◾ العدل ◾
سبحان من رفع السماء، و وضع الميزان ،
و خص نفسه بالعدل، و جعله محمدة عظيمة
و مكرمة جليلة، تقوم على أساسه الحياة، و يستمر به الاستخلاف في الأرض، مصداقا لقوله تعالى * يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالقسط و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله * و من سمو هذه الصفة أن لقب الرسول صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب بالفاروق لعدله
و انصافه، وقد اكتسب العدل هذه القيمة عبر العصور، و لو تصفحنا التاريخ القديم لوجدنا أن كل الامبراطوريات العظمى قامت و سادت على أساس العدل، و اضمحلت و ذهب ريحها عندما نزع العدل منها، حتى أن أول تشريع للعدل وضعه حمو رابي، و سن قانونا عادلا في بابل مفاده القصاص ، أي النفس بالنفس و العين بالعين و الجراح قصاص ،
و سارت على نهجه أمم عدة، الى أن جاء الاسلام فوضع قوانين سماوية و أحكام ربانية، لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها، فاستحسن بعض ما جرى به العرف عند بعض القبائل العربية، و بدل و غير و أضاف ما يساير التطور و الركب الحضاري، ليجعله كباقي الشرائع صالح لكل زمان
و مكان، و هكذا أصبح العدل أساس الملك، و عنصر أمان عبر العصور، و وضع له جهاز القضاء للبث في المظالم و النزاعات بين الناس، و تفاوتت نسبة بسطه بين الحكام و المسؤولين، كل حسب مبادئه و قناعاته، فاخترقت قواعده أحيانا عن قصد أو غير قصد، و حل الظلم محل العدل في بعض النوازل، و لكن على العموم بقي العدل في مجمله محاط بهيبة القضاء و مصدر يطمئن اليه الجميع في الفصل و اعادة الحق لأصحابه، غير أن مفهومه مؤخرا أخذ منحى مغايرا نظرا للمستجدات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
و على رأسها حقوق الانسان، هذه الأخيرة التي كثر عنها الكلام في المحافل الدولية و الوطنية،
و جعلتها دول كثيرة من أهم أولوياتها لتحقيق الديمقراطية و تكافؤ الفرص و المساواة بين بني الانسان، غير أن هذه الحقوق لم تستغل على الوجه المرغوب، اذ لا يعقل أن توثر هذه الحقوق انسانا على انسان و الا فأين مبدأ المساواة و العدل، حين يصبح المجرم القاتل المغتصب عمدا مع سبق الاصرار و الترصد يعامل في السجن معاملة لائقة، و يتمتع بحقوق تضم كل وسائل الترف، في حين أن أرملة القتيل و صغارها يتجرعن الفقر و التشرد و مرارة اليتم في الشوارع، أليست لها و لأبنائها اليتامى حقوق كنفس حقوق قاتل زوجها، بيد أنه من صميم حقوق الانسان و من العدل و الانصاف أن يعتنى بها و بصغارها، وهي الأحق بالرعاية، أما القاتل المتعمد ، فينبغي أن يضرب بيد من حديد على يده، و أن يلقى عذابا أليما يندم بعده ندما شديدا حيث لا ينفع الندم، و لعل هذا مثال من أمثلة عديدة لا حصر لها، و هو ما يشجع المجرمين على اقتراف جرائم بشعة بدم بارد وهم يعلمون علم اليقين أنه في حالة ضبطهم، سيعاملون معاملة لائقة طالما تمنوها في حياتهم العادية خارج أسوار السجن،اذن أين العدل في كل هذا، أين حقوق الأستاذ (البريء المظلوم) الذي يتعرض للعنف من طرف طالب صعلوك لا أمل لديه في الدراسة،
و يلحق بهذا الأستاذ ضررا جسديا قد يسبب عاهة مستديمة،مما يكلف الدولة أعباء اضافية ، فلا هذا الصعلوك صالح في مجتمعه، و لا هو يترك الصلحاء يقومون بواجبهم، وفي حالة انصاف الأستاذ يزج بالصعلوك أياما معدودات في السجن الرغيد، ثم يطلق سراحه، ليعود و يعتدي مرة أخرى على طبيب أو مهندس أو مياوم في طريقه الى العمل ليرفع من شأن هذا الوطن، و قد يقطع أذن موظفة بمدية كبيرة كما فعل أحدهم، فيرجع ثانية الى السجن لينعم بالأكل و الشرب و اللعب مع الزملاء، و التسامر معهم في مناقشة سبل الخداع
و المهارات في التعرض للمواطنين الأبرياء.، أي عدل هذا و أي منطق هذا حين يخاف الناس ليل نهار و هم في طريقهم لقضاء مآربهم، ما ذنبهم حتى يتعرضوا لمثل هذه الاعتداءات، أليست لهم حقوق الحفاظ على أنفسهم و أعراضهم وممتلكاتهم و هم المواطنون الصالحون، عجبا لهذا الفهم الضيق لحقوق الانسان، في رأيي المتواضع معتقل الفكر و الرأي هو الأجدر أن يعامل معاملة تليق بمستواه الثقافي و العلمي، أما المجرمون القتلة فهؤلاء ينبغي أن تكون الأحكام في حقهم رادعة
و زاجرة حتى يتوبوا الى رشدهم و يعيشوا كباقي المواطنين في أمن و سلام، و نحاول قدر الامكان توفير فرص الشغل و العناية بالناس في جميع الادارات حتى نقطع الطريق أمام الدرائع التي تؤدي الى الاجرام ...
🛇 للكاتب الأستاذ زايد وهنا🛇
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق