عندما تفقد الثقة

 🦂  عندما تفقد الثقة  🦂   


          أصبح الإنسان اليوم يعيش في حيرة من أمره ، فالكل يهفو إلى حياة سعيدة و لكنه لا يدري أي السبل يسلك و أي الآراء يصدق في عصر كثرت فيه الفتن و الأوبئة 

و المتناقضات ، مثله في ذلك كمثل شخص مسافر في فلاة ليس معه من الزاد و الماء إلا القليل ، و هو يأمل أن يكون الزاد على قدر الطريق ، و بينما هو كذلك إذ وجد نفسه في ملتقى طرق عديدة و لا يعرف أي هذه الطرق مختصر 

و سالك و آمن حتى يسلكه ليصل إلى وجهته المرغوبة ، 

و في مقدمة كل طريق لوحة  كتبت عليها إرشادات 

و معلومات عن مواصفات ذلك الطريق .

تفحص لوحة الطريق الأول فإذا هي مكتوب عليها :

" طريق صحراوي طويل جدا ، مسالكه وعرة ، لا ماء فيه ، سالكه هالك لا محالة من العطش و الجوع مهما تزود له ".

انتقل ببصره إلى لوحة الطريق الثانية و قرأ :

" هذا طريق مختصر و لكنه غير آمن ، إذ به قطاع الطرق يعترضون سبيل كل مسافر ، يسلبونه متاعه و يقتلونه ، 

ما نجا من سلكه ".

نظر إلى لوحة الطريق الثالث ، و فيها :

" طريق مختصر ، به ماء و به أجمات تعيش فيها 

حيوانات ضارية ، لا تترك الفرصة لعابر إلا و جعلته

فريسة لها ".

ابتلع ريقه و اتجه صوب لوحة الطريق الرابع ، و الأمل يحدوه  عسى أن يكون  أكثر اختصارا و آمانا من سابقيه ، فقرأ :

" طريق آمن ، و لكن مسالكه متشعبة عبارة عن متاهات تضلل سالكها ، فيختفي إلى الأبد ، و في أحسن الأحوال  يجد نفسه في آخر المطاف قد عاد لنقطة الصفر ، أي بداية الطريق ".

بقي الطريق الخامس و هو الأخير ، نظر إلى اللوحة ، 

و استبشر خيرا إذ ما كتب عليها كله خير لا يبعث على الخوف و القلق ، فقرر أن يسلكه متوكلا على الله ، و ما أن خطا بعض الخطوات حتى رأى رجلا أغبر راجعا في الاتجاه المعاكس و هو يلهث و قد أخذ منه التعب كل قواه ، و هو يقول :

" عد أدراجك أيها الرجل ، فقد خدعت قبلك بلوحة هذا الطريق ، و ما كدت أقطع نصف ميل حتى أراني من الأهوال ما لا يخطر على بال ، لا تصدق ما كتب على هذه اللوحات ، معلوماتها تنطوي على الأكاذيب و المغالطات ، فهي تضلل الناس حتى لا يهتدوا إلى الطريق الصحيح "

جلس الإثنين في ملتقى هذه الطرق المشؤومة و كلاهما على حذر من الآخر .

قال الرجل العائد من الأهوال للمسافر الحيران المتردد  بعد أن استراح و استرجع أنفاسه :

" أتعرف يا هذا أن كل هذه اللوحات كاذبة مضللة ، 

لا يدري المسافر أيها يصدق ، كالمريض الذي يكشف عنه الأطباء و يختلفون في تشخيص علته فتستبد به الحيرة أيهم على حق " .

استطرد العائد من الأهوال قائلا :

" سأخبرك عن تأويل هذا كله ، فأما هذه الفلاة فهي

الدنيا و أما الطريق فهو العمر و أما أهوالها فهي المشاكل اليومية و أما الزاد فهو الرزق كما قسمه رب العباد و أما اللوحات فهي وسائل الإعلام ، التي جعلت الناس حيارى أي الأخبار يصدقون و أي الآراء يتبعون و لا أدل على ذلك مما يروج حول التلقيح من كورونا ، البعض يراه حلا ناجعا 

و البعض يحذر من مخاطره و تدعياته  ، فبأي معيار نعرف صدقهم من كذبهم ، و وفاءهم من غدرهم ، و هذا ما جعل عيشنا اليوم بين حيرة و تردد و تعاسة .

         أظنك الآن عرفت سبب حيرتنا و تعاستنا في عصر 

تطور فيه كل شيء إلا الثقة و المصداقية فقد افتقدهما في كل شيء ، و هما أثمن ما في الوجود  !!! " .


                      💼  بقلم    زايد  وهنا  💼

رجال لا تقهر

                     ⛏   رجال لا تقهر  ⛏


        بينما أنا أستعد للنوم ، سمعت إشارة وصول بريد على الواتساب ، فتحت الهاتف ، فإذا هي رسالة من أحد أعز الناس إلي و أجلهم قدرا في نفسي ، و كانت الرسالة عبارة عن صور لضيعة فلاحية ظننتها للوهلة الأولى أنها لأحد السهول المغربية الفيحاء ، و لكن فوجئت عندما علمت أن هذه الضيعة في بلدتي في منطقة لا يخطر على بال أحد أنها ستكون بهذا الخصب و بهذا المحصول الوفير الطبيعي الخال من كل الملوثات ،

لأنني أعرف أن أرضها صلبة و ماؤها غائر .

        هذه الضيعة في أرض تدعى " تلكي " لا تبعد كثيرا عن قرية بني وزيم ببوذنيب بإقليم الرشيدية ، و نظرا لموقعها في منطقة وعرة كثيرة الأحجار ، و كذا بعدها عن مجاري النبع الذي يروي حقول الناس في المزرعة كما يسميها الأهالي ، فإن الأسلاف لم يفكروا في استغلالها بل اكتفوا بما تعطيه المزرعة من منتوجات معاشية تكاد لا تكفيهم لسد حاجياتهم مما يضطرون معه للتزود من الأسواق المجاورة ، و رغم ذلك لم يحاولوا استغلال هذه الأراضي لأن إمكاناتهم قديما كانت بسيطة فهم حينها لا يملكون الآليات الحديثة لتطويعها و حفر آبارها التي تزيد عن ستين مترا .

        مع مرور الزمن ازداد عدد سكان القرية ،

و لم يعد منتوج حقولهم التي تسقى من مياه النبع يكفي لسد الحاجيات مما دفع شباب القرية للتفكير في استغلال تلك الأراضي الوعرة على غرار ما فعله بعض المستثمرين ، خصوصا و قد تطورت وسائل العمل و الإنتاج ، و لو في مساحات أقل شساعة من المساحات التي يستغلها المستثمرون 

حسب إمكاناتهم و مؤهلاتهم ، و لكن في الحقيقة 

استطاعوا أن يحققوا ما عجز عنه الأباء 

و الأجداد .

 و هذا نموذج من ضيعة يمتلكها أبناء المرحوم " عبد الرحمن حمي " ، هم خمسة رجال من خيرة شباب القرية سلوكا و معاملة ، لا يعرف الوهن 

و الخمول إلى نفوسهم و سواعدهم سبيلا .

فرغم إمكاناتهم البسيطة و صعوبة العمل في أرض  صلبة كثيرة الأحجار ، إلا أن همة و عزيمة هؤلاء الفتية ألانت صلابتها و جعلتها أرضا معطاء ، تسحر الناظر بمنظرها و خضرتها قبل أن يتذوق محصولها ، و إني و إن كنت من أبناء المنطقة فقد أعجبت كثيرا لمنظرها و دقة تناسق مزروعاتها 

و كأنها لوحة أبدعتها ريشة فنان و هذا الفنان

ليس سوى الإخوة الخمسة -- حفظهم الله -- الذين 

لم يكتفوا بما هو معاشي بل صيروه تسويقي نظرا

لوفرة المنتوج .

        نعم لقد كانت أرضا صلبة و لكن وجدت من هم أصلب منها ، يسقونها بعرق جباههم و تشبعهم من خيراتها . فلمثل هؤلاء ترفع القبعات و تقبل الأيدي  . رعيا لهؤلاء و لأمثالهم الذين يسعون لتدليل العقبات بكدهم و جدهم ليوفروا لنا ما نقتات به .


          🌴 صور علق عليها :   زايد وهنا 🌴

إلى متى ؟

 إلى متى ؟

أتساءل مع نفسي أحيانا ، ماذا حقق الكتاب بكتاباتهم و الشعراء بقصائدهم و المغنون بأغانيهم و التشكيليون بكريكاتوراتهم و الدعويون بخطبهم بل حتى الجماهير بتظاهراتهم في كل شعوب العالم المتخلفة التي تعاني من الفقر و الحروب 

و التبعية للدول العظمى التي فرضت هيمنتها و طغيانها على هؤلاء المستضعفين ؟

منذ زمن بعيد و شعوب العالم المغلوب على أمرها تعبر عن آمالها للخروج من دائرة التخلف بما ملكت يدها من فنون الكتابة النثرية و الشعرية و الخطب التي تدعو بالويل 

و الثبور و الدمار لتلك القوى الطاغية و لكن لا شيء تحقق من ذلك بل ازدادت المسافة بعدا ، و الهوة اتساعا فهم ازدادوا قوة و تقدما و نحن ازددنا ضعفا و تخلفا .

إذن ألم يان لهذه الشعوب المتخلفة أن تستوعب أن هذه الوسائل لم و لا و لن تجدي نفعا أمام التقدم العلمي و النمو الاقتصادي و الغلبة العسكرية ، فلماذا لا تحاول أن تغير نهجها و عوض الوقوف على الأطلال و التفاخر بالأمجاد البائدة و التباكي على الحاضر المقرف أن تستفيق و تعلم علم اليقين أن العالم اليوم لا يؤمن إلا بالقوة و أن البقاء للأقوى و أن العيش الرغيد لا تضمنه إلا الهيمنة الاقتصادية في جميع المجالات الصناعية و الفلاحية و التجارية ، التي تتنافسها اليوم الأمم المتقدمة في السوق العالمية .

قد يسأل سائل و ما السبيل إلى ذلك ؟ 

الجواب على هذا السؤال قد يبدو للبعض مستحيلا خصوصا و أننا تعودنا على هذا الاستسلام و هذا الخضوع و لكن في حقيقة الأمر لا شيء مستحيل إذا توفرت الإرادة 

و النية الصادقة لدى الشعوب و أنظمتها على حد سواء .

نعم قد يتطلب ذلك ردحا من الزمن و لكن في آخر الأمر ستصل إلى المبتغى .

لعل أول ركيزة أساسية ترفع شأن الأمم هي التعليم ، لهذا ينبغي بل يجب إلزاما إعادة النظر في مناهجه و برامجه و وضع خطة مدروسة العواقب لتتخرج منه أطر ذات كفاءات عالية في شتى العلوم التي يتطلبها العصر و أن تشجع البحوث العلمية ليكون لدينا مخترعون و خبراء باحثون في مجال الطب و الهندسة و سائر العلوم التكنولوجية و الميكانيكية فنبتكر و نصنع و نشيد و ننافس الآخرين ، حينها قد نصدر أكثر مما نستورد ، و قد حبا الله شعوبنا بالمواد الخام من معادن و غاز و نفط و منتوجات غذائية و غيرها مما يتهافت عليه الغرب و يستعمله في صناعاته التي يستأسد بها علينا .

و هذا لن يتأتى إلا بعقد العزم على استئصال الفساد من جميع القطاعات و القطع معه 

و مع التفاهة و التافهين و ضمان العيش الكريم للمواطنين بتوفير فرص الشغل و الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه أن يشيع الفساد أو يمس بأمن المواطنين ، لأن الأمن و الأمان و الاطمئنان في الحياة يبعث على التفاني في العمل و الإخلاص فيه ، و يذكي روح الابتكار و الابداع .

باختصار هذه أحلام يقظة تاه في سديمها الخيال فلن تعدو أن تكون إلا مقالا من مثل تلك المقالات التي نجترها كلما نظرنا إلى حالنا . 


الحرباء

                          ⚫  الحرباء  ⚫


            عرت الريح رداء كنت دونه أتخفى

            فتكشف الذي كنت أخشى أن يعرف 

            لبست من الذل ثوبا و دنست الشرف

            فتراني دست العزة و تجرعت الأسف


            لبست من الشماتة ما لا يستر سوأتي

            و سقيت من الخيانة ما لا يمحو زلتي

            و وصمت وصمة المهانة على ناصيتي

            فلا حصنت ملتي ولا انحزت لعروبتي


ألست أنا بالأمس من ساند و دعم و انتفض و قال لا للحصار؟

فكيف أرضى أن أكون عبدا ذليلا في يد نخاس غاصب للديار

يمسك زمامي يسوقني حيث يشاء و يساوم عروبتي بالدولار

بؤسا لي و بؤسا لصفقة  قايضت فيها المروءة و النخوة بالعار


            لا أنا استترت بصمتي و وطنت نفسي

            و لا أنا اليوم عند الحق ناصرت قدسي

            كيف أجرأ إذا جاء النصر أن أرفع رأسي

            بئس القرار المخزي و تبا له من كرسي


            لا أدري أألوم الريح أم نفسي في خذلانها

            أم ألوم النخاس الصهيوني الذي راودها ؟

            و الحق ألوم نفسي التي تنكرت لقوميتها

            فالحرة تموت جوعا و لا تأكل من ثديها


عمي بيهي " برهو "

              🌒  عمي بيهي " برهو "  🌘


  " برهو " هو اللقب الذي يميز عمي " بيهي " عمن يحملون نفس الإسم ، إذ أن اسم " بيهي " هو اختزال لإبراهيم و هو اسم شائع بين الكثير من أهالي القرية خصوصا الأمازيغ ، لهذا كانوا قديما يعمدون إلى الألقاب للتمييز بين هذا و ذاك ، فكان لقب " برهو " من نصيب عمي ابراهيم الذي ولد يتيما و عاش أعزبا و مات أعزبا ، رحمة الله عليه .

    لقد عرف هذا الرجل العصامي بذكائه الحاد 

و قوة ذاكرته و سرعة حفظه لما يسمع و بتنوع المعارف و الأشعار التي استقاها من تجواله و كثرة أسفاره بين المغرب و الجزائر إذ كان يتميز  بلباقة تسهل اندماجه و انسجامه مع الغرباء الذين سرعان ما يستميل قلوبهم إليه بفطنته و كياسته و حسن معاشرته، و مما زاد من غنى معارفه هو إصراره الدائم على مجالسة الفقهاء و المثقفين والزجالين ، فكان أينما حل و ارتحل يستقي أنواع المعرفة ، مما شكل لديه خليطا من المعارف خصوصا التاريخية منها و الفنية و الأقوال المأثورة ، على تباين بيئاتها و اختلاف ألسن أهلها ،

عموما كان بمثابة مكتبة تمشي على رجليها .

كما أنه كان يكسب قوت يومه من أي عمل كان ، 

مما أكسبه خبرة في كثير من الحرف و الصنائع ،

و ما تنطوي عليه من أسرار ، و كان يقنع بالقليل

مما يكسب لأنه لا يعول إلا نفسه إذ كان وحيدا أعزبا مجردا من أي مسؤولية ، و لعل هذا ما 

شجعه على التجوال و حب الاستطلاع .

        كان أبي رحمه الله يحدثني عنه كثيرا 

و يذكر أمامي بعض الحكم و الطرائف التي سمعها عن عمي " برهو " الذي لا يزور البلدة إلا نادرا ،

و كان خلال زيارته الخاطفة حريصا أشد الحرص على زيارتنا في بيتنا إذ كانت تربطه بوالدي علاقة

صداقة منذ طفولتهما ، كما كان يجد لدى والدي

التجاوب الذي يرغب فيه ، و كأن أحدهما يكمل الآخر .

 في إحدى هذه الزيارات القليلة ، حاولت أن أقف شخصيا على ما يحكى عنه من سعة معرفته ،

فحاولت أن أتقرب منه و أستدرجه للحديث ،

و لكن قبل ذلك طلبت من أهل بيتي أن يحضروا

وجبة العشاء ، و أنا أشترط عليهم أن يكون فيه كذا و كذا ، فإذا به يلتفت نحوي قائلا باللسان العامي :

  " ما تاكل حتى تاكل عسل أزير "

 " و ما تنعس حتى تفرش الحرير " 

صمتت برهة ، ثم قلت متعالما كما لو أنني أدركت سر كلامه :

  " كيف أبقى دون أكل حتى أجد العسل ، فإن لم أجده ، أموت جوعا "

  " و كيف لا أنام حتى أفترش الحرير ، فإن لم أجد فراشا من حرير أبقى صاحيا طول الوقت "

إذذاك ضحك الإثنان من غبائي ، فتدخل والدي 

و بين المقصود من هذا المثل قائلا :

  " يا بني يريد أن يقول ، لا تأكل حتى تشعر بالجوع الشديد ، فعندها ستأكل كل ما يقدم لك بنهم و تلذذ و كأنه عسل أزير بالنسبة إليك في تلك الحالة ، أما قوله عن فراش الحرير ، فيعني بكلامه

لا تذهب لتنام حتى تشعر بثقل النعاس من جراء التعب ، و حينها ستشعر بالراحة و تغط في نوم

عميق و كأنك افترشت الحرير  ، أفهمت الآن المغزى من القول ؟ " .

