبة
* سولي خوك للي فضحنا فالحي ، على اخر ايامي يجيوا البوليس يفتشو لي الدار بحال إلا أنا شفار
و لا بزناس
* لاطاش
* توكل على الله آ وليدي و سير دوز بحالك بحال الناس
* سير اجمع حوايجك و اتكل على الله و سير دوز  و المركوب على حسابي .
إذن لا أظن أن مثل هذا العمل الروائي الذي استعمل فيه صاحبنا كل هذا التنوع في الأساليب
و التعابير و عناصر التشويق و وظفها توظيف من له تجربة طويلة في الأعمال الروائية جاءت من فراغ بل هي نفسها الحجة القاطعة أن الكاتب على إلمام كبير باللغة العربية و آدابها و له رصيد معرفي و ثقافي كبير .

الباب الثالث :
أسرار الأذواق بين السارد و العشاق :
  ) كيف ما ينكد قلبي و كيف الروح ما تولي .....)
ليس من باب المبالغة إذا قلت أنني أثناء قراءتي لهذه الرواية كنت أتوقع أن تذكر فيها أشياء ،
و فعلا صدق حدسي ، لا لأني منجم و لكن معرفتي التامة لشخصية الروائي و مواهبه و هواياته
و نظرته لأمور الدنيا و التي لمستها فيه منذ أن تعرفت عليه لأزيد من ثلاثة عقود رغم فارق السن بيننا ، إذ وجدت فيه من الخصال ما لم أجده في الكثير من بني جيلي ، فكان حقا جديرا بصداقتي
فهو الشخص المثقف ذو السلوك القويم و الرؤى الثاقبة و الذوق الرفيع و كيف لا و قد تشرب صاحبنا من ينابيع الفن الراقي في زمن لم يكن للتفاهة نصيب ، فاستقى من الشعر أجوده و من النثر أبلغه و من الموسيقى و الغناء أروعه ،( الشعر طويل سلمه .....الشعراء في الزمان أربعة .....) و لم يفته أن يشير الى ذلك أثناء سرده للأحداث ، من قبيل قصائد الملحون بصوت أمهر النشادين المرحوم الحاج الحسين التولالي و روائع الشرق لعمالقة الطرب ، و جيل الرواد المغاربة من أمثال ابراهيم العلمي ، عبد الهادي بلخياط ، محمد الحياني ، اسماعيل أحمد و غيرهم  ممن أغنوا خزانة الإذاعة بروائعهم الغالية و بدائعهم الزهراء .
و كأني بالسارد يحن الى تلك الأيام الخوالي
و يقول
 ( غابوا  اهل الهوى و اضحى سوقي .........)
و يخجل مما آلت إليه الفنون من التفاهة و الرداءة
في زمن لم تعد فيه للقيم قيمة ، و كأنه يستحضر قول الشاعر الحاج أحمد الغرابلي :
 ( إولا ساب الكلام حتى ولوا به يدعوا ملا يقبالوا )
أو قول سيدي قدور العلمي :
للي ما يدري معنى و لا سطر مثلت كلامو الا هضر...
إذن على جفريات أهل الملحون أنهي مداخلتي المتواضعة ، و من هذا المنبر أخاطب السيد علي عديدو و أقول له : لقد وضعت رجلك في الدرج الأول و ركزت فيه قدمك و أبنت عن موهبة لا تقل قيمة أدبية و فنية عن كبار الروائيين ، فلا تستعمل موانع الحمل إلا لتنظيم النسل ، و لا تحرمنا من مثل هذه الولائم الدسمة ، وفقك الله و شرح صدرك و سدد قلمك ، و إلى عقيقة أخرى .
و السلام على الروائي و النقاد و الحاضرين و رحمة الله و بركاته .

              💼  بقلم الأستاذ  زايد وهنا  💼

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق