كفاني فيك يكفوني

 



            🔎  كفاني فيك يكفوني  🔎



من المشاهد اليومية التي تثير الاستغراب ما حدث

قبل أشهر قليلة ، حيث التقيت صدفة برجل كان قد تعرف علي في أحد اللقاءات الثقافية ، 

و الحقيقة أنني كدت أنساه لو لم يذكرني باسمه 

و بكل تفاصيل ذلك النشاط الثقافي الذي كان هو نفسه أحد الأعضاء المنظمين له ، كما أبدى إعجابه

بمداخلتي في موضوع اللقاء ، و أثنى عليها كثيرا.

اعتذرت عن عدم تذكري له ، معللا ذلك بالعدد الكبير للحاضرين الذين لا يمكن أن أتذكرهم كلهم ، تفهم موقفي و قبل اعتذاري ، فطفقت أسأله عن أحواله مبديا نوعا من الانشراح في وجهه ، 

و بعدها هممت بالانصراف مودعا ، فإذا به يطلب مني أن أجالسه لبعض الوقت إذ كان يريد أن يستفسرني في بعض الأمور التي أثيرت في ذلك النشاط الفارط .

لم أجد بدا من تلبية رغبته درءا لأي إحساس قد يتولد عنده إن لم أجاره فيما يريد .

أشرت عليه باختيار المكان المناسب لهذه الجلسة ،

فلم ينتظر مني اقتراحا بل أخذ المبادرة في عجلة و أشار علي أن نتوجه نحو مقهى من خمسة نجوم

وسط المدينة و الذي لا ترتاده إلا الطبقة الراقية

من أفراد المجتمع .

لا أنكر أنني بدأت أكتشف أشياء لا تبعث على

الارتياح في اقتراح هذا الرجل و لكن رغم ذلك

أشرت عليه أن نجلس في مكان هادئ ، فنحن

نود أن نتحدث في مواضيع ذات أهمية ، فما المانع إذا جلسنا بهذا المقهى القريب منا فالمكان به فسيح ، تحيط به حديقة ، و لا يكلف الجلوس به

أكثر مما نطيق ، خصوصا و أن غايتنا هي الحديث و ليس المقهى .

لم يجد اقتراحي في نفسه قبولا ، فهو يرى أن مثل هذا المقهى الذي أشرت به عليه لا يرتاده إلا البسطاء من القوم الغير المثقفين لذلك فهو 

يختار من المقاهي تلك الفاخرة جدا و الباهضة جدا لأن الجلوس بها هو من يحدد شخصية الإنسان و مستواه الاجتماعي و الثقافي .

 إلى هذا الحد لم أستطع تحمل سماع مثل هذه التصورات التي تنبئ عن طباع تختلف تماما عما أومن به ، و عن معايير تتنافى إطلاقا مع مبادئي ، فطلبت منه دون أن أشعره بشيء مما لمسته من استعلاء في شخصيته ، أن نؤجل هذه الجلسة إلى فرصة أخرى حيث يكون لدي متسع من الوقت . 

و هكذا ودعته و انصرفت إلى حال سبيلي آملا ألا ألتقيه و أمثاله مرة أخرى ، هرولت و أنا أردد في داخلي القول المأثور  :

         " كفاني فيك يكفوني  "


               💼   من واقع   زايد  وهنا   💼

 



 


إنفاق في غير موضعه

 🔎  إنفاق في غير موضعه 🔎


لم أكن أتصور يوما أن يصل سوء التدبير إلى هذا المستوى الذي نلحظه عند البعض ، تسمعهم يتمدحون ظاهريا ببعض القيم كالكرم و الإحسان و لكنهم في الحقيقة لا يضعونها في موضعها  الصحيح الذي يترك الأثر الطيب في النفوس ، 

كمن يقيم وليمة يعتبرها صدقة يرجو من ورائها الثواب له 

و لوالديه المتوفين، فيدعو لها فئة من أصحابه و معارفه الميسورين ، و لا تجد بينهم فقيرا أو يتيما أو أي معوز هو في أمس الحاجة إلى سد الجوع أو قضاء حاجة من الضروريات ، في حين لو أن صاحب الوليمة تصدق بما أنفقه في الوليمة نقدا على الأرامل و المساكين لكان خيرا له ، أو كالذي يرتاد مطعما فاخرا ليظهر بمظهر الطبقة الراقية حسب اعتقاده ، فينفق على وجبة عشاء مبلغا كبيرا ، في حين أن مثل تلك الوجبة في مطعم آخر هي أقل تكلفة و ألذ طعما من الأول ، فلو ارتاد المطعم الأرخص و تصدق بالفرق بينهما على فقير لكان خيرا له ، أو كالذي يشتري حذاءا أو لباسا بمبلغ كبير قد يتعدى ثلث راتبه ، لا لشيء و إنما ليقال عنه أنه من مستوى راق ، و لو فكر قليلا لاشترى ما اشتراه بنصف المبلغ الذي أنفقه ، من غير أن ينقص من جودة المنتوج شيئا ، 

و ينفق الفرق بين هذا و ذاك على المساكين، أو كالذي يشتري سيارة فارهة بمبلغ خيالي قد يفوق مائة مليون ، ظنا منه أن السيارة هي من ترفع قدره بين الناس و تجعل له قيمة في أعينهم  ، و لو كان في قلبه مثقال ذرة من الرحمة لاشترى سيارة فارهة بنصف المبلغ الذي اشترى به الأولى و أنفق الفرق بينهما في أوجه البر و الإحسان ، أو كالذي ينفق على كلبه مبالغ كبيرة جدا ، و لا ينال الخادمة التي تشقى اليوم كله في بيته غير مبلغ زهيد يكاد لا يكفي لسد أدنى ضرورياتها .

و قس على ذلك أمثلة كثيرة لهذا البذخ و الترف المبالغ فيه بصورة مقيتة و التي نراها سائدة في مجتمعنا ، فليست الولائم الدسمة و لا السيارات الفارهة و لا الثياب الفاخرة هي من تصنع الرجال و تبوئهم المنزلة الراقية ، و لو كانت كذلك فلماذا يشكو أغلبهم من التعاسة رغم ثرائهم  ،  لأنهم بكل بساطة  انساقوا وراء المظاهر الزائفة ، و ضيعوا على أنفسهم المعنى الحقيقي للسعادة . 

 إن السعادة الحقيقية نسبيا لا تنال إلا بالعلم النافع الذي يصير صاحبه على جانب كبير من الوعي المقرون بالأخلاق الفاضلة من قناعة و تواضع و عطف و إيثار و تعاون و تسامح  و غيرها من الفضائل التي ترفع من شأن صاحبها و تسعده .

إن الله سبحانه و تعالى الذي يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه ، هو الذي نهى عن التبذير و الإسراف المبالغ فيه و هو من أمر بالإحسان ، و لعل تفاوت الأرزاق بين الناس هو للغاية نفسها يدبرها بحكمته و يبتلي بها من يشاء من عباده .

ففي مجتمعنا فقراء معوزين و يتامى و أرامل ، هم في أمس الحاجة إلى القليل من المال قصد سد الرمق  أو العلاج أو التعلم أو الحصول على سكن جد متواضع ، فلو نظر هؤلاء الميسورون نظرة العطف و الحنان و رقت قلوبهم لحال الضعفاء البائسين ، و خصصوا القليل مما يبذرونه في التفاهات و تصدقوا به على من يحتاجه لتذوقوا حلاوة السعادة الدنيوية و لفازوا بالسعادة الآخروية يوم يعرضون على خالقهم حيث لا ينفع لا مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .


                 💼   بقلم    زايد  وهنا   💼

من لوطننا بأمثاله

             ✏  من لوطننا بأمثاله   ✏


أحيانا قد يجمعك العمل بشخص تلمس فيه من

الطيبوبة ما يجعلك تحتار في وصف و تعداد

مناقبه ، و عن أيها تتحدث ، أعن غزارة معارفه

أم عن سعة صدره و نبل أخلاقه أم عن حسن

تعامله و تواصله ، و لا أغلو إذا قلت أن هذه 

المحاسن كلها جمعت في شخص ، شاءت الأقدار

أن تجمعني به في العمل ، و هذا النوع من السلوك قلما تجد من يتصف به في أيامنا هذه ، و لعل إعجابي بهذا الرجل هو ما دفعني لأكتب عنه هذه السطور اعترافا و امتنانا و تقديرا من غير محاباة ، لأنه هو نفسه يعرف أنني لا أجامل أحدا ، و لا

تطاوعني نفسي أن أقول عكس ما أشعر به .

         هذا الرجل هو مؤطر تربوي من المؤطرين

القلائل الذين أعجبت بنهجهم طيلة مسيرتي التعليمية . و لا أخفي أن أول لقاء معه ترك انطباعا مريحا في نفوسنا ، و قد تكررت اللقاءات ما بين زيارات و تكوينات ، فما لمسنا فيه إلا ذاك المؤطر الكفؤ الذي يمتلك آليات التواصل التي تجعلك

ترتاح إليه ، و تستفيد من خبرته و تجاربه ، 

بل يسعى هو كذلك للاستفادة من تجارب المربين

متى لمس فيها طرقا و أساليب مفيدة ، و أسلوبه

هذا كان له أثره الفعال في أوساط المربين ، يشجعهم و يحفزهم على بذل المزيد من العطاء متحدين الاكراهات و العقبات لإفادة النشء .

نعم هكذا عرفت هذا الرجل ، و لكن للأسف الشديد

لم يطل به المقام معنا إذ انتقل إلى مدينة أخرى

غير بعيدة عنا ، و بقي صدى أخلاقه و خبرته

يرن في أذهاننا .

ختاما أغبط هذا الرجل على هذه الأخلاق الإنسانية النبيلة ، و أتمنى أن يتخذه كل مسؤول

في أي قطاع  قدوة في حسن السلوك ،

 فرعيا له و لأمثاله ممن يسعون لتحقيق أهداف أمتنا .


             💼   بقلم صادق  لزايد وهنا  💼

الأستاذة

                   ✏  الأستاذة   ✏


          هذه الأستاذة الأنيقة التي تراها اليوم ترتاد إحدى الثانويات بالجنوب الشرقي المغربي لتدرس تلامذتها مادة اللغة العربية  ، هي تلك الطالبة التي عرفتها في أواخر السبعينات حيث جمعتنا زمالة  الدراسة بالثانوي لمدة ثلاث سنين متتالية  .

لقد أنزلتها منزلة الأخت ، أحترمها و أقدرها 

و أعطف عليها ، و كانت هي الأخرى تبادلني نفس الاحترام و التقدير ، فكنت من المقربين إليها لما

عرفته عني من جد و اجتهاد ، مما زاد العلاقة

الأخوية اطمئنانا في نفسها حتى غدت تبوح لي بكل أسرارها ، فكنت أشفق لحالها و أواسيها 

و أشجعها على مواصلة التحصيل .

لعل القارئ سيستغرب من دوافع حديثي عن هذه المرأة و سرد أحداث مضت عليها أربعون سنة ، 

و لكن لا تستعجل ، فقد قيل في مأثور العرب

 متى عرف السبب بطل العجب .

هذه المرأة قليل مثيلاتها ، فهي نموذج للتحدي 

و الصبر و العزم ، فقد عاشت المسكينة و هي طالبة ظروفا قاهرة ، لا يستطيع غيرها تحمل بعضها ناهيك عن كلها .

كانت تعيش في أسرة فقيرة بأحد المداشر التي تبعد بأزيد من ست كيلومترات عن المدينة حيث توجد الثانوية ، و كانت تقطع هذه المسافة مشيا على الأقدام من أجل الدراسة و تحصيل العلم ، 

و لم تكن حينها تملك كغيرها من الزميلات ملابس

فاخرة ، بل كانت كل ملابسها هي جلباب أسود

و حذاء مطاطي ، لم يسبق لنا أن رأيناها بغيرها ،

و رغم ظروفها القاسية و التي قد لا يتحملها حتى

بعض الذكور من الطلبة ، لا تنتابها الغيرة من زميلاتها اللواتي يتبرجن و يرتدين أفخر الثياب ،

 فهي لا تشعر بأدنى نقص بل بالعكس تماما كانت عفيفة قانعة راضية بقدرها و الغريب في الأمر أنها

كانت أكثرهن مرحا و بشاشة و قبولا ، لخفة ظلها ، و عذوبة حديثها ، ما ثبت يوما أن ساءت التصرف مع أحدنا ، و لا تبرم من سلوكها قريب أو بعيد ، لذلك كان الطلبة ذكورا و إناثا يحبون مجالستها 

و الإستئناس بأحاديثها .

باختصار حصلت أختنا هذه على شهادة الباكلوريا ، و شاءت الأقدار ألا تسعفها في الحصول على وظيفة توازي شهادتها آنذاك ، فلم تستسلم بل جددت العزم و أصرت على متابعة الدراسة الجامعية متنقلة بين مدينتي مكناس و فاس ،

بنفس الجدية و نفس الإصرار ، يحدوها الأمل في تحقيق رغبتها مهما كلفها الأمر ، حتى حصلت

على الإجازة ، و بعدها تجندت للخمة المدنية قبل أن يتم ترسيمها بصفة نهائية كأستاذة للغة العربية.

و لا أخفي أنني سررت لخبر توظيفها بقدر سروري

بتوظيف ابنتي البكر .

فمثل كفاحها و صبرها  لم تره عيني ، لذلك كنت أحكي لزوجتي وبناتي عن شخصية هذه المرأة التي تحدت الصعاب و قهرت العقبات بكل عزم 

و إصرار ، ما اغترت يوما بالمظاهر الزائفة التي كانت قريناتها تتنافس على الظهور بها ، بل عقدت عزمها على التحصيل العلمي ، و استطاعت أن تحقق لنفسها ما عجز عنه الكثيرون ، فأنقذت نفسها و أسرتها من البؤس الذي لازمها طيلة سنوات الدراسة ، و هي الآن أستاذة ذات مركز اجتماعي محترم تتقاضى راتبا شهريا يكفيها لتلبية حاجياتها و تعوض به ما فاتها من متع الحياة ، و رغم أن أحوالها المادية تغيرت إلى أحسن فطباعها الإنسانية لم تتغير ، فهي ما تزال 

و إلى يومنا هذا تلك المرأة المتواضعة البشوش العطوف التي يرق قلبها لحال الضعفاء .

كنت ألتقي بها من حين لآخر عند زيارتي للمدينة التي تقيم بها ، و شاءت الصدف أن التقيت بها مرة 

و أنا بصحبتي زوجتي ، فقدمتها لها ، و تفاجأت زوجتي إذ تأكد لها بالملموس ما كنت أذكره عنها من حسن الخلق ، فأعجبت هي الأخرى من بشاشتها و كرمها ، و ذاك ما ترك في نفسها انطباعا مريحا ، تذكرها به كلما أثير الحديث عن صداقتنا .

كما كنت من حين لآخر أحدث بناتي عنها عساهن يتخذن من سيرتها نموذجا يحتدى في نبل الأخلاق و طلب العلم بكل عزم و إصرار و عدم الاهتمام بالمظاهر من لباس و غيرها ، و قد تعمدت أن أجعل من سيرتها في هذا المقال درسا و عبرة لكل شبابنا ذكورا و إناثا ، ليعلم الجميع أن قيمة المرء في أخلاقه و علمه إذ هما السبيلان الوحيدان اللذان يبوئان صاحبهما المكانة

الاجتماعية المحترمة ، و ما سوى ذلك فهي أمور تافهة زائلة سرعان ما تنقضي أيامها و ترجع بالندم على صاحبها ، و لكن أنى يجدي الأسى و الندم إذا فات الأوان .


     💼  أخوك الذي لم تلده أمك :  زايد  وهنا 💼


💃أتعرف لماذا ؟💃

                         💃  أتعرف لماذا ؟  💃


              كنا و نحن صغارا نسعد لأتفه الأشياء ،

و نملأ أوقاتنا بما يرضينا ، كنا نصنع لعبنا بأيدينا ، و كان لكل موسم ألعابه و أنشطته الخاصة به إلا كرة القدم فهي تلازمنا في كل الأوقات 

و المواسم .

ففي عطلة الصيف نمارس السباحة في الوادي        و نلعب الورق في ظل أشجار النخيل ، و نصنع

العربات من الأسلاك و العلب الفارغة ، نقودها في أزقة الحي و نحن نتباهى بها أمام زملائنا .

أما فصل الخريف فهو موسم جني التمور 

و الزيتون و فيه نجمع بعض الدريهمات مما التقطناه من حبوب الزيتون فيما نسميه نحن 

 " بالتغلال " .

فإذا حل الشتاء نكتفي بلعب كرة القدم في أوقات النهار المشمسة ، و لا شيء سواها لأن البرد القارس يجبرنا على ملازمة منازلنا و مراجعة الدروس أمام المدفأة .

أما فرحتنا الكبيرة هي عندما يهل علينا فصل

الربيع ، فهو الفصل الذي نمارس فيه هوايات

عديدة ، بدءا باحتفالات عيد العرش التي نحضر 

لها في مدارسنا أياما قبل موعده ، فنردد الأناشيد بحماسة و نشارك في أدوار المسرحيات تخليدا للذكرى و إحياء للأمجاد الوطنية ، فإذا انتهت تلك الحفلات نعود لممارسة أنشطتنا المعتادة  كصيد الطيور في الحقول مستعملين الفخاخ ، أو نذهب

إلى البساتين بحثا عن المشمش الذي لم يحن 

نضجه بعد ، إذ كنا نتلذذ بحموضته .

هذه الأنشطة و غيرها مما أغفلته هي مألوفة ،

اعتاد عليها صغار القرية ، يتوارثونها جيلا عن جيل ، أما الأشياء التي تزيد من سعادتنا في ذلك

السن هي تلك التي نفاجأ بها من حين لآخر ،

كمجيء عمي بوشعيب العطار الذي ينصب خيمته

في أحد أركان ساحة الحي ، فنجدها نحن الصغار

فرصة للحصول على ما نريد من خلال المقايضة مع العطار ، إذ كنا نأتيه بمد من القمح أو الذرة 

أو ببعض البيض فيقايضنا بها لعبة بلاستيكية أو كأسا صغيرا من زجاج أو بعض الحلوى ، فلا نقبل شرب الشاي في منازلنا إلا في كأس العطار  

و نحرص كل الحرص على ألا يضيع منا .

أما إذا بلغ إلى علمنا أن السينما الحائطية في 

طريقها إلى بلدتنا ، فتلك سعادة لا تضاهيها سعادة ، تجدنا نعد الدقائق و الساعات و الشوق يهز أفئدتنا ، فنذهب قبل بداية الشريط السينمائي

بساعات لنأخذ لأنفسنا مكانا ملائما للمشاهدة ،

و في اليوم الموالي لا يكون نقاش الصغار إلا

حول الفيلم و أحداثه و كل منا يدعي أنه هو من

فهم القصة الفهم الصحيح .

و نفس الشيء إذا ما حل ببلدتنا ما نسميه نحن

ب " الحلايقي " سواء كان مهرجا أو مغنيا 

أو مروض أفاعي أو رياضيا مثل " أولاد سيدي احماد و موسى " ، فتلك كذلك مناسبات تسرنا غاية السرور  .

و الغريب في أمر زماننا ذاك ، أننا و نحن صغار

نتبع أولئك المتسولين الذين يزورون بلدتنا 

و  يستجدون العطاء متنقلين بين البيوت و هم يعزفون و يرددون بعض القصائد ، حتى أصبحنا نحن الأطفال نحفظ تلك القصائد و نرددها بيننا  .

         نعم هكذا عشنا تلك الطفولة السعيدة ، لم نكن نشعر بفقر لأن مستوى المعيشة متقارب بين

أهالي البلدة ، و لم نكن نتضجر من التهميش

الذي تعاني منه البلدة لأننا لا نعرف شيئا عما

يدور خارجها ، فكان عالمنا الصغير ذاك ببساطته

و براءتنا مفعم بالسعادة التي ما تزال ذكرياتها

راسخة في أذهاننا .

فها نحن قد صرنا كبارا ، و ها نحن نعرف كل شيء

من حولنا ، و ها قد توفر لدينا ما لم نكن نملكه قديما .

 فهل نحن حقا سعداء ؟

و هل يشعر أبناؤنا اليوم بنفس السعادة  التي غمرتنا نحن في ذلك الزمان رغم الفارق الكبير في الإمكانيات التي توفرت لهؤلاء ؟ 

أم أن ما توفر لهؤلاء هو عينه من ساهم بقسط كبير في تعاسة البعض منهم ؟


إنها أسئلة تنتظر الجواب ممن قرأ هذه المقالة 

و اقتطع من وقته لحظة للرد عليها ، فسعادة

الكاتب في مقارعة الأفكار  .



                            💼  بقلم  زايد وهنا  💼


 


الغسال

                          👍 الغسال 👍

        

       من المشاهد اليومية التي تترك في النفس انطباعا مقيتا ما سمعته و رأيته من تصرف أحدهم في إحدى الولائم التي كنت مدعوا إليها بحكم الجوار و التي أقامها الجيران بمناسبة وفاة قريب لهم .

و بكل صراحة فقد تطبعت بطبع -- ليتني لم أتطبع

به -- و هو أنني ألاحظ أحيانا أدق الأمور في سلوك و تصرفات بعض الناس و التي لا ينتبه إليها الآخرون و لا يعيرونها أدنى اهتمام ، أما أنا  فتعودت على ملاحظتها و قد أستحسنها إن كانت إنسانية نبيلة فيكبر صاحبها في عيني و قد أمقتها إن كانت من النقائص فيصغر مقترفها في عيني ، كل هذه الارتسامات تدور في خلدي ، فأحتفظ بها لنفسي و لا أبدي لأحد منها شيئا ، و لست أدري أهو طبع محمود أم مذموم .

على أي فقد جرت العادة في المآتم أن يجتمع الجيران و بعض أهالي البلدة لتقديم ولاء العزاء 

و مواساة أهل الفقيد ، و بينما كنا في بيت الجيران نستمع لما تيسر من القرآن الكريم ، دخل أحد سكان حينا متأخرا و انتصب واقفا ينظر في وجوه الحاضرين و كأني به يختار مكانا  للجلوس ، نادى عليه أحد الحاضرين و أشار عليه بالجلوس في مكان شاغر بجانبه ، فلم يرد عليه و لم يعره اهتماما بل جاء يتلمس مكانا بين الجالسين قريبا مني .

تعجبت لهذا التصرف الذي ينم عن كبر و سوء أدب ، و دفعني فضولي لأعرف السبب و لكن بطريقة لا يشعر معها بشيء مما يحز في نفسي اتجاهه ، فقلت له :

 " إن فلانا كان يدعوك للجلوس بجانبه ، ألم تسمعه ؟ "

أجابني بعد أن اقترب مني :

 " سمعته و لكنني أكره الجلوس بجانبه ، لأتجنب

مشاركته الأكل على نفس المائدة "

لم أقتنع بهذا التعليل ، إذ لا أشم فيه رائحة

المنطق السليم ، فقلت :

و لماذا تتهرب عن مشاركته الأكل على نفس المائدة ؟

انحنى قليلا ليقترب مني أكثر و قال :

 " ألا تعلم أنه هو غسال الموتى ببلدتنا " ؟

قلت : " أعلم "

قال : " لذلك تشمئز نفسي من الأكل معه ، لأنه

بغسله للموتى يصيبه من آذاهم و أوساخهم الكثير

و قد ينقلها إلينا "

حينها علمت مقدار خبث نفسه و كبرها ، و لم

أستطع أن أتجاوز الأمر و لو أن مخاطبة مثل هذا السفيه أمر حذر الحكماء منه ، إلا أنني انتفضت قائلا :

" كيف طاوعتك نفسك أن تقول هذا في حق رجل

من خيار رجال البلدة و أطيبهم نفسا ، و أنبلهم

خلقا ، تطوع جزاه الله خيرا ليقوم بهذا العمل العظيم بدون مقابل ، و إنما يريد بذلك الأجر 

و الثواب ، زيادة على ذلك فقد اشترى عدة هذا العمل من ماله الخاص - بذلة و قفازات مطاطية - و قد اعتاد أن يستحم هو نفسه مرتين ، قبل و بعد غسل الميت ، ثم أليس هو من غسل أباك رحمه الله ، تخيل لو أمسك نفسه عن هذا العمل الجليل ، أتجدون في بلدتكم من يعوضه ؟ .

سكت صاحبنا و كأنه استوعب ما قلت له ،

لا أظنه اقتنع بكلامي ، و لكنه فضل السكوت إذ  لم يجد ردا مقنعا لموقفه ، خصوصا و أنه يعرف أنني لست ممن يناصرون السفاهة ، و لست ممن

يسهل إقناعهم بهذه التفاهات .

أنهيت حديثي معه ، ولا أخفي أنني أنزلته في نفسي منزلة اللئام ، أكثر من ذي قبل .

فنحن بحكم تواجدنا في بلدة صغيرة و الناس تعرف بعضها بعضا ،  فغسال الموتى هذا جندي متقاعد أدى خدمة جليلة في الدفاع عن حوزة الوطن ، و سهر هو و زوجته على تربية أبنائهما تربية حسنة ، و هم الآن يمتهنون وظائف مختلفة ،

فهو و الحمد لله لا ينقصه شيء من متاع الدنيا ، 

و لكنه يسعى  للفوز بمتاع الآخرة ، لذلك لا يتوانى

عن المساعدة  ، و لا يبخل بشيء مما يملك في سبيل الأعمال الخيرية . 

أما صاحبنا هذا الذي يتقزز من هذا الرجل الطيب ،

لو نظر يوما  إلى نفسه في المرآة و تمعن قليلا

في حاله ، لأدرك فداحة جهله و غروره بنفسه ،

فهو عاطل يعيش عالة على أسرته ، لا يقدم أدنى

خدمة لنفسه و لا لبلدته ، إلا خدمة واحدة يتقنها

جيدا هي الجهل و التكبر  ، فكان هو الأولى بالتقزز من غيره ، و هو الحي الميت الذي في حاجة 

إلى غسل دماغه قبل جسده ، عسى أن تزول عنه

تلك الشوائب المقيتة العالقة به ، و لكن مع الأسف

ليس بالبلدة من يغسل دماغ البلهاء مثله .


             💼   من واقع   زايد  وهنا  💼





حارس العمارة

                     😢 حارس العمارة 😢


       لا أحد يناديه باسمه ، الكل يناديه  " اعميمي" 

نسبة إلى كلمة عمي تصغيرا و تحبيبا ، حتى كاد هو نفسه أن ينسى اسمه الحقيقي ، رجل في الستين من عمره ، قضى زهاء  عشرين عاما في حراسة عمارتين متلاصقتين تضمان أزيد من ست عشر شقة .

ماتت زوجته العاقر منذ زمن بعيد ، فآل على نفسه ألا يتزوج ثانية ، و اتخذ لنفسه غرفة صغيرة 

بمدخل العمارتين ، كان أحد السكان  القدامى 

" الحاج " قد توسط له في امتلاكها منذ أن تولى حراسة العمارتين .

رجل خدوم بشوش لا يرد لأحدهم طلبا ، رغم كبر

سنه ، كل سكان العمارتين يمتدحونه لنبل أخلاقه

حتى صار مضربا للمثل في الأمانة و الصدق ، 

فكان السكان يستأمنونه على شققهم و يتركون

عنده مفاتيحها و هم مطمئنين بحيث لا يساورهم

أدنى شك في ذلك ، و يسرون له بأسرار بيوتهم ،

فأصبح " اعميمي " يعلم أدق الأمور عن كل أسرة

منهم ، بل يساعدهم في تربية أبنائهم و بناتهم ،

و كأنهم حفدته ، يطيعونه أكثر من أوليائهم ،

فرغم أنه لم يخلف أبناء إلا أنه يعتمد أساليب تربوية أساسها  النصح و المراقبة و طرقها اللعب و التهريج ، فاكتسب بذلك حب الأطفال و ثقتهم ، 

فلا يمكن لأحدهم أن يدخل العمارة أو يخرج منها

دون أن يكلمه و يمازحه في احترام و وقار .

أما سكان العمارتين فكانوا حقا لا يبخلون عليه ،

في مأكله و ملبسه زيادة على أجرته بل أحيانا

يقدمون له الهدايا و الإتاوات ، يشاركهم في أفراحهم و أتراحهم و كأنه فرد من العائلة بل 

و أكثر .

هكذا قضى صاحبنا عشرين عاما على نفس الوتيرة ، دائم الحركة و الابتسام ، ما حدث يوما أن تضجر من أحدهم صغيرا كان أو كبيرا .

و في صبيحة أحد الأيام ، خرج أحد السكان متوجها نحو المسجد المجاور لأداء صلاة الصبح ،

و نادى على " اعميمي " كما جرت العادة في كل

صبح و لكنه لم يتلق ردا ، فكرر النداء ثانية

و ثالثة و لا مجيب ، طرق باب غرفته طرقا خفيفا

فتعجب إذ وجده غير موصد ، دفع دفة الباب 

و دخل ، أشعل الإنارة ، و فوجئ إذ رآه مستلقيا

على ظهره وقد ارتسمت على محياه ابتسامته المعتادة و لكنه جثة هامدة .

نزل كل السكان من شققهم ، و ارتفع عويل النساء

و الأطفال ، إذ لا أحد يصدق أن " اعميمي " قد

رحل فجأة ، و لم يطيقوا على فراقه صبرا ، و لكن 

لا مرد لقضاء الله و قدره .

 أقاموا له  مأتما دام ثلاثة أيام ، ران الحزن على قلوبهم جميعا و ساد المكان صمت رهيب ،

فقد رحل " اعميمي " و رحلت معه البهجة 

و السعادة التي كانت تملأ الأرجاء . 


                   💼   بقلم   زايد  وهنا   💼



دار العجزة

 ◾   دار العجزة   ◾


كثيرا ما نسمع عن أمور في مجتمعنا و لكننا لا نتذوق حلاوتها أو نتجرع مرارتها بنفس القدر لمن عاينها و وقف على حقيقتها و لمس حيثياتها عن قرب ، فإن سمحت الظروف لأحدنا أن يعيش موقفا مماثلا ، عندها سينتابه إحساس غريب يختلف عن إحساسه السابق الذي استقاه عن طريق السمع ، و هو الموقف الذي عشته و عاينته و ما زال أثره البالغ في مخيلتي ، أتذكره فيصيبني الأرق و تكتئب نفسي ، و لولا نعمة النسيان و السهو لما حلا العيش و استمرت الحياة .

سأحكي تفاصيل الموقف الذي شاءت الأقدار أن أعاينه ، 

و مهما أوتيت من براعة الوصف لن أستطيع أن أصف الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان في مثل هذه المواقف ، باختصار ليس الذي رأى كالذي سمع .

اتصل بي كاتب جمعية هواة فن الملحون بمراكش

كعادته فهو أحد الأصدقاء المقربين ، و بحكم حبي 

و شغفي بهذا التراث كان يدعوني لحضور أنشطة الجمعية التي كانت تقام بالمدينة بمناسبة أو بغير مناسبة ، و كان الجوق يتحفنا بروائع القصائد ، و بين الحين و الآخر يفتح باب النقاش أمام المهتمين لسبر أغوار أسرار شعر الملحون ، فكنا حقيقة نستمتع بهذه اللقاءات أيما استمتاع ،غير أن اتصاله في المرة الأخيرة كان مختلفا عما ألفته ، إذ أخبرني أن الجمعية قررت إقامة حفل موسيقي في فن الملحون لفائدة نزلاء دار العجزة بالمدينة ، شكرته على الدعوة و نوهت

بهذه البادرة الطيبة .

ذهبت في الموعد المحدد و أملي أن أستمتع كالعادة ، و لكن ما أن دخلت المؤسسة التي يقيم بها النزلاء حتى تملكني إحساس يمتزج فيه حب الاستطلاع بالشفقة على هؤلاء النزلاء ، فالمكان رحب فسيح به حدائق جميلة أزهارها ، ظليلة أشجارها ، فاخرة مبانيها ، مجهزة بكل المرافق الضرورية ، و لكن بمجرد أن رأيت عددا كبيرا من العجزة رجالا و نساء ، منهم الكفيف و المعاق و العاجز ووو... شعرت بضيق في نفسي و كأن الرجال أبائي  و النساء أمهاتي ، 

و كنت أود لو كان بالإمكان أن أعرف قصة كل واحد منهم او منهن ، و لكن عدلت عن هذا حتى لا أوقظ المواجع خصوصا

و هم يستمتعون بهذه الوصلات الملحونية ، فلا الوقت مناسب و لا الأمر ممكن .

لا أستطيع أن أصف فرحتهم بهذه البادرة الطيبة

و هم يصفقون و يهتفون و يرقصون ، فكنت أراقب هذه الأجواء و الغصة لا تفارقني ، و لم أتمالك حتى اندرفت الدموع ساخنة .

انزويت في مكان حيث لا يراني أحد ، مسحت الدموع و أنا أقول في نفسي ، كيف طاوعت أنفس بعض الأبناء إيداع آبائهم أو أمهاتهم في دار العجزة ، إنها قمة الجحود و النكران و العقوق ، ألا تتحرك فيهم عاطفة الأبوة أو الأمومة ، إنها حقا أفضع صور القسوة ، مهما تكون طباع الوالدين لا يليق تحت أي ذريعة كانت أن يعاملوا هذه المعاملة ، و لا أظن أن من يفعل ذلك في قلبه مثقال ذرة من الرحمة و العطف ، فهو كالحيوان بل أضل . 

كان من المفروض أن تفتح دار العجزة لأولئك الذين لم يخلفوا أبناء و ليس لهم من يعينهم و يعتني بهم من قريب

 أو بعيد .

بكل صدق و صراحة تأثرت كثيرا ، و لم أستمتع بالسهرة ، بل غادرت قبل انتهاء الحفل ، و من يومها و أنا اشعر بالأسى كلما راودتني تلك الذكرى .


             💼   من واقع   زايد وهنا   💼



ماسح الأحذية

                   ⛾   ماسح الأحذية   ⛾


لم يسبق لي قط أن وضعت رجلي على صندوق

ماسح الأحذية ليتولى مسحها و تلميعها ، لأنني

أقوم بذلك في بيتي .

و لكن حدث مرة أن كنت جالسا بأحد المقاهي

و إذا بماسح للأحذية يقف أمامي و يستشيرني 

إن كنت أرغب في مسح حذائي و تلميعه ، ابتسمت في وجهه و قلت له أن حذائي ليس في حاجة إلى تلميع ، و لكن المسكين ألح متوسلا لأنه في حاجة إلى نقود ، و أن يومه ذاك كان يوما شحيحا لم يكسب فيه ما يسد به رمقه  ، حينها قررت أن أساعده بما تيسر دون مقابل ، و لكنه أصر على تقديم خدمته ليشعر بأنه لا يستجدي أحدا ، اعجبت بأنفته و كبريائه ، فطلبت منه الجلوس بجانبي و ناديت على النادل ليقدم له مشروبا ، عندئذ صارحته بأنني أستحيي أن أمد رجلي لإنسان مثلي ، فينحني  أمامي على الحذاء  مسحا و تلميعا ، إنه لأمر مقزز في نظري و لا أستطيع إتيانه .

لاحظت الإعجاب باديا على قسمات وجهه ، 

و سرعان ما استدرك الموقف بحل مناسب يرضي الطرفين ، بحيث طلب مني أن أنزع الحذاء 

و يتولى العمل عليه و هو جالس على الكرسي بالقرب مني ، وافقت نزولا عند رغبته ، إذ استنفذ

كل أعذاري و لم أجد أمام إصراره مفرا .

تجاذبنا أطراف الحديث ، فشرع يحكي عن بعض المواقف ألا إنسانية التي  يتعرض لها من حين لآخر ، كان أغلبها من طرف أشخاص من مستوى اجتماعي لا بأس به ، و رغم ذلك فهم يساومونه على ذلك المبلغ الزهيد الذي لا يزيد على ثلاثة دراهم .

أنهى عمله و أشعل سيجارة نفث دخانها في الفضاء متنهدا و كأنه أزاح عن نفسه هما ثقيلا ،

إذ وجد أخيرا من يصغي إليه ، و يقدر معاناته ، احتسى مشروبه و قام مودعا ، ناولته عشرين درهما ، و شكرته قبل أن يشكرني و رأيت الدموع في عينيه ...


                 💼   بقلم  زايد  وهنا  💼



النادلة

                       ☕   النادلة  ☕


جلست بإحدى المقاهي أبتغي الاسترخاء من التعب بعد يوم شاق ، و إذا برجل طويل القامة

أنيق الهندام يتأبط جريدة الصباح ، يبدو رجلا

متعلما مثقفا .

بعد أن اعتدل في جلسته ، أتت نحوه النادلة ،

و في هدوء و احترام وقفت أمامه تنتظر أوامره

فيما يرغب في احتسائه ، رفع بصره نحوها 

و لم ينبس ببنت شفة و إنما أخذ يرمقها بنظرات 

لا توحي بالبراءة ، استغربت النادلة هذا التصرف ، و استدارت دون أن تقول شيئا  و راحت تتفقد باقي الزبناء ، و إذا بصاحبنا ينادي عليها بلهجة

يشوبها التكبر و العجرفة ، و طلب منها أن تأتيه

بفنجان قهوة ، بعد لحظة وجيزة جاءت النادلة

بما طلبه ، وضعته أمامه و تنحت جانبا ، و لكن

صاحبنا نادى عليها مرة أخرى ، و همس لها بكلام

لم أسمعه و لكن سمعت ردها ، فقد خرجت عن

صمتها و كأنها الرعد المدوي ، و خاطبته قائلة :

 "  كيف طاوعتك نفسك أن تتكلم بهذه الوقاحة

و السفاهة ، أتظن أن كل النادلات على نفس الخلق ، ألا تخجل من نفسك ، مظهرك يوحي بعكس سلوكك ، و ختمت كلماتها بالمثل العامي

ألمزوق من برا أش خبارك من داخل " .

صدم صاحبنا بهذا الرد الذي لم يكن يتوقعه ، 

و امتقع لون وجهه ، و قد علته صفرة ، خصوصا 

و أن كل رواد المقهى قد سمعوا لهذا الرد المفعم بالغضب ، و الكل ينظر إليه نظرة ازدراء ، إذ لا أحد من الحاضرين كان يصدق أن يصدر منه ما صدر ، 

قام دون أن يلوي على شيء و غادر المقهى ، يجر

أذيال الخيبة ، و نظرات السخرية تتبعه .

أصبح حديث الزبناء يدور حول هذه الواقعة ، 

و قد سمعت أحد الرواد الدائمين يمتدح أخلاق

النادلة و مستواها العلمي فهي طالبة في الجامعة ، و أن ظروفا قاهرة دفعتها للعمل كنادلة في المقهى .

هنا قلت في نفسي عجبا نادلة تعطي درسا في

الأخلاق لرجل يخال نفسه متحضرا و مثقفا .

و تيقنت حينها أن المظاهر قد تخدع أحيانا ،

و أن الحكم على الناس لا يكون بالمقاييس التي 

يظنها البعض ، فليس كل من يرتدي لباسا أنيقا

هو بالضرورة مثقفا و خلوقا ، و ليست كل النساء

اللواتي يزاولن مثل هذه المهن هن منحرفات .

لهذا ينبغي أن نحترم و نقدر الناس بغض النظر 

عن مهنهم ، و نعلم أن كل إنسان ميسر لما خلق له ،

و أن كل فرد له دور مهم في حياتنا ، و صدق

الشاعر حين قال :

     الناس من بدو و حاضرة بعضهم

                   لبعض و إن لم يشعروا خدم

و قال آخر :

      المرء بالنفس لا بالجسم مرتفع

                 و السيف بالنصل لا بالغمد و الحلل


                 💼   بقلم    زايد  وهنا   💼


من أنت ؟

            ☚  من أنت ؟!


          ما أريد إثارته هنا في هذا المقال المختصر ليس استنقاصا من قدر أحد ، و لا شماتة بأحد ، 

و لكنها وجهة نظر أملتها علي الغيرة و حب الخير لهذا الوطن و أبنائه ، فإن رأيتم ما أراه فبه و نعم ، 

و إن خالفتموني الرأي فمن حقكم أن تقوموا اعوجاجي ، و الاختلاف لا يفسد للود قضية . 


         من أغرب الغرائب في عصرنا هذا أن حازت التفاهة شهرة و نجومية لم نعهدها من قبل فيما

مضى من العصور ، و استشرت مظاهرها

بين الناس في كثير من سلوكاتهم ففي الفن مثلا

أصبح الغناء الساقط في كلماته ، المختل

في ألحانه ، المنفر في أدائه ، هو الماتع المفضل

عند السواد الأعظم من الناس ، و بات اللباس

الضيق الممزق الذي لا يكاد يستر عورة هو المرغوب خصوصا في أوساط الشباب ، بل و أكثر

من ذلك أن الشاب لا يقتنع بشخصيته إلا إذا وسم

أطراف جسمه بالأوشام ، و وضع الأقراط في أذنيه ، و رسم خرائط غريبة في شعره ، و تداول مصطلحات لا تبث للسان الفصيح و لا العامي بصلة ، و ما قيل عن الذكور يقال عن الإناث 

بل أكثر و أدهى .

و الأغرب من هذا كله أن جلهم يتابعون دراستهم

في الثانويات و المعاهد و الجامعات ، و هنا ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح ، و هو : 

ماذا أكتسبوا من تعلمهم و ثقافتهم ؟

أليسوا هم الصفوة و النموذج الذي يحتدى به في أناقتهم و سلوكهم المتزن ؟ 

و لو سألتهم المنطق الذي حدد لهم هذا النوع

من السلوكات ، ما استرحت منهم إلى جواب شاف

مجرد تقليد لا ينبني على أساس علمي ، لا تراعى

فيه الخصوصيات الإسلامية و العربية و اللغوية

و لا الأعراف و التقاليد المتوارثة عن جهابدة

علمائنا و مفكرينا الذين مازلنا نستنير بعلومهم

و معارفهم ، فلم هذا الإنسلاخ عن هذه الخصوصيات التي تقوم سلوكنا و تميزنا عن غيرنا ؟ و لماذا هذا الانسياق خلف سلوكات أمم أخرى ربما تفتقد هي ما نملكه نحن من قيم في

ديننا ؟ لماذا نشعر بالنقص في أنفسنا و نرى الخلاص في التبعية وتقليد القشور ؟

أعتقد اعتقادا راسخا أن الإنسان متى ما تلقى تربية حسنة في بيئة صالحة ، و اهتم بطلب العلم

بجد إلا و ارتقى بعلمه و معارفه إلى مدارج العلا ، و هذا النوع هو من تكون لديه شخصية متزنة تهتم بالجوهر و تنبذ كل تلك القشور والمظاهر المقززة ، و العكس صحيح ، و لكن للأسف هذا ما نراه جليا عند أغلب شبابنا اليوم ، فرغم مستواه الدراسي ، فهو يشكو فقرا و ضعفا في مستواه الثقافي ، باستثناء قلة قليلة ممن سبق عليهم القول ، و هذا الضعف و النقص يجعله يفقد الثقة في نفسه فتضعف شخصيته و يعوض ذلك كله بالتبعية العمياء .

        ختاما أناشد شبابنا ذكورا و إناثا الإقبال على 

العلم و الثقافة و التمسك بالقيم النبيلة و الأخلاق

الفاضلة ، فهذه و لا شيء سواها هي التي تبني

شخصية الإنسان و تبوئه المكانة الراقية في

مجتمعه ، ولنا عبرة في أسلافنا من العلماء من

أمثال الخوارزمي و ابن سينا و ابن النفيس 

و الرازي و غيرهم كثير من العلماء و الأدباء ،

الذين خلدوا أسماءهم في التاريخ بجدهم 

و اجتهادهم لا بملابسهم و تصافيف شعرهم .

فعليكم بمثل أخلاقهم و جدهم إن أطقتم ، فإن لم تطيقوا ، فأخذ القليل خير من ترك الجميع ، 

و بالله التوفيق .


                💼  بقلم   زايد  وهنا  💼

 



المهاجر

                  🌐    المهاجر    🌐


         لا تصدر حكما ، و لا تبدي رأيا حتى أحدث لك من قصتي ذكرا ، و بعدها لك كامل الصلاحية في قول ما تشاء ، إن شئت قدرت و أعذرت  ، 

و إن شئت انتقدت و عاتبت ، و في كلتا الحالتين لن ألومك لأنك لم تعش نفس الظروف و التجارب التي مرت بي و مازالت تمر .

ولدت في قرية صغيرة بمنطقة نائية ، في أسرة

تتكون من أب مياوم و أم ربة بيت و ثلاث بنات

و ولد واحد أصغر هن جميعا هو أنا .

بين أحضان هذه الأسرة الفقيرة ترعرعت و كنت

الذكر الوحيد مما جعلني مدللا عند الجميع ، و ما كدت أبلغ سن التمدرس حتى أسرع  أبي في إلحاقي بالمدرسة الابتدائية ، فكنت أول

فرد من الأسرة يلتحق بالمدرسة رغم أن أخواتي

أكبر مني سنا إلا أن ظروف أبي المادية حالت

دون إلحاقهن بالمدرسة ، خصوصا و أن التعليم 

الاعدادي و الثانوي لا يوجد بالقرية مما يحتم على

من يريد متابعة الدراسة مغادرة القرية إلى أقرب

مدينة و التي تبعد عنا بحوالي مائتي ميل ،

و هو الأمر الذي لم يستسغه والدي مع البنات ، 

إذ كان يخشى أن يلحقهن سوءا أو قد يتعرضن 

لتحرش يمس كرامة الأسرة أو غير ذلك من الشرور الغير المستبعدة في مثل تلك المدن الكبرى ، لذلك كان أمله الوحيد أن أكون أنا من يحمل مشعل العلم في أسرتنا و هذا ما زاد في

تدليلي و كأنني الأمير و الفارس المنقذ التي

تعلق عليه الأسرة كل آمالها ، لهذا كنت أحضى باهتمام خاص في المأكل و الملبس ، فلا يرد لي طلب و لا أمنع من أي شيء رغبت فيه .

انتهت سنوات الابتدائي و انتقلت إلى المدينة

لمتابعة دراستي الاعدادية ، و لحسن حظي كنت

من بين الممنوحين في الداخلية التابعة للمؤسسة.

باختصار شديد من دون التطرق إلى التفاصيل

المملة و المؤلمة ، اجتزت المرحلة الاعدادية 

و الثانوية و حصلت على شهادة الباكلوريا في الآداب بميزة ، فكان ذلك الحدث بمثابة عرس أقامه أهل بيتي فرحا بهذا الإنجاز الكبير و الذي هو في نظرهم منتصف الطريق نحو وظيفة راقية طالما حلموا بها لتنتشلهم من براثين الفقر خصوصا وأن والدي قد بدت عليه علامات الشيخوخة و العجز ، و رغم ذلك فهو يكابد 

و يتألم و لا يكاد يبين بل بالعكس يشجعني على المواصلة و يدعمني بما ملكت يداه و لو كان ذلك كله على حساب صحته .

هنا بدأت أعي أمورا كثيرة كنت عنها في غفلة ،

و لم أعد ذلك المراهق المدلل بل أصبح شغلي الشاغل أن أنقذ الموقف ، تقدمت للجندية لأنها

المهنة الوحيدة التي لا تطلب سوى شهادة 

الباكلوريا و لكن لسوء حظي تم رفضي لأن

قامتي أقصر مما يشترطونه بخمس سنتمترات ،

فقلت عساه خيرا ، التحقت بالجامعة و عيني

متفتحة على أي مباراة قد تلوح في الأفق لأي

مهنة كانت إذ لا يمكن لمن هو في مثل وضعي

أن يتأنى أو يختار ، و لكن دون جدوى حتى

مرت سنوات أربع و حصلت على الإجازة بميزة مشرفة ،  و عاد الأمل يراودني من جديد ،

و اعتقدت أنني بهذه الشهادة و هذه الميزة قد  أصبحت قاب قوسين من الحصول على وظيفة ،

و لكن للأسف شاءت الأقدار أن يعاكسني الحظ

في كل خطوة أخطوها .

لم أجد حلا لمعضلتي بعد أن سدت في وجهي

كل الأبواب التي طرقتها ، فاضطررت للعودة

إلى القرية بعدما علمت أن والدي طريح الفراش     و أنه لم يعد يقوى على الحركة ، حينها قررت أن 

أقوم بأي عمل مهما كان شاقا لأعول به أسرتي ،

عملت أجيرا في الفلاحة و في البناء و في التجارة

فاكتسبت خبرة كبيرة في هذه المجالات ،

و استطعت أن أوفر لأسرتي كل ما تحتاجه من

ضروريات ، كما أنني كنت أهتم بصحة والدي

و أعرضه على الأطباء بالمدينة المجاورة ، و لكن

المرض لم يمهله طويلا فمات المسكين و في

نفسه حرقة على الأمل الذي لم يتحقق .

بعد موته بأيام قليلة تزوجت أختي البكر ، و لم

نقم لها عرسا ، لأن أمي مازالت في فترة العدة ، 

و كانت تلك عادة أهل قريتنا ، فقد اكتفينا بدعوة

الأهالي للوليمة ، و رتل إمام المسجد ما تيسر من الذكر الحكيم و مضى كل إلى غايته .

خضت تجربة في المجال السياحي ، لكوني أجيد اللغتين الفرنسية و الانجليزية ، فكنت من حين لآخر أعمل دليلا سياحيا للأجانب الذين يزورون القرية قصد الاستمتاع بمناظرها الطبيعية الخلابة ، و أعجبتني هذه المهنة لأسباب عدة ،

أولها أنها غير شاقة وثانيها أكسب منها الكثير 

و ثالثها و هي الأهم أنني أستحضر ذلك المخزون

اللغوي الذي كاد يضيع مني مع مرور الوقت ،

و رابعها أنني أصبحت أربط علاقات صداقة مع

الأجانب ، و لعل هذا السبب الأخير هو الأهم من

سابقيه لأن عليه أبني أملا كبيرا في الحصول على

عمل خارج الوطن بمساعدة أحد هؤلاء السياح

الأجانب .

و أخيرا تحقق الحلم ، إذ زار القرية مجموعة من السياح الفرنسيين ، و كانت ضمنهم سائحة سبق لها أن زارت القرية ، و لا شك أنها هي من اقترحت عليهم هذه الزيارة لأنها أعجبت بجمال المناظر و استراحت لمعاملة أهلها الطيبين ، و ما أن رأتني حتى ارتمت علي تعانقني عناقا حارا لم أشعر بمثله في حياتي ، و قدمتني لرفقائها على أني صديقا لها ، فاستبشرت خيرا و شرعت في عملي أجول بهم و أحدثهم عن طبيعة القرية ، و أجيب عن تساؤلاتهم التي تنهال علي من كل فرد منهم ، كل هذا و صديقتي ملتصقة بي لا تفارقني إلا لضرورة .

لا أخفي أنها الفرصة التي كنت أضمر في صدري

و أنتظر إتاحتها ، و ها هي بوادرها قد لاحت  

من خلال علاقتي الوطيدة بهذه السائحة ، تشجعت و فاتحتها في موضوع الهجرة نحو فرنسا

للعمل ، تلألأت عيناها فرحا و ارتسمت على شفتيها

ابتسامة تنبئ عن نوع من الرضى و التفهم .

انفردت بي في مكان ظليل بأحد الحقول ، 

و سألتني عن مدى حبي لها و صدق علاقتي بها ،

فأجبتها بكل براءة إذ لم أكتشف بعد ما يدور في

خلدها ، حينها تفاجأت باقتراحها الذي لم أكن 

أتوقعه حيث طلبت مني أن أتزوجها و هي تتكفل

بجميع المصاريف داخل الوطن و خارجه .

