العربية لغة البيان

 العربية لغة البيان 


      لقد أصبح من المعتاد لدى الكثير في الخطب كما في المقالات أن يخاطبوا الناس أو يتحدثوا عنهم بنوع من التمييز بين الإناث و الذكور ، كقولهم على سبيل المثال لا الحصر :

أيتها المسلمات أيها المسلمون

أيتها التلميذات أيها التلاميذ

أيتها الزميلات أيها الزملاء

إلى آخره من مثل هذه التعابير التي تصنف الجمع إلى مؤنث و مذكر ، و كثيرا ما نصادفها فيما ينشر من مقالات .

و الحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى تمحيص و تدقيق ، خصوصا و أن هذا الفرز في مخاطبة الجموع مستحدث في لغة العرب ، فإذا رجعنا إلى أسمى كتاب و هو القرآن الكريم ، المعجزة الربانية في اللغة و البيان نجده سبحانه و تعالى

يخاطبنا بصيغة جمع المذكر و الحكم ضمنيا يشمل الذكور 

و الإناث على حد سواء كقوله تعالى : 

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين. )

( يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون.)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون.)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين.)

( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات )

( إن المجرمين في ضلال )

( إن الله مع الصابرين )

و لو شاء الله سبحانه و تعالى لقال :

 إن الله مع الصابرات و الصابرين ، و لكنه جلت قدرته لم يقل ذلك لأن صيغة المذكر تشمل كذلك النساء و هو أمر واضح لا يحتاج إلى تكرار .

فإذا كان الحكم نفسه يهم الذكور و الإناث فإن الخطاب يأتي بصيغة المذكر و يشملهما جميعا ، و لكن إذا كان الأمر الذي يهم الذكور يختلف في حكمه عن الأمر الذي يهم الإناث ، أو إذا كان الأمر يحتاج إلى التأكيد على كلا الطرفين ،فهنا نجد نوعا من التخصيص في الخطاب ، كقوله تعالى :

[واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءاياتِ الله والحكمة]

﴿ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ﴾ [ التوبة: 67

( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 

        كما أن خطب الرسول صلى الله عليه و سلم و ما أكثرها ، كما وردت مجموعة في كتاب العلامة محمد خليل الخطيب ، لم يذكر فيها الإناث و الذكور في نفس الوقت إلا إذا كان الأمر فيه حكما يهم هؤلاء و أولئك ، و يمكن الرجوع إلى القرآن و السنة ليتبين ذلك جليا .

خلاصة القول أن المتحدث أو الخطيب يخاطب الناس بصيغة جمع المذكر و القول و الغاية تشمل جمع الإناث ضمنيا اللهم إن كان من أمر تخصيص كل طرف بحكم أو تأكيد حكم حتى لا يظن الإناث أنهن مستثنيات منه .

و لعل هذه التعابير التي تلح على ذكر الإناث بجمع المؤنث السالم و الذكور بجمع المذكر السالم في أمور مشتركة لا استثناء فيها ، هو أمر مستحدث في لغة العرب ، جاء به دعاة تحرير المرأة المطالبين بمساواتها مع الرجل في كل شيء ، 

و هذا أمر محمود فللمرأة مكانتها المحترمة و قد تفوق الرجل في سياقات خاصة ، و هذا  ما أقره ديننا الحنيف في حقها ، فكرمها خير تكريم و جعل الجنة تحت أقدامها ، و لكن هذا

لا يعني أن نستثنيها في الخطاب ، فهو أمر يمس باللغة العربية و أساليبها الراقية و تعابيرها الجميلة ، و لا عيب أو نقصان في حق الإناث إن كان الخطاب بصيغة المذكر فالكل معني بما جاء فيه .

فعند قولنا : ( أولياء التلاميذ ) فذاك يعني 

( الأمهات و الأباء و الوصاة الشرعيين عليهم ).

و عند قولنا : ( يا معشر الناس ) فذاك يعني 

( يا معشر الرجال و النساء ) .

و عند قولنا : ( أيها المواطنون ) 

فإنها تجمع المواطنات و المواطنين ، و لا داعي لهذا الفرز الذي ينقص من جمالية اللغة العربية و بلاغتها و رصانة أساليبها .

تهنئة خاصة

              🌹🌷  تهنئة 🌷🌹


         ببالغ الفرحة و الابتهاج تلقيت خبر الخطوبة التي قرر ابننا الخلوق الوسيم حمزة دحو ابن أخي 

و صديقي عبد الحفيظ دحو أن ينهي بها مرحلة العزوبة ، و يبدأ مرحلة جديدة تدخله قفص الزوجية و هو على أتم استعداد لتحمل مسؤوليتها

بحزمه و عزيمته و نبل أخلاقه ، و الحقيقة أنه

جمع فيه من مكارم الأخلاق كل ما تتمناه زوجة في زوجها .

و بهذه المناسبة السارة السعيدة أسأل الله جلت

قدرته أن يجمع بينه و بين زوجته في كل خير ،

و أن يجعل بينهما مودة و رحمة دائمتين ، 

و أن يرزقهما الذرية الصالحة ، إنه على ما يشاء قدير و بالإستجابة جدير .

                              

                          🌱  أخوكم  زايد وهنا  🌱

أدوية قاتلة

 أدوية قاتلة


          لعل أكبر خطإ ارتكبته الحكومة في حق التعليم ، و الذي سيقضي على ما تبقى من بصيص أمل في إصلاحه هو تمديد سن التقاعد إلى ما فوق الستين ، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال لأستاذ قضى أربعين سنة أو أكثر أن يبقى بنفس الحماس و العطاء و المردودية المرغوبة ، لأن مهنة التعليم بالخصوص شاقة و متعبة تستنزف قوى الأستاذ البدنية 

و النفسية و العقلية .

و قرار التمديد هذا صراحة هو آخر مسمار يدق في نعش التعليم ، إذ بموافقة النقابات عليه ، و سكوت الشغيلة التعليمية ، تم وأد أي خطة للإصلاح و الخروج به من الأزمة التي أرقت و تؤرق مضجع الغيورين عليه .

لماذا لا يمكن تمديد سن التقاعد في هذه المهنة بالخصوص ؟ 

لأنها و بكل موضوعية تعتبر المهنة الأكثر مشقة و صعوبة بالنسبة للمهن و الوظائف الأخرى . 

ذلك أن الأستاذ يتحمل مسؤولية تربية و تعليم عدد كبير من التلاميذ ، يختلفون من حيث الذكاء و الطباع حسب نوع التربية التي تشبعوا بها في أسرهم و بيئاتهم ، لذلك هو ملزم بأن يكون قدوة لهم في كل شيء في سلوكه و نظافته 

و هندامه ، لا يمكنه مغادرة قسمه إلا لظرف قاهر ، لا يليق به أن يأكل أو يشرب أمامهم ، يراقب جيدا تصرفاته حتى لا يصدر منه ما يتنافى و أصول التربية الحسنة ، داخل المؤسسة و خارجها مما يجعل عليه حصارا يحد من حريته الشخصية ، فهو يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أي تصرف ، و لا يقدم عليه حتى يتيقن بأنه لا يخل و الرسالة السامية الملقاة على عاتقه ، تجده يصل النهار بالليل في التحضير و التصحيح ، فهو  المربي و المرشد و المصلح الاجتماعي و الطبيب النفساني و الحارس الأمين على سلامة تلامذته ، يدرس و يمتحن و يصحح و يقيم و يقوم 

و يتدارك التعثرات و يتواصل مع الأسر ، يساعد من ماله الخاص المحتاجين من التلاميذ ، يقتني من ماله الخاص بعض لوازم العمل و وسائل الإيضاح و غير هذا كثير من المهام التي تثقل كاهله و لا تظهر للعيان . 

بينما الوظائف المدنية الأخرى لا تشترط في موظفيها ذلك الالتزام و الانضباط و الحرص الشديد الذي يطوق الأستاذ ، فأي موظف يمكنه الحديث مع زميله أثناء العمل و قد يضع على مكتبه فنجان قهوة يرتشف منه من حين لآخر ،

و قد يتوقف عن العمل متى شعر بالتعب فيضع القلم 

و الأوراق أمامه على المكتب ، و يأخذ لنفسه قسطا من الراحة ، و ليس هناك من يحاسبه عن ذلك التوقف ، كما يمكنه أن يغادر مكتبه إلى مكتب آخر لغرض أو بدون غرض ، له الحرية في ارتداء ما يرتاح فيه من لباس ، لا يجد حرجا في التفوه بأي كلام مع زملائه و المزاح معهم  ، ماداموا كلهم كبارا و ليس معهم أطفال ، كل شيء لديه متوفر لا يقتني شيئا من ماله الخاص .

و غير ذلك من أمور هي مسموحة للموظفين عموما و لكنها ممنوعة على الأستاذ الذي هو تحت المجهر مراقب من طرف تلاميذ المؤسسة في الصغائر قبل الكبائر و في خارج المؤسسة قبل الداخل . و لا يقتصر الأمر على مهمته التربوية بل تتعداها إلى الحياة الاجتماعية مع الناس بحيث يحاسب على كل تصرف صدر منه و لو كان طفيفا و يعاتب عليه لا لشيء إلا لأنه أستاذ ، بينما لا أحد يعلق أو يعاتب موظفا في قطاع آخر و لو صدر منه ما هو أبشع مما صدر من الأستاذ .

فكيف بمن قضى أربعين سنة أو أكثر في التربية و التعليم  على هذه الوتيرة الملتزمة أشد الالتزام و المقيد بشروط الاستقامة في كل شيء أن يمدد في سن تقاعده إلى ما بعد الستين ، دون مراعاة لظروفه الصحية و النفسية ، إنه لظلم كبير في حقه و في حق التلاميذ الأبرياء و عائق أمام أي إصلاح يتمشدقون به .

الحكومة تبرر موقفها بالعجز الذي يعرفه صندوق التقاعد ، 

و لم تجد حلا لهذه المعضلة إلا على حساب صحة و جيوب رجال و نساء التعليم ، و هذا حيف كبير و تحطيم لمعنويات المدرس فالقانون المعمول به و الذي على أساسه التحق

المدرسون بهذه المهنة هو الإحالة على التقاعد عند بلوغ سن الستين ، و الغريب في الأمر أن النقابات وافقت على قرار الحكومة رغم أنها تعرف تمام المعرفة أن هذا التمديد إجحاف في حق رجال و نساء التعليم و ضربة قاضية للمنظومة التربوية .

و الواقع أنه كان من الواجب على الحكومة أن تدبر أمورها بمراقبة و محاسبة القيمين على هذا الصندوق قبل وقوع الكارثة ، أما و أنها لم تفعل فلتبحث عن حلول بديلة لتمويل الصندوق دون اللجوء إلى هذه الحلول الترقيعية التي لا تزيد وضع التعليم  ببلادنا إلا انحطاطا و تسير به من سوء إلى أسوأ .

فأي إصلاح هذا الذي ينادون به ، و هم ممن ينطبق عليه المثل العامي المغربي الذي يقول :

 ""  جا  يبوسو  و  عماه "" 

أو "" جا  يحبو  و  عماه "".

            خلاصة القول أن قطاع التربية و التعليم ببلادنا

يعاني من أمراض خطيرة ، ظهرت عليه أعراضها منذ عقدين من الزمان ، و مما زاد حالته سوءا و خطورة هو أن الساهرين على علاجه لم يلتجئوا إلى التحليلات المخبرية و التشخيص الدقيق لحالته و لكنهم و بكل عشوائية يمدونه بأدوية

و مسكنات لا علاقة لها بمرضه ، فازدادت حالته خطورة 

و دخل في غيبوبة ، مما استوجب نقله على وجه السرعة إلى غرفة الإنعاش .

فهل يا ترى سيتم تشخيص حالته بدقة و توصف له أدوية ناجعة ليستفيق أم سيبقى طرح الفراش في غيبوبته إلى أن يسلم الروح إلى بارئها .

حينما يكون مظهرك سبب تعاستك

     👌 حينما يكون مظهرك سبب تعاستك  👌


          شاب في منتصف عقده الثالث ، مغربي مسلم يعيش في مدينة صغيرة ، أغلب أهاليها يتعارفون فيما بينهم ، يعيشون حياة بسيطة لا يعكر صفوها ما تعرفه المدن الكبرى من إنحرافات، 

و لا شيء يثير الاستغراب في مدينتهم أو يلفت انتباههم ، إلا مظهر هذا الشاب الذي جعل 

نفسه موضع سخريتهم و حديث مجالسهم تلوك الأفواه سيرته بما لا يرضاه عاقل لنفسه ، تراهم يتهامزون و يتلامزون كلما مر أمامهم أو جلس في مكان عمومي يرتادونه .

و الحقيقة  أن هذا الشاب لا يسيء إلى أحد ، يمشي منفردا و يجلس وحيدا ، و لا يبالي بنظرات الآخرين إليه ، باختصار  لا عيب فيه غير ما فعل بنفسه من تشبه بالنساء . 

شعره يفوق طولا و غزارة شعر النساء ، يجمعه أحيانا كومة كبيرة مستديرة الشكل على رأسه ، 

و أحيانا أخرى يتركه ينسدل على ظهره و كتفيه ، حليق اللحية و الشارب ، يضع قليلا من المساحيق على أماكن معينة في وجهه ، على ذراعيه و رقبته رسوم من أوشام ، و في أذنه اليسرى قرط أسود ،

و حول عنقه عقد عبارة عن سلسلة بلون فضي ،

و روائح المساحيق تتضوع منه ، فيخال إليك إذا رأيته للوهلة الأولى أنه شخص غير عادي ، 

و لعل مظهره ذاك الذي يثير الشبهات هو سبب ابتعاد الناس عنه .

         حدث مرة أن التقيت صدفة بزميل لي في العمل و طلب مني أن نقضي بعض الوقت  في إحدى  المقاهى لمشاهدة مباراة في كرة القدم لفريقنا الوطني في اقصائيات كأس إفريقيا ، 

لبيت الطلب و جلسنا نتجاذب أطراف الحديث في انتظار صافرة البداية ، و ما هي إلا ثوان قليلة حتى دخل ذاك الشاب المقهى و اتخذ مكانه بالقرب مني ، فأصبحت أتوسط المجلس بينه 

و بين زميلي .لا أنكر أنني أحسست بالضجر و عدم الارتياح ، فقد يظن من رأى جلستنا على تلك الوضعية أنني على سابق معرفة بهذا الشاب أو تجمعني به علاقة ما ، خصوصا أن كرسيه يكاد يلتصق بكرسيي ، و رائحته النسوية تخنق الأنفاس .   

فكرت في تغيير المكان و لكن المقهى كان مكتظا عن آخره و لا مكان فارغ يمكننا أن نلجأ إليه ، 

نظر إلي زميلي نظرة توحي أنه شعر بما أنا فيه من ضيق و حرج ، ابتسم ثم أومأ إلي بحركة يريد بها صرفي عن التفكير فيما يخالجني من إحساس 

و كأنه يدعوني ألا أكترث و ألا أعطي للموضوع أكثر مما يستحق .

وطأت نفسي على الصبر و تابعت مشاهدة المباراة ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى وضع النادل أمامه فنجان قهوة ، و إذا بالشاب يوجه كلامه للنادل و هو يمرر يده على شعره الذي انسدل جزء منه إلى الأمام قائلا :

 ""   إننا حقا مجانين ، نشجع هؤلاء اللاعبين الذين يتقاضون أجورا خيالية ، و نحن لم نجد عملا و لو بأجر زهيد   !!!""".

رمقته بطرف عيني حتى لا يشعر بأنني أتجسس على حديثه مع النادل ، و قلت في نفسي :

""   كيف لهذا أن يجد عملا و هو على هذه الحال التي تثير الريبة و الاشمئزاز ، فمظهره المتشبه بالنساء لا يبعث على الاطمئنان ، و لا أظن أن هناك شخصا عاقلا  يمكن أن  يثق و يرتاح في أن  يستجير مثل هذا الشاب لأسباب عديدة ".

انتهت المباراة بفوز فريقنا الوطني ، و في خضم تلك الفرحة انفضت جموع المتفرجين و هم يعيدون سيناريوهات المباراة و كفاءة اللاعبين ،

يمدحون أغلبهم و يذمون البعض ، و هذا دأب 

عشاق كرة القدم عند نهاية كل مباراة . 

ودعت زميلي و انصرفت إلى حال سبيلي و صورة ذاك الشاب لا تفارق مخيلتي ، تعجبت لأمره

فهو و إن كان هادئا لا يسيء لأحد ، و ربما قد يكون طيب الجوهر ، إلا أن مظهره يوحي بعكس ذلك و هو ما ضيع عليه كثير من فرص العمل ، 

و تعجبت أيضا كيف طاوعته نفسه أن يعيش عالة

على أسرته ، و هو شاب في مقتبل العمر يتمتع ببنية جسمانية قوية تثير الدهشة ، و السؤال المحير هو كيف تقبل منه أفراد أسرته هذا السلوك المقيت ، أليس منهم فرد رشيد يثنيه عن غيه ،

و لكن لا يمكننا في حالته هذه لوم الأسرة لأن للبيوت أسرارا لو اطلعنا عليها لربما التمسنا لها الأعذار .

و لشدة غيرتي على استقامة شبابنا  تمنيت من هذا الشاب إن لم يكن يعاني اضطرابات نفسية ، 

و كان في كامل قواه العقلية أن يتخلى عن تلك الأمور الغريبة التي يفعلها بنفسه ، و أن يعيش الرجولة بشهامتها و كبريائها و خشونتها كباقي الشباب العاديين حتى لا ينظر إليه بتلك النظرة الدونية التي تحط من قدره ، عندها سيجد و لا شك عملا شريفا يليق به ، يعول به نفسه و أسرته ، و لكن للأسف الشديد فقد رضي لنفسه بذلك المظهر المشبوه و نسي أنه السبب في تعاسته الدائمة .

فالله جل في علاه نسأل أن يلهمه و سائر شباب

أمتنا إلى جادة الصواب ، و أن يرد بنا إلى دينه

القويم ، و أن يجنبنا فواحش الأمور و توافهها 

و أن يشرح صدورنا لمكارم الأخلاق و لأنفع العلوم 

إنه ولي ذلك و القادر عليه .  



 

سعادتك في سعادتهم

               🌞   سعادتك في سعادتهم   🌞


          اعلم أخي المسلم أن ذاك الشاب أو ذاك الكهل الذي تراه يحرس السيارات و الدراجات ،

أو الذي يمسح أحذية الناس في الشوارع 

و المقاهي أو الذي يعمل نادلا في مقهى شعبي ، أو الذي ينقل أمتعة الناس سواء على كتفه او على عربة يدفعها أمامه ، أو الذي يعرض بضاعة بسيطة للبيع ، أو الذي يحرس عمارة ، أو تلك  المرأة التي تعمل خادمة في بيوت الناس ، أو التي تصنع بيديها أرغفة تعرضها للبيع في الشارع ....

أو غير هؤلاء ممن يحترف عملا بسيطا جدا يكاد أجره لا يكفيه هو نفسه لأدنى ضروريات العيش ، فما بالك إذا كان يعول أبوين عاجزين ، أو أسرة بئيسة ، أو إخوة صغارا ، فمثل هؤلاء هم أحق بالصدقة علاوة على ذلك الأجر الزهيد .

فلا يليق بك أخي المسلم و قد مَنَّ  الله عليك 

بالسعة في الرزق أن تساوم مثل هؤلاء فيما

يطلبونه من ذلك الأجر القليل ، بل حاول أن

ترضيهم قدر الإمكان بأن تزيد على أجرهم دريهمات قليلة مما تيسر لديك ، فإن لم تجد فبكلمة طيبة ، و لك في ذلك ثوابا جزيلا .

فبإحسانك لمثل هؤلاء تدخل السرور على قلوبهم

و تكون قد ساهمت في التخفيف من حدة الجرائم

لأن ضيق اليد و قساوة معاملة الناس لهم تزرع

في نفوسهم الحقد و التمرد على المجتمع و حب الانتقام  مما يدفع بالكثير منهم إلى التعاطي

للمخدرات بشتى أنواعها و السرقة و اعتراض

سبيل المارة باستعمال السلاح الأبيض و غيرها

من الجرائم التي تصل أحيانا إلى القتل .

وهذا ما أصبحنا نراه اليوم في مجتمعنا و قد

انتشر و استفحل خطره .

إذن أعتقد أن المجتمع بكل قطاعاته هو المسؤول

الأول فيما يحدث ، و نحن كأفراد نتحمل جزءا

من هذه المسؤولية ، لأننا لو تعاملنا مع هؤلاء

و أمثالهم ممن قست عليهم الحياة بالحسنى

و حاولنا أن نقدم إليهم العون المادي بما تيسر ،

و رفعنا لهم المعنويات بالتقدير و الإحترام على

ما يقومون به من أعمال ، و أنزلناهم بيننا منزلة

من لا غنى لنا عنه ، فلا شك أننا سنكون قد خففنا

من حدة الاحتياج و في الوقت نفسه نكون قد أزلنا من نفوس أغلبهم شوائب الحقد و التمرد ،

و بالتالي تقل الجرائم إلى أدنى مستوى و يعيش

الجميع في أمن و أمان .

 


لعنة الله على الكاذبين

 لعنة الله على الكاذبين


           الكذب و إن كان عموما رذيلة إلا أن بعضه يحتاج إلى ذكاء ، و هو الأمر الذي غاب عن بعض الكذابين الجزائريين ، و لا ملامة على الجهلة و الأميين منهم فيما يفترونه لأنهم من رعاع القوم لا يفقهون شيئا ، و لكن اللوم الشديد و الطامة الكبرى هو عندما يصدر الكذب و البهتان و الإفتراء من حكامهم و مثقفيهم الذين و بكل صراحة لا يملكون من الثقافة إلا الإسم .

الغريب في الأمر أن هؤلاء المحسوبين على الثقافة ، يجهلون تماما تاريخهم و تاريخ الأمم الأخرى ، مما جعلهم يخبطون خبط عشواء ، فهم من جهة نظرا للنقص الذي يشعرون به  يريدون أن يفتعلوا لهم تاريخا عريقا بين الأمم و من جهة أخرى يحاولون سرقة المأثور المغربي العريق لينسبوه لأنفسهم ، ظنا منهم أن العالم سيثق بخزعبلاتهم ، و هذا أمر مردود عليهم ، و يدل دلالة قاطعة أنهم يعيشون الجهل المقرون بالخبث و الغباء ، مما دفعهم للإفتراء و الكذب دون حساب للعواقب التي جعلتهم أضحوكة بين الأمم . 

فإن كان و لا بد من الكذب و النسب و الانتحال فليكن بذكاء بحيث لا يشعر به أحد ، و حتى و إن كان من الناس من اشتم رائحة الكذب في افتراءاتهم ، يبقى لديه بصيص من الشك ، و لكن للأسف الشديد فهؤلاء الجزائريون المفترون البلداء أعمى الجهل أبصارهم و بصائرهم ، و من غبائهم يظنون الناس أغبياء مثلهم ، قد يصدقون تخاريفهم ، لذلك تراهم  

و تسمعهم يقولون أشياء يستحيي الحمقى و المجانين أن يقولوا مثلها ، و الأمثلة كثيرة نخجل أن نذكرها حتى لا نعكر صدق المقال ، فأضحى كل من أراد أن يضحك أو يتسلى ، يستمع إلى تصريحات حكامهم و مثقفيهم عبر اليوتوب 

و غيرها من مواقع التواصل ليتأكد من مدى فداحة جهلهم 

و غبائهم ، حتى صار الناس في كل أقطار العالم يعدونها من

الطرائف و النوادر المضحكة التي يتسلون بها و التي لا يمكن أن يصدقها أحد إلا أغبياؤهم .

غير أن هناك من الناس من يعتصر قلبه الأسى على هذا المستوى الساقط التافه الذي وصل إليه هؤلاء ، و بحكم العروبة و الإسلام و الجوار فإننا لا نرضى أن نسمع مثل هذه الخرافات التي تصدر عن حكام و مثقفي الجزائر و يشيعونها بين أفراد مجتمعهم مما يزيد في جهلهم و إلهائهم عن 

محاسبة مسؤوليهم الذين أتوا على الأخضر و اليابس و لم يتركوا لشعبهم إلا الفتات رغم توفر بلدهم على النفط .

متى يستيقظ الشعب الجزائري و يعي حقيقة سياسة حكامه التي باتت مفضوحة أمام العالم و التي أصبحت الأكاذيب 

و الإفتراءات هي ورقتهم الأخيرة ، و لكن أظنها آخر مسمار يدق في نعش النظام الجزائري .

 و صدقت العرب حين قالت في مأثور أمثالها  :

""   و من يدعي بما ليس فيه ، كذبته شواهد الإمتحان ""

أما الأديب طه حسين فقد وضح ذلك في قولة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تطابق هذا الواقع المر :

""  نحن نعلم حق العلم أن الخصومة حين تشتد بين الفرق والأحزاب يكون أيسر وسائلها الكذب "".

خير ما أختتم به هذا المقال المقتضب قوله عز وجل في سورة آل عمران الآية 61 :

  """     فَمَن حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلى الكاذِبِينَ """

موت من نوع آخر

              📍   موت من نوع آخر   📍  


        الكل يعلم أن للموت معنى واحد و هو مفارقة الروح للجسد بحيث ترتقي الروح إلى بارئها و تدفن الجثة في التراب ، و لا أحد يعلم مصيرها بعد ذلك إلا خالقها ، إن شاء غفر و إن شاء عذب و في كلتا الحالتين فهي عدالة ربانية لا يعلم غاياتها إلا هو سبحانه و تعالى .

إلا أن هناك موت من نوع آخر بحيث يكون الإنسان حيا يرزق و لكن يملك ضميرا حيا يعذبه

خصوصا إذا تكالبت عليه الهموم ، فلا يستلذ لشيء

و تغيب السعادة عنه ، فيصبح شبه ميت .

-- فالذي يعاني من إعاقة مستديمة تمنعه من الاستمتاع بأشياء كثيرة ، و لا يجد عناية .

-- و الذي لا يجد عملا يعول به نفسه و أسرته .

-- و الذي اضطرته الظروف ليعيش عالة على غيره .

-- و الذي يعمل مقابل أجر زهيد لا يلبي له أدنى ضروريات العيش له و لأبنائه .

-- و الذي غشى الجهل بصيرته و لم تتح له فرصة التعلم ، فتعذبه أميته بين الناس .

-- و الذي يعاني من مرض مزمن و لا يجد الرعاية الصحية .

-- و الذي لا يشعر بالأمن و الأمان و يعيش في خوف دائم على نفسه و عرضه و ماله من أولئك

المشرملين حاملي السلاح الأبيض .

-- و الذي يؤمن بالخرافة و يتنقل بين المشعودين 

-- و الذي يتسول في الشوارع و الأزقة ،

-- و الذي شاخ و عجز و نبذه أهله فلم يجد ملجأ إلا دار العجزة ، 

-- و الذي لم يعرف له أبا و لا أما إلا الإصلاحية ،

-- و الذي يعيش شقاء و تعاسة في حياته الزوجية 

و لم يجد لها مخرجا نظرا لظروف ما .

-- و الذي حكم عليه بالسجن ظلما .

-- و الذي لا يستطيع أن يعبر عن رأيه خوفا من بطش الحكام .

-- و الذي يسعى لنشر العلم و القيم الإنسانية النبيلة ، فيرى أن جهوده تذهب أدراج الرياح ،

و أن الاهتمام قد أولي للتفاهة و سفاسفة الأمور التي أصبحت لروادها كلمتهم في المجتمع 

و الذين حققوا بسفاهتهم من المال و الشهرة

 ما لم يحققه  المثقفون الغيورون المجدون .

 -- و الذي يكد و يجد و يخلص في عمله ليرفع من شأن بلده ، و لا أحد يهتم لأمره أو يشجعه و لو بكلمة طيبة تجبر خاطره  ، فهو كذلك  يعتصره الأسى و يغلب على حياته طابع الحزن و الكآبة 

و هو يرى التافهين ينحدرون بالبلد إلى الحضيض و رغم ذلك فهم منعمون مكرمون  .

أليس هؤلاء أمواتا أحياء ، يلازمهم الضنك 

و الحزن و الألم بحيث لا يتذوقون طعم السعادة قط ، ألا تراهم يموتون تدريجيا ، لأن ضمائرهم حية ، و لأنهم يحملون هموما تنهد لها الرواسي الشامخة .

و نفس الشيء بالنسبة للآخرين الذين يظنون أنفسهم يعيشون السعادة ، و هي في الحقيقة

سعادة زائفة ، و مهما يكن فالموت يدرك الجميع ،  غير أن الفئة الأولى تشعر به يوميا يحوم حولها ،

لأن البسطاء من القوم يعيشون ظروفا قاسية  على مستوى العيش ، و المثقفون النوابغ يعيشون التعاسة على المستوى الفكري .

أما الفئة الشبه المرتاحة فأغلبهم لا يتحرك ضميره و لا ترق عيناه رحمة بالآخرين ، فهم كالأنعام يعلفون و لا يشعرون بمعاناة من حولهم ،حتى الموت لا يذكرونه إلا في الجنائز و بعدها ينغمسون في ملذات الحياة و لا يستفيقون  إلا عندما تختطف يد المنون أحد أقربائهم ، و رغم ذلك لا يتعظون فيعودون لما كانوا عليه ، و كيف يتعظون و قد مات الحس الإنساني فيهم .

ختاما يمكن القول أن في أيامنا هذه و ما تشهده من أوضاع مزرية ، فقد أصبح كل ذي ضمير حي

يتعذب إذ يأمل أن يرى كل القطاعات في بلده تتقدم نحو الأمام و هو الأمر الذي لا يتأتى إلا

بالعلم و التعليم على مستوى عال ، و الرفع من 

قدر العلماء و المفكرين و الباحثين و الفنانين

الموهوبين المتميزين و القطع مع التفاهة 

و التافهين ، و قطع الطريق على كل ما يهدم القيم 

الاسلامية السامية و المبادئ الإنسانية الراقية ، 

 و مادام هذا لم يتحقق ، و لا رغبة لهم في تحقيقه ، فقد بات من الأكيد أن يتعذب ذوو الضمائر الحية ، و بذلك فكل يوم يمر عليهم إلا 

و يموت جزء منهم ، حتى يأتي اليوم الذي 

 يغادرون فيه هذه الدنيا إلى دار البقاء ، و في قلوبهم حسرة على ما خلفوه وراءهم من أوضاع غير مريحة في بلدهم ، و رغم الفراغ الفكري الذي يتركوه هؤلاء  إلا أنهم في الحقيقة استراحوا من عناء ما كان يحز في أنفسهم و يؤرق مضاجعهم  من مثل هذه الاختلالات التي  تزيد من أوجاع الشعب و تثني البلد عن النمو .

و قد صدق الإمام الشافعي حين قال : 

      قد مات قوم و ما ماتت مكارمهم

                و عاش قوم و هم في الناس أموات 

على شفا حفرة

                 😥 على شفا حفرة  😥


          قبل أيام قليلة بإحدى المكتبات ، و أنا منهمك في قراءة كتاب " مقدمة ابن خلدون "

لمؤلفه العلامة عبد الرحمن بن خلدون أحد أقطاب علم الاجتماع ، و رغم أنني قرأته أيام شبابي ، إلا أنني وجدت في نفسي ميلا و رغبة في إعادة قراءته و استحضار ما غاب عن ذاكرتي من أفكاره .

و بينما أنا كذلك دخل المكتبة صدفة أحد أصدقائي المقربين ممن تحلو مجالستهم و يطيب

الحديث معهم ، رجل في مثل سني أو يصغرني قليلا ، كريم الخلق مهووس بالهم الثقافي ، دائم

القلق عما آلت إليه الثقافة و الإبداع الفكري الجاد

في أيامنا هذه .

تفاجأ لرؤيتي و هرول نحوي ، صافحني و عانقني كعادته و قد علت وجهه علامات البشر و الارتياح ، شاكرا في الوقت نفسه هذه الصدفة التي جمعتنا .

و بعد أن سألني عن أحوالي الصحية ، تصفح الكتاب الذي كنت بصدد قراءته ، ثم ابتسم ابتسامة عريضة و جذب إليه كرسيا و اتخذ مكانه في الجهة المقابلة أمامي و قال دون تردد متهكما :

 "  أتعلم يا صديقي أن هذا الكتاب ، و غيره من الكتب التي تزخر بها هذه المكتبة قد أصبحت من

الماضي و لم تعد لها فائدة عند أناس عصرنا ،

لهذا سأدلك على مؤلف في علم ( الانضباع ) صدر مؤخرا ، يتهافت على قراءته كل من يرغب في 

المال و الشهرة ، لكاتبه العلامة :

" عبد السفه بن فسدون التافهي " 

بعنوان :

 " مؤخرة ابن فسدون "

يتألف الكتاب من عدة فصول ، يتناول فيها الكاتب

الطرق الحديثة في التفاهة  التي تسير بالبلاد خطوات بل أميال إلى الوراء ، و التي تكسب روادها الملعونين  المال و الشهرة و المنزلة العالية في المجتمع ، فعوض أن يهتموا باستنارة عقولهم

و شحنها بالعلم النافع و الإبداع في مواهب فنية راقية ، سهل عليهم صاحب الكتاب الأمر ، 

و أطلعهم على أيسر الطرق التي لا تحتاج إلى تعب التعلم و البحث ، و ذلك بأن يصبوا اهتمامهم على المؤخرة لتكون ممتلئة و مكتنزة سيما إذا اقترنت بالرقص الماجن و الغناء الفاحش ، و بذلك تكون صاحبتها قد ضربت عصفورين بحجر واحد ، أولهما أنها حركت في المرضى الشعور بالسعادة 

و هم يرونها ترقص و تغني و تستعرض مفاتنها 

و ثانيهما و هي الأهم أنها تكسب من وراء فسوقها هذا المال و الشهرة ، فيتم النداء عليها لتحيي السهرات و تشارك في اللقاءات الفنية و لم لا البرامج التلفزية ، و هي محاطة بهالة من المعجبين و لها من الحظوة ما ليس لعالم .

و لبلوغ هذه المنزلة الراقية في نظر الكاتب لا يتطلب الأمر شهادات جامعية و لا دبلومات 

و لا مهارات حياتية ، بل يكفي في الرجل سفاهته

و تفاهته و أوشامه و أقراطه و تصفيفة شعره الغريبة و غناؤه المائع الساقط و عربدته لينال الحظوة و المال ، و يكفي في الأنثى جمالها و كبر مؤخرتها و رقصها و عريها و إيحاءاتها المشبوهة لتكون رائدة من رواد السفاهة و العهر ، و ذاك ما يبوئ الرجل و المرأة كليهما المنزلة العالية التي تشرف المجتمع و تساهم في ازدهاره و تقدمه نحو الهاوية .

و في فصل آخر ، أطلع قراءه على أقصر السبل 

للوصول إلى النجومية و كسب الأموال الطائلة ،

و ذلك بإهمال العلم و إراحة النفس من مشقة  طلبه ، مادام العلم في أيامنا هذه لا يصل بصاحبه إلى النجومية و لا يكسبه الغنى ، و أن يروض الشباب أقدامه منذ الصغر على مداعبة كرة القدم و إتقان المراوغات ليلتحق بأحد الفرق التي تغدق عليه من الأموال في موسم واحد ما لم يجمعه الأطباء و الأساتذة طيلة حياتهم المهنية .

كما أن هناك فصولا أخرى في التدرب على النصب

و الاحتيال و التزوير للحصول على الأموال بطرق سهلة غير شرعية لا تتطلب علوما و لا عناء السهر

في البحث و المدارسة .

كنت خلال حديثه أستمع إليه استماعا يمتزج فيه الاستغراب بالإعجاب ، أتأسف حينا و أتحسر حينا إذ أيقنت أن كلامه على صواب ، و سألت الله العون و الصبر لفئة من عباده المجدين الغيورين

على دينهم و بلدهم الذين ملئت صدورهم غيضا 

مما آلت إليه الأمور .

أظلمت الدنيا في عيناي ، و لم أعد أرى أمامي إلا أفقا معتما لا يبعث على الارتياح ،تأففت و تنهدت و أخرجت زفيرا حارا ، و دون أن أعلق بكلمة 

واحدة عدت لما كنت عليه أتابع قراءة الكتاب الذي بين يدي و لسان حالي يقول : 

ليتني عشت في عصر ( ابن خلدون ) أو أي عصر قبله أو بعده و أنني مت قبل أن أرى عصر

( ابن فسدون ) .


صادف البلاء محله

                    🦂  صادف البلاء محله  🦂


          مثل مأثور تتداوله الألسن ، عندما يرون في 

أحدهم دمامة الخلقة و خساسة المعاملة .

           كثيرا ما تسمع الناس في أحاديثهم  ، ينعتون النساء  بالكيد و الدهاء و إتقانهن لفن المراوغات و الخداع ، و يدعمون قولهم بما

يتداول من آيات قرآنية و أحاديث نبوية و أقوال

مأثورة من عامة الناس ، و قليل منهم من يقف

موقف اعتدال ، و لا يأخذ بالمطلق في الحكم ،

ففيهن الصالحات و فيهن الطالحات كما في الرجال

الصالح و الطالح ، غير أن كفة الطالح عند النساء 

ترجح كيفا و ليس كما ، أي و إن تساوى عدد 

الطالحات من النساء بعدد الطالحين من الرجال إلا

أن كيد و مكر و خداع النساء الطالحات يفوق خطورة كيد الرجال الطالحين ، و هو ما أثبتته التجارب الحياتية منذ خلق الله الزوجين الذكر 

و الأنثى .

لقد كرم الإسلام المرأة و رفع قدرها و مكنها من 

حقوقها ، و لعل وصية الرسول صلى الله عليه 

و سلم في حجة الوداع خير تعظيم و تبجيل لها 

إذ جعل حسن معاملتها و معاشرتها بعد الصلاة 

التي هي عماد الدين ، كما جاء في رواية الخطبة

" الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم " و في رواية أخرى " استوصوا بالنساء خيرا " .

و في الحديث من صحيح مسلم :

"  الدنيا متاع و خير متاع الدنيا المرأة الصالحة "

و غير هذه من الأحاديث التي تعلي شأن المرأة ، 

لأنها العمود الفقري للأسرة ، فصلاح الزوج 

و الأبناء رهين بصلاحها ، و فسادها يعني فساد

الأسرة و المجتمع ، و صلاحها يحافظ على تماسك

الأسرة و تربية الأبناء تربية حسنة حتى لو كان الزوج طالحا ، فكم من امرأة حافظت على كيان أسرتها  و كافحت من أجل تربية و تعليم أبناءها إلى أن صاروا رجالا صالحين رغم انحراف والدهم .

و بقدر ما كرم الإسلام المرأة الصالحة ، فقد حذر

من كيد و خداع  المرأة الطالحة الفاسقة ، 

قال تعالى في سورة يوسف على لسان العزيز لزوجته زوليخة لما تبين له افتراؤها على يوسف :

" إن كيدكن عظيم " .

و في الحديث الشريف :

" اتقوا الدنيا و اتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء .( رواه مسلم ) .

أو كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

" في النساء ثلاث خصال من خصال اليهود : يحلفن وهن الكاذبات ، ويتظلمن وهن الظالمات ، ويتمنعن وهن الراغبات . فاستعيذوا بالله من شرارهن، وكونوا من خيارهن على حذر “ .

و ما دام فساد المرأة خطير جدا يترتب عليه فساد الأسرة و ينعكس سلبا على المجتمع ، فقد تواترت

فيه أقوال الناس منذ القدم .

فهذا أبو حامد الغزالي يقول :

" والصبرُ على لسانِ النساءِ ممّا يُمتَحَنُ بهِ الأولياء"

أما عالمة الاجتماع ( مدام دي ستايل ) فتقول :

"  تحتاج المرأة إلى عشرين عاما لتجعل من ابنها رجلا صالحا ، بينما لا يتطلب الأمر عشرين دقيقة

بالنسبة لامرأة أخرى لتجعل منه رجلا أحمق " .

يقول جلال الخوالدة :

"   أذكى الرجال على اﻹطلاق.. هو الذي لا يجادل النساء " .

أما شوبنهاور فيقول :

"  لقد سلحت الطبيعة المرأة بالمكر والكذب والخداع، لأنها حرمتها من النبوغ والعبقرية "

و لحصر الأقوال الواردة في كيد المرأة الطالحة

نختم بالمثل الصيني الذي يقول :

"  أقوى قوة مائية في العالم هي دموع النساء “

إذن نستخلص مما سبق ذكره أن لصلاح المرأة 

تأثير كبير يفوق في فائدته صلاح الرجل ، كما

أن لفساد المرأة خطورة كبيرة لها انعكاسات 

جد سلبية على الأفراد و المجتمع أخطر بكثير من

فساد الرجل .

كنت شخصيا أظن أن المرأة تتميز على الرجل في أوصاف كثيرة كالحنان و الرقة و الحياء ، بينما الرجل يتميز بالجبروت و الغلظة و التسلط ، حتى أتى اليوم الذي جمعتني فيه ظروف العمل بامرأة ، ليست كالزميلات اللواتي عرفتهم في حياتي ، فهذه تختلف عليهن جميعا ، فقد جمعت بين قبح مظهرها و خبث باطنها ، إذا نظرت إليها للوهلة الأولى تتقزز نفسك و تسري في جسدك رعشة يمتزج فيها الخوف بالتعجب ، لأن نظراتها تشبه كثيرا نظرات أفعى الكوبرا ، تشعر بشرر من الخبث ينبعث من عينيها الزائغتين مما يوحي إليك بعدم الارتياح لتصرفاتها فتسرع طبعا بالابتعاد و التنحي عنها درءا لسمومها .

لم تمض إلا مدة قصيرة حتى بدأت سمومها تسري

في أوصال العاملين معها ، في كل مرة يشعر أحدهم بلدغة من مكرها ، تكبر و استعلاء من غير

كفاءة و لا قدوة و لا إخلاص في العمل و لا حسن تواصل ، تنقل الأخبار الكاذبة بين الزملاء لتوقع

بينهم العداوة و البغضاء ، تتلون كالحرباء من شدة

نفاقها ، فإذا لمست مصلحة عند أحدهم ، تراها

تتودد و تستعطف في استكانة ، حتى إذا ظفرت 

بما تريد ، أعرضت عنه و عاملته بازدراء ، 

أصبح الجميع يعي ألاعيبها و خبثها و كيف لا 

و قد لدغ أغلبهم ، مما جعلهم يتخذون الحذر منها بل وصل الأمر ببعضهم أن صاروا لا يكلمونها ، حتى أضحت مهمشة و منبوذة .

يتعجب المرء أحيانا كيف لمثل هؤلاء أن يشتغلوا

في قطاع حساس ، يتطلب من مزاوله أن يكون

على قدر كبير من الكفاءة و الأخلاق الفاضلة 

و حسن السلوك مع الجميع ليكون قدوة للنشء ،

و لكن للأسف لا شيء من هذا ينطبق على هذه

السفيهة التافهة ، وعن أمثالها يسري المثل الشعبي المغربي :

  " لا زين لا مجيء بكري "

و قد صدق الشاعر صالح بن عبد القدوس حين

قال : 

       يلقاك يحلف انه بك واثق

                  واذا توارى عنك فهو العقرب

      يعطيك من طرف اللسان حلاوة

                 ويروغ منك كما يروغ الثعلب


فالله جلت قدرته نسأل أن يجنبنا شياطين الجن 

و الإنس ، و أن يهدي كل ضال إلى الطريق 

المستقيم ، إنه والي ذلك و القادر عليه . 







أصل الداء

                        💉   أصل الداء  💉


          أمسيت مؤخرا أعاني من الأرق إذ لا أنام إلا بعد منتصف الليل بساعتين أو أكثر .

و السبب في ذلك أنني كنت و منذ زمن غير يسير مدمن على السهر طويلا ، أقرأ أحيانا و أكتب أحيانا أخرى ، و لعل أفضل وقت عندي لمثل تلك الأعمال هو الهجيع الأول من الليل حيث أشعر بالراحة و الهدوء  ، ففي ذلك الصمت المطبق  مبعث الإهام ، فيه تتفتح قريحة الإبداع ، و قد أنتج عملا أدبيا رائعا -- أقول رائعا في نظري -- ، إذ لا أستطيع أن أنتج مثله روعة في أوقات غير هذه .

و هكذا عودت نفسي على السهر حتى جفاني النوم ، و أخذ مني الأرق مأخذه و صار عادة مألوفة بعمل أو بغير عمل .  

و مع تقدم العمر بدأت بوادر الوهن تسري في بدني ، و لم أعد بذلك الحماس الذي كنت عليه من ذي قبل ، مما اضطرني لكسر عادة السهر و محاولة

النوم باكرا ، و تعويد نفسي على القراءة و الكتابة في أوقات أخرى من النهار ، و لكن للأسف الشديد 

بقي الحال على ما هو عليه .

أشار علي أحد الأصدقاء أن أعتمد على السمع عوض أن أقرا أو أكتب ، فالإستماع إلى ما تيسر من القرآن الكريم أو إلى محاضرات أو حكايات 

أو أشعار سيما في الظلام يعجل بنوم المستمع .

عملت باقتراحه و طفقت في كل ليلة أستمع تارة إلى المقرئ عبد الباسط رحمه الله و تارة أخرى إلى محاضرة  أو إلى حكاية أو إلى قصائد شعرية من الفصيح و الملحون ، فلاحظت أن لا شيء تغير خصوصا عند الاستماع للقرآن و العروض 

و الأشعار ، لأنني أنصت إليها جيدا بكل تمعن 

و روية ، و أتدبر معانيها ، و أهيم في مراميها ، فعادت حليمة إلى عادتها القديمة .

 لكنني و مع مرور الأيام لاحظت شيئا غريبا ،

 ذلك أنه كلما استمعت إلى حكاية من الحكايات إلا و غالبني النعاس حتى قبل أن تكتمل أحداثها ، قلت في نفسي الحمد لله قد وجدت الحل الذي يبعد عني الأرق ، و هكذا مؤخرا أصبحت أستمع إلى الحكايات خصوصا منها  طرائف العرب 

و نوادرهم أو حكايات التحقيق في الجرائم المعقدة التي باتت تستهويني أحداثها و طرق حلها ، و كثيرا ما يغالبني النوم دون إتمام وقائع الحكاية  .

      أتساءل أحيانا عما استفدته من هذه الحكايات التي تروي قصصا غريبة خطيرة عن المجرمين

الذين وقعوا في قبضة العدالة بعد أن اقترفوا

جرائم بشعة تشيب لسماعها الولدان ، ظنا منهم 

أنهم سيفلتون من العقاب لأنهم أخذوا بأسباب

الحيطة و الحذر حتى لا تنكشف جرائمهم ، 

و لكن جزئيات بسيطة جدا قد لا ينتبه إليها المجرمون تقود التحقيق إلى التعرف على الجناة ،

بفضل محققين أذكياء بارعين صقلت مواهبهم التجربة و حنكت مهاراتهم الوقائع .

من خلال مجموعة من الحكايات التي استمعت إليها ، رأيت أن أغلبها و بنسبة عالية سببها الطمع .

الطمع نقيض القناعة و هو عدم الرضى بما يملكه

الإنسان و طموحه في الحصول على أكثر من ذلك

فإذا لم يتأت له بالطرق المشروعة ، سلك طرقا

غير مشروعة كالإتجار في الممنوعات أو السرقة  

و النصب و الاحتيال و التزوير ، و هذه كلها تقوده يوما إلى ارتكاب جريمة بشعة تصل أحيانا كثيرة 

إلى القتل .

 فلولا الطمع ما تاجر المجرم في الممنوعات ،

و لولا الطمع ما مد السارق يده لمتاع الغير ،

و لولا الطمع ما نصب المجرم على الناس ،

و لولا الطمع ما زور المجرم الوثائق ،

و لولا الطمع ما انتحل نصاب صفة شخص آخر ،

و لولا الطمع في الإرث ما قتل الإنسان قريبه ، 

و لولا الطمع ما ارتشى الراشي المرتشي ،

و لولا الطمع ما اشترى الإنسان المسروق ،

و لولا الطمع ما كان الاختطاف و طلب الفدية .

و لولا الطمع ما سلك الجاهل طرق الشعوذة .

و لولا الطمع في جمال زائف ما خان الزوج زوجته،  

و لولا الطمع في مال زائل ماخانت الزوجة زوجها .

و لولا الطمع ما زوج الأب صغيرته لشيخ كبير .

كل هؤلاء غشى الطمع أبصارهم و بصائرهم ، و زاد من نهمهم في مواصلة أعمالهم الدنيئة لجمع الأموال ، فلا يستحضرون العواقب إلا بعد أن تقع الجرائم و يتم القبض عليهم ، فيزج بهم في غياهب السجون لمدة طويلة ، فتضيع كل آمانيهم و يبتلون في أبدانهم ، و يتركون خلفهم أسرا مكلومة ، حينها يعضون الأنامل من الندم و لكن أنى يجدي الندم و التحسر ، و ما ذنب أسرة الجاني الذي جنى على نفسه و عليها ،  فأصبحت الأسرة بين عشية و ضحاها دون حام لها و لا معيل ، مما يزيد من أوجاعها و تفككها الذي قد يترتب عليه الضياع و الانحراف و ظهور جرائم من نوع آخر .

إذن الأصل في أغلب الجرائم هو الطمع ، في حين

لو سلك الإنسان سبل الحلال في طلب الرزق ، 

و قنع بما يملكه و لو على بساطته لعاش سعيدا

مرتاح البال . فليست السعادة في كثرة المال سيما إذا كان مصدره من حرام ، و لكن السعادة الحقيقية في تقوى الله أولا و في القناعة طبعا ، 

و في الأخلاق الفاضلة و العلم النافع و ما دون هذه الدعامات فهي مظاهر زائلة و زائفة ،

و المغرور هو من يتهافت على الزائف و يترك الأصل .

هذا ما استنبطته من كل تلك الحكايات و إن كنت

أعرف ذلك من قبل ، و لكنني ازددت يقينا على يقيني و تأكدت أن أبشع الرذائل هو الطمع ، و هو الأصل في أغلب الجرائم . 

إذن بعد هذا كله تبقى الإستفادة القصوى من كل هذا هو أنني استطعت أن أكسر عادة السهر طويلا إذ وجدت في الاستماع إلى هذه الحكايات منوما طبيعيا و هو المكسب الذي طالما تمنيته ، و كأني بذاكرتي تسترجع أيام الصبا حيث كانت جدتي رحمها الله تحكي أحاجي أسطورية ، فيها من الخرافات الكثير و لكنها كانت مرغوبة يحلو على وقائعها النوم .

فما أشبه الأمس باليوم ! بالأمس كانت الحكايات أحاجي خيالية ترويها الجدات للصبيان عند المنام فتعجبهم ، و اليوم حكاياته إجرامية خطيرة من صلب الواقع تخيف الصغار ولكن تحمل من العبر

و الدروس ما يكفي للكبار .


                  ✏  بقلم  زايد وهنا   ✏

أنا و يوسف

                   ⚘  أنا و يوسف ⚘


       نادل بشوش ، دائم الابتسامة ، حلو الحديث ، 

 يكاد لسانه لا يفتر عن مجاملة زبنائه و ملاطفتهم،

و هو ما جعله محبوبا لدى الجميع .

رغم أنني لم أتعرف على يوسف إلا مؤخرا ، غير

أنني ارتاح إليه كثيرا و أجد متعة في مجالسته ،

شاب متواضع صبور ، لا يحمل في نفسه غلا اتجاه

أحد من الناس ، قد يضحي بأي شيء في سبيل

إرضاء الآخر ، و يعمل ما في وسعه لإدخال البهجة

في نفوس رواد المقهى .

كان إذا تعذر علي الحضور يهاتفني مستفسرا عن

سبب الغياب لا لشيء و إنما ليطمئن على أحوالي

الصحية و العائلية .

 باختصار أضحت ثقته بي كبيرة ، حتى أنه يطلعني على أموره الشخصية ملتمسا النصيحة ،

و هو الأمر الذي لم ألمسه في غيره من أهالي هذه

المدينة التي التحقت بها منذ ما يقرب من ست سنوات .

أحيانا أقول في نفسي عجبا فمجالسة هذا الشاب

الظريف على بساطة عمله أفضل بكثير من مجالسة بعض أشباه المثقفين الذين لا يؤنسون

في أحاديثهم و لا يستأنسون لأفيد الأحاديث .


  ✏  بقلم صادق من  زايد وهنا ✏

آفة عصرنا

 💣   آفة عصرنا   💣

   

         لقد كثر الكلام في أيامنا هذه عن بعض الكوارث التي تهدد العالم مستقبلا و التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق ، كالتغيرات المناخية التي تنذر بارتفاع الحرارة و ذوبان الجليد مما يجعل المدن الساحلية في خطر منتظر ، إضافة إلى الحرائق التي تقضي على مساحات شاسعة من رئة الأرض مما يسبب تلوثا بيئيا ينعكس على صحة الإنسان ، هذا ناهيك عن ندرة الماء الصالح للشرب بسبب الجفاف و الذي يظهر أثره جليا في كثير من بلدان العالم التي باتت تشكو نقصا مهولا في هذه النعمة التي لا غنى للناس عنها ، كما أن موارد الغذاء تتناقص سنة بعد أخرى ، كل هذا و غيره من الظواهر الطبيعية إذا أضفنا إليها أسلحة الدمار الشامل و القنابل الذرية و النووية و غيرها مما لا نعلمه ، فقد أصبح مصير العالم يتأرجح بين كفي عفريت مما ينذر بكارثة - لا قدر الله - لا مفر لأحد منها ، لذلك نسمع بين الحين و الآخر أصواتا من هنا و من هناك  تدق ناقوس الخطر و تحذر العالم عساه ينقذ نفسه من هلاك قادم .

و لكن رغم ما أثرناه من مخاوف يبقى الأمر كله بيد الخالق يدبره كيف يشاء بحكمته ، و هذا لا يمنع الأخذ بالأسباب 

و العمل على إيجاد الحلول البديلة لتفادي ما يتوقعه العلماء عن مصير الأرض . 

إلا أن هناك آفة أعتبرها شخصيا أخطر مما سبقت الإشارة إليه و رغم خطورتها فغالبية الناس لا توليها اهتماما و لا تشعر بمدى تأثيرها على البشرية ، و هي الظاهرة التي أرقت مضجعي  و دفعتني لأتناولها في أسطر قليلة رغم أنها تحتاج

إلى صفحات  لتحليل جوانبها الخطيرة و تبيان مدى استفحالها و رصد عواقبها الوخيمة .

           إذا كانت كل أقطار العالم تعلق أملها على شبابها باعتباره الدعامة الأساسية التي تحمل المشعل مستقبلا 

و تقود أممها نحو الرفاهية و الإزدهار ، خصوصا منها الدول النامية ، التي ما زالت ترزح تحت وطأة الجهل و الفقر ، فإنها من حيث تدري أو لا تدري تسير نحو خيبة أملها  ، بانتهاجها سياسة إقرار التفاهة و تشجيع التافهين ،في مقابل إهمال 

و تحقير الأعمال الجادة ، و تهميش أصحابها .

فعندما يعتقد الشباب اعتقادا راسخا أن احتراف لعب كرة القدم أو الغناء الماجن أفضل من طلب العلم ، فتلك هي الطامة الكبرى ، و كيف لا يعتقد ذلك و هو يرى أن هؤلاء التافهين ينعمون في بحبوحة العيش ، و لهم المنزلة الرفيعة 

و الشأن الكبير بين الناس ، و يملكون ما لا يملكه العلماء 

و المثقفون و الباحثون و المخترعون من أموال طائلة 

و عقارات بل و قصور  ، فاعلم علم اليقين أن العالم على مشارف الهاوية .

و مما يؤكد هذا التصور للتافهين و من يسير على خطاهم من الشباب  و يكاد يجعله حقيقة هو أن مسؤولي بلدانهم 

و إعلامهم انساقوا وراء هذه التفاهات و أولوها الأهمية 

و فتحوا لها الباب على مصراعيه ، يدخل أحضانها كل من هب و دب ، دون قيد أو شرط ، يقدمهم الإعلام و كأنهم القدوة الصالحة التي ينبغي أن تحتدى ، رغم أن ليس من وراء تفاهاتهم فوائد تذكر إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي ، بل بالعكس يسيئون إلى هذه القطاعات و يعرقلون مسار عجلة التنمية 

و يبطئونها .

و لعل هذه الهالة التي أحيط بها هؤلاء التافهون و النعم التي يرفهون فيها هي أحد الأسباب الكبرى التي جعلت الشباب ينظرون إليهم بعين الإعجاب و التقدير و يظنونهم من علية القوم و أخيارهم ، فيحاولون تقليدهم بشتى الوسائل ، 

و يرون في طلب العلم مضيعة للوقت ، و أنهم مهما بلغوا في طلب العلم ، لن ينالوا المال و الحظوة التي يرغد فيها أولئك الجهلة التافهون ، لهذا تجدهم  يولون الأدبار للعلم و لا يبذلون جهدا في تحصيله ، بل يسعون جاهدين في اكتساب مهارات التفاهة في الغناء و اللعب و أحيانا في النصب 

و الاحتيال و التعاطي للمخدرات ، و تقليد التافهين في لباسهم و قصة شعرهم ، يضعون الأقراط و الأوشام  ، 

و يوهمون أنفسهم أن هذه المظاهر هي دليل التطور 

و الانفتاح ، بل منهم من يغامر بحياته في الإبحار نحو أوروبا

بحثا عن حياة أفضل و أسهل .

و مما يثير العجب و الاستغراب هو كيف يقارن عاقل بين إنسان عالم يعمل في مختبر لاكتشاف دواء ينقذ الناس ، أو طبيب جراح يسعى جاهدا لبعث حياة جديدة في أبدان مرضاه ، أو عالم يخترع ما يفيد الناس في حياتهم

و ييسر لهم الصعاب التي تعترضهم ، أو أستاذ يصل الليل بالنهار في سبيل التربية و محو الجهل ، البون شاسع بين هؤلاء الذين يقدمون للناس ما ينفعهم و يرفع شأن البلد 

و بين أولئك الذين يفسدون العقول بسفاهتهم و خلاعتهم .

و الأكثر استغرابا أن سهرة واحدة يقدم فيها أحد التافهين أو إحدى التافهات أغاني ساقطة في كلماتها مبتذلة في ألحانها صاخبة في أدائها فتعود عليه في ليلة واحدة بأموال طائلة لن يتقاضى مثلها طبيب أو أستاذ و لو جمع رواتب حياته المهنية كلها ، و لو صادف أن مر أمامهم أحد المغنيين التافهين أو أحد اللاعبين لرأيت الإعجاب في أعينهم 

و رأيتهم يستقبلونه استقبالا حافلا ، كأنه بطل حرر القدس ، في حين قد يمر أمامهم عالم من العلماء المخترعين الذي قدم للناس ما ينفعهم أو طبيبا جراحا ينقذ أرواح الناس أو أستاذا أنار عقول أجيال و أجيال  و لا أحد يهتم لأمرهم ، 

فمن أحق بالإعجاب و التبجيل و التقدير أذاك الذي يفسد الأذواق و يميع الفن أم هذا الذي ينفع الناس بعلمه و عمله ؟ .

قد يظن القارئ أنني أتحامل على اللاعبين و المغنين و أنني لا أتذوق الفن عامة ، اعلم عزيزي القارئ أنني عاشق شغوف للفن الهادف الراقي ، أشاهد مباريات كرة القدم و أستمع للأغاني الجميلة و أعجب بلوحات الرسامين المتميزين و لكن في الوقت نفسه أكره كرها شديدا الأعمال  الساقطة المنحطة التي تفتقر إلى الإبداع و الموهبة ، و لهذا أريد ألا يضيع حق كل عالم و عامل مجد في عمله ، و أن يكافأ ماديا و يبجل معنويا .

لو سألت أغلب شبابنا اليوم عن أحد المغنين التافهين لحدثك عنه حديث المتمكنين و لأغرقك بمعلومات كثيرة عنه ، فإذا سألته عن  مشاهير الكتاب و العلماء و الشعراء و الباحثين المرموقين و عن كل ذي علم نافع ، ما استرحت منه إلى جواب ، بل  لو اختبرته فيما يتلقاه من دروس بمؤسسته لملئت من أجوبته رعبا و لوليت من شدة غبائه فرارا ، فكيف لمثله مستقبلا أن يربي الأجيال و يعلمها  ، و كيف لمثله أن يعالج المرضى و يدخل الفرحة في نفوسهم ، و كيف لمثله أن يدير مصنعا أو معملا ، و كيف لمثله أن يسير قطاعا من القطاعات الحساسة في المجتمع ... و الأمثلة كثيرة ، 

إذن ما مصير مجتمعنا في القادم من الأيام إذا كنا لا نعول على شبابنا في تدبير أمور البلد و تسيير قطاعاته المختلفة التي هي أساس نموه و تقدمه .

             إلى هنا  ثمة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح و هي

ما مآل هذا العالم الذي ملأ عقول شبابه بالتفاهة ؟

و هل شبابنا مؤهل لقيادة السفينة نحو بر الأمان خصوصا 

و العالم في أمس الحاجة لمن ينقذه من الكوارث المنتظرة التي أشرنا إليها سابقا ؟

و كيف تخرج الدول النامية من تخلفها و جهلها إذا كان شبابها فارغ إلا من التوافه ؟ 

أليس من العار و السذاجة أن نبجل التافهين و نشجعهم  لمجرد نشرهم للتفاهة و الفسوق و في المقابل لا ننصف العلماء و المفكرين و نهمشهم ماديا و معنويا و هم صفوة المجتمع الذين يعملون في الخفاء ليل نهار من أجل تقدم المجتمع و إسعاد أفراده .

ختاما إن أخوف ما أخاف عليه في مجتمعاتنا مستقبلا -- أكثر من الكوارث الطبيعية التي باتت تهدده --  هو تيار  التفاهة الذي انساق وراءه السواد الأعظم من شبابنا مما ينذر باضمحلال الحضارة الإنسانية و تخلفها ، و هذا ما لا يتمناه

عاقل ، فهبوا جميعا و شمروا عن سواعد الجد ،  لإحياء القيم الإنسانية النبيلة و إعادة الاعتبار للعلم و العلماء و حاربوا كل ما من شأنه أن يخرب عقول الشباب عسى الأجيال الآتية تظفر بعيش آمن كريم و تذكركم بكل خير .

             

                ✏   بقلم الغيور  زايد وهنا  ✏

أثر العلم في المجتمع

 أثر العلم في المجتمع


         ما قيمة الشهادات العلمية العليا إذا لم يضف أصحابها غنى جديدا للعلم و الفكر و الثقافة ، و ما الفائدة منها إن لم تسخر في مواكبة مستجدات العصر بما يسعد الناس من اكتشافات و اختراعات و إبداعات كل في مجال تخصصه .

 فقد باتت ظاهرة الحصول على الشهادات و الدبلومات العليا في أيامنا هذه بالأمر السهل الذي لا يتطلب من الكفاءة العلمية و الإلمام  ما كان عليه الأمر في سالف الأيام حيث لا ينالها قديما إلا قلة قليلة تكاد لا تتجاوز واحدا في عشرة آلاف ،إذ كان الحصول عليها يتطلب الإلمام الكبير الشامل 

و البحث المضني الجاد ، و إضافة الجديد ، و لا يحصل عليها يومها إلا من يستحقها إذ يعد موسوعة علمية يصنف ضمن قائمة علماء عصره ، فلا يكتفي بذلك بل يسخر علمه في الكتابة و التأليف و مناظرة العلماء ، و إثراء المكتبات بمؤلفاته النافعة .

و لكن ما نلحظه اليوم تختلف مقاييسه و معاييره عما كان بالأمس ،  فحملة الشهادات العليا اليوم لا نرى لهم على أرض الواقع أثرا يذكر ، بل ما زالوا يجترون ما خلفه لنا القدامى الذين أثروا المكتبات بمؤلفاتهم القيمة في شتى المجالات الفكرية ، فالأقدمون أجادوا و أبدعوا و أفادوا من غير شهادات جامعية عليا .

ما نراه اليوم من إصدارات ينحصر في بعض الدواوين الشعرية و بعض الروايات و القصص و هذه هي الأخرى أغلبها لا يرقى إلى مستوى أعمال القدامى معنى و مبنى .

       إذن ما فائدة شهادة الدكتورة في العلوم كالرياضيات 

و الفيزياء و الكيمياء من غير نظريات جديدة أو اختراعات مفيدة .

و ما فائدة شهادة الدكتورة في الطب إذا لم تضف جديدا لهذا القطاع .

و ما فائدة شهادة الدكتورة في الآداب إذا لم تبهر القراء 

و تفيدهم و تمتعهم بأعمال راقية شكلا و مضمونا .

       لعل ما وصل إليه المستوى التعليمي في وقتنا الحالي من تدن و انحطاط هو ما أفقد الشهادات قيمتها و جعل أصحابها دون الكفاءة المطلوبة ،إذ أصبح الانتقال عبر الأسلاك التعليمية سهلا لا يتطلب الكثير من الجهد ، و نسبة التكرار قليلة جدا ، مما جعل الطلبة يغترون و يظنون أنفسهم قد حققوا المبتغى متناسين أنهم لا يحملون من الزاد العلمي

و المعرفي إلا القليل ، فأصبح كل من تقدم للحصول على شهادة ينالها بكل يسر و بساطة ، حتى إذا حصل عليها اعتقد في قرارة نفسه أنه بلغ مبلغ العلماء ، يبحث عن عمل ينغمس فيه و لا يحمل نفسه عبء البحث و الاستزادة من العلم ، 

و كيف يفعل و هو لا يملك المؤهلات العلمية التي تمكنه من البحث و إضافة الجديد .

     إذن تبقى منظومة التعليم هي المسؤولة عن كل هذا الجمود ، إذ أصبحت في العقدين الأخيرين بالخصوص تخرج أشباه المثقفين الذين رغم شهاداتهم العليا لا يظهر لهم أثر في حياتنا اليومية .

من الغريب أن أحد الأصدقاء سألني عن الموضوع الذي أنا بصدد كتابته، أطلعته على مغزاه ، فأثار ملاحظة في غاية الأهمية ، إذ قال لي في استغراب أن بعض القراء و خصوصا منهم حملة الشهادات العليا قد يظنون أنك متحامل عليهم لأنك غير حاصل مثلهم على شهادة عليا تؤهلك لانتقادهم ، 

و شعورك بذلك النقص هو ما يحرك فيك دوافع التهجم عليهم .

كنت أنتظر مثل هذا التعقيب و سأنتظره عندما يتم نشر هذا المقال ، و أقول بكل تواضع أنني و إن كنت غير حاصل على مثل شهاداتهم فأنا أريد أن أستفيد منهم هم أصحاب الشهادات ، أغترف من علومهم و آدابهم و أكون قارئا شغوفا 

لمؤلفاتهم مفتخرا بإنتاجاتهم ، فأنا لست ممن يتحامل على الناس أبدا ، و لا أشعر بأي نقص أبدا ، لأنني أثق في نفسي 

و مؤهلاتي ، و أنا الذي أقول دائما :

" قيمة الإنسان فيما قدم و أنجز ، و ليس بالشهادات التي نال و أحرز "

 و لكن يحز في نفسي أن أصادف مثقفا ممن يحملون شهادة عليا في الأدب العربي ( ماستر أو دكتورة ) مثلا فألاحظ أنا على قلة زادي أن صاحبنا يفتقر لكثير من المؤهلات في باب تخصصه إن على مستوى سلاسة اللغة نطقا و كتابة سواء في  الشعر او النثر أو النقد أو غيرها من فنون الأدب ، مما يجعلك تستغرب الأمر و قد كنت تظن أنك أمام موسوعة في الأدب يفيد أكثر مما يستفيد و كيف لا و هو صاحب أعلى شهادة ،

و الحقيقة أنك لو قارنته بطالب من جيل القدامى حاصل على شهادة الباكلوريا في الأدب و ناقشته لوجدته أكثر منه إلماما و اطلاعا ، تستفيد من معارفه و تستمتع بمجالسته .

طبعا هناك قلة قليلة من حملة الشهادات العليا المشهود لهم بالكفاءة و الإبداع في مجال تخصصاتهم ، و لكنهم للأسف قليلون ، و أبواب البحث العلمي موصدة في وجوههم ، لأن مجتمعنا آثر التفاهة و شجع التافهين و أهمل المفكرين الباحثين ، مما دفع بعضهم للهجرة نحو البلدان التي تقدر 

و تحترم العلم و العلماء .

       أعود و أقول أن المسؤولية تتحملها المنظومة التعليمية ببلادنا ، لهذا يجب إعادة النظر في هذه الاستحقاقات حتى تكون للشهادات قيمتها العلمية و يكون أصحابها على مسكة عظيمة من المعارف يظهر أثرها جليا على المجتمع ، و هذا 

لن يتأتى إلا بفتح سبل البحث العلمي و تيسير الطريق أمام المفكرين و المبدعين و تشجيعهم على مواصلة البحث 

و تسخير كل الوسائل المساعدة على ذلك ، و الأكثر من كل هذا و ذاك القطع مع التفاهة و سد الأبواب أمام التافهين ،

فالمجتمع في حاجة إلى غرس القيم الإنسانية النبيلة ، لتسود الفضيلة و تندثر الرذيلة ، هو في حاجة إلى العقول الراقية 

و السواعد الجادة التي ترفع من شأنه بين الأمم ، و هذا طبعا لن يتأتى إلا بإعادة النظر في المنظومة التعليمية .


 

                 ✏   بقلم الأستاذ زايد وهنا   ✏

مخلوق غريب

 مخلوق غريب


لكل إنسان في هذه الحياة مزايا و عيوب ، محاسن و مساوئ بدرجات و نسب متفاوتة ، لكن أن تجتمع كل صنوف الرذائل و كل ضروب النقائص في شخص واحد ، فهذا أمر غريب يكاد يكون مستحيلا ، بحيث يصعب تصديقه ، لأن الإنسان مهما بلغت به خساسة النفس و خبث التصرف ، لا بد أن يكون فيه و لو مقدار حبة خرذل من خير ، 

و لكن الشخص الذي سأحدثكم عنه حالة شاذة ، علما بأنني لا أحمل في نفسي اتجاهه أي حقد أو كره ، بل بالعكس أود لو حسن سلوكه و استقامت سيرته ، لكان خيرا له و لغيره ، و إني و إن كنت صراحة أتفادى الحديث معه و الاقتراب منه ، فليس لضغينة في نفسي و إنما احتراسا من مكره و سفاهته و اتقاءا لشره .

إذن لا مبالغة إذا قلت أنه يفتقر لأدنى قدر من المحمودات ، بل ينعدم فيه حتى ذلك القدر القليل من الإنسانية الذي يوجد في غيره من خبثاء القوم ، ذلك أن المجرمين يعرفون بسيماهم 

و جرائمهم و يتجنبهم الناس ، أما هذا الخبيث فيضمر المكر و الغدر و الخداع و لا يبديها إلا لمن يعاديه أو يقف في طريقه ، فهو كالأفعى لين الملمس و لكن في أنيابه السم القاتل ، فلا ينتابك

شك في أن كل صنوف الخبائث ملأت نفسه 

و لم تترك فيها مكانا لفضيلة تذكر ، و بذلك فهو حالة شاذة لا أظن أن تاريخ البشرية عرف مثيلا لها ، و الأدهى أنه يعلم ذلك في نفسه و يفتخر به ، إذ يعده ضربا من الدهاء و الشجاعة .

فقد مضى من عمري ستون سنة و لم أر في هذا العمر كله من تجرد من كل القيم الإنسانية ،

و تلفع بأنواع المفاسد مثل هذا الفاجر  ، و لا غرو إذا قلت أن الشيطان نفسه يستحيي أحيانا أن يقوم بمثل تلك الأمور التي يقوم بها هذا المخلوق الماكر ، و كيف للشيطان أن يأتيها و قد أوكلها لمن هو أفجر منه ، حتى قيل أن الشيطان غادر تلك المنطقة إذ أيقن أن أحد أعوانه الذي يفوقه خبثا قد تولى المهمة بدلا منه .

ربما تبادر إلى ذهن القارئ أن تاريخ البشرية عرف

شخصيات بصمت حياتها بالظلم و الكبر و المكر 

و الغدر و القتل و غيرها من أنواع الرذائل ، بعضهم

ورد ذكرهم في القرآن الكريم و بعضهم سجل لهم

التاريخ خبثهم حتى صاروا مضرب المثل في كل

عصر و مصر ، و لكن ما لا يعلمه القارئ أن في عصرنا هذا مخلوق في صفة بشر جمع فيه ما تفرق من مساوئ الأولين و الآخرين ، و لم يترك رذيلة إلا و اتصف بها ، مما جعله يتربع على عرش الفجرة الفاسدين المفسدين بل وصل به الكبر 

والاستعلاء حد الإدمان بحيث لا يهنأ له بال إلا إذا اختلق المشاكل و أشعل نار الفتن .

فالكبائر التي نهى عنها ديننا الحنيف يأتيها صاحبنا و لا يخشى في ذلك لومة لائم أما الإستحياء من الله فهذا أمر لا يعنيه في شيء ، و كيف يخاف 

الله و قد بايع إبليس و أصبح من أتباعه النافذين ،

فالجشع و الطمع أعمى بصيرته ، يسعى للاغتناء

بأي وسيلة ، لا يهمه في تحقيق ذلك ظلم العباد ،

فالاعتداء على حقوقهم يحسبه صاحبنا شطارة 

و دهاءا ، الأهم في نظره أن تكون له الهيمنة في الثراء ، و أن تكون له الكلمة النافذة و اليد الطولى بحيث يجعل من البسطاء و الفقراء تبعا له يهابونه 

و ينقادون لأوامره .

و قد توالت جرائمه و اعتداءاته التي لا حصر لها ،

كانت نهاية السبعينات من القرن الماضي بداية 

أول فضيحة كبرى اهتز لها سكان القرية التي

أذاقت أغلبهم أنواع العذاب و التنكيل ظلما 

و عدوانا ، و سرعان ما تبين أنه هو من دبر الأمر 

و اختلق المشكل لا لشيء و إنما لينتقم ممن يعدهم أعداءا ، حينها اعتقد الناس  أنه قد وقع في فخ العدالة لتقتص منه ، و لكن بوسائله الملتوية خرج من المأزق كالشعرة من العجين ، 

و رغم ذلك لم يتعظ و لم يتراجع بل كانت تلك الحادثة بداية مشجعة لتتوالى بعدها مصائب 

و جرائم أخرى تتفاوت خطورة ، يدبرها صاحبنا 

و يخرج منها سالما حتى أضحى و قد اكتسب المناعة ضد القصاص و الردع لأنه و بكل وقاحة

عرف طرق الوقاية و العلاج ، و هي تلك الأساليب

الملتوية التي أتقن مراوغتها و أصبح في نظره بارعا فيها .

ربما قد يستغرب القارئ هذا القول ، أليس القانون وضع لردع المعتدين من أمثاله ؟ ، إذن لماذا لا تأخذ العدالة مجراها لتوقفه عند حده ؟ .

و لكن ما لا يعلمه القارئ أن هذا الفيروس مرغ كرامته في الوحل و عفر كبرياءه بالتراب ، فلكي ينجو بفعلته قد يستعمل كل الوسائل التي لا تخطر على البال و التي لا يمكن أن يستعملها الإنسان الأبي ذو كبرياء و أنفة مهما بلغت درجة المأزق ، 

و لكن هذا الذليل الحقير ليس لديه أدنى حرج في أن يقبل أقدام أسياده إذا كان التقبيل و التوسل 

و الاستعطاف يفك المشكل ، أو قد يلجأ لدفع 

مبالغ مالية في الحالات التي يكون فيها دفع المال مخرجا من الورطة ، أو أي وسيلة يراها تنقذ الموقف و لو على حساب ماء وجهه و عرضه ، فإذا استنفذت كل الوسائل و رأى أن الدوائر تدور عليه و حبل العدالة يطوقه ، عندها يستعمل آخر سلاح و هو أن يورط معه شخصا أو أكثر من كبار المسؤولين و لو زورا و بهتانا ، مما لا يجد معه الآخرون سبيلا للحفاظ على كرامتهم و سمعتهم إلا بطي الملف ، و إهمال مسطرة المتابعة في حقه درءا لمفاسد كبرى .  ، و لهذا تراه لا ينفك ينسج خيوط الزبونية و الصداقات مع كل من يرى أن له مكانة نافذة في المجتمع قد يلجأ إليه متى اشتد عليه الأمر ، و لدهائه الماكر كان من حين لآخر يقيم الولائم و يدعو إليها فئة من المسؤولين

و الوجهاء الذين يريد أن يوطد علاقته بهم ، 

كما أنه أحيانا أخرى يقدم لهم أجود أنواع التمور كهدايا أو يعرض عليهم أضاحي سمينة دون مقابل ، و لا يتوانى لحظة في خدمتهم متى طلبوا منه ذلك ، هدفه من هذا  التملق و التقرب منهم ، 

و الظهور بمظهر الكرماء الأبرياء ، هو أن يجدهم بجانبه متى نزلت به نازلة و ما أكثرها .

 و الحقيقة أن بعضهم ممن هم بعيدون عن منطقته ، الذين لا تصلهم أخبار ألاعيبه ،  يحكمون على ظاهر ما يبديه لهم من طيبوبة زائدة فيرون في تصرفه كرما ، و لكن الآخرين و هم كثير ممن عاينوا سلوكاته المنحرفة  ، اكتشفوا ألاعيبه 

و خساسة نفسه و اتقوا شره ، إذ أصبحوا هم أنفسهم في غير مأمن من شراكه ، فهؤلاء أخذوا الحذر التام منه لئلا يوقع بهم في المهالك ، كما سبق و فعل مع غيرهم ممن ورطهم في مشاكل كانوا في غنى عنها لو أخذوا بمبدإ الحيطة  .

و هكذا في كل واقعة يظن الناس أنه وضع قدميه في المصيدة ، و أنه سيتعرض للقصاص مما اقترف ، و لكن يفاجأ الجميع به و قد أفلت من المصيدة ، و رغم توالي النوازل و الإفلات من العقاب فصاحبنا لا يتعظ و لا يخجل من نظرات الناس و ازدرائهم له ، بل بالعكس يستمر في غيه مزهوا بنفسه معتدا بما يحسبه دهاءا و شطارة ، بل يستفز خصومه أنه البطل المنتصر الذي خرج من المعركة رابحا غانما لم يمس بسوء .

أما انتماؤه السياسي ، فهو ينتقل بين الأحزاب باحثا عن الحزب الذي يرى فيه تحقيق مصالحه ، فتجده يحضر اللقاءات و يدافع و ينافح بحماس زائد ، و يشارك في الحملات الدعائية ليظهر لأعضاء الحزب أنه عضو صالح  لا يمكن الاستغناء عنه ، و لو سألته عن تاريخ الحزب و توجهاته 

و برامجه ما أقنعك بشيء فهو فارغ و فاقد لكل المعارف ، لأن الغرض الأسمى الذي يسعى إليه هو استغلال العلاقات من داخل الحزب لقضاء مآربه الشخصية ، و الاحتماء بها عند الحاجة ، و ذاك ما يضمره في نفسه و لا يظهره للعلن . 

قد يظن القارئ أني متحامل على هذا الحيوان البشري ، و أني أبالغ في ذمه و كشف خبثه للناس ، و القارئ معذور في ظنه هذا خصوصا إذا كان بعيدا عن المنطقة التي ينتمي إليها هذا السفيه ، أما أهالي المنطقة فهم يعلمون هذا 

و أكثر ، و لو سألت صغارهم قبل كبارهم ، 

و نساءهم قبل رجالهم أو  حتى بعض المحايدين من أقاربه  لأصبت بالتخمة من كثرة ما يحكونه لك عن خبثه ، إذ قل منهم من سلم من شره لا سيما الأهالي الذين تجمعهم به عدة أمور تخص مصالح بلدتهم ، حتى بلغ الأمر بالناس أنه كلما ذكر إسمه استعاذ الحاضرون بالله من الشيطان الرجيم ، 

و كيف لا و هو من أثار التفرقة بين الناس بإحياء النزعة العنصرية و القبلية ، فغرقت البلدة في وحل الحقد و الضغينة بين الأمازيغ و العرب ، 

و بتعبير أكثر وضوحا بين البيض و السود هؤلاء ذووا البشرة السمراء الذين لا يتوانى في نعتهم  بالحراطين ، و الغريب في الأمر أن صاحبنا العنصري هذا يحمل من الغل و الكره لهؤلاء ما يعجز اللسان عن وصفه ، و لكنه أحيانا قد يظهر بعض التودد لأحدهم إذا رأى في ذلك ما يخدم مصالحه ، فإذا تم له ما أراد أعرض عنه و بحث عن مطية أخرى يستعملها في مأرب آخر ، متلاعبا 

بعواطفهم و متهما أياهم بالغباء .

قد تتعجب أحيانا و أنت تراه عند الشدائد يقف إلى جانب أحدهم ممن يرى فيه طريدة مستقبلية ، فيظن من لا يعرفه أنه يسدي جميلا و يقف موقفا إنسانيا يشكر عليه ، و لكن سرعان ما يتبين أن موقفه ذاك لم يكن قط من بواعث الإنسانية 

و المساعدة و لكنه كان موقفا من ورائه مصلحة له هو ، كأن يساعد أحد الأهالي في الحصول على جزء بسيط من حقوقه ليفسح المجال لنفسه 

و لأسرته في الحصول على الأضعاف المضاعفة مما حصل عليه الآخر ، أو قد يقرض أحدهم مبلغا من المال ، فيجعل الدين ورقة ضغط يستعبد بها المدين ، كأن يجعل منه أحد شهود الزور متى أراد ذلك ، أو يستغله في غير ذلك من ألاعيبه 

و تلاعباته المتتالية المقيتة .

و هكذا دواليك ينفث سموم التفرقة و يشعل نار 

الحقد بين الناس بطرق مباشرة و غير مباشرة ،

همه في ذلك تحقيق المصالح ، و هو ما تم له إذ 

أصبح يمتلك الأراضي الشاسعة له و لأبنائه 

و أقاربه ، ظنا منه أن ما يمتلكه هو نتيجة ذكائه 

و فطنته و براعته في مراوغة البسطاء من الناس 

الذين قص الفقر أجنحتهم ، فهم يكدون 

و يكدحون في سبيل لقمة العيش و لا طاقة لهم

ماديا أو معنويا في مواجهة هذا الطاغية المستبد ،

و قد سبق لبعضهم ممن لم يطق صبرا أن رفع شكوى ضده أمام المحاكم ، و لكنه يصطدم بمكائد أخرى قد دبرها له صاحبنا إضافة إلى أساليبه الملتوية ، فيعود المشتكي المسكين من المحكمة بخفي حنين هذا إذا حالفه الحظ و أفلت من العقاب ، فيصير مغلوبا بعدما كان غالبا و لو كان الحق بجانبه .   

و هكذا يتمادى المحتال في سلوكاته بكل فخر 

و اعتزاز  و نسي المغرور ، أنه باع كرامته في سوق النذالة ، و ابتاع بدلها مقت الخالق 

و المخلوق ، ليته يعلم أن اللحم النابت من الحرام النار أولى به ، و ليته يعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها و بين الله حجاب ، و أن ما بني على باطل لا بد أن ينهار إن عاجلا أو آجلا ، و لعذاب الآخرة أكبر لو كان يعلم ، و لله في خلقه شؤون فهو يمهل و لا يهمل ،و هذه الدنيا دار عبور ، ولو كان يدوم نعيمها لدام لمن هم أكثر منه مالا و أعز نفرا ، 

و ليس للمرء فيها إلا ما سعى من أعمال الخير 

و الإحسان .

فمتى يستيقظ صاحبنا من غفلته و قد مر من عمره الكثير ، أما آن له أن يتوب و يرجع المظالم لأهلها أو أقلها أن يرفع آذاه عن الناس .

فإذا كان يتملص من عدالة الدنيا بوسائله الملتوية و يحسب ذلك من الدهاء ، فهل يا ترى  سيخلصه دهاؤه من عدالة الآخرة يوم لا يؤخذ منه فدية 

و لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

 



تباشير الخريف

 👤  تباشير الخريف  👤


         الآن و قد جاوزت الستين من عمري ، تغير منظوري اتجاه أمور كثيرة في الحياة ، إذ بدأت أنظر إليها بمنظار يختلف عما كنت أعتقده ، و كأنني أضعها من جديد تحت المجهر ، أدقق فيها النظر و أغربلها بغربال ضيقة مسامه ، فتراني أحتفظ ببعضها مما يوافق هواي و أسقط عني ما

لا أراه مجديا . و هكذا أصبحت أرغب في أشياء كنت فيما مضى لا أميل إليها ، و عافت نفسي أشياء كنت قبل اليوم أحبذها ، فأتساءل أحيانا عن السبب .

أهو التقدم في السن الذي فعل فعله ؟

 أم هو نضج جديد بعد الستين ؟

 أم هو خراف بداية الشيخوخة ؟

 و مهما يكن لم أهتد بعد إلى أي منها هو الأصح.

⚘  فملذات الحياة لم تعد تغريني كما كانت من قبل و كأنني تشبعت منها ، فقد لبست منها و أبليت الثياب ، لذلك انصرف جل تفكيري إلى مجاهدة النفس في القيام بالأعمال التي تقربني إلى الله أكثر ، لعلي أكون في زمرة المفلحين .

💼   كما أن القيم الإنسانية السامية التي تربيت عليها و التي كان لها بالغ الأثر في حياتي ، أراها و قد استبدلت فضائلها بالنقائص و الرذائل ، مما يشعرني بالاشمئزاز مما هو عليه واقعنا اليوم ، و هذا دافع كبير للشعور بنوع من الغربة .

✂   كنت قبل هذا أرغب في مجالسة الناس و مشاركتهم في أحاديثهم ، فأصبحت الآن أميل إلى مجالسة نفسي و محاورة خيالي ، فهو المؤنس في الوحدة و المحدث في الخلوة ، يعوضني عن خساسة الواقع ، خصوصا و أن تلك القلة القليلة من الأصدقاء الأوفياء الذين أرتاح لمجالستهم قد تباعدت بيني و بينهم المسافات لضرورة العمل .

✏   كنت فيما مضى سباقا لأي نشاط ثقافي هادف ، إما محاضرا أو مسيرا أو منظما ، أو منشطا ، أو أقلها حتى مستمعا ، فصرت اليوم لا أرغب حتى في الحضور ، لأنني أعلم مسبقا أن لا فائدة من لقاءات لا تنبني في أغلبها على نشر العلم و المعرفة بقدر ما تهتم بسفاسفة الأمور 

و توافهها . 

🖋   أصبحت أدمن على قراءة ما تهواه نفسي 

و كتابة ما أعتقده صوابا في مجالات أدبية متنوعة ، فهما الملاذ الوحيد في واقع أشبه ما يكون بالمستنقع الذي لم يعد فيه للفكر و الأدب من قيمة .

 💉   بلغ بي الأمر أن غدوت لا أرغب في زيارة الطبيب إلا في الحالات الخطيرة لا قدر الله ، حيث أصطبر على الأوجاع و الآلام و أستعمل الأدوية التي تخفف عني وطأتها ، لأن زيارة مستشفياتنا في ظل واقعها المهترئ و اللامبالاة بالمرضى لا تزيدني إلا ألما عوض الاستشفاء .

😃    لم أعد أستطيع تحمل الضجيج و الصراخ ، و هذا راجع لطبيعة المهنة التي زاولتها لأكثر من أربعين سنة في تربية 

و تعليم الناشئة .

🚶   كثيرا ما كنت أدخل في جدال مع أحدهم ، 

و لا يهنأ لي بال خصوصا إذا كانت فكرتي صائبة  حتى يقتنع محاوري و يعدل عن فكرته الخاطئة ، و صرت اليوم أتجنب هذا النوع من الجدال بل أمقت الخوض فيه ، فأبدي لمحاوري تأييد ما يدعي رغم أنني في قرارة نفسي أعلم علم اليقين

أنه مجانب للصواب درءا لأي جدال .

 🐎   أصبحت بعض التصرفات الغير اللائقة التي يأتيها بعض الشباب  تقلقني كثيرا و تشمئز منها نفسي ، كالتهور في السياقة ، و الكلام الساقط ، و نوع اللباس الذي لا يكاد يستر عورة ، و أنواع حلاقة شعر الرأس المقززة ، و غيرها من مظاهر الانحراف ، و الأدهى من كل هذا هو الفراغ الروحي لديهم و تدني المستوى العلمي و المعرفي إلى حد هو أقرب إلى الأمية الأبجدية منه إلى الأمية الثقافية ، و هي المظاهر التي صرت أمقتها و أمقت آتيها ، متشائما من مستقبل لا يبشر بالخير في ظل التمادي في هذه السلوكات و ضرب القيم الإسلامية عرض الحائط ، ناهيك عن الفساد الذي

أحكم قبضته على جميع القطاعات .

🌏    باختصار لقد صارت الدنيا بصغائرها صغيرة في عيني ، و لم يعد فيها ما يغري ، لأنها صراحة فقدت لذتها و متعتها ، 

و غاب عنها الأنس و ران عليها اليأس لأن ما اعتاد عليه الناس من حياء و صدق و وفاء و محبة و تسامح و تعاون 

و أنفة و حزم و جد و احترام و انضباط و غيرها من الفضائل صارت في خبر كان و حلت محلها كل أصناف الرذائل ، حيث ساد الانحراف و الإستهتار و التسيب و اللامبالاة و الانحلال الخلقي مما نتج عنه فساد عام استشرت عدواه في جميع القطاعات و المجالات و يزداد الوضع سوءا يوما بعد يوم ، 

و لا من يحرك ساكنا .

 فكيف و الحال هذه ألا يشعر الإنسان الذي تربى على المبادئ السامية بالغربة و الغرابة ، و كيف لمثله في ظل هذا الواقع العفن ألا يلتزم الصمت و الحياد و ينقطع إلى نفسه متى وجد إلى ذلك سبيلا .


                      💼  بقلم زايد وهنا  💼

قواميس مستحدثة

 قواميس مستحدثة


          كثيرة هي الفضائل التي غير أناس عصرنا معانيها 

و حوروا مفاهيمها لتوافق أهواءهم حتى لا يجدون حرجا في إتيانها ، فصارت في نظرهم :

القيم تخلفا و رجعية .

الصبر ضعفا و انهزامية .

الحياء رضوخا و بلاهة .

الصدق  بلادة و غفلة .

الصداقة مصلحة و زبونية .

الإخلاص  غباء و سذاجة .

الانضباط  حمقا وجنونا .

الاحترام  ضعفا و خنوعا  .

الطيبوبة خوفا و خضوعا .

          و كثيرة هي الرذائل التي انتشلوها من دناءتها ، 

و أزالوا عنها صفة الخبث و الإشمئزاز لتبرر فساد معاملاتهم 

و سلوكاتهم ، فأضحى في معتقدهم :

الجشع عملة رائجة .

النصب  معاملات ذكية .

الصفقات المشبوهة فطنة .

 الرشوة  قهوة و هدية .

الانحراف شجاعة و تحديا .

العري تحضرا و تمدنا .

التفاهة فنا و موهبة .

          و لعل هذا الإجهاز الممقوت على المعاني الإنسانية السامية لهذه المبادئ و استبدال الفضائل بالرذائل و كذا الفهم الخاطئ لحقوق الإنسان وغيرها كثير هو ما فتح أبواب الانحراف و يسر طريق الفساد ، الذي استشرت عدواه في جميع القطاعات فأصبح :

التعليم  عقيما .

الصحة  سقما .

العدل  أهواء .

الإعلام  غثاء  .

الرياضة  إلهاء .

الأديب  محطما .

الناقد   متهما .

المغني مكرما .

اللاعب   منعما .

المتملق  مدعما .

الفاسد  محترما .

          كل هذا و ذاك صير الأمل يأسا في نفوس العقلاء ،

و أحال  النور ظلاما في عيون كل الغيورين الذين يأملون أن يروا بلدهم في مقدمة الركب الحضاري ، ينعم أهله بالعيش الكريم في أمن و أمان لا يشوبهما ضنك و لا خوف . 

اللهم رد بنا إلى الطريق السوي ردا جميلا ، و لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، و ألهم إلى الصواب شبابنا ، إنك على ما تشاء قدير و بالإستجابة جدير .

لا رأي لمن لا يطاع

              💼   لا رأي لمن لا يطاع  💼


        قولة قالها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خطبة الجهاد المشهورة ، و صارت مثلا سائرا يضرب في أشباهها من الأمور عبر الأزمان .

        قرأت في مواقع التواصل الاجتماعي خبرا مؤلما كاد دمعي يهمي له لشدة الأسى الذي اعتصر قلبي ، ذلك أن أستاذا بمدينة العرائش تعرض لهجوم من قبل تلامذة قيل أنه منعهم من الغش في الإمتحان ، مما ألحق به أضرارا جسدية

قد تلتئم مع مرور الوقت و أضرارا نفسية لن يمحوها الزمن .

أتعجب كل العجب من سكوت المسؤولين على قطاع التربية و التعليم ببلادنا و هم يسمعون 

و يرون ما يجري من تسيب و فوضى و استهتار ولا يحركون ساكنا ، و الأدهى أنهم يدعون السعي لإصلاح هذا القطاع و تحسين جودته و انتشاله من المستنقع الذي يتمرغ فيه ، و لكنهم في الحقيقة لا يأخذون بالأسباب الصحيحة السليمة التي تنقذه إن بقي فيه أصلا ما ينقذ ، فسنة بعد أخرى يتفاقم الداء و يزداد الوضع تدنيا إن على مستوى الأخلاق أو على مستوى التحصيل 

و التمكن .

و لعل ما نراه اليوم من أساليب الغش في الإمتحانات ، و ما يتعرض له الأساتذة الجادين من إهانة و شتم و ضرب ، لأصدق دليل على الإنفلات

الأخلاقي الذي ألقى بظلال الفوضى و التسيب العارمين على المنظومة التربوية ، و عفر وجهها

في التراب ، و مما زاد الوضع تأزما هو عدم التصدي لمثل هذه السلوكات من قبل القيمين على

هذه المنظومة بما يحفظ ماء الوجه ، و اتخاذ 

كافة الإجراءات الرادعة للحد من هذه الظواهر 

المسيئة و التي هي من بين الأسباب الأساس التي أوصلت المنظومة التربوية التعلمية إلى ما نحن فيه من انحطاط .

قبل مناقشة المناهج و البرامج و كل الأنشطة 

التعليمية يجب إلزاما تقويم السلوك و الحرص على تطبيق القيم الإنسانية و غرسها في نفوس

الناشئة لتترعرع على الاحترام و الانضباط 

و الصبر و التعاون و التسامح و الإعتماد على 

النفس ، و الوقوف الصارم أمام كل تصرف يخل

بالقيم ، فإذا نشأنا تلامذتنا على هذه القيم ، فلن

يكون صعبا علينا أن نضع البرامج و المناهج التي

يراها خبراء التربية و التعليم ملائمة لبيئتنا

و خصوصياتنا و توجهاتنا و مواكبة في الوقت

ذاته لمتطلبات العصر و مستجداته ، أما و الحالة هذه فنحن على يقين أن أي إصلاح لن يؤتي أكله

ما لم نراع الجانب الأخلاقي ، و قد أشار إلى ذلك

و أكده الكثير من الحكماء و المربون و الشعراء عبر العصور ، فهل من معتبر أم لا رأي لمن لا يطاع ؟.


لا تكن مغفلا

 


            👽  لا تكن مغفلا  👽   


يقول المثل العامي : 

   "  إلا شبعت الكرش كتقول للرأس غني "

يضرب هذا المثل المغربي لكل من توفرت لديه كل

الضروريات بحيث لا يشكو خصاصا منها بل بالعكس له من الفائض ما يسعد به نفسه من كماليات الحياة و متعها .

          أتعجب من حماقة الكثير من الناس يريدون من كرة القدم لوحدها أن تحقق الإنجازات المشرفة بغض النظر عما تتخبط فيه القطاعات الأخرى من تخلف و تدهور بسبب الفساد الذي استشرى في كل الدواليب حتى أصبح مألوفا 

و منهجا معتمدا ، بينما الإصلاح أضحى شاذا 

و ممقوتا , و لا ينادي به إلا من لهم غيرة على هذا الوطن ، فكيف للرياضة أن تنجو من براثين الفساد و هي تسبح في نفس المستنقع العفن .

إصلاح القطاع الرياضي رهين بإصلاح جميع القطاعات الأخرى ، و تحقيق الانتظارات المرجوة

منه رهين بإصلاح العقول و توعيتها و إزالة

شوائب الفساد العالقة في النفوس ، فالإصلاح ينبغي أن يكون شاملا لكل المجالات .

قطاعات الدولة أشبه بعجلات المركبة ، إذا انفجرت إحداها أو وقع بها عطب ما ، تتوقف

المركبة عن المسير ، فما بالك إذا كان الخلل في

كل العجلات ( القطاعات ) ، فهل محاولة إصلاح واحدة منها ( الرياضة : كرة القدم ) و تحقيق الانتصار يسمح للمركبة بالسير العادي ؟ لا أظن !.

متى وضعنا قطارنا على السكة الصحيحة السليمة و كانت عرباته جميعها لا تشكو خللا ، فلا شك أننا

سنحقق ما عجزنا عنه حاليا . 

لو أن  الحماس و الغيرة التي نتابع بها كرة القدم تحلينا بها في كل المجالات الأخرى لكنا قطعنا

أشواطا في مسيرة التنمية ببلدنا ، و لكن للأسف

الشديد أولينا كل الاهتمام لكرة القدم التي هي أولا و أخيرا رياضة ترفيهية و أهملنا أمورا أخرى ذات أولوية قصوى .

اليابان و أمريكا و الصين و سنغافورة و اندونيسيا و ماليزيا و غيرها من الدول المتقدمة لم يسبق لها أن أحرزت كأس العالم و لكنها أحرزت السبق 

و التقدم في جميع المجالات التي تعتبرها أولى الأولويات حتى أضحت مضرب المثل في النمو 

و الازدهار ، في حين أن الدول المتخلفة أضحى لديها مجرد التأهل لكأس العالم أو المرور للدور الثاني منه فقط  هو إنجاز عظيم تصرف عليه الأموال الطائلة و تلهج الألسن في كل المجالس فخرا بذلك المرور للدور الثاني ، و تعده إنجازا كافيا ، فيفرح الناس للحظات قليلة ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها ، و تبقى دار لقمان على حالها 

و يعيش الناس المآسي من جراء الفساد وهشاشة القطاعات التي يعول عليها في تسريع وتيرة التنمية . 

      و إذا تصفحنا تاريخ البشرية باختلاف دياناتها

و أعرافها و قوانينها الوضعية ، نلاحظ بما لا شك فيه أنها تولي العناية و الأولوية للأمور الأساسية

التي تعتبرها دعائم و ركائز تنبني عليها حضارة

أمتهم . فالدين الإسلامي الذي هو أسمى الشرائع

و أصحها لا يقبل من المسلم حج بيت الله الحرام

الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام إذا لم 

يترك الحاج لأسرته ما يكفيها من المؤونة أثناء غيابه ، فقد جعل الإسلام المؤونة الكافية للزوجة و عيالها أولى من الحج رغم أنه فرض و ركن أساسي .

و من البديهيات التي لا يختلف عليها إثنان أن كل الأمور تبدأ بما هو أساسي و ضروري و تنتهي 

بالكمالي و الترفيهي .

ليس على وجه الأرض إنسان يبني منزلا دون

أساسات متينة و جدران مرصوصة مدعمة بالحديد و الخرسانة ، و أسقف صلبة ، فهذه شروط البناء المحصن الجاري بها العمل  ، ثم بعدها تأتي أمور الزينة و التنميق و التي تختلف

من شخص لآخر حسب الأذواق .

 فالقاعدة المتينة و  الأساس الصلب الذي يقوم عليه بيت المجتمع هو :

🔹 الكرامة :

 فهي الأرضية الصلبة و الأساس المتين الذي تقوم عليه الجدران الأربعة التي تحصن المنزل  و تدعم جنباته و هي :

☚جدار التعليم 

☚جدار الصحة 

☚جدار الشغل

☚جدار العيش الكريم 

 و هذه الجدران الأربعة المدعمة بالاسمنت المسلح تغطى بسقف يفوقها صلابة ألا و هو :

🎞 العدل و المساواة ،

فإذا تم البناء على هذا النحو دون غش أو فساد

فاعلم يقينا أن ما دونه أسهل و أيسر ، و قد 

تتحقق آنذاك المتعة المرجوة من الرياضة و على رأسها كرة القدم .

 فإن أخذنا بالأسباب على الوجه المطلوب ، 

و أدينا الواجب على الوجه الأكمل و لم نوفق في تحقيق لقب من ألقاب كرة القدم ، يكفينا فخرا أننا نعيش بكرامة ليس بيننا جائع بئيس و لا مهضوم مكتئب ، الكل منعم قدر الإمكان ، و البلد من بحره شمالا إلى صحرائه الغالية جنوبا و من شرقه إلى محيطه غربا ، يستثمر خيراته المعدنية و الفلاحية و السمكية ،و ينفتح بتجارته و صناعته على الأسواق الخارجية ، مما يبوئه طبعا المكانة المشرفة بين الأقطار ، و يكسبه احترام الجميع ،

و هكذا تمخر سفينتنا العباب نحو الازدهار ، يفرح لها الحبيب و ينكد لها العدو خصوصا هذا الجار الحقود الذي لا شغل له إلا وضع العراقيل 

و النباح من بعيد شأنه في ذلك شأن الكلاب التي

تلهث خلف القافلة .

نحن و الحمد لله في أرضنا لنا تاريخ عريق كله أمجاد ، و لنا من المؤهلات ما ليس لغيرنا ، يكفي أن نشمر على سواعد الجد لننمي بلدنا ، 

لا وقت لدينا لنلتفت إلى سخافات الجار 

و حماقاته ، و لا تسمح لنا أخلاقنا أن نساير تلك

التفاهات أو نرد عليها ، لأن هدفنا أن نمضي في طريق الإصلاح  و لسان حالنا يقول للأعداء : موتوا بغيضكم  ما دمتم تنبحون من بعيد ، و لكن  إن امتدت بكم الوقاحة و تجرأتم على المس بمقدساتنا ستؤدون ثمن طيشكم و ربما ستكون نهاية كبرناتكم على أيدينا .

لا حمار لا سبع فرنك

             🐎  لا حمار لا سبع فرنك  🐎


          المراد بالمثل " لا هذا و لا ذاك "

يمكن لهذا المثل أن ينطبق على ما يروج في الساحة المغربية من مساعي لإصلاح التعليم ،

خصوصا ما يتعلق بسن التقاعد و الراتب المعاشي .

فرجل التعليم الذي أكمل مشواره التعليمي حتى

بلغ سن التقاعد القانوني بعد أزيد من أربعين سنة من العمل و التفاني و العطاء ، يفاجأ بتمديد سن التقاعد إلى 63 سنة و تم تطبيقها رغما عن أنفه 

و تقبلها على مضض لأن النقابات التي كان يعول عليها أن ترفع هذا الحيف عليه ، انساقت وراء مقترح الحكومة لحاجة في نفس يعقوبها ، و هذا في الحقيقة ظلم و ازدراء و حيف في حق رجل التعليم ، لكن الغريب في الأمر أن صبره و قبوله لهذه الخطوة جعلا الحكومة تتجرأ مرة أخرى  ،  لترفع سن التقاعد إلى 65 سنة ، و الأدهى و الأمر الذي يثير الغثيان أنه سيتم خصم مبالغ مالية كبيرة من راتبه المعاشي . 

هكذا  يجازى و يكافأ من أكمل المشوار ، في مقترحاتهم لهذا الإصلاح الجديد .

أما ذاك المحظوظ الذي طلب التقاعد النسبي بعد العمل لمدة 34 أو 35 سنة فقط ، قد ربح ثمانية أو عشرة أعوام من الراحة و براتب يفوق كثيرا راتب هذا الذي أكمل المشوار .

لا أعتقد أن تطبيق هذه المقترحات يعد  إصلاحا بل هو إفسادا بجميع المقاييس ، و لا أظن أن من في عقله ذرة ذكاء سيقبل بهذا الهراء .

لذلك أصبح كل رجل تعليم مقبل على التقاعد

القانوني يردد المثل الشعبي :

" لا حمار لا سبع فرنك " 

أي لا راحة ، لا راتب محترم " 

أتمنى صادقا أن يتم التراجع عن هذه المهزلة ، 

و ألا تفكر الحكومة حتى في طرحها على طاولة النقاش ، لأن محتواها مخجل و مقرف و لن 

يأتي بنتيجة ، بل هي الضربة القاضية التي لا قومة للتعليم بعدها مهما حاولوا .

 فهل يا ترى سينتبه المسؤولون إلى هذه الكارثة

أم هم ماضون في تعنتهم ؟ .

و هل ياترى سينتفض رجال التعليم أم سيلتزمون

الصمت كالمرة السابقة ؟.

اليأس القاتل

                       ⏲  اليأس القاتل  ⏲


           يقول الناس فيما يتداولونه من الأمثال الشعبية السائرة باللسان العامي هذين المثلين : 

 "  مصيت صباعي "  أي  ( لعقت أصابعي )

أو " غسلت يدي "

و المثلان متشابهان في المعنى ، يصبان في نفس

المرمى ، و المراد أن القائل يستشهد بأحدهما عندما ييأس من استقامة شيء ، و يستعصى عليه تقويم اعوجاجه ، رغم جميع المحاولات المبذولة في سبيل إصلاحه .

يضرب المثلان في الأعم عن طباع الناس 

و ما يأتونه من سلوك لا يستقيم و طبيعة البشر ،

و مهما قدم لهم من النصح و الإرشاد تجدهم 

متمسكين بمواقفهم لا يتراجعون عنها قيد أنملة .

أو يضرب كذلك عند عدم اقتناع الطرف الآخر بالعدول عن أمر ما ، بحيث يكون مصمما على المضي فيه و لو كانت عواقبه غير محمودة .

و الغالب أن قائل أحد هذين المثلين كثيرا ما

يتبعه بمثل آخر هو بمثابة تبرئة الذمة بعد باءت

جميع المحاولات بالفشل ، فيقول :

 " وريه وريه إلا اعمى سير أو خليه "

أي نبهه مرات و مرات فإن عميت بصيرته و صمم

على عدم التراجع ، فاذهب إلى سبيل حالك 

و دعه و شأنه .

إذن لعل أحد المثلين المشار إليهما في بداية المقال ينطبق تماما على ما نراه اليوم من أعطاب

في مجتمعنا ، فهناك مجموعة من المفكرين 

الذين و منذ زمن ينادون بالإصلاح على جميع المستويات و في كل مناحي الحياة عبر مقالات

و محاضرات و ندوات و يسخرون في ذلك كل وسائل التواصل ، لكن لا أثر لدعواتهم في الواقع ، بل بالعكس تزداد الأمور سوءا سنة بعد أخرى ، 

و أصبحت الأساسيات و الضروريات المتوارثة عبر العصور ، كالأخلاق الفاضلة و العلم النافع ، و ما

يدعمهما من عزم و حزم و كبرياء و أنفة ، أمورا ثانوية و غير ذات أهمية بالنسبة لكثير من أناس

عصرنا ، فضاعت كل تلك القيم الإنسانية النبيلة 

و استبدلت بالرذائل ،فاستشرى الفساد و استفحل الطمع و فسدت الأذواق و انتشر الإجرام و ساد

اليأس و ذهب الأنس ، و لم يعد لأولئك المصلحين

و لا لمقالاتهم شأن يذكر ، لهذا وضع الكثير من

الكتاب أقلامهم بعدما يئسوا من عدم جدوى

أرائهم ، فتراهم يرددون ذاك المثل :

 " مصيت صباعي" و  " غسلت يدي " 

أي لا أمل في مواصلة الكتابة و الخطب و البحث

الجاد ، ما دام السواد الأعظم من الناس قد 

انصرفوا إلى التفاهة ، و انساقوا مع هذا الغثاء .

و لهم في يأسهم ذاك العذر المقبول إذ كيف يواصلون العمل الجاد و هم يرون أن لاعبي كرة القدم و المغنيين التافهين و الراقصين و الراقصات و دعاة التفاهة و السفاهة عموما في شتى المجالات هم الأعلى قدرا و الأعظم شأنا و الأكثر ثراء ، حتى أضحى الشك يساور المجدين أن ما يفعله هؤلاء التافهين هو الصواب ، و الدليل أن جميع أبواب التشجيع متاحة لهم لنشر تفاهاتهم ، بينما سدت في وجه دعاة الإصلاح . 

لعل ما آل إليه العصر من ميول نحو التفاهة هو 

ما جعل الكثير من المثقفين يلتزمون الحياد بعدما

لم تجد انتقاداتهم و دعواتهم للإصلاح أذانا صاغية ، فالسيل جارف لم تعد مجاديفهم تجدي نفعا مع تياره القوي ، لذلك لعقوا أصابعهم و غسلوا أيديهم و انكمشوا على أنفسهم ينظرون 

و ينتظرون ما ستؤول إليه نهاية هذا العبث .


الأمثال الشعبية

                   الأمثال الشعبية 


الأمثال الشعبية العامية تحمل على اقتضاب كلماتها و إيجاز معانيها ، من العبر و الدروس ما تحمله مقالات في صفحات عديدة ، فهي لم تأت من فراغ لأن قائلها أو ناظمها إن صح التعبير لم يضعها إلا بعد أن تيقن من جدواها ، لأنها تعتبر عصارة تجارب شتى ، تأكد الحكم عليها بفعل التكرار و النتيجة واحدة في كل مرة ، حتى صارت مضرب المثل في المواقف المشابهة للحياة اليومية لدى عامة الناس ، و الأمثال قد تتشابه في المعنى بين منطقة و أخرى و إن كانت كلماتها تختلف حسب لهجة الأهالي و عاداتهم وطقوسهم .

-- شروط المثل :

☚ قليل الكلمات ، غزير المعنى و الدلالات .

☚ أسلوب يغلب عليه طابع السجع ، مما يسهل

      تداوله بين الناس .

☚ كلماته منتقاة بدقة عالية لتحقق المبتغى .

☚ ينظمه الحكماء من القوم و لو على بساطة 

      ثقافتهم .

☚ يشترط في الأمثال أن تكون سائرة أي صالحة                       

      لكل زمان و مكان .

-- رسالة المثل :

كثيرة هي الأمثال التي قد يستفيد منها الإنسان

في حياته اليومية حتى لا يكرر الخطأ نفسه الذي

وقع فيه سابقوه ، فإن لم يحتط و وقع في الخطإ

وقف وقفة المتأمل و المتحسر الذي لم يعمل بمقتضى المثل .

سنتناول بمشيئة الله بعض الأمثال الشعبية ، 

و نحاول أن نقف على مدى تطابقها للواقع في مواقف عديدة من حياتنا اليومية ، و نجعل لكل

مثل حلقة خاصة ، تكون بمثابة مقال مستقل .



  


الضربة القاضية

 🏹  الضربة القاضية   🏹             


    صدق من قال :

" أطامع في الزيادة احضي راسك من النقصان "


لعل ما يثير الاستغراب بل يدفع إلى الجنون ، ما يتداول حاليا فيما يخص مسودة الاقتراحات التي تقدمت بها وزارة الاقتصاد كحل ترقيعي للأزمة التي يتخبط فيها صندوق التقاعد و التي تتضمن إجراءات هي أقرب إلى الحمق منها إلى التعقل ، فإذا -- لا قدر الله -- تم التوافق و المصادقة 

على ما جاء فيها و تم تنفيذه ، فتلك هي الطامة الكبرى التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها ، و التي و لا شك ستكون لها عواقب وخيمة على رجال و نساء التعليم و بالتالي ستنعكس آثارها على المنظومة التربوية فتزداد سوءا و تدهورا أكثر مما

هي عليه حاليا ، إذ :

☚ أولا :

       لا يعقل أن يمدد سن التقاعد إلى حين بلوغ الأستاذ  65 سنة خصوصا في قطاع التربية ، فالأستاذ بالكاد يكمل 60 سنة و قد استنزفت قواه و طاقاته بعد أن قضى أربعين سنة من العمل كلها معاناة و مكابدة و مكابرة ، و أكثر من هذا لن

يستطيع المواكبة و في حالة ما فرض عليه الاستمرار ، فتلك ضربة قاضية للمردودية التي تعود بالضرر على التلاميذ ، في الحين الذي يسعى فيه الجميع إلى الرفع من المستوى .

☚ ثانيا :

كيف يعقل أن ينتقص من راتب الأستاذ ذلك القدر الوارد في المسودة و هو مبلغ مبالغ فيه ، مما يثير التدمر لديه ، خصوصا و هو يرى أن أمثاله الذين تخرج معهم في نفس السنة ، و لهم نفس الدرجة و الرتبة التي عنده ،  استفادوا من التقاعد النسبي بعد 34 أو 35 سنة فقط من العمل و هم الآن يتقاضون راتبا أكبر منه هو الذي أكمل المشوار حتى وصل سن التقاعد القانوني و فاقهم في سنوات العمل ، بحيث عمل لأكثر من أربعين سنة .

فلو علم الناس أن هذا الإجراء المجحف سيلحقهم بعد هذا العمر ، لكانوا هم كذلك قد طلبوا التقاعد النسبي كما فعل أمثالهم ، و بذلك يكونوا قد ربحوا سنوات من العمل و لهم رواتب محترمة كالتي يتقاضاها أولئك الذين غادروا المهنة قبلهم بسنوات ، إذن أي منطق هذا و أي إنصاف هذا ،

لا أظن أن رجال التعليم سيسكتون على هذا الأمر لأنه بمثابة جريمة في حقهم .

        أتمنى صادقا أن تبقى الأمور على ما كان معمولا به ، فقد قبل الأساتذة و لو على مضض التمديد لثلاث سنوات أخرى فوق الستين تضامنا منهم لإيجاد حل لصندوق التقاعد ، و لكن لا أظنهم سيقبلون المزيد من التنازلات سواء تعلق الأمر بتمديد سن التقاعد إلى 65 سنة ، أو خصم تلك

المبالغ الكبيرة من معاشاتهم .

كما أتمنى أن تعيد النقابات النظر في هذه الإجراءات في حواراتها مع الحكومة ، كما أتمنى من السادة البرلمانيين أن يراعوا حقوق رجال التعليم الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا القطاع و عدم مصادقتهم على كل ما يمس هذه الجوانب

المذكورة و التي من شأنها أن تربك كل ما يسعى المصلحون إليه . 

آخر أمنيتي أن تبقى هذه المسودة حبرا على ورق تمزق 

و يلقى بها في سلة المهملات ، فليس ثمة مكان فاض في نفوس رجال التعليم لتحمل المزيد من المآسي .

تعقل قليلا

 📍  تعقل قليلا  📍


          قال لي أحدهم :

  " لماذا تلومني على حماسي الزائد في متابعة مباريات كرة القدم الأوربية ؟ و تعاتبني على حبي و تعلقي بفريقي الانجليزي المفضل ؟ و تتضايق من هتافي و صراخي المبالغ فيه إذا سجل فريقي  هدفا ؟ و تتعجب من حزني و بكائي إذا انهزم  ؟

ألا ترى الجماهير الانجليزية و الأوربية عموما و هي تتفاعل مع المباريات بالهتاف و الصراخ و التصفيق لتشجيع فريقها المحبوب ؟

فلماذا تريد أن تحرمني أنا ؟ ألست مثلهم بشرا " ؟أليس من حقي التعبير عن مشاعري اتجاه من أهوى ؟".

قال ذلك و هو يظن أنه سد أمامي كل أبواب العتاب و أنه أجاد الإقناع .

ابتسمت في وجهه و أجبته بكلام هادئ حتى لا أستفز شعوره ذاك :

" صحيح ما قلته عن حماس و صراخ جماهيرهم عندما يتعلق الأمر بفرق بلدانهم ، و كيف لا يفعلون و كل شيء لديهم متوفر ، و كل فرد منهم له كرامة و اعتبار ، لا أحد يشكو ضنكا في العيش و لا تدنيا في التعليم و لا هشاشة في التطبيب ، اقتصادهم في تطور مستمر .

 ألا تعلم أنه في الوقت الذي تشاهد فيه أنت أولئك اللاعبين الأوربيين البارعين يمتعونك بمهاراتهم في تلك الملاعب الجميلة ، هناك في المقابل فيما لا تشاهده ، صناع متمكنون 

و خبراء مبتكرون يعملون في معامل السيارات و الأجهزة الالكترونية و مختبرات الأدوية و غيرها من الصناعات التي تنمي اقتصاد بلدهم و توفر لأبناء شعبهم سبل الرفه و العيش الكريم .

و لو افترضنا أن أحد المشجعين منهم أصيب بمكروه ما و هو يشجع فريقه ، لرأيت التدخلات الفورية السريعة لانقاذه 

و نقله على وجه السرعة إلى المستشفى حيث ينتظره أطباء محنكون مرابطون بالمستشفى يسهرون على راحة المرضى

لا يغادرونه لمشاهدة المباريات  لأن ضمائرهم المهنية لا تطاوعهم لفعل ذلك ، و لو فعله أحدهم لتعرض لأقسى العقوبات .

تصور و أنت في المقهى ببلدك هذا  تشاهد مبارة  لفريقك الأوربي المفضل و وقع لك مكروه ، هل ستجد من ينقذك ، 

و إن تدخل أهل الإحسان من عامة الناس و نقلوك إلى المستشفى ، هل ستتلقى العلاجات الضرورية في وقتها 

و دون تعقيدات ، هذا إن توفر الدواء و كان الطبيب حاضرا؟.

باختصار هل تتمتع أنت بنفس الحقوق التي يتمتع بها كل فرد من أفراد شعبهم ، الذين تكاد لا تشعر بالفوارق الطبقية بينهم ، لا محسوبية و لا زبونية الكل سواسية أمام القانون يؤدي الواجبات على أحسن وجه و يتمتع بالحقوق كاملة .

لهذا أنصحك يا بني أن تمتع نفسك بمشاهدة مباريات كرة القدم التي تحبها و لكن من غير انفعال و لا توتر ، و احتفظ بحماسك لدراستك ، و ضع نصب عينيك أهدافا مضمونا نجاحها لمستقبلك ، فذاك اللاعب الأوربي الذي أنت معجب

به يتقاضى راتبا شهريا خياليا ، و لن ينفعك بشيء إذا نبا الزمان بك و ساءت أحوالك . 


                         💼  بقلم  زايد وهنا  💼

الإنسانية تتدحرج على سفح الهاوية

    💣 الإنسانية تتدحرج على سفح الهاوية 💣  


            عندما يكون راتب شهر واحد للاعب كرة

القدم يساوي مجموع الرواتب التي تقاضاها أستاذ

خلال كل مسيرته التعليمية و التي قد تزيد على أربعين سنة ، فاعلم أن العالم يسير نحو الهاوية .


           و عندما يحصل مغني تافه على مبلغ مالي

من سهرة واحدة ، يعادل ما حصل عليه طبيب 

طيلة مسيرته المهنية ، فاعلم أن العالم في طريقه نحو الكارثة .


           و عندما يحصل يوتوبورز على مبالغ

طائلة من الأموال و يحظى بتغطية إعلامية كبيرة بمجرد نشره للتفاهة و السفاهة و الفسق 

و الفجور ،  في حين لا يحصل عالم نشر محاضرة علمية نافعة ولو على مبلغ زهيد من المال و لا يحظى عمله المفيد و لو بالتفاتة سريعة من الإعلام ، فاعلم أن العالم قد وصل إلى قمة الهمجية .


            عندما ترى العالم يقر حقوقا للمثليين 

و الشواذ ، و يقبل تزاوج الإنسان بالحيوان ، 

و غيرها من الأمور المنافية للفطرة الإنسانية ، 

التي لا تأتيها حتى الحيوانات العجماء ، بل 

و الأكثر من ذلك  أنه يعمل على إشهار ذلك للعلن 

و كأنها أمور عادية ، فاعلم أن العالم على مشارف

الهلاك .


           باختصار عندما تنقلب الموازين و يضرب

بالأخلاق والمبادئ الإنسانية السامية عرض الحائط ، فتلك هي أقسى أنواع الغربة التي يعاني من ألمها كل إنسان سوي واع بما يجري حاليا و ما سيؤول إليه مستقبل هذا العالم الزائف .


                💼  بقلم  زايد وهنا  💼

أولى أولويات الإصلاح

         🌍  أولى أولويات الإصلاح  🌍


               توصلت عبر الواتساب بهذه المعلومة ، اطلعت عليها من خلال الرابط المشار إليه طيه ،

و استجليت كل ما ورد فيها ، و هاأنذا أنقل لكم

المعلومة كما وردت ، ثم لنا رأي بعدها :


      ⚫     أطلقت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عبر منصة "مدرستنا. ما" من خلال الرابط :  https://www.madrastna.ma/projects/questionnaire استمارة موجهة إلى جميع المواطنات والمواطنين للمشاركة في المشاورات الوطنية حول تجويد المدرسة العمومية.

 وتعول الوزارة على هذه الألية الالكترونية لرصد آراء ومقترحات كافة المواطنات والمواطنين حول سبل تحقيق المدرسة التي يتطلعون إليها وتستجيب  لانتظاراتهم.  

ولتحقيق  هذه الغاية ندعوكم إلى تعميم رابط الولوج إلى هذه الاستمارة  على جميع الفاعلين وجمعيات أباء وامهات وأولياء الأمور،  وكذا كافة المتدخلين في الشأن التربوي وشركاء المدرسة وجميع مكونات المجتمع المغربي حتى يتمكنوا من الإسهام الفعلي في إصلاح  مدرستنا العمومية.⚫


وجهة نظرنا :

            لقد بات إصلاح المنظومة التربوية ببلدنا

يؤرق مضجع كل غيور ، فلما ضاقت السبل بمن

ينشدون هذا الإصلاح ، فقد تم وضع هذه الاستمارة رهن إشارة جميع أطياف الشعب ليجيبوا عن الأسئلة و الاقتراحات الواردة فيها ،

و التي وضعها من وضعها لاستجلاء الأراء حول

تجويد المدرسة العمومية ، و هذا أمر مستحب

لو فطن من وضع الأسئلة إلى أمر بالغ الأهمية

حتى لا يسقط مرة أخرى في نفس الدوامة التي

يتخبط فيها التعليم ببلدنا و لم يجد لها مخرجا .

فالجواب عن الأسئلة الواردة ضمن هذه الاستمارة

هي أشبه بمن يحاول أن يعالج الأعراض دون

تحليل و تشخيص لأصل المرض ، و هو الأمر الذي

لن تجدي معه نفعا المسكنات المقترحة .

كان من الأولى و الأجدر و الأفيد لو فكر السائل

و نظر للإصلاح في شموليته بدءا من الأسس ،

هذه الأسس التي لا بد من مراعاتها و الاهتمام بها

ليستقيم أمر المنظومة التربوية ، و لا بأس أن 

نشير إلى بعضها و نرتبها حسب الأولوية :

☚  إرجاع الهيبة للمؤسسات التعليمية ، بالانضباط و الاحترام و محاربة كل أشكال التسيب و الفوضى ، و تطبيق العقوبات الزجرية

الرادعة في حق من ليست لهم رغبة في الدراسة

حتى لا يشوشوا على الآخرين فيضيع الجميع .

☚  إعادة النظر في الفهم الخاطئ لحقوق الإنسان التي باتت دريعة لانحراف الشباب .

☚  الرفع من قيمة رجل التعليم ماديا و معنويا 

و جعل كرامته فوق كل اعتبار .

☚  إعادة النظر في تمديد سن التقاعد إلى ما فوق الستين خصوصا في هذا القطاع الحساس ،

فالأستاذ الذي قضى أربعين سنة في التدريس ،

يفقد الكثير من الحيوية و الجد نظرا للعجز 

و المرض ، لأن طول المدة استنزف طاقته 

و بذلك تقل مردوديته مما ينعكس سلبا على 

التلاميذ .

☚  يجب ألا ينتدب لمهنة التدريس إلا النجباء

من أبناء المجتمع ، و تكوينهم تكوينا جادا لا يقل

عن سنتين ، ليتخرجوا و هم على مسكة عظيمة

من المعارف و الطرائق البيداغوجية .

☚  توفير كل مستلزمات العمل التربوي التعليمي

و الاهتمام بالبنى التحتية للمؤسسات التعليمية .

☚  إعادة النظر في عدد ساعات العمل حسب

سن التلاميذ .

☚  عدم تكليف الأستاذ خصوصا في الإبتدائي

بمهام تستنزف طاقته كالحراسة وووو .

☚  تقديم تسهيلات للأستاذ في جميع الإدارات

عند قضاء مآربه حتى يتسنى له الالتحاق بعمله

في الوقت المناسب .

☚  استشارة ذوي الخبرة في مجال التدريس عند وضع البرامج و المناهج الدراسية .

☚  إعادة النظر في برامج الإعلام ، و القطع مع التفاهة و التافهين و جعلها في خدمة التربية    والعلم 

☚  و غير هذه من الأولويات التي تعتبر حجر

الأساس لإصلاح المنظومة التربوية .


         إذا توفقنا في هذه فما بعدها أسهل و أيسر ،

فيما يخص البرامج و المناهج الدراسية ، يتم

التركيز على الأخلاق الفاضلة المستمدة من ديننا

الحنيف ، و المبادئ الانسانية السامية ثم المواد

التي يراها الخبراء ضرورية حسب مستجدات

العصر و التي من شأنها أن ترفع من قدر وطننا

و تسير بعجلة تنميته نحو الأفضل .

هذا ما أراه حسب وجهة نظري بعد اطلاعي على

هذه الاستمارة التي حركت في دوافع الكتابة من

منطلق الغيرة على التعليم ببلدي .


          💼  وجهة نظر  زايد  وهنا  💼

 ☻  بين يقظة و غفوة  ☻


          ليس الحالم اليقظ كالحالم النائم ، فالأول يهيم بخياله و يستحضر ما يريد ، و يختار لنفسه ما يوافق هواه ، فهو أشبه ما يكون بالمخرج السينمائي أو المسرحي . 

 لكن الثاني لا يد له فيما يراه في منامه ، و لا خيار له فيه ، 

و الحلم في حالته لا يخضع إلى منطق ، قد تتداخل فيه الأزمنة و الأمكنة و الشخوص و غريب الوقائع و الأحداث، مما يجعل المستحيل في الواقع ، ممكنا في الحلم ، 

و المتناقضات فيه تبدو متجانسة طبيعية .

إن كان الكذب محرما في عقيدتنا ، فإنه يحل أحيانا إذا كنا ننسج من سديم خيالنا صورا حية و نبني مواقف انسانية لم نعشها حقيقة و إنما أوحى بها الخيال ، فجعلنا منها مشاهد تحمل من العبر ما تحمله لمن أراد أن يعتبر .

لهذا كنت يقظا و سرحت بخيالي بعيدا و كأنني نائم أحلم ، فرأيت فيما يرى من هو بين يقظة و منام  أنني أتجول في مدينة لم يسبق لي أن رأيتها و لا سمعت بها . مدينة عربية إسلامية  ، تدل عمارة بناياتها أنها من الطراز القديم ، أسوار عالية و صوامع شاهقة و ساحات فسيحة تتوسطها حدائق جميلة تشبه في نقوشها و هندستها حدائق الحمراء بالأندلس ، تذكر زائرها بالمدن العربية العتيقة كبغداد 

و دمشق و القاهرة و فاس .

و بينما أنا مشدوه في ذلك النمط المعماري الفريد

رفع المؤذن صوته بالتكبير من أحد المساجد القريبة إيذانا بصلاة الجمعة ، أعجبت كثيرا بعذوبة صوته و بعث في نفسي خشوعا لم أعهده من قبل ، أسبغت الوضوء من نافورة  بفناء

المسجد و دخلت بيت الله و قد ران في أرجائه صوت شجي يتلو القرآن ، تكاد تجزم أنه صوت من أصوات السماء  ، جلست أستمع إليه في خشوع و تدبر منقطعي النظير ، لم يطل الأمر كثيرا حتى صعد الإمام المنبر و ألقى خطبة لا تقل تأثيرا و تدبرا من التلاوة السابقة .

قضيت الصلاة ، تأخرت قليلا في الخروج ، تجنبا للزحام و أنا أقول في نفسي ليت مؤذن قريتي و إمامها بنفس درجة هذان من التأثير .

في إحدى ساحات المدينة توجد مجموعة من المطاعم ، كل منها مخصص في تقديم نوع معين من الطعام ، و لكن كنت مصرا على تناول الكسكس أنى وجدته .

دخلت أول مطعم  ، فلم يكن به غير مجموعة من الرجال ، جميعهم ملتحون ، علمت من خلال حديثهم أنهم من علماء الفقه و الحديث القدامى ، كان كل واحد منهم يمسك بكتبه التي ألفها بين يديه و هم منهمكون في مناقشة الأمور الفقهية ، خرجت مطأطأ الرأس خجلا و حياءا و أنا أقول في نفسي عجبا ، كم مر من الزمان بين هؤلاء و فقهاء عصرنا الحديث ، و ما زال علماؤنا يعتمدون على مؤلفات هؤلاء القدامى ولم يضيفوا جديدا . 

دخلت المطعم الثاني ، فإذا به مجموعة من الرجال و قد تحلقوا حول مائدة كبيرة تتسع لهم جميعا ، تسمرت في مكاني و استرقت السمع فعلمت من حديثهم أنهم من علماء أمتنا الأقدمون ،كان  كل منهم يستعرض على الآخرين ما توصل إليه من اكتشافات و ابتكارات  في علم الرياضيات 

و الهندسة و الفلك و الطب و الفلسفة و غيرها ، أعجبني حديثهم و تلذذت لسماعه أكثر من تلذذي بالروائح المنبعثة من مطبخ المطعم ، غادرت المكان و أنا أقول عجبا ما زال علماء عصرنا الحديث يجترون ما تركه هؤلاء ، و لم يضيفوا جديدا .

رأيت مطعما كبيرا ، و ظننت أن فيه سأجد ضالتي،

و ما أن تجاوزت عتبة بابه حتى انتابتني الدهشة ،

فقد كان مكتظا برجال أنيقين ، علمت من دردشتهم أنهم أدباء ، فيهم كتاب و شعراء و نحويون من كل العصور إلا من عصرنا ، أعجبت غاية العجب بمقالاتهم و أشعارهم الرائعة الهادفة ، و غادرت المكان و أنا أتحسر على ما آل إليه الأدب في أيامنا هذه من ابتذال و تدني .

توجهت نحو مطعم آخر ، و أنا مصر على أن يكون هو الأخير ، و أن أطلب أي شيء يقدمه ،  لأنني لم أعد أطيق صبرا على الجوع الذي بدأ يمزق أحشائي . عند بابه سمعت صوت موسيقى هادئة تريح الأعصاب و تطرب الوجدان ، 

و ما أن دلفت إلى الداخل حتى رأيت مجموعة من الفنانين ،

رواد الزمن الجميل ، منهم الملحنون و المغنون 

و الموسيقيون و هم يعزفون و ينشدون روائع الشعر و بديع الزجل ، فقلت في نفسي لعله المكان المفضل ، اتخذت موضعا قريبا منهم ، و أخذت أستمع و أستمتع ، حتى كدت أنسى الجوع ، لولا أن النادل وضع أمامي طبق الكسكس ، أكلت بنهم شديد ، فقد كان طبقا لذيذا و لكن ما أسمعه من حولي كان بحق ألذ منه ، انفض جمع الفنانين ، و كم تمنيت أن يستمر لأغسل أذناي و أطهر و جداني مما لحقهم من تلوث ممن يسمون أنفسهم فناني أيامنا هذه .

خرجت من المطعم و الأسى يعتصرني و أنا أقارن بين أمس مشرق و يوم مظلم ، و أتأسف على ما لحق العلوم و الآداب  من خمول و تدهور ، و ما لحق الفن من انحطاط و تفاهة .

توقف خيالي و لم تعد أسطوانات شريطه تدور ،

نظرت يمينا و شمالا ، فإذا أنا لوحدي في غرفة الجلوس بمنزلي ، و أمامي على المائدة صينية شاي التي لا أدري من وضعها و متى وضعها .

أعدت النظر من حولي ، و أنا أحمد الله أن لا أحد من أفراد أسرتي لاحظ شرودي ، و إلا كنت موضع سخريتهم .


       🚶  المسافر في الزمان ( زايد  وهنا ) 🚶

عندما يكون السلاح بيد الرعديد

      💣  عندما يكون السلاح بيد الرعديد 💣


 كان اليهودي مضرب مثل في الجبن محتقرا

و صار اليهودي اليوم رمزا للإحتلال مسيطرا

خلق وطنا من غير وطن يتباهى به مفتخرا 

يقتل و يأسر و يدنس البقاع مستنصرا

يستعرض غطرسة لم يرثها عن الأسلاف

و لكنه اكتسبها من ( بلفور ) و الأحلاف

و من عملاء باعوا الشرف و خانوا الأعراف

الصهيوني طبعه الجبن و شيمته الغدر 

يقتاد مكرها ، يخشى ظله ، يعتريه الذعر

متى ضغط على الزناد تبول في سرواله

و كل رصاصة تخرج من فوهة بندقيته

يخرج معها ريحا عفنا من فوهة مؤخرته

فتبا لسلاح صير الرعاديد صناديد

و تبا لأمة تهاوت و أسرفت في المفاسد

بين فسق و خمر و رقص و موائد

أمة بالملايين و أعدادها في تزايد

و لكنها غثاء سيل لا نفع و لا فوائد

فكيف لمثلها أن تهابه الأنجاس المناكيد .


   😥 شعر منثور ارتجله في لحظة غضب 😥

                     زايد  وهنا 


طلقة جبان

 🔫 طلقة جبان 🔫


خلف شجرة إجاص

 اختبأ صهيوني قناص

من فوهة بندقيته أطلق الجبان الرصاص  

رددت صدى غدره أبواق المآذن

و أزكم ريح مكره أزقة المدائن  

عافته الانس و الجن و الشياطين

و سخرت من جبنه الموتى في المدافن

شاء القدر في رمشة عين

أن تزهق روح شيرين 

و في يدها الخبر اليقين

عن مأسأة أولى القبلتين و ثالث الحرمين

تدفق دمها يرسم بحمرته خريطة فلسطين 

و يكتب صفحات من تاريخ خذلان المسلمين

أطفأ الجبان شمعة من شموع جنين 

عساه يخفي فضائحه و مكر السنين

قطف الوغد من فلسطين زهرتها 

كان أريجها يعطر القدس و ماحولها 

ظن الرعديد أنه أخمد جمرة وقادة

كان لهيبها يلفح جباه القردة

ما لم يعلمه اللقيط سليل العاهرات

أن شيرين ماتت قبل اليوم مرات و مرات

لكنها اليوم خلفت شيرينات كثيرات

يذدن عن حمى الأقصى و المقدسات 

ما لم يعلمه الخسيس ابن الفاسقات

أن أرحام الفلسطينيات لسن كأمه عاقرات

يلدن للقدس حماة و ينجبن مجاهدات

عزلا هم و لكنهم يرعبون المدرعات

ما لم يعلمه اللئيم نجل اللقطاء

أن روح شيرين تتوعد الصهاينة اللعناء

بأن النصر قريب مهما خان العملاء 

تنفذ ذخائرهم و لا يجف نبع الشهداء .


     🔫  شعر منثور في حق المغدور 🔫

                    😥 زايد  وهنا 😥