عندئذ قلت في نفسي صدق من قال :

  " للي فاتك بليلة ، فاتك بحيلة "

نحن تعلمنا في المدرسة العلوم النظرية ، و لم نخضعها لتجارب الحياة و هؤلاء تعلموا في مدرسة الحياة العلوم التطبيقية المرتبطة بالمعيش اليومي ، و حللوا في مختبرها كل صنوف التجارب ، فأخذوا منها ما يفيد و تركوا ما لا يفيد .


            💼  من ذكريات   زايد وهنا  💼


  



الأخ لا يعوض " بو عمران "

 



          🍀 الأخ لا يعوض  " بو عمران " 🍀


جلس الحكيم الأسطوري " بو عمران " يوما إلى ابنه يعظه ، عله يورثه  بعضا من فطنته و ذكائه،

فكان الابن في كل مرة يسأل أباه و هو في قرارة نفسه يأمل أن يعجزه ، و لكن لم يجد لذلك سبيلا ،

مما يجعله دائما يستسلم و قد تيقن أنه لن يستطيع أن يجاري أباه في الحكمة ، و رغم ذلك 

ما زال مصرا على التحدي ، فإذا به يسأل أباه مرة أخرى أسئلة يستعصى حلها على غير الحكماء .

قال لأبيه و الكلام هنا باللسان العامي ، و سنبين

المقصود من هذا الكلام ليتضح للقارئ المغزى من

هذه الحكم :

     الابن :   " ابيض من آش ؟ "

     الأب :   " من الثلج ف الاحراش "

     الابن :   " اكحل من آش ؟ "

     الأب :   " من البارود ف الابخاش "

     الابن :   " احلى من آش ؟ "

     الأب :   " من الصبيان ف الفراش "

     الابن :   " حر من آش ؟ "

     الأب :   " من لخوت ف النعاش "


 يقصد الابن بسؤاله ما هو أكثر شيء بياضا في الدنيا ؟

فيجيب الأب أنه ليس هناك شيء أكثر بياضا من

الثلج الكثيف عندما يغطي الأحراش و هي النباتات القصيرة التي تنمو من تلقاء نفسها .

أما أسود شيء على الإطلاق فهو مسحوق البارود

الذي يضعه المحاربون في الجراب .

و قوله أحلى شيء في الدنيا ، يجيب بو عمران

أن لا شيء أحلى و أكثر سعادة و بهجة من رؤية الصبيان و هم يمرحون في الفراش أمام والديهم .

أما سؤال الابن عن أحر شيء و أكثر حزنا ، فيقول

الأب أن أحر شيء على النفس هو موت الإخوة ،

لأن كل شيء يعوض إلا الأخ ، لذلك فموته لها مرارة و حزن لا يطاقان .

سر الابن بفطنة والده و سرعة بديهته و حسن جوابه ، و هرول نحو أمه يحدثها بما سمع من

والده و هو في غاية الفرح و السرور .


                  🌷  بقلم    زايد وهنا  🌷

 





عظ نفسك

                💼  عظ نفسك  💼


        ربما حدث يوما أن ساقتك الظروف لتجلس لوحدك في مقهى لم ترتده من قبل في حي لا تعرف فيه أحدا ، إذن من  الطبيعي في مثل هذا الموقف أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي في هاتفك المحمول ، فإن لم تجد بها ما يشدك و لن تجده إلا نادرا ، فقد تسرح بخيالك حيث يطيب له التأمل ، و تطلق العنان لبصرك تقلبه فيما يتوالى أمامك من مشاهد الحركة الدائبة التي يعج بها الشارع ، بل أحيانا تجعل من نفسك طرفا تحاوره متى رأيت ما يثير فضولك من هذه المشاهد  ، 

و دون أن تشعر تجعل من نفسك حكما و تنصب ضميرك محاسبا ، يحاسب الناس على تصرفاتهم ، فتثني في نفسك على من أحسن صنعا ، و تنقم على من أساء تصرفا و تشفق على من قاست عليه الحياة ، فتتمنى لو كان بمقدورك أن تهنئ الأول 

و تقتص من الثاني و تقدم يد العون للثالث ، 

و لكن ما دمت غير قادر على فعل ذلك ، فعينك بصيرة و يدك قصيرة ، لأنك أنت أيضا واحد من تلك المشاهد المتناقضة ، فربما و دون أن تعلم هناك من ينظر إليك نظرة كالتي تنظر بها للآخرين و قد يصدر في حقك أحكاما كالتي تصدرها على الآخرين  .

إذن إذا كان الأمر كذلك فحاول أن تنتبه لعيوبك 

و نقائصك فتصلح منها ما استطعت ، حتى لا تلفت انتباه الآخرين إليك ، فيشمئزون من تصرفك كما تشمئز أنت من تصرفاتهم .


    💼  تأملات في الواقع بقلم زايد وهنا  💼




عمي عسو

               💼   عمي عسو  💼

   

   كان الفصل صيفا ، و الحرارة جد مرتفعة خصوصا في منطقة الجنوب الشرقي حيث المناخ القاري الذي يلفح المنطقة برياح الشرقي الحارة الآتية من جنوب الصحراء عبر حمادة كير ( guir )

و قد اعتاد السكان على هذه الحرارة المفرطة 

و تعايشوا معها ، و لكن أن يتزامن شهر رمضان المبارك مع هذه الظروف القاسية فهو أمر يحسب له الأهالي ألف حساب و يهيئون أنفسهم ماديا 

و معنويا لتحمل مشاق الصوم ،   إذ تشتد وطأة العطش على الناس ، فتراهم ينتظرون آذان المغرب أكثر من انتظارهم لأي شيء آخر ليطفئوا وقدة الظمإ . فما أن يحين وقت صلاة المغرب حتى ترى الناس شبابا و شيابا و قد اجتمعوا بالقرب من المسجد يحمل كل منهم قنينة ماء 

و قليلا من التمر ، و الكل يقلب نظره بين ساعته 

و بين قنينة الماء التي في حضنه يتلمسها ليستشعر برودة مائها و كيف لا و هي أغلى ما يملك في تلك اللحظة .

حدث مرة أن جلست كباقي الجيران أنتظر موعد الآذان ، و قد انزويت بنفسي في مكان ظليل ، 

فإذا بعمي عسو الرجل العجوز الوقور يسير نحوي متثاقل الخطى مستندا على عكازه ، يكابد أتعاب

الشيخوخة و العياء اللذان لم يتركا لديه طاقة للصوم في هذه الظروف الصعبة لولا قوة إيمانه 

و مكابرته و صبره اللذان تعود عليهما طيلة حياته .

بادرني بالتحية و اتخذ مكانا بالقرب مني ، وضع

عكازه عن يساره و قنينة الماء عن يمينه ، و هو 

يقول : " و جعلنا من الماء كل شيء حي " ، 

أومأت له برأسي و أنا أقول : " صدق الله العظيم "

عندئذ سألته السؤال المتداول بين الأهالي :

" كيف حالك مع غلة العطش ؟ " 

أجابني و هو يلملم أطرافه :

" لقد مرت علينا سنوات مثل هذه و أكثر ، و كنا في ريعان شبابنا نعمل أعمالا شاقة و لا نبالي  فاكتسبنا قوة التحمل و الصبر ، و لكن الهرم أخذ منا قوتنا فلم نعد نقوى على الصوم إلا بمشقة الأنفس رغم أننا لا نعمل .

تحسست قنينة عمي عسو فشعرت بدفء ما تحمله من ماء ، فقلت له رأفة به :

 " إن الماء الذي تحمله معك ليس بالبرودة المرغوبة التي تطفئ العطش ، افرغ ما بها من ماء 

و سأمدك بماء بارد ".

نظر إلي و قال دون أن يفعل :

 "ما تطلق الماء حتى الماء وبعد الماء حتى تذوقو"

طفقت أنظر إليه محاولا أن أفهم لغز كلامه هذا ،

لاحظ دهشتي فأردف قائلا :

" لقد ذكرتني بحادثة وقعت لي في شبابي أيام الاستعمار و ما زلت أذكرها الى يومنا هذا ، فقد كنت أعمل عند النصارى في منجم  يبعد عن قريتنا هذه بحوالي ستين كيلومترا ، قضيت  ثلاث سنوات من العمل الدؤوب الشاق بهذا المنجم بأجر زهيد و استطعت بحسن تدبيري أن أجمع قدرا من المال ،  فقررت أن أزور أهلي و أمدهم بما يسد الرمق و لو لمدة قصيرة ، فالفقر مستشري بين الناس في ذلك العهد و قليل من يكسب قوت يومه على بساطته ، و لم تكن آنذاك وسائل نقل ، بل كان الناس يسافرون مشيا على الأقدام و المحظوظ منهم من يملك بغلا أو حمارا يركبه أثناء السفر .

جمعت أمتعتي و دسست النقود في ثيابي 

و انطلقت أطوي المسافات ليلا حيث الطقس معتدلا عساني أقطع مسافة طويلة قبل أن ترسل الشمس أشعتها الصيفية اللافحة ، و ليس معي من الزاد إلا القليل من الخبز و قنينة أفرغت ما تبقى فيها من الزيت و ملأتها ماء لأروي بها عطشي ،

كان الوقت ضحى و أنا في منتصف الطريق تقريبا

أتصبب عرقا ، أخرجت قنينة الماء من الجراب 

و هممت بالشرب فإذا الماء ساخن و قد اختلط

بمخلفات الزيت في قعر القنينة  مما كرهني في شربه ، فأهرقت ما بها من ماء أرضا وقلت في نفسي صبرا إذ لم يعد يفصلني عن منبع للماء إلا مسافة قليلة و هو عبارة عن عين نبعت في مكان وطيئ من الأرض فنمت حولها بعض الأشجار 

و الأحراش، فأصبحت منتجعا صغيرا يؤمه المسافرون يرتوون من مائه و يستريحون في ظله ، أسرعت الخطى و أنا أمني النفس بشربة باردة تطفئ لظى الشمس و تنعش الروح و الجسد لمواصلة المسير ، و ما كدت أصل المكان حتى صدمت إذ وجدت النبع قد نضبت مياهه و يبس النبات المحيط به و لم يبق فيه أثر للحياة ، و أنا في أشد الحاجة للماء ، فقدأخذ مني العطش مأخذه ، فندمت أشد الندم على الماء الذي فرطت فيه ، ليتني لم أفعل ، و ما يجدي الأسى ، عقدت العزم على مواصلة المسير و وطأت نفسي على الصبر حتى يجعل الله من أمره يسرا ، و لكن اشتد الأمر علي فكانت كل خطوة أخطوها كأنني أتقدم نحو حتفي ، أتذكر أهلي و ما أحمل لهم من نقود هم في أمس الحاجة إليها فتكبر في الرجولة 

و فرحة اللقاء فأسرع الخطى و كأن شيئا خفيا يطاردني ، التقطت قطعة حجر صغيرة وضعتها في فمي حتى لا يجف حلقي ، و لم أعد أشعر بموطئ قدماي من شدة التعب ، أيقنت أنني هالك لا محالة ، فرفعت بصري نحو السماء أتضرع لله أن يتداركني بلطفه ، و فجأة بدت تلوح لي معالم خيمة ، فهرولت صوبها و لم أكد أقف على مدخلها حتى سقطت أرضا ، فشعرت بقطرات ماء بارد تنساب إلى حلقي و بدأت الحياة تسري في جسمي من جديد ، فتحت عيناي ببطء شديد فرأيت صاحب الخباء يحمل قرابا و قد جلس القرفصاء واضعا رأسي على فخده و يسقيني الماء بقدر قليل ، استرجعت بعض قواي ، فأدخلني إلى داخل الخيمة و ناولني قدحا صغيرا من الماء ، شربته 

و أنا أطلب المزيدو لكن الرجل كان ذكيا إذ كان يناولني الماء جرعة جرعة حتى لا أصاب بأذى ، ثم أحضر قليلا من الحليب فشربته هو الآخر ، عندئذ طلب مني أن أستريح لبعض الوقت ، و بعدها وضع قراب الماء بجانبي و كأن لسان حاله يقول ، اشرب قدر ما تشاء فلا خوف عليك الآن ، انقضضت على القراب و أخذت أشرب حتى ارتويت ، و هو جالس يرقبني بعين الشفقة حينا 

و الحذر أحيانا أخرى .

بعد أن ردت علي روحي و استرجعت بعض قوتي

شكرته على حسن صنيعه و كرم ضيافته ، و أردت  أن أبدد حيرته و أطلعه على أمري ،  فحكيت له قصتي و كيف أهرقت الماء الذي كان معي آملا أن أصل إلى المنبع و أتزود منه بما يكفيني من الماء ، غير أنني لم أجد ماء بالمنبع ، فواصلت السير مجازفا بحياتي .

تبسم الرجل و قال : 

" ألا تعلم يا رجل أن أجدادنا الأولين تركوا لنا قولا مأثورا بالعامية لو عملت به لنجوت "

قلت  : " و ما هو جزاك الله خيرا ؟ " 

أجابني و قد بدا مطمئنا متحمسا للحديث :

  قالوا : 

"ما تطلق الماء حتى الماء و بعد الماء حتى تذوقو"

أي لا تفرط فيما معك من الماء القديم الذي تحمله حتى تكون بجانب الماء الجديد الذي تريد التزود منه ، و قبل أن تهرق الأول تذوق الثاني ، فربما يكون طعم الثاني غير صالح بتاتا للشرب ، فتكون قد احتفظت لنفسك بالأول لأنك لم تفرط فيه .

ما أن أتم عمي عسو كلامه حتى أذن المؤذن ، 

فعجلنا الفطور بالتمر و الماء و هرولنا نحو المسجد

لإقامة الصلاة ، و أنا أردد هذا القول المأثور .

مرت على هذا الحدث سنة كاملة و جاء فصل الصيف و جاء فيه رمضان مرة أخرى و جاء الناس قرب المسجد كالعادة ينتظرون الآذان و جئت أنا كذلك ، غير أن عمي عسو لم يعد حاضرا بيننا فقد وافاه الأجل قبل أن يدرك رمضان ، لكن قوله ظل حاضرا يرن في أذني ، فأخذت أردد :

" ما تطلق الماء حتى الماء وبعد الماء حتى تذوقو"


             💼   بقلم  زايد وهنا  💼



 

    





  


 

بو عمران

                        🐫   بو عمران  🐫


يروق لي أحيانا أن أجالس كبار السن و أسمع منهم 

فطالما وجدت في حديثهم حكما مستوحاة من تجارب عاشوها هم أنفسهم أو نقلوها عمن سبقهم ، و من جملة ما حكى لي أحدهم رحمة الله عليه قصة طريفة تحمل في ثناياها عبرة ذات معنى عميق .

ذلك أنه في زمن مضى كان يعيش في قرية ريفية رجل حكيم يدعى " بو عمران " ، و قد حدث يوما أن اعترض سبيله أحد قطاع الطرق يريد قتله 

ليظفر براحلته و ما تحمل ، لكن " بو عمران " نال من اللص قبل أن ينال منه فأرداه قتيلا و تركه غنيمة للضواري .

بدأ إخوة القتيل و كانوا أربعة يبحثون عن قاتل أخيهم و قد حامت شكوكهم حول " بو عمران "

لأنهم وجدوا بالقرب من جثة أخيهم أثر خف 

ناقة ، و هم يعلمون أنه لا أحد يملك ناقة في قريتهم غير الحكيم " بو عمران " و هو ما أكد شكوكهم أنه القاتل ، فعقدوا العزم على الأخذ بالثأر منه و قتله في مكان منعزل كما فعل بأخيهم . 

منذ ذلك الحين و هم يترصدون تحركاته 

و يتتبعون أخبار تنقلاته دون أن يشعر بهم أحد ،

و بعد أيام قليلة بلغ إلى علمهم أن " بو عمران "

سيصحب معه ابنه في زيارة صديق له  بإحدى القرى المجاورة ، فوجدوها فرصة للقضاء عليه 

و على ابنه دون أن يعلم بذلك أحد .