لا أنكر أنني صدمت من طلبها هذا ، و انتابني 

إحساس غريب ، كدت أفقد معه صوابي ، فقد

امتزجت الفرحة بالأسى ، فهي تقريبا في سن

والدتي ، فكيف بابن التاسعة و العشرين أن يقترن

بامرأة أرملة تجاوزت الخمسين ، تريثت في إبداء

رأيي بينما أخذت هي تتودد إلي و تعدني وعودا

مغرية ، طلبت منها مهلة للتفكير دون أن أبدي

امتعاضا مما سمعت .

لم أشأ أن أخبر أحدا بأمري ، لأنني على يقين أن والدتي سترفض رفضا قاطعا زواجي من تلك السائحة المسنة ، و هكذا  بت ليلتي أفكر و أرجح

رأيا على رأي ، و أخيرا صممت على أن أدخل هذه

المغامرة ، و حقيقة الأمر أنني رجحت الجانب المادي و حياة الرفه على سعادتي الزوجية ، و ما

يدريك لعل الله يجعل من أمري يسرا .

استيقظت باكرا ، استحممت و خرجت إلى حيث

يقيم السياح ، وجدتها في انتظاري و قد تزينت

و لبست أفخر ملابسها ، عانقتني و قبلتني ، 

أبلغتها قراري بالموافقة على الزواج منها شريطة ألا تخبر أحدا حتى تتم مراسم عقد القران.

وافقت على الشرط و ضمتني إليها و أخذت تقبلني في كل مكان من وجهي ووووو.

مرت ثلاثة أشهر و كأنها ثلاثة عقود ، كنت خلالها

أهيئ أمي لتتقبل الأمر الواقع ، و كنت أقول لها

أن هذه السائحة لا تكبرني إلا بقليل ، و طالما امتدحت طباعها و محاسنها أمام أمي عساها ترضى عما أنا مقبل عليه .

رن هاتفي و إذا الاتصال منها تخبرني أنها في الطريق إلينا ، حضرت أمي كل ما باستطاعتها

تحضيره ، وصلت السائحة " شارلوت "

محملة بالهدايا الكثيرة لأمي و أختاي و كأنها هي الأخرى تستجدي ودهن و محبتهن لها .

انتهت مراسم الزفاف على نفقتها ، و انطلقت نحو عالم آخر يختلف تماما عما ألفته و لكن سرعان 

ما تكيفت مع الأجواء هناك بفضل مساعدتها  ،

لأنها كانت تحبني حبا كبيرا بحيث لا تعصي لي

أمرا ، بل توسطت لي في إيجاد عمل في إحدى الشركات براتب محترم ، أعدت اجتياز مباراة السياقة حسب القانون الفرنسي ، فاشترت لي 

سيارة ، و أصبحت أعيش حياة مريحة ، 

و لم أنس أمي و أختاي ، فقد كنت أرسل لهن

ما يكفيهن و زيادة ، و أتصل بهن عبر الهاتف

لأطمئن على أحوالهن ، و كانت أسعد اللحظات

 حين أسمع أمي و هي تدعو معي .

أخذت وعدا على نفسي أن نقضي إجازتنا السنوية

في زيارة أسرتي بالقرية ، و هو الأمر الذي دأبنا

عليه حتى بعد أن تزوجت أختاي و توفيت أمي .

كم كنت أود أن أرزق بمولود ولكن بلوغ زوجتي

" شارلوت " سن اليأس حال دون تحقيق هذه الرغبة التي بدأت تستحود على تفكيري و أحالت

حياتي بؤسا و تعاسة ، فأقراني من أبناء القرية

لهم أولاد و بنات و أنا محروم من هذه النعمة ،

مما جعلني أفكر في الارتباط مرة أخرى بزوجة

ولود ، و لكن ما السبيل إلى إقناع " شارلوت "

خصوصا و أننا أحببنا بعضنا حبا شديدا ، و هي لم تقترف ذنبا ، أو ساءت تصرفا ، فعدم الإنجاب ليس عيبا منها ، و هو أمر كنت أعلمه و تقبلته بداية الأمر ، فكيف اليوم و بعد كل تضحياتها أستبدلها بأخرى ، لا أظنها توافق بل إن أخبرتها سأشق صدعا لا يرأب في علاقتنا و قد ينتهي بما لا يحمد عقباه . لهذا فكرت مليا في العواقب 

و طردت تلك الهواجس من ذهني و قررت ألا

أعكر صفو حبنا ، و أن أواجه تحريض أصدقائي 

من أهالي القرية بالتجاهل و التغافل ، فليس 

من المروءة أن أعض اليد التي أحبتني 

و انتشلتني و أسرتي  من الفقر .

استمر الحال على ما هو عليه ، حب و احترام

متبادل قلما تجده في بنات جيلنا .

أنا الآن تجاوزت من العمر الأربعين و " شارلوت"

تجاوزت الستين و لكننا نعيش حياة الشباب 

بكل معانيها الحقيقية دعامتها الصدق و الصراحة ،

و لم يعد يهمني من كلام الناس شيئا ، إذ اتخذت

قرارا أن أزور أخواتي كالمعتاد و أن أتجنب مجالسة الأهالي لأنهم يتدخلون فيما لا يعنيهم ،

فيهم الحسود الحقود و فيهم النصوح الغيور ،

و في جميع الأحوال لا أرغب في سماع ما يعكر

صفو العطلة .....


           💼   بقلم   زايد  وهنا   💼




  

 








2 كن إنسانا 2

             ☚  كن إنسانا  ☚2


تماديت في غيك أياما و أعواما

و بنيت على أنقاض صبري أوهاما

فقابلت لؤمك بعسى ظنا و لعلما ...

استنفدت معك كل أفعال الرجاء

و لا أمل يلوح في الفضاء

وما منك سوى النكران و الجفاء

و اليوم جئت تنشد الصداقة

بعدما أضنتك جراح التعاسة

و يئست من لذة السعادة

أنى لك أن تكون سعيدا

و أنت تخال الناس عبيدا

كيف تكون حليما

و قد أحلت المودة جحيما 

تبدي الورع تكلفا و تصنعا

و تضمر الحسد سما منقعا

تحسب المكر و الجشع ذكاء

و تعد الصدق و القناعة غباء 

تجردت من كل فضيلة

و تدنست بكل رذيلة

وا حسرتاه   !!!

مات فيك الضمير فماتت معه بواعث السعادة

مات فيك الحب و الخير و الجمال و القناعة

فأتيت اليوم و بكل وقاحة تطلب المصافحة 

وا أسفاه  !!!

 جئت بعدما فات الأوان

و بعد أن مات فيك الإنسان

يمينا برب الكعبة و الحرمين

أرفض أن ألدغ من جحر مرتين .


        💼  شعر منثور  بقلم  زايد  وهنا  💼



موت الضمير

       

                    🔎   موت الضمير  🔎


    يحكى أن مجموعة من اللصوص كانوا يعيشون في منطقة ساحلية ذات بحر مترامي الشطآن يزخر بأنواع لا حصر لها من السمك اللذيذ ، و بها  أراضي فلاحية تمتد امتداد البصر تنتج من الحبوب و الخضر أجودها  و من الفواكه ألذها 

و من المعادن أنفسها ، مما أجج نار الجشع

و الطمع في نفوس اللصوص الذين سخروا

قوتهم و جبروتهم و استبدوا بكل هذه الخيرات

و لم يتركوا لسكان المنطقة غير القليل ذي الانتاج

الضئيل . و رغم ذلك فالسكان قانعون بذلك اليسير

يقتسمونه بينهم و لا يهفون إلا للعيش في أمان

من طغيان اللصوص و سطوتهم ، لذلك قابلوا

فقرهم و تهميشهم بالرضى و الإذعان و عوضوه بالمرح و اللهو من غناء و رقص غير مبالين بالبذخ و الترف الذي يعيشه اللصوص ما داموا لا يستطعون ردعهم ، بل اكتفوا بما فضل عنهم محاولين خلق السعادة فيما ملكت أيديهم ،

غير أن ظلم اللصوص و جشعهم كثيرا ما ينغص

عليهم تلك السعادة الزائفة ، فيرتمون على

أحد حقوقهم المشروعة فيسلبونه منهم و لمكرهم

يترقبون ردة فعلهم إزاء هذا القرار ، لكن لا أحد من المغلوب على أمرهم يبدي انتفاضة ، مما 

يدفع اللصوص للتفكير في سلب حق آخر ، 

و هكذا دواليك ، مثلهم في ذلك كمثل رجل 

تسلط على أحدهم و سلب منه جلبابه عنوة

و أخذ يترقب ردة فعله ، فإذا لمس منه الخنوع ،

تجرأ مرة أخرى و نزع عنه قميصه ، فإن لم يبد

مقاومة سلب منه سرواله و هو يظن أن هذه لن 

يجد معها صاحبنا صبرا و لكن تفاجأ السالب أن المسلوب منه لم يقل شيئا رغم عدم رضاه ، و لم

يبق عليه غير الملابس الداخلية ، ترى هل سينفجر

و يثور إذا ما نزعها هي الأخرى عنه و تركه عريانا

كيوم ولدته أمه ، هذا ما يدور في ذهن الطاغي ،

و هو الأمر نفسه الذي يفكر فيه اللصوص ، فهم 

كذلك لم يتركوا إلا ما يسد به المساكين الرمق ،

فماذا ستكون ردة فعلهم لو أخذوا منهم حتى ذلك الفتات ؟

و كيف سيتصرف هؤلاء المقهورون لو مسوا في أعراضهم ؟

لعل هذا ما أصبح اللصوص يخشونه بعد أن جردوهم من كل الحقوق ، فقد يبلغ السيل الزبى

بهؤلاء يوماو ينفجرون انفجارا يأتي على الأخضر و اليابس إذ ليس لديهم ما يخسرونه وهم الأكثر عددا و طبعا سيكون الخاسر الأكبر هو تلك الشردمة من اللصوص و ينقلب السحر على الساحر 

لذلك ارتأى اللصوص أن يزرعوا الخوف في النفوس و أن يضيقوا عليهم سبل العيش فيجعلوهم يركضون خلف اللقمة ، و يخلقوا لهم أخبارا و حوادث و تفاهات و برامج  في غاية المجون و الاستبلاد و أشياء أخرى من هنا و من هناك يتلهى بها المستضعفون و لا تترك لهم مجالا للتفكير في مواجهة اللصوص و استرجاع بعض حقوقهم ، و لحد الآن يظهر جليا أن  سياسة مكرهم و استغفالهم قد أتت أكلها في الوقت الحاضر ، و لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو إلى متى يدوم هذا الوضع على حاله ؟

       يا من أعمى الجشع بصائرهم وغشيت القسوة قلوبهم و ملأ الثراء الفاحش بطونهم فأصبحتم مجردين من كل القيم الإنسانية ، ألم تستحيوا 

و قد نزعتم عن الشعب كل ملابسه قطعة تلوى الأخرى و لم يبد مقاومة بل ترككم في طغيانكم تعمهون ، اعلموا أنه لم يبق عليه إلا ملابسه الداخلية ، فحذار أن تسول لكم أنفسكم نزعها 

فهي آخر ما تبقى لديه لستر عورته ، فإن فعلتم فأذنوا بانفجار لا يبقي و لا يدر ، لا يستثني و لا يختار ، لا يتوقف و لا يتقهقر و العاقبة للمتقين.


                      💼  بقلم  زايد  وهنا  💼



عودوا إلى رشدكم

 


              ☚  عودوا إلى رشدكم


        الكلام موجه إلى أولئك القيمين على قطاع التربية و التعليم ،  الذين يدعون إصلاحه

و يتمشدقون صباح مساء بالوقوف على مكامن ضعفه و ترديه ،و يحاولون حسب اعتقادهم الرفع من مستواه الذي وصل إلى درجة من التدني يندى لها جبين كل الغيورين المحبين لهذا الوطن .

فمنذ أزيد من عقدين و هم يخبطون خبط عشواء 

يبنون و يهدمون ، يضيفون و يحذفون ، مثلهم في ذلك كمثل المنزل الذي كتب عنه توفيق الحكيم 

و سماه :

  "  بيتنا الذي لم يتم "

و رغم ذلك لم يعترفوا بفشلهم و لم تتم محاسبتهم على ما أهدروه من ميزانيات و ما فوتوه على التعليم طيلة هذه المدة ، و لازال مسلسل الارتجال و العشوائية مستمرا ، و ما زلنا

نتذوق مرارته .

فلهؤلاء أقول إن كنتم فعلا تريدون خيرا بهذا الوطن و أهله و لديكم حسن النية لإصلاح أعطاب التعليم و الرفع من مستواه ،  ضعوا نصب أعينكم خصوصيات بلدنا و بيئتنا ، فربما ما يصلح في بلد آخر قد لا يجدي نفعا في بلدنا ، فلا نتكل على الغير ، و قد أثبتت التجارب فشل العديد من تلك

المحاولات .

لذلك ينبغي التركيز على هويتنا و ديننا  وخصوصياتنا و مقدساتنا و أمجاد تاريخنا و لغتنا و نجعلها منطلقا لاستشراف مستجدات العصر 

و مسايرة الركب الحضاري العالمي و الاستفادة من

حسناته و نبذ مساوئه .

كما ينبغي أن  يضع هؤلاء ( المصلحون ) في حسبانهم أن جميع القطاعات تستمد قوتها و نموها من قطاع التعليم لأنه هو المغذي الرئيسي لها جميعا و هي بدورها بمثابة روافد تصب في المجرى الكبير الذي هو التعليم ، فيحدث التناغم 

و الانسجام إذ لا يمكن أن يؤتي إصلاح التعليم أكله بمعزل عن باقي القطاعات الأخرى .

إذن بكل حرقة و غيرة أود أن أدلي بوجهة نظري التي أرى فيها الصواب و الخلاص و التي استنبطتها من خلال تجربتي في هذا الحقل لأكثر من ثماني و ثلاثين سنة ، خذوا منها ما ترونه صائبا و دعوا عنكم ما ترونه غير ذلك و بالله التوفيق .


⚫  لا إصلاح دون استشارة أهل الخبرة 

و التمرس من رجال و نساء التعليم و الأخذ برأي 

المحنكين منهم .

⚫  الاهتمام بالبنية التحتية ، و توفير جميع مستلزمات العمل التربوي التعلمي ، دون تهميش

للمناطق النائية .

⚫  تحسين وضعية رجال و نساء التعليم المادية 

و المعنوية ، و إرجاع الهيبة و القيمة المعنوية التي كانت قديما عند المربي .

⚫  لا يتقدم لهذه المهنة الشريفة المتعبة 

و الرسالة النبيلة إلا ذوو الكفاءة العلمية و السلوك الحسن ، بحيث يتم الانتقاء وفق هذين الشرطين دون محسوبية أو زبونية ، و لا يهم السن إذا توفرت في صاحبه هذه الشروط مادام لم يتعد سنه الخامسة و الأربعين .

⚫  ينبغي ألا تقل مدة التكوين عن سنتين ، يتلقى فيها المتدربون العدة الكافية ، ليتخرجوا

و هم على مسكة عظيمة من الطرائق البيداغوجية

و حمولة كبيرة من علم النفس و معارف دقيقة شاملة .

⚫  توفير الجو الملائم للمربي للقيام بعمله بعيدا

عن الضغوطات و تخفيف العبء عليه ، إذ لا يصح

تكليفه بمهام إضافية كالحراسة و غيرها .

⚫  التخفيف من ساعات العمل بالنسبة للمربي

و المتعلمين الذين يعملون أكثر من أربع و عشرين ساعة في الأسبوع ، مع مراعاة ظروف سن المتعلمين .

⚫  الاهتمام بالمواد الأساسية التي يتطلبها 

العصر دون إغفال التربية الاسلامية لأنها أكثر المواد التي تقوم السلوك ، خصوصا و أن سلوكات

أغلب شبابنا قد شابها الانحراف ، شعارنا في ذلك

  " لا تعليم بدون تربية "

⚫  إرجاع الهيبة للمؤسسات التعليمية ، بحيث

لا يقبل من أي كان أن يمس كرامة العاملين بها 

أو يخرب تجهيزاتها ، و تطبيق العقوبات الزاجرة الرادعة لكل من سولت له نفسه الإخلال بالنظام العام .

⚫  لا ينتقل من مستوى إلى أخر إلا المجدون

الذين حصلوا على المعدل باستحقاق ، و لو كانوا

قلة ، دون اعتبار للخريطة المدرسية التي كانت

تفرض نسبة نجاح كبيرة دون استحقاق ، و هو

الأمر  الذي  أفرز  أفواجا عديدة من حملة الشهادات  ، أغلبهم يجهل أبسط الأمور في تخصصه ، ناهيك أن يعرف شيئا خارجه ، فما معنى أن يكون الطالب مجازا مثلا في الأدب العربي و هو لا يتكلم لغة سليمة و كتاباته خطها يكاد لا يقرأ ، مليئة بالأخطاء النحوية و الإملائية ، لا علم له بمؤلفات القدامى و المحدثين ، فكيف حصل مثل هذا على الإجازة ؟ و كيف يفيد غيره ؟

لهذا ينبغي ألا تمنح الشهادات سواء الباكلوريا 

أو الإجازة أو الماستر أو الدكتورة إلا إلى من يستحقها عن جدارة  بكفاءته و تمكنه و إلمامه . 

⚫  التراجع عن تمديد سن التقاعد إلى ما كان

عليه سابقا ، إذ لا يمكن للمربي الذي قضى بين خمسة و ثلاثين سنة و أربعين سنة في هذه المهنة 

الشاقة أن يعطي العطاء المرغوب ، ليس تماطلا

منه و لكن لظروفه الصحية التي باتت عاجزة عن

تقديم الدروس بنفس الجدية التي كان عليها ،

مما ينعكس سلبا على المردودية وبالتالي يتضرر

المتعلم الذي هو محور العملية كلها .

⚫  العناية بفئة المتقاعدين الذين أفنوا زهرة

شبابهم في خدمة هذا الوطن ، فهم في أمس الحاجة إلى المساعدة و لا ضير في منحهم بعض

الإمتيازات و التسهيلات لقضاء مآربهم في سائر

الإدارات .

⚫  تقديم المساعدة الكاملة لرجل التعليم عند

قضاء مآربه في الإدارات العمومية الأخرى ليتسنى له الالتحاق بعمله دون إضاعة لوقت المتعلمين .

⚫  تعيين أستاذ مساعد للمدير في مهام الإدارة

و تكليفه بالتدريس في حالة غياب اضطراري

لأحد الأساتذة .

⚫  تحفيز رجال التعليم بالترقية في الدرجات 

و الرتب و تكون تعويضاتها مشجعة ، مع فتح باب

الترقي إلى خارج السلم للذين استوفوا شروط الترقي ، و يشمل ذلك جميع الأسلاك التعليمية .

⚫  ينبغي أن يعيد الإعلام النظر في برامجه

لتكون في خدمة التربية القويمة و العلم النافع .

و ذلك بتقديم برامج إعلامية تلفزية و إذاعية مكثفة تهدف إلى توعية الأسرة بدورها الكبير في تربية أبنائها .

⚫  تشجيع البحوث العلمية و الأدبية الهادفة ،

و مكافأة أصحابها ليكونوا قدوة لغيرهم في الجد

و العمل الذي يرفع شأن الوطن بين الأمم ،

و القطع مع التفاهات التي يشجعها الإعلام حتى باتت هي النموذج في سلوك شبابنا .

⚫  الرفع من قيمة المنح الدراسية بالنسبة لطلبة

الجامعات و المعاهد ، و تقديم العون للمعوزين

من التلاميذ بجميع الأسلاك ، للحد من الهدر المدرسي .

⚫  تشجيع المتفوقين من التلاميذ و الطلبة 

بجوائز قيمة تشجيعا لهم و تحفيزا لزملائهم .


و غير هذا مما قد أغفلناه في هذا المقال ، و من

شأنه أن يساهم في الإصلاح .

لهذا أعتقد اعتقادا راسخا أننا لو أخذنا بهذه الأمور

نكون قد وضعنا القاطرة على السكة الصحيحة 

و لن تمر إلا سنوات قليلة حتى نجد أنفسنا قد

تبوأنا المنزلة الرفيعة و تسلقنا سلم الحضارة

العالمية ، و هذا لن يعجزنا إذا أخلصنا النية 

و تجندنا بكل ما أوتينا من قوة و طاقة لتحقيقه ، 

و غير هذا لا أظنه يوصلنا إلى المبتغى و سنظل

نتعثر و لن يزيد ذلك الارتجال الحال إلا سوءا ، 

و هذا ما لا يتمناه عاقل غيور على بلده و أهله .


                 💼  بقلم   زايد  وهنا  💼



أين أنت من السعادة

 ❔  أين أنت من السعادة  ❔


           منذ أيام و بينما كنت أتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي و التي لا أتصفحها إلا نادرا ، وقع بصري على سؤال طرحه أحدهم يسأل الرواد عن الشعب الأكثر سعادة في العالم ، تصلب نظري على السؤال و أعدت قراءته 

و انطلقت فورا أتفحص التعليقات التي تذيلته ، فلم أرى فيها ما يشفي الغليل إذ كانت بين ساخر من السؤال و جاهل

لمراميه ، مما أثار في نفسي فضولا ، و حرك في بواعث الكتابة ، أغلقت الهاتف و طفقت أفكر في ماهية السؤال برهة ثم شرعت أكتب ما يلي :

لا يمكن أن نصنف شعبا و نميزه بالسعادة إلا إذا كان أهله يعيشون في أمن و أمان و اطمئنان و رغد و كرامة،

 يسود في مجتمعهم العدل و المساواة و تكافؤ الفرص ، الدخل الفردي لديهم مرتفع ، خدمات القطاعات الاجتماعية عندهم في أعلى مستوى ، لا فوارق طبقية ملفتة بين أفرادهم ، الكل يتمتع بحقوقه لا فضل لأحد على آخر ،

الجميع سواسية أمام القانون لا فرق بين رئيس و مرؤوس ، إذا زرتهم تكاد تجزم أنهم جميعا في نفس المستوى من الثراء ، يعتبرون كرامة مواطنيهم فوق كل اعتبار .

هذا الشعب حقا هو الأكثر سعادة ، غير أنني لا أظن أن هناك من يجمع بين هذه المواصفات كلها ، و لكن أخذ القليل خير من ترك الجميع .

 و هكذا تبقى السعادة في نظري نسبية تختلف من شعب إلى شعب و من فرد إلى فرد ، و لعل السعادة الحقيقية بنسبة كبيرة في ديننا الاسلامي لأن فيه من بواعثها و أسبابها ما ليس في غيره من الديانات الأخرى ، فلو أخذ معتنقوه بالقليل مما ذكر سلفا لكانوا أسعد الناس على الأرض .


                  💼   بقلم    زايد  وهنا  💼

لقد أشقيتني يا عقلي

 ✏  لقد أشقيتني يا عقلي ✏


          حدث مرة أن كنت أجول في أحد الأسواق الأسبوعية بإحدى القرى النائية المنسية من الجنوب الشرقي ، و لم يكن يومها يفصلنا عن عيد الأضحى إلا أياما قليلة ، مما استوجب علي اقتناء الأضحية ، توجهت نحو المكان المخصص لبيع الأضاحي و لمحت رجلا من البدو في عقده الخامس على ما يبدو و هو منعزل عن الباعة و ضجيجهم الصاخب يمسك بيده طرف الحبل الذي أوثق به خروفه ، أعجبني شكل الخروف من بعيد فتقدمت نحوه بخطى سريعة لأتفحص الخروف عن كثب ، لاحظت في عيني الرجل نظرة تشوبها الريبة و الحذر و كأن الناس من حوله يريدون به سوءا .

بادرته بالسلام فرد علي التحية و قد طغت عليها لكنة الأمازيغية ، تداركت الأمر و طفقت أتحدث معه باللسان الأمازيغي ، فلاحظت انفراجا في أسارير وجهه و كأن عبئا ثقيلا قد أزيح عن نفسه ،احتدت المساومة بيننا حول ثمن الخروف ، تشتد حينا و تلين آخر ، انتهت بأن اشتريت الخروف بالمبلغ الذي طلبه دون أن ينقص منه شيئا .

ناولته النقود راضيا مقتنعا لا لأن الخروف أعجبني

و لكن أكثر من ذلك أنني أعجبت بدماثة خلق صاحبه 

و صدقه و صفاء سريرته الفطرية ، و هو ما أثار فضولي 

و شجعني لمواصلة الحديث معه في أمور بعيدا عن البيع 

و الشراء خصوصا و قد اطمأن إلي ، سألته لأعرف من أي قرية هو ، تبسم و أخبرني أنه من البدو الرحل لا يقطن بقرية و إنما يسكن في منزل متنقل هو الخيمة بعيدا عن القرى 

و المدن إذ لا يستقر به المقام في مكان حتى يرتحل عنه طلبا للكلإ و العشب لماشيته ، له زوجة أنجبت له بنتا و ولدين ، 

و هنا قاطعته فورا لأعرف كيف يتدبر أمور أبنائه في الدراسة و هم بعيدون عن المدارس ، و ما السبيل إلى العلاج في حالة إصابة أحدهم بمرض يستدعي نقله عاجلا إلى المستشفى ، نظر إلي نظرة المضطر وأعلمني أنه لا سبيل لتعليم الأبناء فالأمر مستحيل لمن هم في مثل حالته ، و أضاف مبتسما أنه يعلمهم الرعي و كل الأمور المتعلقة بتربية الماشية و هذا كاف ليجعلهم يعيشون عيشة الكفاف ، أما عن المرض فقد ضحك و أخبرني أنهم لا يصابون بأمراض تستدعي نقلهم إلى المستشفى ، و كيف تصيبهم و هم يقضون اليوم كله مشيا خلف ماشيتهم في الرعي ، من شروق الشمس إلى غروبها ، يستنشقون الهواء النقي ، يطلقون بصرهم في الأرض الشاسعة و لا يحده شيء غير الأفق ،لا يسمعون إلا صوت الطبيعة الجميل ، و لا يتناولون في وجباتهم إلا الحليب 

و اللبن و الزبدة و الخبز و التمر و كلها طبيعية مما تنتجه الماشية إلا القمح و التمر فهذه يقتنيها مرتين في السنة ،

بعد أن يبيع خروفا أو خروفين ، و في بعض حالات المرض قد يتداوون بالأعشاب و هذا يحدث نادرا .