ذهب الإخوة الأربعة قبله و كمنوا له في غابة كثيفة في منتصف الطريق ، ليس بها ممر سالك إلا الذي هم مختبئون به ، و الذي لا بد لكل مسافر أن يسلكه ، و ما كاد النهار ينتصف حتى سمعوا صوتا

يقترب منهم ، فاستعدوا للانقضاض على 

" بو عمران " و ابنه ، و بينما هم يتحينون الفرصة 

سمعوا الابن يسأل أباه و قد توقفا عن المسير ، قائلا :

 " يا أبت أنت تعلم أننا في هذا المكان لوحدنا ، فأخبرني بحقيقة الأمر ، فهل أنت فعلا من قتل ذلك الرجل ؟ "

أجابه والده قائلا :

" تعلم يا بني أني لا أخفي عليك سرا ، و كما قلت نحن الآن لوحدنا وسط هذه الأدغال ،فأنا بريء من دم ذلك الرجل ، و ليس لدي سبب لقتله ، و ليست ناقتي هي الوحيدة ، ففي القرى المجاورة نوق كثيرة ، فربما قتله أحد قطاع الطرق من قبيلة أخرى ، هذه هي الحقيقة و لا شيء سواها "

عندئذ تريث الإخوة الكامنون بعدما سمعوا هذا الكلام ، و انتظروا حتى ابتعد عنهم " بو عمران "

و ابنه ، فقال كبيرهم :

" أسمعتم ، فهذا الرجل بريء ، فلو كان هو من قتل أخانا لأقر بذلك لإبنه حين سأله ، لأنهما ظنا أن لا أحد يسمعهما في هذا المكان الآمن في نظرهما ،

إذن فلنعد أدراجنا و لنبحث عن قاتل أخينا في القرى المجاورة ، أما " بو عمران " فلم تعد لنا حاجة به ما دام قد اعترف بالحقيقة ".

واصل " بو عمران " و ابنه المسير ، فلما خرج من الغابة ، توغلا في صحراء شاسعة قاحلة لا نبات فيها ، و لم تعد تظهر لهما معالم الغابة ، هناك أناخ 

" بو عمران "  خطام ناقته فربضت على قوائمها ،  و طلب من ابنه أن يترجل عنها متدرعا بأخذ قليل من الراحة ، فما أن ترجل الابن و وقف أمام أبيه حتى بادره هذا الأخير بصفعة أليمة على خذه  قائلا :

" لقد قتلتنا بغبائك أيها الأبله ، حين سألتني 

و نحن نشق طريقنا وسط الغابة عمن قتل ذلك الرجل ، هب أيها الأحمق أن أحدهم أو كلهم كانوا مختبئين بين الأشجار ، و كنت أغبى منك و بحت لك بالحقيقة ، و قلت لك أنني أنا القاتل ، حينها سيعرفون حقيقة الأمر و تتأكد لديهم الشكوك ، فينقضون علينا و يقتلوننا ، اسمع و ع ما أقول لك 

و اجعل كلامي نصب عينيك ما حييت ، إن للغابة آذان و للخلاء كالذي نحن فيه عيون ، فلا تبوح بأسرارك في الغابة و لا في أي مكان لا يمتد إليه بصرك ، أما الخلاء و الأرض المستوية فلا تبوح بسرك إلا بعد أن تقلب بصرك في كل الاتجاهات فإن لم تر أحدا فقل ما شئت ، أما الآن و نحن في هذا الخلاء المنبسط الفسيح و حيث لا يسمعنا أحد ، فأنا الذي قتلته دفاعا عن نفسي و راحلتي "

و هكذا سار هذا المثل :

" للغابة آذان و للخلاء عيون "

 من الأمثال المتداولة بين الناس تتناقله الأجيال ، فهل يا ترى ستعمل به أم أنك تعتبره من أساطير الأولين التي لا فائدة منها ، أما أنا فقد أعجبتني الحكاية و أعجبتني العبرة منها و أعجبني حاكيها .


                     💼   بقلم زايد وهنا   💼


عندما تفقد الحياة لذة العيش

       🕯 عندما تفقد الحياة لذة العيش 🕯


لا تلومن أحدا على ما قد يكون العذر في مثله حتى تعلم ما اعتذاره ، و لا تعاتبه إذا ما شكا إليك يأسه و قنوطه ، فمن يدريك لعله يعيش ظروفا نفسية صعبة و يعاني من ضغوطات و مشاكل داخلية ، لا يشعر بها إلا من اكتوى بنارها ، 

و لو افترضنا أنك اطلعت عليها لالتمست له ألف

عذر .

لقد أضحت الكآبة عملة رائجة في زمننا هذا ، 

و استحوذ الغم و الهم على سائر شرائح المجتمع

لا يستثنى منهما غني و لا فقير و لا قوي و لا ضعيف و لا مثقف و لا جاهل و لا شاب و لا عجوز ، غير أن حدتهما تزداد لدى شريحة المثقفين الحقيقيين لأن هؤلاء هم أكثر الناس فهما و إدراكا لما يجري من حولهم ، و الغريب في الأمر أن هؤلاء لا يشتكون العوز و ضنك العيش بالقدر الذي يشتكي منه الآخرون ما دام أغلبهم يزاول وظيفة يعول بها نفسه و أسرته بل أحيانا عائلته ، و رغم أن لهم رواتب تسد ضروريات الحياة ، فهم أكثر حزنا و كمدا ممن لا يتقاضون شيئا ، و السبب واضح يرجع إلى ثقافاتهم و حمولاتهم الفكرية 

و فهمهم العميق لمجريات الأمور ، و لا تستغرب فقد تنبأ بذلك الشاعر المتنبي حين قال :

       ذو العلم يشقى في النعيم بعقله

                      و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم

إذن فسبب كآبة الفئة المثقفة لا يرجع أساسا لخصاص في العيش ، فهم و إن كانوا لا يرغدون في الترف كالأغنياء ، فلا يشكون نقصا في الضروريات إلا ما زاد عنها بسبب مرض أو متطلبات الأبناء في دراساتهم الجامعية ، و لكن رغم هذا و ذاك فهؤلاء لا تطمئن جنوبهم في المضاجع و لا يجدون للعيش لذة لأن ضمائرهم تعذبهم و هم يرون الفقراء و المساكين و الأرامل 

و الأيتام و ذوي الاحتياجات الخاصة و المعاقين ذهنيا يعانون في صمت و لا أحد يهتم لمعاناتهم 

أو يهب لنجدتهم و انتشالهم من الفقر و الألم ، 

و يرون الإجرام و العنف يتفاقم يوما بعد يوم يذهب ضحيته الصالحون و يكرم المجرمون في السجون ، مما جعل الجميع لا يشعرون بالأمن على أنفسهم و أبنائهم ، كما أن الفساد الذي استشرى في جميع القطاعات ألقى بظلال اليأس و الحسرة وكدر صفو العيش بالنسبة لكل غيور يطمح أن يرى مجتمعه راقيا سعيدا يسوده العدل و المساواة ، مجتمع يمجد الفضيلة و ينبذ الرذيلة ، مجتمع يشجع العلم و العلماء و يفتح أمامهم آفاق البحث ، مجتمع يزكي الفنون الراقية و يغلق الأبواب أمام التفاهة و التافهين . 

إذن فغياب هذه الأماني و الآمال هو ما بث الكآبة في نفوس الناس ، و الأدهى عندما يشعر الشباب بهذا الشعور الكئيب و هم في مرحلة عمرية تتميز

بالنشاط و الحيوية و الإقبال على مباهج الحياة ،

فعندما تجد هذه الشريحة قد استحوذ عليها التشاؤم ، فاعلم أن القطار على غير سكته الصحيحة السليمة .

كثيرا ما يجمعك الحديث بأناس من مختلف الأعمار و الوظائف ، و هم يؤكدون أن الحياة فقدت الذوق و غاب عنها الإحساس بالإطمئنان 

و ليس فيها ما يغري بالعيش .

باختصار لا أظن أن من اسودت الدنيا في عينيه

يمكنه أن ينتج و يبتكر و يتقدم ، لأن الرقي يكون

 بالتفاؤل و الرضى و الاحساس بالأمن والإطمئنان.


    💼  تأملات في الواقع بقلم  زايد وهنا 💼

 




ورثة الأنبياء

 كنت ضيفا عند أحدهم ، و بينما نحن جالسون نحتسي الشاي و نتجاذب أطراف الحديث عن ذكريات طواها الزمان و لفها النسيان ، دخل علينا ابن المضيف ببذلة رياضية و تصفيفة شعر غريبة تلفت الانتباه و تثير الدهشة و قد استحييت أن أقول الاشمئزاز ، بادرني بتحية مصطنعة لا تحمل أدنى قدر من الاحترام و كأنني زميل له في مثل سنه ، ثم ألقى بنفسه على الأريكة المقابلة لنا و قد وضع سماعتي الهاتف في أذنيه و عيناه لا تكاد تفارق شاشة الهاتف ، بعد برهة من جلوسه نظرت إليه فإذا هو منشغل بالذي بين يديه ، كأنه بمفرده في الغرفة ، و لا يرفع رأسه إلا إذا سمع قهقهة والده ، فيرمقه بنظرات تحمل ما تحمل من معاني السخرية ثم يعود لما هو فيه إذ لا يهمه حديثنا في

شيء و كيف يهمه و هو أصلا لا يسمع منه شيئا .

استغربت منه هذه التصرفات ، فهزني الفضول 

و سألت والده عن مستواه الدراسي ، تنهد و تأفف 

و تغيرت أسارير وجهه ، فشعرت أنني فتحت جرحا طالما تمنى هو نفسه ألا يفتح ، فأجابني جوابا يدمي القلب ، إذ أسر إلي بصوت خافت

و نبرة التوتر تعتريه خوفا من أن يسمعه ابنه ، أن ابنه هذا لا رغبة له في الدراسة ، فهو شاب مهمل

ضيع سنوات كثيرة من عمره في التكرار ، و أضاف 

و الحسرة تعتصر قلبه ، لعل انتقاله من مستوى إلى آخر كان بسبب كبر سنه و لم يكن أبدا بمجهود فكري بذله ، عمره اقترب من العشرين و ما زال يقبع في الثالثة إعدادي ، هذا ناهيك عن بعض سلوكاته المنحرفة و تصرفاته العدوانية التي لم يسلم منها أحد سواء من أهل بيته أو من الأساتذة و الإداريين و التلاميذ حتى بات ينعت بالمسخوط بين الأهل و الجيران و الزملاء ، و لم تعد تنفع معه نصائح والده و لا توسلات أمه ، و لا تهديدات رجال الأمن له أحيانا، مما كدر صفو العيش على أسرته ، و أفسد على والده متعة تقاعده ، حتى أصبح يتمنى الموت على أن يرى ابنه على هذه الحال التي لا تسر صديقا و لا عدوا .

كان لكلامه هذا وقع كبير على نفسي و أنا أرى أمامي شابا يافعا في طريقه إلى الضياع ، وضعت كأس الشاي دون أن أكمله ، و قررت بصفتي أستاذا أن أغامر و أستدرجه للحديث معي عسى أن أظفر منه بما يؤهل الطريق أمامي لمعرفة أسباب تمرده .

طلبت منه أن يقترب و يجلس بجانبي ، نهض من مكانه متلكئا و علامات التعجب بادية على محياه ، 

جلس و هو ينظر إلى والده و كأن لسان حاله يقول أنظر إلى رقة معاملة هذا الرجل ، قدمت له كأس الشاي فأبى أن يأخذه مني بدعوى أنه يشرب القهوة بدل الشاي ، طلبت من أمه أن تحضر له فنجان قهوة ، ربت على كتفه بيدي و أنا أستحضر كل ما أعرفه في علم النفس الخاص بهذه السن ، 

ابتسمت في وجهه و سألته عما إذا كان قد شاهد مباراة الكلاسيكو بين برشلونة و ريال مدريد ، فانطلق لسانه من عقاله و بدأ يحدثني حديث الصديق لصديقه ، حينها أحسست أنني بدأت أعزف على الوتر الحساس ، و أنني أمسكت بخطام

الناقة الصعراء أوجهها حيث أريد ، فاستطرد في الحديث عن تلك المقابلة يذكر محاسن هذا و يذم ذاك و ينتقد خطط المدرب و أنا أصغي إليه باهتمام و استحسن ملاحظاته و أزكيها بإيماءة من رأسي ، لكن في حقيقة الأمر فأنا أفكر في الخطوة الموالية و السؤال الملائم لها ، فبادرته بسؤال عن هواياته المفضلة ، فأجاب بسرعة و كأنه كان ينتظر هذا السؤال ، مؤكدا أن كرة القدم و الغناء هما المفضلتان عنده عن سائر الهوايات الأخرى ، و أكثر ميله للغناء ، استحسنت مرة أخرى جوابه ، فإذا به يبرر اختياراته بما يكسبه اللاعبون و المغنيون من أموال خيالية تجعلهم يرغدون في العيش 

و يترفون ، هذا ناهيك عن الشهرة و القيمة الاجتماعية التي يحضون بها . أما الدراسة فلم 

تعد لها قيمة ، فهي تخرج أفواج العاطلين الشبه الأميين ، و المحظوظ منهم من يحصل على وظيفة بأجر زهيد يجعله يعاني من متطلبات الحياة الضرورية طيلة حياته ، ينتظر كالفرخ في العش ذلك الراتب ليوزعه على المدينين له ، و لا يبقى بين يديه إلا ما يسد به الرمق حتى منتصف الشهر ليقضي الاسبوعين الأخيرين من الشهر في ضنك و حرج مع أصحاب الديون ، و لعل والدي واحد منهم ، فقد أحيل على المعاش بعد سبعة 

و ثلاثين عاما من العمل الروتيني الممل و أصبح يتقاضى ثلثي الراتب الذي كان يتقضاه ، مما زاد من معاناته ، فمنذ أن انخرط في سلك الوظيفة إلى يومنا هذا لم تعرف السعادة طريقها إلى قلبه ،

فكيف بمن قضى هذه المدة الطويلة في العمل 

و ضحى بزهرة شبابه في سبيل خدمة مجتمعه 

أن يهان بعد تقاعده ، أليس هذا هو السن الذي يتمنى كل متقاعد أن يروح فيه عن نفسه بالسفر 

و الاستجمام و زيارة الأقارب ، و هو السن كذلك

الذي تظهر فيه الأمراض و فيه يحتاج المتقاعدون للرعاية الصحية ، فلماذا ينتقص من رواتبهم 

و الأولى أن يزاد فيها لتحقيق ما فاتهم من رغبات .  

وافقته القول و أنا أبدي اهتماما كبيرا لما يقوله 

و كأني أسمعه لأول مرة ، و أشرت عليه بولوج

معهد موسيقي ليتعلم العزف على الآلات الموسيقية و يصقل صوته مع الكورال ، ما كدت أنهي كلامي حتى تململ في مكانه و التصق بي

و هو يتوسلني أن أتوسط له مع أبيه في تحقيق 

رغبته ، حينئذ تيقنت أنني جعلته أسيرا بين يدي

و لأول مرة شعرت به يستصغر نفسه أمام والده عساه يظفر بمرغوبه ، أصبحت في موقف قوة 

و أشرت عليه أن المعهد الموسيقي لا يلجه إلا الذين حصلوا على شهادة الباكلوريا ، إذ أن دراسة الموسيقى تتطلب مستوى لا بأس به في اللغات ،

حينها شعرت بفتور في حماسه و كأنني صفعته صفعة أليمة جعلته يطأطئ رأسه ، استدركت الموقف و أيقظت شحنة الحماس من جديد إذ 

واعدته بمساعدته في الدراسة و تقديم يد العون

شريطة أن يحسن معاملة أهل بيته و أساتذته ، 

و أن يظهر للجميع أنه شخص مسالم ، و تلك سمة الفنانين خصوصا و أنه سينضم إليهم قريبا .

أشرق وجهه بابتسامة و ارتمى علي يعانقني ثم قام و قبل رأس والده الذي لم يمانع هو الآخر في شيء مما اقترحته .

رشف رشفة من فنجانه و شكر أمه على مهارة تحضيرها للقهوة مما جعلها هي الأخرى تستغرب

إذ لم يسبق له أن شكر لأحد صنيعا .

قمت أودع الجميع بعد أن طلبت من الإبن أن يلحق بي إلى منزلي حيث خصصت غرفة لتقديم دروس الدعم ، أكون فيها أستاذا و مصلحا اجتماعيا و عالما نفسانيا .

عاملته تلميذا و اتخذته صديقا ، فبدأت أحواله تتغير إلى أحسن ، و لم تكد تمر سنة واحدة حتى

أصبح شخصا آخر غير الذي كان عليه مما جعل الكل يتعجب بمن فيهم والديه و أساتذته و جميع 

معارفه ، مرت السنوات الثلاث و نال شهادة الباكلوريا ، فكنت أنتظر منه أن يستشيرني في ولوج أحد المعاهد الموسيقية ، فإذا به يفاجئني بما لم يخطر يوما على بالي و بما لا أنساه أبدا ما حييت إذ قال :

  "  الآن عرفت فضل العلم و أثره ، فتعلمه حسنة ، و طلبه عبادة ، و بذله للناس صدقة ، يرفع الله به 

قوما فيجعلهم قادة أئمة يقتدى بأعمالهم "

سأتابع دراستي و لن يهنأ لي بال حتى أرتوي من

العلوم و الآداب ما يجعلني من ورثة الأنبياء .

أما أنت يا أستاذ فستظل قدوتي و مثلي الأعلى 

لن أنسى جميلك ما حييت و أعدك أنني سأدعو معك و مع والدي عقب كل صلاة .


                      💼  الكاتب : زايد وهنا  💼

 




إليك ربنا


   🚪  إليك ربي نشكو ضعفنا و قلة حيلتنا 🚪


       داهم العالم كله ولم يفلتنا وباء كورونا الخطير 

       قلنا ابتلاء ربنا قد يكون لنا أكبر واعظ للتغيير  

       طالما أبدى عجزنا و نبهنا إلى مكامن التقصير

       غيرأننا لم نتعظ و تمادينا غير مبالين بالتحذير 

       انسقنا مع الأهواءولم نراع بتاتا عاقبة المصير

       تضرر الاقتصاد فزدنا الطين بلا بسوء التدبير 

       أهملنا الأولويات وأصررنا على البذخ و التبذير 

       نخبط العشواء ونغلف فساد تصرفنا بكل تبرير

       فرطنا في الأهم وأولينا التفاهة كامل التقدير

       قلبنا الموازين فحقرنا الشريف و شرفنا الحقير

       قادنا الجشع حتى نسينا هموم العاطل والفقير

       اغتررنا بالمصالح فأهملنا حق المعاق و الضرير

       أهملنا العلوم و الأداب و طمسنا سبيل التنوير 

       ملأنا أذاننا وقرا ولم نقدر أولي النهى والتفكير 

       ترفعنا و تجبرنا فعرقلنا بتعنتنا عجلة التطوير

       لا نبالي بالآخر حتى أضحى السخط هوالتعبير

       وبانعدام الوعي تعاطى الشباب أنواع التخذير

       ما السبيل وقد غدت الأمور نحو الهاوية تسير

       لعمري نحن السبب و هذه عاقبة سوء التسيير

       ما لنا إلا التضرع فاللهم يسر أمورنا كل تيسير

       و اهدي عبادك و ايقظ للإصلاح جذوة الضمير

       ياعالم الأسرار من لا يخفى عليه مثقال قطمير

       ارفع بقدرتك الجائحة وفرج كل ضيق و تعسير

       إنك أعلم بحالنا فمن ذا يرحمنا غيرك يا مجير

       وقفنا بباب جودك يا نعم المولى و نعم النصير

       فلا تردنا خائبين و امنن علينا بفضلك الوفير

 

  نثر مسجوع توالت كلماته في لحظة أسى و تأثر 

                       زايد وهنا

◼ العبث ◼

 ◾ العبث ◾


أرى من وجهة نظري المتواضعة أننا لم نستوعب الدرس و لم نعتبر مما أحدثته جائحة كورونا ، 

و الدليل في ذلك أننا لم نغير سياستنا و سلوكنا 

و لم ننهج مسارا لتصحيح أعطابنا و ما أكثرها في كل القطاعات ، و على رأسها التدبير المحكم للمال العام و نحن أحوج ما نكون إليه في هذه الظروف أكثر من أي وقت مضى ، و ما زلنا نسمع و نرى بين الحين و الآخر قرارات غير مجدية تبذر من خلالها أموال طائلة غير ذات نفع و في غير موضعها 

و بكل جرأة دون أدنى خجل و كأنه تحدي لرأي العام .

كلما خرجت الحكومة بقرار يثير استياء الشعب أقول ربما قد ينتبه هذا الوزير أو ذاك لفشله فيتدارك الأمر ، و ينزل قرار آخر و أقول عسى أن يوقظ الضمائر  ،و يصدر آخر و أقول لعله الأخير ، و هكذا مع صدور كل قرار أتأسف حتى أكاد أموت حزنا ، و رغم ذلك لم أيأس ففي كل مرة أفتح لنفسي كوة الأمل و أمني النفس بدخول بصيص من الضوء و لكن كارثة المليار و اربعمائة مليون الأخيرة التي صرفت لفنانين أغلبهم إن لم أقل كلهم ليس بينهم و بين الفن إلا الإسم ، ليتها صرفت لدعم القطاعات الاجتماعية ذات النفع العام أو تدعم بها الفئات الهشة من أبناء الشعب ، فإن كان 

و لا بد أن تصرف في مجال الفن فأقلها أن يستفيد منها عمالقة الفن المغربي الذين أثروا خزانة الإذاعة بروائعهم منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا .

إذن بهذا الحدث الأخير أكون شخصيا قد قطعت الشك باليقين أننا في طريق الهاوية و أغلقت تماما باب الأمل في أي إصلاح مرتقب .

             

الشيخ العماري شيخ ذوي منيع

 🌴الشيخ العماري شيخ ذوي منيع 🌴


عرفت منطقة كير guir بالجنوب الشرقي المغربي في أواسط القرن الماضي ، بروز ثلاثة أشياخ في نظم الشعر الشعبي ، و ذاع صيتهم في هذه الربوع المباركة حتى نسجت عنهم بعض الأساطير بعضها حقيقي و أغلبها أوهام من خيال محبيهم و هم :

  ◾ الشيخ العماري شيخ قبيلة ذوي منيع شاعر متصوف زجال بالفطرة في أغراض شتى .

  ◾و الشيخ الطالب لحبيب شيخ قبيلة بني وزيم شاعر صوفي خصوصا في مجال الجفريات

  ◾و الشيخ محمد القنادسي من زاوية القنادسة شاعر متصوف أغلب شعره في السير الذاتية .

هؤلاء الثلاثة البارزين آنذاك في النظم كانوا على صلة ببعضهم ، بحيث يجوبون حواضر و قرى الجنوب الشرقي من تافيلالت إلى القنادسةو بشار ، يتزاورون و يستأنسون بمجالس الشعر ، و يسمعون جلساءهم ما جادت به قرائحهم . 

     و من طريف ما حكى لنا سلفنا أنه جرت العادة عند أغلب الأشياخ أنهم في أسفارهم و تنقلاتهم يصطحبون معهم شخصا أو شخصين من مريديهم أو أتباعهم المقربين الذين يعرفون الكثير عن عادات شيخهم و طباعه ، يستأنس بهم في خلوته فيساعدونه و يؤمنون طريقه . و كان من عادة  الأشياخ أن يتزاوروا فيما بينهم و لو بعدت المسافة ، للاطلاع على أحوال بعضهم و للمجالسة الشعرية ، و قد يمتد الأمر إلى أكثرمن ذلك خصوصا إذا توطدت علاقة الصداقة بينهم كاستئمان بعضهم البعض على وصية أو وديعة ثمينة .

و الغريب في أمرهم أن لهم آدابا خاصة بهم يراعونها في الزيارة ، بحيث إذا قدم أحدهم لزيارة أحد أصدقائه من الأشياخ لا يدخل القرية التي يسكنها المزار إلا بعد إخباره بمقدمه و الاستئذان منه ، إذ من باب الوقار و الحياء ألا يفاجئ الضيف مضيفه تفاديا للإحراج حتى يكون المضيف على علم بمقدم الشيخ الضيف ، لذلك يفضل الزائر أن يبقى في مكان بعيد عن أعين الناس على مشارف القرية و يرسل أحد مرافقيه إلى بيت صديقه ليخبره بمقدمه .

و من الآداب المعمول بها و التي تدل على مكانة الضيف و حظوته أن يخرج الشيخ المضيف بعد أن يعلم بمقدم ضيفه و يصحب معه شخصين أو ثلاثة من أعيان القبيلة لاستقباله على مقربة من القرية ،

و يأتي الجميع في وفد مهاب الجانب تحفه السكينة و الوقار إلى البيت حيث يكرم نزلهم ،  

و يستريحون من وعثاء السفر لتنطلق بعدها جلسات الشعر .

و مما يذكره السلف عن سرعة بديهة الأشياخ 

و فطنتهم و ذكائهم في فك الألغاز ،  أن الشيخ العماري شيخ قبيلة ذوي منيع جاء في زيارة إلى صديقه الشيخ الطالب لحبيب ، و لما أشرف على قرية بني وزيم أرسل أحد مرافقيه إلى بيت الطالب لحبيب ليخبره بمقدمه ، فما أن بلغه خبر قدوم صديقه حتى امتقع لونه و اضطرب حاله ، طأطأ رأسه قليلا ثم قال للمرسل :

 " عد إلى شيخك و أبلغه تعازي الحارة في موتي "

أي قل له باللسان العامي :

   " عظم الله أجرك في صديقك الطالب لحبيب "

لم يفهم المرسل شيئا ، فقال :

 " ألست أنت الطالب لحبيب ، فكيف تعزيه في نفسك و أنت حي ترزق ؟ "

أجابه الطالب لحبيب و قد اغرورقت عيناه بالدموع :

 " انقل له ما قلت لك و لا شأن لك بذلك "

رجع الرجل لتوه مهرولا مشدوها ،و نقل رسالة الطالب لحبيب لشيخه ، حينها فهم الشيخ العماري المقصود من الرسالة و أومأ برأسه إلى مرافقيه بمواصلة المسير نحو بوذنيب و قد لاحظ الدهشة بادية عليهم ، فطمأنهم و أخبرهم أن دهشتهم ستزول عندما يعرفون سر الرسالة .

        جرت هذه الأحداث في أواسط الأربعينيات  

بسبب الحرب العالمية الثانية و الجفاف  حيث فقدت المؤونات و قلت المحاصيل الزراعية 

و انتشرت الأوبئة و عمت المجاعة ، 

و لكن رغم هذه الظروف العسيرة فقد استطاع الشيخ العماري نظرا لسمعته و ( بركته ) الحصول على بعض المؤونة من دقيق و سكر و شاي ، كما أهداه أحد الرحل من قبيلة ذوي منيع شاة سمينة ،

فأخذ هذه الأغراض كلها و أسرع عائدا إلى بني وزيم ، لما أشرف عليها ، أمر مرافقيه بحمل كل تلك

الأغراض إلى بيت صديقه الطالب لحبيب 

و أوصاهما أن يقولا له :

 " إن شيخنا يقرئك السلام ، و يقول لك خذ هذه المؤونة ، فهي صداقة تبعث الموتى "

نقل الرجلان الأغراض و الرسالة إلى الطالب لحبيب ، أخذ منهما المؤونة شاكرا و ناولها أهل بيته ليقوموا بواجب الضيافة ، ثم خرج للتو صحبة رفيقين له و استقبل الشيخ العماري و تعانقا عناقا حارا ، ثم دلف الجميع نحو البيت ، و اتضح للمرافقين لغز كلام الشيخين.

        ترى هل توصلت عزيزي القارئ أنت كذلك لحل اللغز ؟

أما قوله أنني ميت ، فيقصد بذلك أنه ليس ببيته ما يمكن أن يقدمه لإكرام ضيوفه و لا سبيل لديه في تدارك الأمر لأن المجاعة أرخت بظلالها على الناس عامة ، و ما دام الأمر كذلك فقد اعتبر نفسه كالميت الذي لا حيلة له . أما الشيخ العماري فقد فهم المراد

من كلامه ، و ها هو قد أنقذ صديقه بهذه المساعدة ليحفظ له ماء وجهه أمام الضيوف .

و هكذا قضى الشيخ العماري و مرافقيه يومين كاملين لدى صاحبه في أكل و شرب و سمر شعري ، و في صبيحة اليوم الثالث خرج معهم الطالب لحبيب إلى المكان الذي استقبلهم فيه أول أمس ليودعهم و تلك عادة الأشياخ .

أما الشيخ محمد القنادسي ، فقد حدث مرة أن زار مدينة بشار سنة 1941 و هي السنة التي هجمت فيها أسراب الجراد على المنطقة فأتت على الأخضر و اليابس و كان من عادة الناس في مثل هذه الظاهرة أن يخرجوا عن بكرة أبيهم لطرد الجراد عن الحقول و البساتين بإشعال النيران لأن الدخان

يقضي على الجراد كما يحدثون جلبة بالضرب على الأواني التي تصدر أصواتا مزعجة لعلهم بذلك ينقذون القليل من المحاصيل . 

في ذلك الوقت كان القائد ( حمو بركا ) أحد عملاء فرنسا هو الذي يحكم بشار و كان يجوب شوارع بشار رفقة معاونيه من المخازنية و يحرض الناس على مكافحة الجراد و لا يسمح لأحد بالتقاعس عن أداء هذا الواجب و إلا كان مصيره الاعتقال 

و التعذيب .

في هذه الظروف دخل الشيخ محمد بشار ، فرآه القائد المذكور ، و طلب منه أن ينضم إلى الذين يكافحون الجراد ، فقيل له إن هذا الرجل شيخ من مرابطي الزاوية له وقار و تقدير عند الناس ، و لن يستطيع أن يتحمل المشقة نظرا لسنه ، و لكن القائد أصر على رأيه و نهره بغلظة أن يلتحق بأحد البساتين تحت رقابة المخازنية للعمل .

انصاع الشيخ لأوامره و ذهب الى حديقة مجاورة كان بها بعض العمال و جلس مستترا بين الأشجار 

و طفق ينشد :


   وسمو داخل يا حد دير في بشار

               و دخلتو يا ودي راها تجيب لدية

   و قبطوك لمخازنية كيف بومنقار

              و كبيرهم حمو بركا ما يرد لمزية

   نطلب ربي وصالحين يلصقوا ضرار

              لداك الوجه لمخربش كوجه قندية

   سيدي أحمد بناني بعيد للخطار

            طلبتوا ياودي إوفي لي ذ المنية

   طلبتو و طلبت ولادو صغار و كبار                                                             

               إقبطوا حمو بركا بجنون كورية

   و قبطو جن من جنون إقبطو لخرخار

            و قادر مولانا في ساعة يقلب الحية

    سيدي محمد بن بوزيان جايبك فالعار

            انت و رجال الله الظاهرة و مخفية

    تنزلو لو بلاء ربي يهدم الدار 

           لا تخلوا فيها حاجة تعود مكفية

   إن تولى لحكام للعبيد يا حضار

           فيه خير الحر يسلم و يساعف الدنيا

   إلا ما سعفتوني في ذي يا الناس لحرار

             ما بقى باش نعيط كاع يا الصوفية


هذه القصيدة خرجت من رحم المعاناة النفسية التي شعر بها الشيخ ، و الاحتقار و السخرية التي تعرض لها .

قضى يومه بين الأشجار و في المساء غادر بشار قاصدا زاويته بالقنادسة ، و بقيت القصيدة ترويها الناس جيلا عن جيل .


      عزيزي القارئ قد يكون هذا آخر مقال أكتبه في هذا الملف      " رجال بصموا تاريخ بوذنيب " 

أتمنى أن تكون قد استفدت و استمتعت بما

 تناولت فيه من سير بعض رجالات بوذنيب أحياء و أمواتا الذين تركوا لنا ذكريات جميلة و مواقف بطولية في شتى المجالات ، و هذا لا يعني أنني حصرت اللائحة عند هؤلاء فقط ، أبدا ، فأغلب أهالينا ببوذنيب لهم في القلب مكانة و في النفس تقدير ، و لكن هذا ما استطعت الاجتهاد فيه ، 

و أتمنى أن أكون قد وفقت إلى حد ما فيما كتبته ، كما أهفو إلى أن يكون هذا العمل بمثابة حافز لكتاب آخرين من أبناء بلدتنا ليطلقوا العنان لأقلامهم ، فكما تعلمون أن شمسنا أشرفت على المغيب بفعل تقدمنا في السن ، و ربما أفكارنا لم تعد تساير العصر و أسلوبنا في الكتابة أصبح متجاوزا ، و أنا على يقين أن ببلدتنا كتابا و مثقفين هم أكثر منا تمكنا ، فليستعينوا بما ترك السلف 

و لينطلقوا نحو مستقبل أفضل ، في ظل القيم النبيلة المتوارثة جيلا عن جيل ، و ما ذلك على شباب بوذنيب بعزيز .

 لهذا أرجو من إخوتي البوذنيبيين و البوذنيبيات الذين يعشقون الكتابة و لهم إلمام باللغة يتقنون فنونها و يسبرون أغوار بلاغتها أن يكتبوا لنا مقالات قصيرة عن أي شاب من شباب بوذنيب لمسوا فيه السلوك الحسن و نبل الأخلاق و أبان  عن موهبة أو تفوق في أي مجال من المجالات  يجعلنا نرفع رؤوسنا و نفخر به  ، و هذا ما نسعى إليه ، للتنويه بجهوده و تشجيعه على المواصلة نحو الأفضل من جهة و من جهة أخرى ليتخذه شبابنا قدوة في السلوك و العلم و العمل ، لأن

صلاح البلاد رهين بصلاح شبابها .

       فمن يا ترى من كتابنا البوذنيبيين تكون له الريادة و السبق ليدشن لنا أول شخصية في ملف جديد بعنوان :  "  ذوو العزم من شباب بوذنيب "

و من يا ترى ذاك الشاب القدوة الذي يستفتح به هذا الملف .

        ختاما أسأل الله العفو و العافية ، فأنا العبد المذنب لا أسعى من وراء هذا العمل إلا أن أرى بلدتي و أبناءها في أحسن حال ، كما  أرجو أن أكون قد وضعت اللبنة الأولى في هذا الباب ،  

و تركت بين أيديكم هذا العمل المتواضع ،  تتذكرونا به و تترحمون علينا ، لعل بدعواتكم يغفر لنا سبحانه و تعالى ذنوبنا ، و يتجاوز عن سيئاتنا ،

و الله من وراء القصد عليم 


            💼  مشجعكم الغيور  زايد وهنا 💼

🕸 التوأمان الطموحان🕸

 🕸  التوأمان الطموحان  🕸


        كثير هم الذين يستعصى عليهم التمييز بين  حسن بنيعيش و توأمه لحسن بنعيش ، اللذان يعودان في الأصل إلى قرية بني وزيم  ببوذنيب ،

ولا يستطيع التمييز بينهما إلا قلة قليلة من الناس الذين عاشروهما ، إذ أن هذين الشابين لا يتشابهان في الخلقة كسائر التوائم فحسب ، بل يتعدى التشابه بينهما إلى أمور أخرى تغيب عمن لا تربطه بهما رابطة الدم أو علاقة الصداقة .