إلى هنا شعرت بنوع من الغبطة -- لا الحسد -- تتأجج بين جوانحي ، و أردت عمدا أن أعرف كيف هي وجهة نظره عما يجري في بلادنا و بلدان العالم من حولنا ، فاندهش الرجل من سؤالي و قال لي أنه لا يعرف ما أقصده ، و أكد لي أنه

لم يزر قط  أي مدينة من المدن ، يسمع عنها و لا

يعرفها ، كما أنه يجهل تماما ما يجري في العالم ، لأن عالمه محصور في تلك المنطقة التي ترعى فيها ماشيته و التي لا يوجد بها أحد غيره و قد تتسع دائرة معرفته لتلك القرى المجاورة التي يرتادها مرتين في السنة لبيع الخراف و اقتناء 

الضروريات ، و ما عدا ذلك فهو لا يعرف  شيئا .

تعجبت مما قاله و أردت أن أعرف مقدار سعادته بهذا الأسلوب في حياته ، فما كان منه إلا أن أكد لي قطعا أنه 

و أسرته الصغيرة في غاية السعادة إذ ليس لديهم و لا معهم و لا قريبا منهم ما يكدر صفو عيشهم ، عندها أحببت أن أتأكد من قوله فاقترحت عليه أن يسكن معنا في القرية ، فأبدى على الفور رفضا تاما ، و هنا لاحظت عليه نوعا من الامتعاض و كأنني أريد إخراجه من جنته ، فلم يكن منه إلا أن بدأ يستعجلني لأتركه يذهب لقضاء مآربه و العودة إلى عالمه .

شكرته على سعة صدره و صدق حديثه ، ودعته و انطلقت أجر الخروف و لكنني أحسست بضيق في صدري ، و رغم ذلك أوصلت الخروف إلى البيت و خرجت للتو أبحث عن مكان أختلي فيه لنفسي ، جلست على أريكة بإحدى الحدائق

العمومية و استرجعت شريط الحوار الذي دار بيني و بين صاحب الخروف ، فقلت في نفسي :

هذا رجل أمي ، لا يعرف شيئا عما يدور في وطنه 

ناهيك عما يجري في العالم ، يعيش وحيدا مع أسرته في خيمة بالخلاء ، يتمتعون جميعهم  بصحة جيدة ، لا شيء ينغص عليهم صفو العيش ، في حين أن الكثير منا على قدر من العلم و الثقافة يحمل من الشهادات و الدبلومات أعلاها ، يعيش في مساكن جميلة و يركب السيارات الفارهة ،

له إلمام بكل ما يجري داخل الوطن و خارجه ، و رغم هذا كله فهو لم يجد للعيش لذة ، لكثرة مشاغله و متطلبات الحياة المدنية المتحضرة ، يهفو لتحقيق أكثر مما لديه و لو على حساب صحته و سعادته ، فلا يهنأ له خاطر و لا تعرف راحة البال إلى نفسه سبيلا .

فأيهما أكثر استمتاعا بالحياة السعيدة ؟

بكل صدق أعترف و أقول لقد أشقيتني يا عقلي !!!!!


               💼  بقلم  زايد  وهنا  💼

أجرك على الله

                     💼   أجرك على الله  💼


ما أصعب أن تعشق مهنة المتاعب و المشاق ، فرغم نبل رسالتها و ثواب الإخلاص فيها ، تبقى هي المهنة الأكثر استنزافا لطاقاتك البدنية

و العقلية ، فأنت أشبه بسائق الحافلة الذي يعمل لوحده من غير معين ، فهو المكلف بأمتعة الركاب و المراقب لتذاكرهم و السائق الذي يقطع المسافات الطوال ليوصل الركاب نحو وجهاتهم المقصودة ذهابا و إيابا لا يستمتع كغيره من الناس بالأعياد و لا بالمناسبات العائلية ، تراه دائم التركيز شديد الحيطة و الحذر ، يواجه مطبات الطرقات بصبر و تبصر ، ساهرا على سلامة الركاب .

ألست أنت كذلك أيها الأستاذ بل و أكثر ، فأنت المسؤول عن سلامة تلامذتك ، تحرس و تربي 

و تعلم و تنشط و تساعد و توجه و تصحح 

و تقوم و تقيم ، باختصار أنت الكل في الكل .

 يعود الناس من وظائفهم مساء فيسترحون إلا أنت رغم أن وظائفهم أقل تعبا من وظيفتك ، فأنت لا تكاد تستريح قليلا من تعب يومك حتى تنعزل في غرفة فتشرع في تقييم عمل ذلك اليوم مصححا و ملاحظا و لا ينتهي الأمر هنا بل تعمل على تحضير عمل اليوم الموالي حتى أنك في كثير من الأحيان لا تشارك أفراد أسرتك في العشاء بل يتأخر بك الوقت منهمكا في عملك فتتناول عشاءك منفردا بعد منتصف الليل و تخلد إلى النوم

لتستيقظ في اليوم الوليد باكرا ، تستحم و تحلق لحيتك و تضع قليلا من العطر و تعتني بهندامك

لتكون أحسن الناس في نظر تلامذتك ، عسى أن

يتخذونك قدوة في النظافة و حسن السلوك .

هذا دأبك دائما و نادرا ما تقتنص لنفسك لحظة

تستمتع فيها باحتساء فنجان قهوة بأحد المقاهي 

و حتى تلك الجلسة لا تستطيبها أحيانا و أنت

تسمع النكت الساخرة عن أمثالك في المهنة ، يتداولها بعض ضعاف العقول من رواد المقهى دون حياء مما يعكر صفو مزاجك فتقوم عائدا إلى بيتك و الأسى يعتصر فؤادك .

كل هذا لا يؤثر على أملك و غايتك فأنت تهفو أن ترى -- ركابك عفوا -- تلامذتك و قد تفوقوا

و حققوا المبتغى . لا يثنيك عن عزمك حر و لا قر و لا مرضك أنت أو مرض أحد أفراد أسرتك ، فبمجرد ما تدخل فصلك تترك  كل المشاكل خارجا 

و تنغمس في الدرس و التلقين .

فأنت تصل الليل بالنهار في سبيل تربيتهم 

و تعليمهم ، و لا ترضى عن عملك كل الرضى إلا

إذا أحسست حقا أنك تنفعهم و تمدهم بالطاقة

اللازمة لمواجهة الحياة ، رغم ما يعترضك من

عراقيل ، تجدك دوما تبحث عن الحلول بمفردك

دون عون من أحد . و لعل فرحتك بتفوقهم

تنسيك تعب الأنهر و الليالي و تبعث فيك العزم

وتجدد فيك الحماسة للمزيد من العطاء و لا ترجع القهقرى أمام الصعوبات التي تعترضك  .

هكذا أنت أيها الأستاذ تفني زهرة عمرك في القيام بهذه الرسالة النبيلة متحديا الصعاب و ما أكثرها في هذه المهنة ، و لعلك في العقدين الأخيرين من مسيرتك التعليمية بدأت تلاحظ تدني مستوى التلاميذ سنة بعد أخرى ، و قد توالت عمليات الإصلاح و التجديد في المقررات و المناهج 

و الطرق البيداغوجية ، فلا تكاد تطبق إحداها حتى يتبين عجزها فتستبدل بأخرى سرعان ما يظهر عدم ملاءمتها هي الأخرى و هكذا دواليك لا يستقر الحال على رأي ، لأن الذين يبرمجون 

و يخططون لا يستشيرون ذوي الخبرة و التجربة من أمثالك و لا يأخذون برأيهم رغم طول تجربتهم و حنكتهم و تمرسهم ، فيحز ذلك في نفسك كثيرا  

و يؤلمك الوضع الذي آلت إليه المنظومة التربوية ، فعينك بصيرة و يدك قصيرة و لا حول لك و لا قوة ، فأنت مضطر لتطبيق ما يملى عليك و لو على مضض .

إذن أيها الأستاذ لا تستغرب و قد قضيت أربعين 

سنة في هذه الوظيفة إن خارت قواك و ضعف

سمعك و بصرك و تقوس ظهرك و فقدت ثلثي

أسنانك فقد أديت الواجب و ما زلت رغم ضعفك

تكابد لتكمل رسالتك على الوجه الذي يرضي الله

و يريح ضميرك ، و لكن للأسف الشديد فالقيمون على هذا القطاع لا و لم و لن يقدروا جهودك 

و ضعفك البدني و العقلي و قد بلغت من الكبر عتيا فيدعونك تستريح لبعض الأيام المتبقية من عمرك إن كانت فيها بقية،  بل زادوك حملا على حمل و مددوا أجل تقاعدك إلى ما بعد الستين بثلاث سنين غير مراعين لظروفك الصحية و لا لصعوبة الوظيفة .

 كرمك الخالق و أهانك المخلوق و أنت الأصل الذي تتفرع عنه الأغصان التي تثمر ، لذا 

 ها هم يكافئونك بهذا التمديد حتى لا تستطيب للعيش راحة ، فيكون يوم خروجك من الدرس هو يوم دخولك إلى الرمس . 

أعرفت الآن بعض أوجه الشبه بينك و بين سائق الحافلة ؟ 


                  ✏  بقلم  زايد وهنا  ✏

وداع البراءة

 


                        وداع البراءة


يوم الأحد 12 شتنبر 2021 على الساعة الخامسة   زوالا ، ودعت ابنتي و حفيدتي بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء ، بعد أن قضيا معنا 48 يوما بالتمام و الكمال ، قضيناها في ملاعبة و مداعبة الحفيدة الصغيرة و التي استأنست هي 

أيضا بتلك الأجواء العائلية و أصبحت رغم صغر سنها إذ لم تتجاوز ربيعها الثاني بعد ، تنادي كل واحد باسمه و تهفو إلى اللعب مع أطفال الجيران 

كما تسعد كثيرا للتجول مع خالاتها ، أما أنا فقد

كنت ألاعبها بأساليب فكاهية صبيانية متنوعة .

باختصار كانت الحفيدة الصغيرة محور البهجة 

و الحبور بالبيت طيلة هذه الأيام .

لذلك لم أستطع صبرا على مفارقتها ، و لا أخفي

أن دموعي غالبتني و أنا أودعها بالمطار حيث 

أخذت تنظر إلي نظرات غريبة و هي ترى تلك الدموع تنسكب على خذي و أخذت تلوح بيديها

الناعمتين مما زاد  نار الفراق اشتعالا في قلبي ،

غادرت المطار و استقلت سيارتي عائدا إلى مراكش عبر الطريق السيار ، و هنا لا أستطيع أن أعبر عما عانيته خلال طريق العودة ، فعيناي لم تجف مدامعهما من ألم فراقها ، إذ بقيت نظراتها البريئة حين وداعها تطاردني ، فتزيد  لوعة في القلب و انهمارا في الدمع .

فأنا من طبعي صبور ، و لكن فراق الحفيدة و أمها لم أجد معه صبرا ، و هنا قلت في نفسي صدق 

أسلافنا إذ يقولون أن حنان الرجل لحفدته يفوق حنانه لأبنائه و بناته .

و هكذا وصلت البيت بسلام و الحمد لله  و لكنني وجدته مظلما رغم أن مصابحه مضاءة ، إذ فارقته

ذات الحبور و المرح و اللعب و الحركة الدائبة 

و الكلمات المضحكة .

استلقيت على سريري و انهالت الدموع من جديد إذ كل ركن في البيت يذكرني بها ، حينها أخذت  الهاتف و شرعت في كتابة  هذه الخواطر ، و لا

أدري هل توفقت في الكتابة و التعبير كعادتي ، 

أو لم أتوفق ، وفي هذه الحال أرجو المعذرة ممن

قرأ هذه السطور ، فقد كتبت بدمع العين .