العجيب في أمرهما أنهما يتحليان بنفس الخصال 

ونفس السلوك ، بل حتى في حركاتهما و طريقة التواصل مع الغير ، لهما نفس الميول الثقافي 

و الذي يغلب عليه الطابع الأدبي و يتجلى ذلك في ضبطهما للغة العربية و فنونها كتابة و تعبيرا ، 

و في حفظهما لأشعار العرب و سيرهم و ملاحمهم من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا ، يحملان نفس الأفكار و المبادئ التي يناضلان من أجلها ، و هي إرساء ثقافة هادفة ، فاختارا مهنة التعليم أو بالأحرى اختارتهما هي ليبلوا البلاء الحسن في تلقين التلاميذ و الرفع من مستواهم اللغوي 

و الثقافي .

إذا حضر أحدهما مجلسا أدبيا يغنيك عن حضور توأمه ، فإن حضر الإثنان فاعلم أنه لن يفوتك شيء بحيث يذكر أحدهما الآخر ، أما و إن كنت محظوظا في مجالستهما و شاءت الصدف أن يكون معهما أحد أصدقائهما المقربين السيد ( علي عديدو ) فابشر و اعلم أنك في مكتبة ، فلن تخرج من ذلك المجلس خاوي الوفاض ، و لا بأس أن أذكر في سياق الحديث أن أخانا السيد ( علي عديدو ) قد صدرت له مؤخرا رواية بعنوان 

  " بين اللحاء و اللحى " .

        باختصار شديد ، إذ المقال لا يتسع لذكر كل التفاصيل التي تستثقل القراءة لدى المتصفح ،  فهذان التوأمان بحزمهما حصلا على الإجازة في الأدب العربي بميزات مرضية .

 غير أن الحسن بنيعيش زاد على ذلك بأن حاز شهادة الدكتورة سنة 2019 في الآداب و العلوم الانسانية تخصص " اللغة العربية و آدابها " بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع ، أما عن إنجازاته العلمية فهي متنوعة ، فقد حاضر في موضوعات عديدة و شارك في ملتقيات أدبية و تربوية و قدم قراءات في الانتاجات الأدبية للكتاب المبدعين .

له كتاب " النبراس الساطع في نقد القرن الرابع ".

كما تم تعيينه مؤخرا و بصفة رسمية مديرا للتحرير بمركز الاصباح للتعليم و الدراسات الحضارية 

و الاستراتيجية بفرنسا ، و يعمل كذلك محكما في إدارة تحرير مجلة " توازن " .

أما توأمه لحسن بنيعيش فلا يقل عن شقيقه حزما و عزيمة و لكن نظرا لظروفه الصحية فقد أجل التحضير للدكتورة إلى وقت لاحق ، نتمنى أن يتم له ما أراد في القريب العاجل إن شاء الله ، 

و مهما يكن فالسيد لحسن بنيعيش لم يتراجع القهقرى أمام الصعوبات التي تعترض مساره و التي لا ترحم أحيانا  فحصل على دبلوم الدراسات العليا تخصص " نقد قديم "

و بالموازاة مع ذلك له مشاركات فعالة و مكثفة في عدد من الأنشطة الثقافية ببوذنيب و بمدن مغربية أخرى ، نشرت له مقالات في مجلات و جرائد ورقية و الكترونية ، كما شارك في برامج إذاعية ،

من مؤلفاته المجموعة القصصية " أحلام مؤجلة "

كعمل إبداعي ، و له أيضا عمل أدبي نقدي بعنوان

 " جنين المعنى " .

       هذه بايجاز أهم المحطات في حياة هذين التوأمين ، و العجيب في أمرهما أنهما يحبان بلدتهما بوذنيب و لهما غيرة كبيرة عليها ، إذ يتتبعان كل كبيرة و صغيرة و أملهما أن يسمعا عنها ما يفرح النفس و يبهج الخاطر .

        أيها الشباب البوذنيبي ، إن الغرض الأسمى من التعريف بالشخصيات التي ذكرناها فيما سلف من المقالات و التي سنتعرض لها مستقبلا إن كان في عمرنا بقية ، هو أن نعتبر و نشحد العزم و الهمة في أخلاقنا و علمنا و عملنا لنحقق لنا و لأسرنا 

و لبلدتنا و مجتمعنا ما يصبو إليه ، و نزرع نفس الحزم في الأجيال اللاحقة ، و من سار على الدرب وصل .

           كل صعب على الشباب يهون

                               هكذا همة الرجال تكون 


          💼 محبكم الغيور  زايد وهنا 💼

🖒 التحدي الكبير لهلين كيلر البوذنيبية 🖒

 🖒 التحدي الكبير لهيلين كيلر البوذنيبية 🖒


         ليس من السهل على فتاة ولدت في أسرة فقيرة ، تعيش في قرية مهمشة بالجنوب الشرقي المغربي ( الطاوس بوذنيب ) ، أن تقطع مسافة ثلاثة أميال يوميا لتتابع دراستها بالإعدادية ، شأنها شأن جميع أبناء قريتها و القرى المجاورة ، فهذا أمر  اعتاد عليه هؤلاء التلاميذ حتى غدا عاديا .

و لكن أن تكون هذه الفتاة في سنتها الثالثة إعدادي و هي التلميذة المجدة المتخلقة و تصاب فجأة بفقدان البصر كليا ، فهو في الحقيقة حدث مؤلم و محزن يدمي القلب و تدمع له العيون ،

 نعم تلك مشيئة الله و حكمته البليغة في خلقه ، 

و نحن راضون بقضائه و قدره ، غير أن مثل هذا الحدث قد يقلب حياة الإنسان رأسا على عقب 

و يضطره لملازمة بيته خصوصا و أن الإعاقة من النوع المعجز للرجال فما بالك بفتاة في مقتبل العمر ، و في ظروف مثل ظروفها .

و لكن شاءت قدرته سبحانه و تعالى أن تطفئ نور بصرها و تفتح لها أنوار بصيرتها ، فأودع سبحانه في نفس هذه الفتاة إصرارا و تحديا لم أرى لهما نظيرا إلا عند أبي العلاء المعري و طه حسين 

و هيلين كيلر ، هؤلاء الذين سجل لهم التاريخ تحديهم للإعاقة ،و أبى أن يسجل لبطلتنا (مونية رجدالي) رغم أنها قدمت نموذجا في التحدي معتمدة على السمع دون استعمال طريقة ( برايل ) و حققت ما عجز عنه الأوائل و الأواخر .

       لم تستسلم للفقر و لا لليتم و لا للتهميش و لا للإعاقة البصرية ، فصممت أن تدرك مبتغاها بما ملكت من عزم و إصرار ، فلا تستغرب و قل ما شاء الله ، فقد حصلت على شهادة الاعدادي بامتياز ، 

و بعدها شهادة الباكلوريا سنة 2014  بميزة مستحسن و هي المناسبة التي تم فيها تكريمها بدار الشباب ببوذنيب و كنت أنا العبد الضعيف منشط 

و مقدم فقرات تلك الأمسية التي أبكت و أفرحت جميع ساكنة بوذنيب .

      لم تكتف ابنتنا مونية رجدالي بهذا التتويج بل كان لها حافزا على مواصلة التحدي ، إذ التحقت بمدرسة المكفوفين بالرباط ، و لا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل للأخ سعيد حمي ابن قرية بني وزيم الذي قدم لها يد المساعدة ، فقضت بها سنة كاملة ، انتقلت بعدها الى الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية شعبة الدراسات الاسلامية ،

و في السنة ما قبل الإجازة ، التحقت والدتها بالرفيق الأعلى مما عمق جراحها و اكتنف الأسى  عالمها المظلم ، و لكن إصرارها المشع حماسا كان أقوى من هذه المآسي التي تكالبت عليها ،فنفضتها خلفها و تابعت دراستها حتى نالت شهادة الإجازة سنة 2018 بميزة حسن بأطروحة تحت عنوان : 

" الودائع في البنوك الاسلامية " .


      و في انتظار أن يفتح الله بابا لوظيفة تناسبها ، 

ارتأت هذه المناضلة ألا تضيع الوقت ، فقد انضمت حاليا إلى جمعية الإمام مالك لتحفيظ القرآن الكريم بالرشيدية لتكمل حفظه و تغترف من علوم اللغة و النحو و غيرها ما يزيدها ثقافة و إلماما في تخصصها .

       عزيزي القارئ ، أليس هذا التحدي مما ينبغي

أن يسجله التاريخ بمداد من ذهب على صفحات بوذنيب ، فإن لم يفعل ، فهاأنذا أوثقه قدر ما استطعت و ذلك أضعف الإيمان .

فمثل هذا التحدي صراحة لم تره عيني و لا جال بخاطري يوما أن فتاة في مثل هذه الظروف تحقق ما حققته مونية رجدالي .

 فالله جل في علاه نسأل أن ييسر أمرها و يفتح لها أبواب الخير ، و أن يعوضها من حيث لا تحتسب ، 

         أيها الشاب البوذنيبي ، أيتها الشابة البوذنيبية ، لقد حباكم الله بصحة الأبدان و سلامة 

الحواس ، فلا تستكينوا للكسل و التواكل ، 

و شمروا على سواعد الجد ، و اجعلوا خيار القوم أسوة لكم في الحياة ، و دللوا الصعاب بحماس 

و أنتم ترددون :

          إني و إن كنت الأخير زمانه

                        لآت بما لم تستطع الأوائل


           💼  محبكم في الله  زايد وهنا  💼

🌷مفخرة بوذنيب🌷

 🌷  مفخرة بوذنيب 🌷

   

   على قدر أهل العزم تأتي العزائم

              وتأتي على قدر الكرام المكارم

 

        منذ ولادته توسم فيه الوالدان رحمة الله عليهما كل الخير ، و خصاه بعطف و حب كبيرين وكيف لا و هو آخر مولود لهما ، اختار له والده اسم ادريس تيمنا بنبي الله ادريس و كان رحمه الله يردد دائما الآية الكريمة الواردة في سورة مريم 

    " و اذكر في الكتاب ادريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا "

و فعلا تميز هذا الطفل عن سائر أترابه بأخلاقه الفاضلة و بفطنته و ذكائه المتوقدين ، مما جعله يطوي سنوات الدراسة الابتدائية و الاعدادية 

و الثانوية بتميز قل نظيره ، كما أن التزامه بالصلاة و تمسكه بتعاليم ديننا الحنيف كان له الأثر الكبير في استقامته و تمكنه من العلوم عامة و الشرعية 

خاصة، لذلك اختار لنفسه شعبة الدراسات الاسلامية التي أبلى فيها البلاء الحسن بحصوله على الميزات المشرفة على الصعيد الوطني في جميع الشهادات التي أحرزها ، فضلا عن مواقفه النضالية المعروفة، وبلائه في مجال التدريس والبحث العلمي والتربية والدعوة.

     لعلك عزيزي القارئ قد عرفت الآن هذا الرجل ، إنه شقيقي الوحيد الذي يصغرني سنا و يكبرني علما و أدبا ، و ما أوردت سيرته إلا ليكون قدوة لشبابنا في نبل الأخلاق و غزارة العلم .

و إليك نبذة من سيرته الذاتية لتتأكد بنفسك 

و تعلم أن المنزلة الرفيعة لا ينالها إلا أهل العلم ممن دللوا الصعاب و سهروا الليالي و صدق الشاعر  شوقي إذ يقول :

     ما نيل المطالب بالتمني

                  و لكن تؤخذ الدنيا غلابا

    و ما استعصى على قوم منال

                  إذا الإقدام كان لهم ركابا


   📚 الأستاذ الدكتور: إدريس وهنا

أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية سايس فاس 

مهتم بقضايا الفكر والتربية

مندوب إقليمي ثم مندوب جهوي سابق للشؤون الإسلامية


   📚 الشهادات العلمية:

الإجازة في الدراسات الإسلامية، بميزة مستحسن، من جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، سنة 1994م.

دبلوم الدراسات المعمقة في الدراسات الإسلامية، تخصص أصول الفقه، بميزة حسن، الرتبة الأولى في دفعته، من جامعة محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس ، سنة 1995م . موضوع البحث: "الخطاب الشرعي وطرق استثماره من خلال الرسالة للإمام الشافعي" 

دبلوم الدراسات العليا، عن دراسة بعنوان: "المقاصد الأصلية والمقاصد التبعية من خلال الموافقات للإمام الشاطبي"، بميزة حسن جدا، الجامعة: محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز- فاس، سنة 1999م. 

شهادة الدكتوراه في موضوع: "الأصلي والتبعي في الاجتهاد الأصولي من خلال الموافقات للإمام الشاطبي"، بميزة مشرف جدا، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز- فاس، سنة 2004م.

- حاصل على شهادة التزكية في الخطابة وأخرى في الوعظ والإرشاد من المجلس العلمي المحلي ببني ملال.


   📚 شهادات التكريم والتنويه:

حائز على جائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية لعام 2004م، عن دراسة بعنوان: "الحوار في القرآن الكريم: موضوعاته ومناهجه وخصائصه" بإجماع وتنويه أعضاء اللجنة. 

بالإضافة إلى شهادات تقدير وتكريم وطنية كثيرة ومتعددة.


   📚 التجارب العلمية والبيداغوجية:

خريج المركز التربوي الجهوي بوجدة، سنة1996.

إطار أستاذ السلك الأول من التعليم الثانوي الإعدادي، مادة التربية الإسلامية، من1997 إلى 2002م.

إطار أستاذ السلك الثانوي التأهيلي، مادة التربية الإسلامية، ابتداء من 16-09- 2002م.

أستاذ محاضر متطوع بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية المغرب، لثلاثة مواسم دراسية متتالية من: 2006-2007م إلى2008-2009م. 

أستاذ متطوع بماستر الحوار الديني والحضاري وقضايا التجديد في الثقافة الإسلامية خلال الموسم الجامعي 2010/2011، بجامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بني ملال المغرب. 

أستاذ محاضر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية مكناس، برسم الموسم الدراسي 2013/2014م.

أستاذ مؤهل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس.، منذ 2005 إلى الآن.

مؤطر بماستر مقاصد الشريعة الإسلامية عند مالكية الغرب الإسلامي، برسم الموسم الدراسي 2014/2015م.

مؤطر بماستر المدرسة الحديثية بالغرب الإسلامي: قضايا ومناهج، ابتداء من الموسم الدراسي 2016/2017 إلى يومنا هذا.

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عضو مختبر الدراسات الدينية والعلوم المعرفية والاجتماعية

عضو مختبر العلوم الدينية والإنسانية وقضايا المجتمع

عضو لجنة تتبع قطب حوار الحضارات والتراث الثقافي

رئيس منتدى إنتاج للبحث العلمي بكلية الآداب سايس-فاس


   📚 الكتب المنشورة لحد الساعة:

"أسلوب الحوار في القرآن الكريم: الموضوعات والمناهج والخصائص"، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، الطبعة الأولى 2005م. 

"الحوار: مفهومه، شروطه، قواعده، ضوابطه، مقاصده" الطبعة الأولى 2008م، مطبعة طوب بريس- الرباط.

"الأصلي والتبعي في الاجتهاد الأصولي من خلال "الموافقات" للإمام الشاطبي" الطبعة الأولى 1432ه/2011م، دار ابن حزم، بيروت، لبنان.

"المقاصد التعبدية والحظوظ النفسية" الطبعة الأولى 2012م، مطبعة طوب بريس- الرباط.

"منهج النظر عند الإمام الشافعي من خلال «الرسالة»"، الطبعة الأولى 2014، مطبعة عين أسردون، بني ملال.

"العلم في الإسلام: حقيقته ومقاصده"، الطبعة الأولى 2017، مطبعة وراقة بلال -فاس.

"الكليات الشرعية وجزئيات النصوص والوقائع: بحث في مسالك الاستدلال والإعمال"، في طور التحكيم من أجل الطبع بمؤسسة الفرقان – لندن.

بالإضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات العلمية المنشورة داخل الوطن وخارجه.


    📚 إسهاماته وعطاءاته على مستوى بلدته بوذنيب:

عضو مؤسس لجمعية الواحة

مؤطر محاضرات وأنشطة ثقافية وعلمية بدار الشباب بوذنيب لسنوات عديدة

له إسهامات مقدرة في الحقل الديني على مستوى المساجد ومراكز محو الأمية

يمثل مسقط رأسه أحسن تمثيل داخل الوطن وخارجه بكتاباته ومحاضراته ومشاركاته المتنوعة

له علاقات طيبة وممتازة مع الجميع .


          💼  بقلم شقيقه الأكبر  زايد وهنا  💼

لا تجحدوا أحدا حقه

 🌏   لا تجحدوا أحدا حقه  🌏


كثيرا ما نسمع و نرى و نقرأ عبر وسائل الاتصال السمعية و البصرية و الورقية و الرقمية أخبار نعي بعض الفنانين و الرياضيين الذين غادرونا إلى دار البقاء رحمهم الله و على إثرها تتوالى تدوينات الأسى و الحزن على فراقهم و هذا أمر طبيعي 

و محمود ، فهم يستحقون ذلك لما أسدوه من تضحيات في المجال الفني و الرياضي للرفع من شأن المجتمع .

و لكن ما يحز في النفس و يثير نوعا من الاستغراب أن أمثالهم ممن أفنوا زهرة شبابهم 

و صفوة كهولتهم و جزء من شيخوختهم و ضحوا بأوقاتهم و جهودهم في مجالات أخرى غير مجال الفن و الرياضة ، لا يلتفت إليهم أحد ، سيقول قائل هؤلاء كثر ، و لا يمكن أن نوفي الجميع حقه بالذكر ،أنا لا أختلف مع القائل و لكن هناك البعض من الناس يتميزون عن غيرهم في أداء رسالتهم بكل إخلاص و تفان و إنضباط طيلة مسيرتهم المهنية ، و حققوا بأعمالهم الكثير من الأهداف ، 

و أصبحت لهم سمعة طيبة في أوساطهم ، منهم أطباء و أساتذة و أدباء و موظفي الإدارات العمومية و رجال أمن ، و غيرهم ممن أنقذوا أرواح الناس أو تخرجت على أيديهم أفواج من الأطر 

أو ساهموا بأدبهم في تثقيف المجتمع أو سهروا على أمن المواطنين بكل إخلاص همهم في ذلك 

الرقي بالمجتمع ، فهؤلاء الذين هم من هذا النوع 

هم صفوة المجتمع و لا بأس من حين لآخر أن ننعي وفاة أحدهم و نذكر خصاله و نشيد بتضحياته 

و نترحم عليه ، ففي ذلك اعتراف لذوي الفضل 

و تحفيز للشباب و الموظفين عموما للإقتداء 

و السير على نهجه .

و حقيقة الأمر أن هذا الدور يقع على كاهل الإعلام ، إذ ما المانع لو خصصت ساعة من الزمن مرة واحدة في الشهر ، تبث عبرها التلفزة برنامجا ينعي وفاة بعض الموظفين في أي قطاع كان ممن أدوا واجبهم الوطني بكل إخلاص ، و يشيد بهم 

و بخصالهم و حسن سيرهم ، و هي مناسبة ليترحم

الكثير من متتبعي البرنامج عليهم و يتخذونهم قدوة في التضحية و حسن السلوك .

هذه مجرد أفكار راودتني ، قد أكون صائبا و قد أكون مخطئا ، و للقارئ الحق أن يؤيد أو يعارض ،

مادامت كل المواضيع قابلة للنقاش ، فلا غرور ينتابني فيمن أيدني و لا ضير يقلقني فيمن عارضني ، و الاختلاف رحمة .


                 🌏    بقلم زايد وهنا  🌎

المسحراتي

 🌒المسحراتي سليل الزاوية الكناوية ببوذنيب 🌘


هناك قول مأثور كنا نتداوله منذ صغرنا و نتمازح به و هو قول أحدهم :

 " إن شيح ابن لودايني " 

و كان المقصود من قوله

 " إن يوذن ابن شياحني " 

و معناها 

" إلى أن يؤذن ابن شياحني "

 و لكن اختلت موازين النطق عند القائل فقلب الجملة رأسا على عقب ، و هذا الأمر يقع فيه البعض من الناس بسبب التسرع .

فما المقصود من هذه القولة 

" إلى أن يؤذن ابن شياحني " ؟

و من هو يا ترى هذا الشخص المسمى

 " ابن شياحني" ؟ .

جرت العادة عند أهل بوذنيب قديما أنهم يسهرون ليلة العرس في الغناء و الطرب حتى يؤذن المؤذن لصلاة الفجر ، و من شدة المتعة و الفرجة 

و الاستمتاع بالطرب كان بعضهم يردد  بصوت مرتفع :

   " إيل  صباح " أي  " إلى الصباح "

فيردد آخر  :

  " إن يوذن ابن شياحني " 

أراد أحدهم أن يردد هذه العبارة الأخيرة ، فقلب الجملة وقال : " إن يشيح ابن لودايني "

و منذ ذلك الحين و الناس يرددونها مقلوبة قصد الضحك و المزاح .

و هذا يعني أننا سنستمر في الطرب الممتع و لن نتوقف حتى نسمع السيد ابن شياحني يؤذن لصلاة الفجر .

الآن و قد عرفنا المقصود من القولة ، فمن هو الشخص المعني بها و هذا هو صلب موضوعنا الذي من أجله كتبنا هذا المقال .

         تأسست الزاوية الكناوية  " سيدنا بلال " ببوذنيب بمجيء المرحومين بابا موح شياحني 

و صهره محمد برابح من تافيلالت إلى بوذنيب .

محمد برابح هذا نزح من منطقة بشار - حيث لا يزال أبناء عمومته يقيمون هناك - و استقر بقصر أولاد عبد الحليم بتافيلالت قبل أن يغادرها رفقة صهره بابا موح شياحني إلى بوذنيب حيث أسسا زاوية سيدنا بلال الكناوية بحي الكرابة .

محمد برابح ترك من الولد ثلاثة هم عبد الرحمان شياحني و عبد النبي شياحني أطال الله في عمرهما و عبد الله شياحني رحمه الله .

أما بابا موح شياحني زوج ( ماما زا ) أخت محمد برابح فقد ترك  هو كذلك من الولد ثلاثة هم العربي شياحني و سالم شياحني و جيلالي شياحني .

و كان بابا موح شياحني رحمة الله عليه مؤذنا بمسجد حي الكرابة لمدة طويلة ، جعل الله ثوابها في ميزان حسناته .

نعم لقد امتدت الطقوس الكناوية من المرحوم محمد برابح إلى ابنه عبد الرحمان أكبر إخوته ، 

و الذي يرجع إليه الفضل في الحفاظ على تراث أبائه و أجداده ، فكان شديد الحرص على استمرار هذا النمط الغيواني الكناوي ، و لذلك كان يقيم كل ليلة جمعة جلسة كناوية بآلة الهجهوج ( الكنبري )

كما كان ينظم كل صيف لقاء سنويا لكناوة ببوذنيب ( اللمة ) بدار بابا موح شياحني و زوجته 

( ماما زا ) و هو ما يسمى في قاموس الكناويين 

ب ( الدردبة ) و يحضره بعض كناوة من المناطق المجاورة و على رأسهم بابا سالم من الرشيدية ،

فيحيون ليلة كناوية تبهر الحضور بعروضها .

و لم يكن عبد الرحمان يكتفي بهذا بل كان أحيانا يجوب القصور المجاورة لبوذنيب رفقة أخيه عبد الله و صديقه أحمد الابراهيمي ، غايته في ذلك التعريف بالفن الكناوي و متعته في الأوساط التي تجهله ، و فعلا كانوا يلاقون الترحاب و التقدير من قبل القرويين .

تتميز إيقاعات الطبل و القرقاب ( الصنج ) لدى زاوية كناوة ببوذنيب عن الإيقاعات التي نجدها مثلا لدى كناوة في الخملية أو زاكورة .

و لكن للأسف توقفت هذه العادات و الطقوس منذ مدة لأسباب ذاتية و موضوعية لا يتسع المجال لذكرها ، و لم يبق منها إلا طقس المسحراتي الذي دأب السيد عبد الرحمان شياحني على الالتزام به كلما حل شهر رمضان المبارك ، يساعده في ذلك تارة أخوه عبد الله قبل مماته و تارة صديقه أحمد الابراهيمي ، فكانوا يطوفون البلدة بأنغام كناوية يوقظون الناس لتناول وجبة السحور ،

و لم تتوقف هذه العادة التي ألفها أهل بوذنيب إلا في السنوات الأخيرة حيث داهم العجز و المرض السيد عبد الرحمان و لم يعد قادرا على المشي كثيرا ، نسأل الله جل في علاه أن يشفيه 

و يعافيه و أن يجزيه عنا خير جزاء ، فقد كان رجلا 

طيب القلب ، صفي السريرة ، كريم الأخلاق ، 

و لا يفوتني أن أتقدم بجزيل الشكر لابنه الأخ عبد الكريم شياحني على المعلومات التي أمدني بها ، 

و لولاه لما استطعت أن أفصل في الموضوع ، كما نسأله جلت قدرته أن يتغمد أباءنا و أجدادنا و سائر أموات المسلمين بالرحمة و الغفران ، و أن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى ... آمين ....


                  💼   بقلم   زايد وهنا  💼

رجل أحب بوذنيب و أحببناه

 💙  رجل أحب بوذنيب فأحببناه  💙


      هو خريج مدرسة القرويين ، التحق ببوذنيب في بداية السبعينيات ليعمل مدرسا بمدرسة تزوكارت ، و مساعدا لإمام المسجد في تلاوة الحزب و مجالس الذكر و إمامة الصلاة في غياب الإمام .

رجل بشوش يعامل الجميع معاملة حسنة و ينزل الناس أنسب منازلهم ، انتقل صاحبنا إلى مدرسة الطاوس قريبا من بوذنيب حيث قضى بها خمس سنوات ، معلما للأطفال و واعظا للكبار .

في سنة 1977 انتقل إلى المدرسة المختلطة بمركز بوذنيب ، و فيها تعرفت على هذا الرجل عن قرب خصوصا لما التحقت للعمل معه في نفس المدرسة .

أقول و بكل صراحة أنني لم أر يوما هذا الرجل غاضبا أو متجهما ، بل بالعكس تراه مبتسما يزرع روح الدعابة و يروح عن نفس المهموم ، كان يجد لكل نازلة حكاية مشابهة يحكيها لنا و يستخلص منها العبر ، فكان الجميع يستحلي مجالسته 

و الاستماع لمواعظه و نوادره ، إذا رأيته على هذه الحال أجزمت في قرارة نفسك أن هذا الرجل لا يشكو من أي مشكل من مشاكل الحياة اليومية التي يشكو منها الآخرون .

قضى زهرة شبابه و كهولته بيننا على هذا الحال بين التدريس و مجالس الذكر ، له على بوذنيب غيرة ربما أكثر من كلميمة التي هي مسقط رأسه .

من طرائفه الممتعة و ما أكثرها سأقتصر على واحدة ، كنت أنا طرفا فيها ، فقد حدث مرة أن كان مدعوا عند أحدهم لمأدبة غذاء ، فتأخر صاحب الوليمة عن تقديم الطعام حتى اقتربت الساعة من الثانية زوالا مما اضطر معه صاحبنا للمغادرة قصد الالتحاق بالمدرسة دون أن يتناول وجبة الغذاء ،

خوفا من التأخر عن حصة التدريس الزوالية .

وصل في الوقت المحدد إلى المدرسة و انطلق كل منا إلى فصله ، و بعد ساعة من العمل رأيت رجلا ممن يجالسونه في مجالس الذكر قد دخل إلى المدرسة و اتجه مباشرة نحو القاعة التي يعمل بها صاحبنا و هو يحمل تحت جلبابه شيئا ، عندها عرفت بأن الوافد يحمل طعاما للأستاذ مادام قد غادر بيت الضيافة دون أن يتناوله .

قدم له الطعام و غادر الى حال سبيله ، لحظتها راودتني فكرة شيطانية و قررت أن أسرق له طعامه و أقتسمه مع الآخرين ،و فعلا طلبت من أحد الزملاء أن يستدرجه بعيدا  ، تسللت إلى القسم الذي يعمل به و أخذت الطعام الملفوف في منديل ، و ذهبت به إلى قاعة الأساتذة .

كشفت الغطاء فإذا هما رغيفان من الخبز ممتلآن باللحم ، قسمت الخبز و اللحم بالتساوي حسب عدد الأساتذة ، أثناء الاستراحة طفت عليهم جميعا بحيث أخذ كل واحد نصيبه ، فإذا بصاحبنا يأخذ نصيبه كالآخرين و هو يقول بهدوء و الابتسامة لا تفارق محياه :

 "  لقد فعلت صوابا ، فنصيبي من تلك الوليمة هو هذا الجزء اليسير ، سبحان مقسم الأرزاق "

و قد لامني أحدهم على هذا التصرف فما كان منه إلا أن قال :

 " لا تلمه فالذي فعل هو الصواب ، و الرزق مقسم بين العباد من رب السماء "

ضحك الجميع و عدنا إلى فصولنا بعد فترة الاستراحة و الكل فرح مبتهج مسرور .

     هكذا كنا و كان معنا هذا الرجل حتى سنة 1995 حيث انتقل إلى مدينة كلميمة ، و كان فراقه صعبا أبكى الجميع .

هناك بمسقط رأسه أكمل مهمة التدريس حتى أحيل على التقاعد سنة 2002 ، و تفرغ للأعمال الخيرية فكان يحفظ الناشئة القرآن الكريم و يقدم دروس الوعظ و الإرشاد بالمساجد ، حتى وافته المنية يوم الجمعة 15 يناير 2016 .

        لعلك عزيزي القارئ قد عرفته الآن ، إنه المرحوم السيد ملالي حسن الذي أحب بوذنيب 

و أحببناه ، تغمده الله بواسع رحمته و أسكنه فسيح جنانه و جعل صالح أعماله في ميزان حسناته ،و جمعنا به ووالدينا في مستقر رحمته .

كما نسأله جلت قدرته أن يلهم شبابنا و ناشئتنا إلى طريق الصواب و أن يغترفوا من ينابيع السلف الصالح نبل الأخلاق و كريم الشيم .

العمر قصير و الحياة مجرد جسر نعبره في رمشة عين ، فلينظر كل منا إلى ما قدمت يداه ، فاليوم عمل و لا جزاء و غذا جزاء و لا عمل .


          💼   العبد المذنب   زايد وهنا   💼

أضف إلى معلوماتك أيها البوذنيبي

 🕯 أضف إلى معلوماتك أيها البوذنيبي🕯


    ⚫هل تعلم أن أول رصاصة انطلقت من فوهة بندقية المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي كانت يوم 13 ماي 1908 بواد أورير ببني وزيم على مشارف بوذنيب .

    ⚫هل تعلم أن فرنسا جعلت من بوذنيب قاعدة عسكرية ، تربط بين مدينتي بشار و وهران بالجزائر و مدينتي بوذنيب و أزرو بالمغرب .

    ⚫ هل تعلم أن الفرنسيين لما دخلوا بوذنيب أول الأمر دخلوه بعربات كبيرة مغطاة تجرها الخيول .

    ⚫ هل تعلم أن أول ثكنة للجيش الفرنسي أنشئت ببوذنيب بمكان يسمى  ( التربا ) سنة 1913 ، ومازالت قائمة الى يومنا هذا .

    ⚫ هل تعلم أنه في نفس السنة 1913 بنيت إدارة المقيم العام الفرنسي ( la redoute ) ، 

و هي من أجمل البنايات و مازالت قائمة إلى يومنا هذا رغم الخراب الذي طالها .

    ⚫ هل تعلم أن المستعمر الفرنسي وضع قلاع على طول الطريق المؤدية إلى تولال و كرامة ، 

و بنوها فوق الجبال في أماكن منيعة و منها قلعة العمشان ( فم الخنك ) التي بناها سجناء الحرب العالمية الأولى ( ألمانيون و إيطاليون ) ، و قد نقشوا على صخر كبير ملتصق بالجبل بجانب الطريق ، بندقية كتبوا أسفلها 1914 و طائرا  أسفله 1918 ، و لكن للأسف أزيلت تلك النقوش مؤخرا لتوسعة الطريق ، و لكن القلعة ما زالت قائمة في أعلى الجبل .

    ⚫هل تعلم أن أكبر خسارة في الأرواح و العتاد تكبدها الجيش الفرنسي كانت بمنطقة إغسديس شرق قصر قدوسة يوم 14 مارس 1916.

    ⚫هل تعلم أن مركز بوذنيب التجاري كان من تصميم مهندس فرنسي ، نقله من تصميم طبق الأصل موجود بباريس .

    ⚫هل تعلم أن أول مستشفى عسكري بالجنوب الشرقي المغربي أنشئ في بوذنيب سنة 1921، 

و كان الجرحى الفرنسيون الذين أصابتهم المقاومة يتلقون العلاج فيه .

    ⚫هل تعلم أن أول مطار عسكري أنشأته فرنسا بالجنوب الشرقي المغربي كان في أواخر العشرينيات .

    ⚫هل تعلم أن أول مدرسة بنتها فرنسا بالجنوب الشرقي المغربي كانت ببوذنيب سنة 1927

و سمتها المدرسة المسيحية  فامتنع المسلمون عن إرسال أبنائهم للدراسة بها بسبب تسميتها بالمدرسة المسيحية ، فاضطرت فرنسا لتغيير الاسم لتشجيع أبناء المسلمين على التمدرس فسمتها المدرسة الاسلامية ، و هذا الاسم جعل اليهود ينقطعون عن الدراسة ، فارتأت فرنسا أن تسميها المدرسة المختلطة نزولا عند رغبة الجميع ، و قد تخرجت منها أطر و كفاءات كانت لها كلمتها في السياسة 

و العلوم .

    ⚫ هل تعلم أنه كان ببوذنيب برج خاص بالحمام الزاجل الذي ينقل الرسائل و هو ما يزال قائما و يوجد محاديا لمصلحة البريد .

    ⚫هل تعلم أن الفرنسيين أقاموا سجنا محكما ببوذنيب ، كانوا يزجون فيه برموز المقاومة الجهادية و الفكرية . 

    ⚫هل تعلم أن أول مستشفى مدني بناه المستعمر ببوذنيب كان في الثلاثينيات .

    ⚫هل تعلم أنه كانت للفرنسيين كنيسة ببوذنيب 

و مقبرتان إحداهما للفرنسيين خاصة ، وهي التي مايزال بعض أثرها خلف مدرسة الحسن الداخل 

و الأخرى مخصصة لدفن الجنود من غير الفرنسيين 

و هم أولئك المرتزقة من أجناس إفريقية الذين وظفتهم فرنسا لمساعدتها في صد المقاومة و توجد تلك المقبرة بمحاداة الجماعة الترابية لواد النعام .

    ⚫هل تعلم أن أغلب اليهود كانوا تجارا و صناعا تقليديين ، و لكثرتهم أنشأوا ببوذنيب معبدين ، 

و مقبرة لدفن موتاهم و هي موجودة بالحي الجديد ، و إلى عهد قريب كانوا يأتون لزيارة موتاهم من حين لآخر .

    ⚫ هل تعلم أن أحب الأشياء لدى اليهود أربعة هي ( البيض البلدي و الترفاس و الفجل و الوركية)

يقبلون على شرائها و يطلبون من أهالي القرى المجاورة إحضارها إلى السوق .

    ⚫هل تعلم أن أول فريق لكرة القدم أسس في عهد الحماية ببوذنيب في الأربعينيات و كان يضم لاعبين فرنسيين و مغاربة .

    ⚫هل تعلم أن بوذنيب هو أول مدينة في الجنوب الشرقي عرف السينما ، و استمرت عروضها حتى بعد الاستقلال و قد شاهدنا أشرطة سينيمائية و نحن صغار في أواخر الستينيات .

    ⚫هل تعلم أن بعض المتقاعدين الفرنسيين الذين سبق لهم أن قضوا فترة من طفولتهم في بوذنيب كونوا جمعية و أتوا لزيارته و هم يظنون أنهم سيجدونه مدينة كبيرة كمكناس و لكنهم فوجئوا إذ وجدوه كما كان خاصة في المركز و لم يتغير فيه شيء سوى اتساع العمران ، بل هناك مآثر قديمة طالها الخراب و الدمار . 

   ⚫هل تعلم أن المغرب استقل قبل الجزائر ، و كان يساعد الجزائريين في نيل استقلالهم و لا أدل على ذلك من كون قادة و زعماء المقاومة الجزائرية كانوا يعقدون اجتماعاتهم خلسة ببوذنيب .

   ⚫هل تعلم أن أقدم قصر في حوض كير هو قصر تزوكارت .

   ⚫ هل تعلم أن أول طبيب في مستشفى بوذنيب بعد الاستقلال كان ألمانيا ، و في عهده كانت بالمستشفى سيارتان للإسعاف إحداهما كبيرة 

( سافيام ) و الأخرى صغيرة ( لاندروفير ) كما كان المستشفى يتوفر على جهاز راديو تصوير الصدر بالأشعة السينية ).

   ⚫ هل تعلم أن مسجد القاضي عياض بمركز بوذنيب قد وضع له المغفور له الملك الحسن الثاني حجر الأساس سنة 1965 .

   ⚫ هل تعلم أن أهالي بوذنيب ممن شاركوا في المسيرة الخضراء كانوا إلى جانب أهل الرشيدية في مقدمة من اخترقوا الحدود الوهمية .

   ⚫هل تعلم أن الشاب البوذنيبي المثقف الدكتور 

 " إدريس وهنا " هو أول من حاز جائزة محمد السادس للكتاب سنة 2004 عن دراسة بعنوان: "الحوار في القرآن الكريم: موضوعاته ومناهجه وخصائصه"،  وقد استقبله جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ونوه بأعماله وسلمه الجائزة والشهادة التقديرية .

   ⚫هل تعلم أن رجال التعليم ببوذنيب كان يضرب بهم المثل على الصعيد الإقليمي في الجد 

و المثابرة و التضحية و قد تخرجت على أيديهم 

أطر كبيرة موزعة على سائر التراب الوطني .

   ⚫هل تعلم أنه منذ أواخر التسعينيات تأسست  جمعيات ببوذنيب ساهمت بقسط كبير في التربية و التثقيف و الترفيه و التطبيب ، و شملت جميع الفئات العمرية ، وقد ظهر أثرها جليا على الكثير من أبناء البلدة . 

   ⚫هل تعلم أنه إلى عهد قريب كان فريق كرة القدم البوذنيبي يحسب له ألف حساب ، و قد وصل غير ما مرة للعب أدوار السد رغم الإمكانيات البسيطة و المحدودة .

   ⚫هل تعلم أن ثاني أكبر فرشة مائية جوفية في المغرب توجد تحت قدميك ببوذنيب .

   ◼◼    إذن و قد علمت الآن ما كنت تجهله عن تاريخ بوذنيب ، فما عليك أيها البوذنيبي إلا أن تشمر على ساعد الجد و تقبل على العلم إن كنت طالبا أو تخلص في مهنتك إن كنت موظفا أو تتقن عملك إن كنت حرفيا ، و هذب أخلاقك و دع عنك المشاحنات و الحسد و اهتم بما يعود عليك و على بلدتك بالخير و النفع ، و لا تبخل بشيء مما حباك الله به سواء كان علما أو مالا أو جهدا عضليا في سبيل تنمية البلدة ، فإن لم تجد ما تساعد به فامسك عليك لسانك و لا تكن حجر عثرة أمام الناس بل شجع ولو بالكلمة الطيبة .


                   💼  بقلم الغيور   زايد وهنا  💼

🌘 الصواغ🌘

 🍀   الصواغ  🍀


     إذا رأيته لأول مرة و جمعتك به الصدف تحت أي ظرف ما ، ظننته إنسانا متكبرا ، لا يهتم بمن حوله ، يتصرف وفق هواه و يفعل ما يحلو له . 

هكذا كنت أرى هذا الرجل و لم أجرؤ على الاحتكاك

به ، غير أنه تبين لي أنني كنت مخطئا في حقه ، 

و أن حدسي فيه لم يكن صائبا ، فبمجرد ما جمعتني به الظروف في أواسط التسعينيات 

و تعاملت معه عن قرب اتضح لي أن الرجل غير الذي كنت أظن و أحسست بالخجل من نفسي ، فقد ظلمته حقا ، و كانت هذه الواقعة سببا في تغيير نظرتي للناس و منذئذ عرفت أن الحكم على الناس لا يكون إلا بعد معاشرتهم و الاطلاع على طبائعهم ،

و فعلا أصبح من أصدقائي المقربين رغم فارق السن ، إذ وجدت فيه طباعا قلما تجدها في الآخرين ، و كان رأس فضائله صغر الدنيا في عينه ،

فهو الكريم السخي و الصبور القانع و المعين في الشدائد ، يحب المساكين و يرأف لحالهم و لا يقبل من أحد أن يعتدي عليهم ، و باختصار شديد كان الظلم أبغض النقائص إليه .

نشأ يتيما وحيدا وسط ثلاث بنات ، فقد استشهد أبوه في الصحراء المغربية دفاعا عن حوزة الوطن ، 

و لكن له أم لا تقل شجاعة عن زوجها ، تحملت أعباء ابنها و بناتها و وفرت لهم كل ما يطلبونه ،

و فوق هذا ربتهم تربية حسنة و غرست فيهم قيم الصبر و القناعة و الاعتماد على النفس ، فعاشوا أعزاء كأنهم لم يفقدوا يوما والدهم .

تلقى صاحبنا تعليمه الابتدائي و الثانوي و لكن سرعان ما انقطع عن الدراسة لا لعجز و إنما حبا في العمل ، غادر بلدته للعمل ، و هو ما أكسبه تجربة في الحياة ، رجع بعدها ليشتغل بالتجارة و اختار مجالا لا يقتحمه إلا ذوو الخبرة هو مجال الذهب 

و صياغته ، و بفضل حنكته و صدقه في التعامل  استطاع أن يطور تجارته .

و قد وقفت شخصيا على بعض أموره السرية في البيع و الشراء ، فكان حقا صادقا متسامحا ، و لعل 

إخراج الزكاة أكبر دليل على ما أقول ، فلعدة سنوات كنت بجانبه و هو يعد السلع و الأموال ليخرج الزكاة على أحسن وجه و لمن يستحقها 

دون أن توسوس له نفسه بشيء مما يبطلها .

لا أنكر أنني وجدت فيه السند ، و المعين في كثير من المواقف .

أسأل الله جلت قدرته أن يرحم والده و يطيل في عمر والدته و يحفظه و أسرته من كل مكروه ، 

و أن يعينه على فعل الخير و يجعل ذلك كله في ميزان حسناته ، إنه ولي ذلك و القادر عليه .


                💼   محبك  زايد وهنا  💼

🌷 مراتب الأخيار🌷

 🌷 مراتب الأخيار 🌷


       لا أحد من أهل البلدة يجادل في سيرة هذا الرجل ، الكل يجمع على نبل أخلاقه و صفاء سريرته ، قضى زمنا طويلا في تدريس التربية البدنية بإعدادية بوذنيب حتى أحيل على التقاعد ، فما ثبت عنه يوما أن ساء معاملة أحدهم ، و كيف يسيء لأحد و هو الصبور الكتوم ، لا يتكلم إلا نادرا ، و إذا تكلم أوجز ناصحا أو مشيرا بالرأي السديد ، عرفته طالبا بمستوى الباكلوريا بثانوية ابن طاهر بالرشيدية في أول سنة لي برسم الموسم الدراسي ( 1975 -74 ) ، و كان لي بمثابة الأخ الأكبر ، فلا يجرأ أحد أن يعتدي علي ، لأنه يعرف

أن ابن بلدتي هذا سيلقنه درسا لن ينساه إن فعل ،

و كم كنت أفخر به على زملائي لأنه كان لاعبا ماهرا في كرة اليد و كان ضمن فريق الرشيدية الذي كان آنذاك يلعب الأدوار الطلائعية على المستوى الوطني .

         لعل حبه للرياضة جعله يلتحق بمدرسة أساتذة التربية البدنية ، تخرج منها بتفوق ، 

و التحق ببلدته بوذنيب للعمل بالإعدادية ، و قد عمل لسنوات كمعد بدني و مدرب لفريق كرة القدم 

ببوذنيب ، و بلغ به مراتب مشرفة على صعيد عصبة الجنوب الشرقي .

        ساهم صاحبنا كذلك في العمل الجمعوي بالبلدة بطلب و إلحاح من جمعية الواحة فقدم خدمات جليلة بعيدا عن الأضواء في صمت و تفان و نكران للذات .

و نظرا لسمعته الطيبة و حرصه على الأمانة فقد طلبت منه جمعية نساء بني وزيم أن يتولى منصب الأمين في جمعيتهن ، فعرفت الجمعية حقا تقدما في مشاريعها و ذاع صيتها بفضل حنكته و حسن تدبيره .

         ربما عزيزي القارئ قد عرفته الآن ، إذن ارفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه و تعالى أن يتغمده

برحمته الواسعة و أن يجعل صالح أعماله في ميزان حسناته ، فموته ترك فراغا لدى محبيه ، 

و لكن مشيئة الله فوق كل مشيئة ، و كل من عليها فان و لا يبقى إلا هو جل في علاه .

        أيها الشاب القارئ ما حدثتك عن السيد محمد نوالي رحمه الله و أوجزت في سيرته إلا لتعتبر من أمثال هذا الرجل و تنهل من سيرهم الدروس 

و العبر و تحاول أن تسدي لنفسك و أهلك و بلدتك 

أعمالا صالحة تنفعك في الدنيا و يبقى أثرها طيبا بعد موتك ، قد تشفع لك يوم القيامة فتدخل بها الجنة إن شاء الله .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

    "  إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث ،  صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " ، رواه مسلم .

فلا تحرم نفسك من عطاء الله ، فإن لم تستطع أن تقدم شيئا ، فتصدق بالكلمة الطيبة .


               💼  العبد الضعيف زايد وهنا  💼

🌴🌴 واحة في واحة🌴🌴

 🌴🌴🌴  واحة في واحة   🌴🌴🌴


      سألني أحدهم -- بنوع من السخرية سؤالا شممت فيه رائحة الغيرة إن لم أقل الحسد --  قائلا :

  " ما السر الذي بلغ بواحتكم كل هذا الإنبهار ،

      الذي لم تبلغه حواضر و أمصار ، 

      رغم أنكم في أرض قفار ؟ "

  أجبته فورا ، وقد غلت الدماء في عروقي ، إذ أكره الاستعلاء و الاستخفاف بالناس :

   " سؤالك مستفز 

    و سجعه مقزز 

    و بيانه مشمئز     

    و الغرض منه تعجيز    " .

علت وجهه صفرة و تغيرت نظراته ، فتابعت كلامي :

   " استمع إلي و لا تقاطعني ، فإن اقتنعت بكلامي فخذه عني و لا تجادل ، و إن لم تقتنع فاسأل غيري  من أهل واحتي ممن يفوقني حججا في الرأي 

و بلاغة في القول .

  ألا تعلم أن الله يحيي الأرض بعد موتها ؟

  ألا تعلم أن الله يخرج الحي من الميت ؟

     حين

          تزرع الأفكار في واحة مهمشة

          و تسقي تربتها سواعد مشمرة 

          و تسمد جذورها عزائم حازمة

          و تزيل طفيلياتها هامات مدربة

          و تصون ممتلكاتها ثلة بريئة

          و تدبر أمورها عقول  فطنة

          و تنظم أنشطتها طاقات متمرسة

          و تؤطر ملتقياتها كفاءات محنكة

          و تسير ميزانيتها أيادي أمينة


    حتما

  ستثمر هذه الواحة و تخرج من كل زوج بهيج ، 

و تبلغ من الرقي و الازدهار مبلغا كبيرا ، و لو كانت في صحراء قاحلة و بإمكانيات بسيطة ، لأن العبرة برجالاتها و قوة عزيمتهم . فإن كانت الأرض صلبة فقد وجدت من هم أصلب منها ، شعارهم في تطويعها هو :

    زرع الأفكار الصالحة يكون بنية التوكل على الله

    وسقي تربتها يكون بالتفاني و نكران الذات

    و تسميد جذورها يكون بالمواكبة و الانضباط

    و إزالة طفيلياتها يكون بالعناية الدائمة

    و صون و صيانة ممتلكاتها يكون باليقظة

    و تدبير أمورها يكون بالرجاحة و التواضع

    و تنظيم أنشطتها يكون بحسن التواصل

    و تأطير ملتقياتها يكون بالكفاءة و الاستحقاق

    و تسيير ميزانيتها يكون بالأمانة و حسن التدبير


فكل هذه الأمور تتظلل تحت مظلة شاملة جامعة هي مراقبة الله في السر و العلن .

 لعلك الآن عرفت سبب شهرة جمعية ( الواحة للتربية و الثقافة و التنمية الاجتماعية ببوذنيب )

محليا و إقليميا و جهويا و وطنيا .

و ليست هذه الدوحة الحلوة الثمار الوارفة الظل لوحدها في تلك الأرض الطيبة التي سميتها قفارا ، فهناك أشجار مثمرة إلى جانبها لو اطلعت عليها عن كثب لأرحت نفسك و أرحتني ، و لعلمت حقا أن القفار ليس عيبا في الأرض و إنما العيب أن يكون القفار في الوعي و الضمير ".

     طأطأ سائلي رأسه ثم نظر إلي نظرة إعجاب 

و تقدير ، و أومأ برأسه مؤيدا لقولي ، فإذا به يرتمي بحضني و يصافحني و  يقول :

   "  نعم الرجال أنتم ، و نعم الأخلاق أخلاقكم  "


                   💼  الكاتب : زايد وهنا  💼

😂 مسرح في ورشة😂

 😅  مسرح في ورشة 😂


      لا يمكنك أن تمر أمام ورشته دون أن تسترعي انتباهك آلة التصوير التقليدية و هي عبارة عن صندوق خشبي ملفع برداء أسود على شكل كيس،  تحمله ثلاثة أدرع خشبية يتوسطها سطل به ماء ، و أمام بوابة عدسته رداء أبيض كخلفية للصورة ملتصق بجدار السارية ، و إلى جانبه مرآة 

و مشط ، يستعملها في تصفيف شعره كل من يتأهب لأخذ صورة ، طبعا من غير ألوان ، قد يحتاجها في بطاقة التعريف أو كناش الحالة المدنية آنذاك .

       كما لا يمكنك أن تمر أمام ورشته دون أن تستوقفك ضحكاته و قهقهاته و هو يمازح جلساءه أو أحد المارة بمستملحاته و ما أكثرها .

فإن لم تسترعي انتباهك آلة التصوير العتيقة ، و لم تستوقفك ضحكاته و قهقهات جلسائه ، فإنك 

و لا شك ستنجذب إلى صوت الحاكي ( tourne disque) و هو يشنف أسماع المارة بأغنية ( الباسبور الأخضر ) أو ( يا ابن سيدي و يا خويا )

أو ( بناصر أو خويا و حادة و عكي ) أو ( قصة ابراهيم الخليل ) أو ( بنت بلادي زينة ) أو ( جاري يا حمودة ) ، و قلما تسمع شيئا آخر غير هذه التي ذكرنا ، فإن لم تسمع شيئا فاعلم أنه منهمك في إصلاح مذياع داخل ورشته الضيقة الممتلئة عن آخرها بالأجهزة المعطلة من شتى الأشكال 

و الألوان ، و في ركن منها دراجته النارية الحمراء 

و التي لا يخرجها إلا مرة واحدة في السنة ، يوم ثالث مارس حيث كان الناس يحتفلون بعيد العرش ، كان هذا في أواخر الستينيات و بداية السبعينيات .

      لعلك الآن عزيزي القارئ قد عرفته خصوصا إذا كنت تنتمي للجيل الذي عاصره ، و للمزيد من الإيضاح هو رجل نحيف الجسم قصير القامة ، كثير المزاح ، إذا جالسته أسمعك من المستملحات ما ينسيك همومك و يبعث فيك نفسا جديدا لمواجهة الحياة . 

      و من طرائفه و ما أكثرها سأقتصر على واحدة أظنها كافية ليعرف القارئ مدى ما يتميز به هذا الرجل من خفة ظله و لطف مزاحه ، فقد حدث مرة أن وجد عجوزا يهودية أرملة ( أيام كان اليهود ببوذنيب ) واقفة بباب مركز القيادة ، جاءت تشكو مكتريها الذي لم يرد أن يسدد لها ما عليه من دين ، فسألها بشير عن سبب مجيئها إلى القيادة ، فأفضت له بكل التفاصيل ، فطمأنها و وعدها بأن يتكلف هو بالدفاع عنها شريطة أن تذهب معه و تقول أمام الحاكم أن ما يقوله بشير هو الصواب ، فما كان منه إلا أن أدخلها إلى مكتب العدول و قال لهما أنه يريد أن يتزوج  من هذه اليهودية ، و أمرهما بكتابة العقد ، و ما دام العدلان يعرفان مزاحه ، فقد ارتفعت الأصوات بالضحك و مما زاد الفرجة متعة عندما سأل العدلان العجوز اليهودية عن صحة ما يقوله بشير ، فأومأت برأسها قبولا ظنا منها أنه يترافع على مشكلتها التي جاءت من أجلها ، فتعجب الجميع و هو يقول لهم أنها تحبه و يحبها فما المانع من الزواج ، اجتمع كل موظفي القيادة يتفرجون على هذه المسرحية و كاد الجميع يموت من شدة الضحك خصوصا عندما يسألها العدلان ، أتقبلين بهذا فتجيب على الفور أنها موافقة على كل ما يقوله بشير ، فلم يجد العدلان حلا إلا بطردهما من القيادة ، و أمام القيادة سألت اليهودية بشير عما وصل إليه من حل في مشكلتها مع المكتري ، فقال لها أن ترجع إليهما في الغذ و ستجد نقودها عندهما ، و هكذا سيخلق للعدلين مشكلا جديدا 

عندما تزورهما اليهودية في الغذ . 

       هكذا كان رحال بشير المعروف ب( الحمان) يخلق المواقف الفكاهية في زمن لم يكن فيه تلفاز و لا قاعة مسرح .

رحمه الله و أثابه الأجر الكبير على ما كان يروح به عن الناس ، و رحم الله جميع أمواتنا و جمعنا بهم في مستقر رحمته .

هذا حال الدنيا و دوام الحال من المحال ، و خير الزاد تقوى الله ، و المعاملة الحسنة و الاحسان إلى الخلق سبيل أهل الجنة .


               💼  من ذكريات  زايد وهنا  💼

🍀والدي قدوتي🍀

 🍀  والدي قدوتي  🍀


        لعل أول شخص بعد أمي وقر في نفسي حبه ، و الإعجاب به هو والدي: "عسو وهنا" رحمة الله عليه.. كان أعظم الناس في عيني، وأجلهم قدرا في نفسي، و كان أعظم ما فتحت عليه عيني هو أسلوبه في الحياة المبني على الجد في كل أمر، كان رحمه الله متشبعا بالقيم الإسلامية السمحة، 

و لا يقبل من التصرفات إلا ما يوافق شرع الله، ومن الكسب إلا ما يراه حلالا طيبا.

لقد نهل من تجارب الحياة منذ نعومة أظافره، 

واستفاد من دروسها و عبرها الكثير، و أيقن يقينا تاما أن أحوال الدنيا متقلبة، وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل، وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى أذن بالرحيل، وأنها دار ممر لا دار مقر ، فاتخذها مزرعة لآخرته، بقيام الليل الدائم، وتلاوة خمسة أحزاب في اليوم عن ظهر قلب، والإكثار من التسبيح والذكر والدعاء.. كان رحمه الله يدعو لما يزيد عن السبعين من الأموات من أقربائه وأحبابه بأسمائهم بانتظام، وكان حريصا كل الحرص على الكسب الحلال في إعالة أسرته، ويوصي بذلك باستمرار.

       أسلس لي السرد قياده ونسيت ان أقول أنه رحمة الله عليه ولد سنة 1926 بقرية ( آيت عشة ) ببني وزيم ببوذنيب ، و فيها تلقى مبادئ القراءة 

و الكتابة و حفظ ما تيسر من القرآن الكريم على يد شيخه الفقيه الطالب العماري عليهما جميعا رحمة الله تعالى.

غادر بني وزيم في سن التاسعة إلى قرية( موغل) قريبا من (بني دجيت) حيث كان والده يعمل في  مناجمها ، و هناك أكمل لهو الطفولة مع أبناء الفرنسيين القائمين على تلك الأشغال ، 

و نظرا لذكائه و سرعة بديهته تعلم اللغة الفرنسية في البداية نطقا لا كتابة من الفرنسيين و أبنائهم ، و لم يكد يبلغ الرابعة عشر من عمره حتى انتدبه المدير العام( monsieu BALETE ) ليعمل معه

كمؤشر على بطائق العمل الخاصة بالمستخدمين، لما لمس فيه من ذكاء وفطنة وحسن سيرة ، 

و طلاقة لسان، فدفعه ذلك لتعلم الكتابة بالحروف الفرنسية، و تم له ما اراد، إذ وجد ضالته في أسماء العمال المدونة في بطائقهم ،  و منها تعلم الحروف و بدأ يجمع و يقارن حتى أتقن الكتابة دون أن يستعين بأحد ، و الأغرب من هذا أنه أصبح يكتب التقارير الخاصة بالعمال و الكميات المستخرجة من المعادن و أنواعها ، وهكذا قضى عشر سنوات في المناجم، يدافع عن حقوق العاملين من إخوانه المغاربة المسلمين ، ويراعي ظروفهم ، ويشفق لحالهم ، وكانت تلك من أزهى فترات حياته كما كان يقول دائما، لولا أن والده أجبرهم على الرجوع إلى البلدة والاهتمام بالفلاحة ، و لكن والدي لم يقتنع بفكرة أبيه إذ يرى أن الاشتغال في الأرض خصوصا في ذلك الزمن حيث الوسائل تقليدية غير كاف ، مما دفعه إلى مغادرة القرية و لكن هذه المرة نحو الجزائر.

قضى بالجزائر أربع سنوات بين الضيعات الفلاحية، و أعمال البناء، ويحكي لنا أنه قضى مدة طويلة يعمل بآلة الدرس (ماشينة الدراس)، حيث العمل جد مضن وشاق، لدرجة أن بعض العمال لا يستطيعون إكمال اليوم الواحد.

ثم رجع إلى المغرب ليستقر و يشتغل بالتجارة، حتى أواخر السبعينيات. ومتى دعت الحاجة شمر عن ساعد الجد، وتحمل العمل الشاق في أشغال البناء، ليحافظ على نخوته وعزة نفسه، كفافا وعفافا وغنى عن الناس.

كان يقول لنا رحمه الله إن أثقل يوم علي هو اليوم الأول الذي أذهب إلى (الشانطي) لأطلب العمل، لأني أخشى أن يرفض المسؤول طلبي بسبب قصر قامتي بالمقارنة مع غيري من العمال، وبمجرد ان يوافق على طلبي، وأشرع في العمل، أصير من أعز الناس لديه، لما أبليه من بلاء حسن في الشغل قل نظيره.

لمدة تزيد عن أربعة عشر سنة تطوع لخدمة مسجد حينا بدون مقابل إلا ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى، فكان يقوم الليل بالمنزل ساعة ونصف او يزيد، ويذهب إلى المسجد قبل وقت أذان الفجر بحوالي ساعة او أكثر ، يسخن الماء للوضوء، وينظف ما بحاجة إلى تنظيف، ثم يجلس للصلاة والذكر والدعاء، إلى أن يحين وقت الأذان، فيؤذن.

سار على هذا النظام طوال تلك السنين، لا يمل ولا يكل ولا يفتر.

كان أعدى عدوه رحمه الله: التفاهة والسفاهة والروغان والذل و(قلة المعقول).

      تلكم إذن  بعض اللمحات من حياته رحمه الله ، كد وجد بكل جدية وصدق وإيمان وتوكل على الله ، ولم يشعرنا قط بالعوز والخصاص، تقبل الله منه وجعل سعيه وراء لقمة الحلال في ميزان حسناته ،  و لكن الأهم من كل هذا أنه لقننا دروسا في الفضائل و علمنا مما كان يؤمن به و يطبقه في حياته من (معقول) وشهامة وعزة وكرم  وحب للمساكين و الاعتماد على النفس و التسابق نحو الفضيلة و نبذ الرذيلة، والمحافظة على المواعيد، 

و عدم نكث العهود وغيرها من القيم التي استقاها رحمه الله من ديننا الحنيف بمجالسة الفقهاء 

و الاستماع إلى العلماء، و تلاوة القرآن الكريم 

و اعتياد المساجد، و التي كان يغرسها فينا و يصر في إتيانها إصرارا .

      لا بأس و قد تناولنا سيرته او فصولا منها أن أشير إلى بعض مواهبه التي تأثرت بها أيما تأثير، 

فإلى جانب حفظه لما تيسر من القرآن الكريم ، فقد كان يحفظ الكثير من الأقوال المأثورة و الأمثال 

و الحكم السائرة و يردد من حين لآخر العديد من القصائد سواء باللسان العربي أو الأمازيغي .

 عموما كان يهوى من الفنون أرقاها والتي توافق الشرع في نظره ، و لا أنكر أنني أخذت عنه الكثير من هذا التراث و استعنت به في أبحاثي، 

و استفدت من حكمه، و لكن هناك أمور لم أستطع أن أجاريه فيها لأن شخصيته أقوى من شخصيتي، وصبره يفل الحديد .

و أحمد الله و لا أحصي ثناء عليه ، و أسأله جلت قدرته أن يتغمده و أمي وأجدادي و أموات المسلمين برحمته الواسعة و أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته، إنه على ما يشاء قدير و بالإجابة جدير ، نعم المولى و نعم النصير .


                  🌷   ابنك  :  زايد وهنا 🌷

🎻الأثر الطيب🎻

 🎻  الأثر الطيب 🎻


       جميع أهل البلدة يعرفونه بلقب اشتهر به ، فإذا اقتصرت في حديثك على ذكر اسمه فقط

(عبد الرحمن ) ، فاعلم يقينا أن محاورك سيسألك أي عبد الرحمن تقصد لأن كثير هم الذين يحملون هذا الاسم ، فإذا أضفت اللقب ( الدوحو ) بتشديد الحرفين معا أو أضفت إحدى حرفتيه كأن تقول 

( الحلاق ) أو ( الحجام : الختان : الطهار ) ، آنذاك تكون قد استثنيته عن أشباهه في الاسم .

       عرفت هذا الرجل و أنا في سن مبكرة ، حيث كان من الأصدقاء المقربين إلى والدي عليهما رحمة الله ، و رغم صغر سني فقد أعجبت بهذا الرجل لا لشيء و إنما لأنه مطرب يعزف على آلة العود 

و يغني قصائد و أغاني جميلة كان لها الأثر البالغ في نفسي ، سيما و أن والدي كان يدعوه أحيانا إلى بيتنا ليسمع منه بعض القصائد الدينية من فن الملحون ، فكنت أجلس بجانبهما و أنا جد متشوق 

للإستماع و كانت تلك اللحظات من أسعد الأوقات التي أتمنى ألا تنقضي ، و إن انقضت أن تتكرر قريبا

هكذا بدأ إعجابي بهذا الرجل يزداد شيئا فشيئا مع مرور الوقت .  

           لما بلغت سن النضج عرفت أنه من قرية بني وزيم ( آيت عشة ) من عائلة كبيرة معروفة ب 

( آيت يطو ناصر ) و قد غادر القرية في شبابه بحثا عن لقمة العيش ، زار الجزائر و مكث بها بضع سنين ، ثم رجع الى المغرب و عمل في مناجم أحولي بميدالت في بداية الستينات ، و بعدها انتقل إلى بني تدجيت باقتراح من والدي الذي كان تاجرا هناك و امتهن حرفة الحلاقة في نفس الشارع الذي كان فيه متجر والدي ، و هناك بدأت بوادر إعجابي به .

شاءت الأقدار أن تعود أسرتي إلى بلدتنا بوذنيب ، و من حسن حظي أن لحقت بنا أسرة عمي عبد الرحمن ، فاجتمع الشمل من جديد ، و أصبحت أحضر تلك الجلسات الغنائية سواء في بيتنا أو في بيته أو في بيوت أقاربه .

لعل قصيدة "  كل نور من نور الهاشمي كمل" التي كثيرا ما كان يفتتح بها السمر الفني  هي أول قصيدة من فن الملحون حفظتها و عشقتها 

و همت بها حتى أضحت لا تفارق لساني ، و لا غرو إذا قلت أنها الارهاصات الأولى في عشقي لفن الملحون ، كما كان رحمه الله يتقن الغناء باللسان الأمازيغي ، و ذلك راجع لنشأته وسط قبيلة أغلب سكانها من الأمازيغ ، و لذكائه الحاد في اكتسابها .

         في أواسط السبعينيات مات " با جيلالي " رحمه الله ، الرجل الذي كان آنذاك يختن الصبيان ، فأخذ عنه عمي عبد الرحمن تلك الحرفة التي اكتسب تقنيتها من خلال مساعدته له في كل عملية ختان ،فحمل مشعلها و أصبح يزاولها بمهارة فائقة ، ربما فاقت معلمه إتقانا ، بإدخاله لتقنية تعقيم الأدوات . و من طريف ما شاهدته ، أنه يقتني كمية من الحلوى يضعها في جيبه ، فإذا زار مختونا أو التقى بطفل كان قد ختنه يسلمه واحدة ، فسألته يوما عن السر في ذلك ، فأخرج واحدة من جيبه ، سلمني إياها و أفصح لي عن سبب ذلك بقوله أن الطفل بعد الختان و من شدة خوفه يكره أن يرى الحجام ، بل يصبح الحجام في نظره عدوا لدودا ، سيما و أن الناس قديما كانوا لا يختنون أولادهم إلا بعد السنة الثانية فما فوق ، لذلك تبقى صورة الحجام عالقة بأذهانهم فيكنون له البغض 

و الكراهية ، و أنا أحاول أن أمحو تلك الصورة من أذهانهم بإعطائهم الحلوى عساهم يغيرون نظرتهم للحجام ، و قد ورث عنه ابنه عمر ناصيري حرفتي الحلاقة و الختانة ( الإعذار ) ماعدا التبرع على الصبيان بالحلوى فهذه تبقى خاصة بوالده .

      ذاك هو عمي عبد الرحمن ناصيري ( الدوحو )،

عليه و على والدينا و والديكم رحمة الله ، رجل سهل المراس ، لين المعاملة ، صفي السريرة ، 

كثير الابتسامة ، أسأل الله جلت قدرته أن يتغمده برحمته و يجمعه بوالدينا في الفردوس الأعلى ، إنه على ما يشاء قدير و بالاستجابة جدير .

        عزيزي القارئ هذا واحد ممن بصموا تاريخ بوذنيب ، فانهل من ذكراهم عبق الفضائل و خذ من سيرهم العبر و المواعظ ، و اعمل أنت كذلك لتترك أثرا طيبا تلحقك به رحمات الناس لعل الله يغفر ذنوبنا .


               💼  سائل الرحمات  :  زايد وهنا  💼