            

              😢 الجد الحنون   زايد وهنا 😢

  


الاستغراب

 ✏  لماذا لا نستغرب كما استشرقوا  ✏


       كان قطارنا حتى نهاية الخلافة العباسية و ما بعدها بقليل يسير سيرا حثيثا على سكة ثابتة متينة تقوده قاطرة القيم الإنسانية النبيلة التي تجر خلفها عربات الرياضيات 

و الهندسة والطب و الفلك و الفلسفة و الفقه و الأدب ، و كان في كل عربة من هذه العربات أعلام برعوا في هذه العلوم 

و الفنون و ذاع صيتهم في مشارق الأرض و مغاربها ؛ 

في حين كان قطار الغرب المهترئ متخلفا عن قطارنا كثيرا يسير سيرا بطيئا كالسلحفاة إذ كانت تقوده قاطرة الكنيسة العمياء تجر خلفها عربات الصكوك و الاقطاعيةوالعبودية

و العنصرية و الفساد الأخلاقي و كان من بين ركاب قطارهم قلة قليلة من المفكرين الذين لاحظوا ابتعاد قطارنا عنهم بمسافة كبيرة ، فاستنهضوا هممهم و ثاروا على الكنيسة فأزاحوها عن قيادة القاطرة و استبدلوها بالعقل و كلفوه بالقيادة و كان لزاما عليهم أن يستبدلوا عربات القطار كلها لتتوافق مع العقل ، و أن يضعوا سكة من معدن الحرية 

و الديمقراطية و العدل و كرامة الإنسان و هو ما حتم عليهم الانفتاح على علوم و آداب القطارات الأخرى و خصوصا القطار العربي الإسلامي الذي كان آنذاك يشق طريقه في المقدمة نحو المجد . فأوكلوا مهمة الاطلاع و الاستطلاع 

و نقل العلوم إلى فئة من مثقفيهم هم المستشرقون الذين كرسوا حياتهم لهذه الغاية ، و شيئا فشيئا تم لهم ذلك إذ انهالوا من علوم الخوارزمي و الرازي و ابن سينا و ابن النفيس و جابر بن حيان و ابن رشد و الغزالي و الفرابي 

و غيرهم كثير في مختلف العلوم و الفنون و عملوا على تطبيقها و تطويرها فازدهرت بذلك كل قطاعات الحياة العلمية و الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية عندهم ،

و ما هي إلا مدة من الزمن فإذا بقطارهم يتجاوز قطارنا و قد صار  يطوي المسافات كلمح البصر ، غير أنهم بسوء نيتهم

و مكرهم تركوا عربة في مؤخرة قطارهم خصصوها لأولئك القلة من الأفراد الأغبياء في مجتمعاتهم الذين انساقوا وراء المجون و التفاهة و الانحلال .

أما قطارنا نحن فبموت أولئك العلماء أصبح بطيئا جدا لا يكاد يسمع له هدير ، فقد فرطنا فيما تركوه لنا من علوم و لم نكلف أنفسنا عناء البحث فيها و تطويرها ، بل انبهرنا بسرعة قطارالغرب الذي مر بقربنا مسرعا ، و لسرعته الفائقة لم نر منه إلا العربة الأخيرة حيث يوجد التافهون الفاسدون المنحلون ، فحسبنا أن تلك التفاهة و ذلك الفساد و الانحلال هي أسباب سرعته و تطوره ، فما كان منا إلا أن قلدنا ما رأيناه في مؤخرة قطارهم ظنا منا أنه السبيل في تقدمنا نحن كذلك ، 

و لكن وقع عكس ما كنا نأمل إذ ازداد قطارنا بطء و تلاشت معظم قطاع غياره و اهترئت تجهيزاته و لم يعد الركوب فيه مريحا و لا آمنا ، لكثرة أعطابه التي طالما توقفنا لإصلاحها 

و لكن من غير ميكانيكيين بارعين سرعان ما تتكرر الأعطاب ويدوم التوقف و تتسع الهوة .

كل هذه الفواجع التي ألمت بقطارنا كانت من فعل أيدينا لأننا استبدلنا قاطرة القيم الانسانية النبيلة  بقاطرة الفساد ، و استبدلنا عربة العلم بالتفاهة و السفاهة و عربة العدل بالظلم و الزبونية و عربة الفنون بالعفون و عربة الحرية بالقمع و عربة التكافؤ بالتهميش و عربة الأمن بالخوف ، فصرنا جميعا نتلمس الخلاص لأنفسنا من هذا الوضع و لكن بآليات مختلفة و بقناعات متباينة لا تبث إلى جوهر المشكل بصلة ، حيث طغت المصلحة الشخصية إذ تم التهافت على ما يحمله القطار من خيرات مما خلق فوارق طبقية بين ركاب عرباته ، فانقسم الناس على أنفسهم و أضحى الصراع و التدافع بينهم لأسباب تافهة كالطائفية في بعض البلاد أو اللغة و اللهجة في بلدان أخرى فمنهم  المؤيدين الذين يسايرون الوضع مسترزقين من فتات أسيادهم بالتملق تارة و الخضوع أخرى ، و منهم قلة معارضة ، يناضلون من أجل عدالة اجتماعية ، وبين هؤلاء و أولئك أشباه مثقفين يغردون خارج السرب ، يتعصبون للغتهم و لهجتهم و يزدرون ما عداها .

و لو افترضنا أن الشعب كله أصبح يتقن الأمازيغية نطقا 

و كتابة ، هل سيغير ذلك شيئا من الوضع المزري ؟ أليس من الأجدر و الأولى أن نهتم بالبحث العلمي و نشجع العلوم التي يطلبها العصر ، فإذا كان المستشرقون قد لعبوا دورا كبيرا في نقل الكثير من العلوم من أسلافنا ،  فلم لا نكون نحن كذلك مستغربين و نرسل البعثات العلمية في شتى المجالات للاطلاع و التكوين و نقل التقنيات الحديثة عند الغرب ، فنبني حضارتنا على أسس متينة خصوصا و أن الكثير من أفراد شعبنا يتميزون بالذكاء و لعل وجودهم في كثير من دول الغرب يمتهنون بها وظائف ذات صبغة علمية لأكبر دليل على نبوغهم ، و لو عقدنا العزم على أن ننافس الغرب ما عز علينا ذلك إذا وضعنا المصلحة العامة فوق كل اعتبار ونبذنا وراء ظهورنا تلك التوافه التي شغلتنا لزمن طويل و لم تزدنا إلا تخلفا .

إن قطارنا في حاجة إلى علماء و مفكرين و مخترعين لإصلاح أعطابه و ليس إلى تافهين يقضون العمر في مناقشة سفاسفة الأمور .

إذن حان الوقت لننهض من سباتنا و نتصالح مع ذواتنا 

و نتشبت بعقيدتنا و نعمل بشرائعها ، و نجعل العلم و الجد 

و النظام و الانضباط هو شعارنا ، و لا نتعصب للغة دون أخرى فكل اللغات التي تمكننا من تحقيق نهضة علمية و اقتصادية وجب علينا تعلمها و اقتباس معارف أهلها و علومهم و العمل على تطوير هذه العلوم وفق بيئتنا و خصوصياتنا ، و لا يهنأ لنا بال حتى نرى أنفسنا في مصاف الدول القوية الراقية التي تصدر أكثر مما تستورد ، و التي لا يجرأ أحد على المساس بها خوفا من بطشها ، لأن لا مكان و لا كرامة في عالم اليوم لكل متخلف مستهلك تابع .  


           💼  أحلام يقظة بقلم   زايد وهنا  💼

أعلى مراتب التضحية

                  😢 أعلى مراتب التضحية 😢 


          هذه امرأة فلسطينية لها ثلاثة أولاد كلهم استشهدوا دفاعا عن الأرض المقدسة و عن الكرامة ، فما نال ذلك من عقيدتها و إيمانها 

و عزيمتها شيئا بل زادها  فخرا و صمودا و هي تشيع فلذات أكبادها إلى مثواهم الأخير ، و تتوعد المحتل الغاصب بمزيد من التضحيات حتى تتحرر فلسطين كل فلسطين .

و تلك امرأة فلسطينية أخرى وصلها نعي استشهاد ابنها ، فاستقبلت الخبر بزغرودة و الدمع يهمي على خذيها ، و هي تحرض أخاه الوحيد المتبقي لديها على الجهاد و الأخذ بثأر أخيه ، و هي تعلم

علم اليقين أنه سيستشهد إن عاجلا أو آجلا ، فما نال فراقهما شيئا من إيمانها بقضية تحرير وطنها .

و رجل استشهد جميع أفراد أسرته في غارة جوية على منزلهم ، و ما زاده ذلك إلا إصرارا على مواصلة الجهاد .

و شاب قتل أبوه و أخوه ، فما أثناه ألم فراقهما عن مواصلة الجهاد ، و ما انتقص الخوف شيئا من عزيمته .

و طفل فقد والده ، فشيع جنازته و هو يحمل في يده حجارة ، يريد البريء أن يرعب بها أعداء الله بعد دفن والده .

و نماذج أخرى كثيرة قد لا يتسع المقال لذكرها .

فطبيعي أن يضحي الإنسان بماله أو بعلمه و لكن أن يضحي بنفسه و بوالديه و بإخوته فهذه أغلى تضحية على الإطلاق و لا يقدم عليها إلا من كان

مؤمنا حق الإيمان ، شجاعا ، أبيا ، محبا لدينه 

و وطنه ، رافضا للذل و الخنوع .

فأنت أيتها المرأة في البلدان العربية الإسلامية الأخرى  ، الجالسة في بيتك أمام التلفاز ، ألا تخجلين من نفسك و أنت تتفرجين على الأفلام

و شرائط عرض الأزياء و تستمعين إلى الأغاني ،

و تتعالى ضحكاتك مع جارتك على الشباك ، 

و إخوتك في فلسطين  يتعرضون للقصف 

و الدمار، ألا تحرك فيك هذه المجازر التي يرتكبها الصهاينة في حق الأبرياء العزل و تدنيسهم للمقدسات شيئا ؟

و أنت أيها الرجل العربي المسلم الذي تستهويك 

الحانات و السهر مع الراقصات و تقهقه لمجرد سماع نكتة ساقطة ، ألا تستحيي و أبناء جلدتك

يستشهدون في سبيل مقدساتنا الإسلامية و في سبيل الكرامة العربية ، أليس أضعف الإيمان أن 

تغير المنكر بقلبك فيكون له وقع الآسى و الحزن في نفسك .

و أنت أيها الشاب العربي المسلم الذي فتنت 

بالتفاهة ، فأصبح شغلك الشاغل هو تغيير نوع الحلاقة برسم الخرائط على الرأس و وضع الأقراط في الأذنين ، و رسم الأوشام على الجلد ، و ارتداء ملابس تكشف نصف العورة ، و الاهتمام بالتفاهة و السفاهة و نبذ القيم النبيلة و التقاعس عن طلب العلم ، ألم يان لك أن تستيقظ من غفلتك و تشمر عن ساعد الجد في الأخلاق و العلم لتغزو من غزاك و تنافس من فاتك ، فيهابك أعداؤك و لا يتجرؤون على المساس بكرامتك ، كيف يحلو لك العيش على هذا النحو و أنت ترى الأقدام الهمجية للصهاينة تطأ على رؤوس شباب في مثل سنك ،

و تمرغ وجوههم في التراب ، أليست فيك نخوة ؟

ألا تتحرك فيك النعرة و الكبرياء ؟

          إلى متى ستظل أمتنا العربية الإسلامية خانعة ترزح تحت وطأة الجهل و التفرقة 

و التبعية ؟ الجواب تلخصه هذه القصيدة المؤثرة

للشاعر عمر أبو ريشة :

أمتي هل لك بين الأمم  

                  منبر للسيف أو للقلم

أتلقاك  و طرفي  مطرق 

                 خجلا من أمسك المنصرم

و يكاد الدمع يهمي عابثا

                  ببقايا كبرياء الألم

أمتي كم غصة دامية

                خنقت نجوى علاك في فمي

أي جرح من إباء راعف

                  إنه الأسى فلم يلتئم

كيف أغضيت على الذل ولم

                  تنفض عنك غبار التهم 

أو ما كنت إذا البغي اعتدى 

                  موجة من لهب أو من دم

فيم أقدمت و أحجمت و لم

                  يشتف الثأر و لم تنتقم

اسمعي نوح الحزانى و اطربي

                 و انظري دمع اليتامى و ابسمي

و دع السادات في أهوائها 

                 تتفانى في خسيس المغنم

رب و معتصماه انطلقت 

                   ملء أفواه البنات اليتم

لا مست أسماعهم لكنها

                 لم تلامس نخوة المعتصم

أمتي كم صنم مجدته

                  لم يكن يحمل طهر الصنم

لا يلام الذئب في عدوانه

                  إن يك الراعي عدو الغنم

فاحبسي الشكوى فلولاك لما 

                 كان في القوم عبيد الدرهم .


 مسك الختام قول الباري عز و جل :

"   إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم  "

                          صدق الله العظيم 

        

           😢 كتب بحبر من دموع زايد وهنا 😢

    



 


 

  


آيت عشة

                        🔍 تغرمت نايت عشة🔍


            هذا هو الاسم الأمازيغي الشائع الذي يتداوله أهالي  قصر آيت عشة  في تسمية قريتهم ، و هو أصغر قصور بني وزيم الثلاث التابعة للتراب البوذنيبي بإقليم الرشيدية .

و كلمة ( تغرمت ) هي تصغير لكلمة ( إغرم )

و تعني تجمع تسكاني صغير في قرية محاطة بسور ، و هو ما يسميه سكان الجنوب الشرقي في لهجتهم   العامية  ( بالقصر ) ، بينما يطلق عليه في مناطق أخرى من المغرب اسم ( الدوار ) 

أو ( المدشر ) .

و لعل تصغير اسمه بالأمازيغية ( تغرمت ) راجع إلى حب الأهالي له ، و ارتباطهم الوثيق به ، فرغم صغره و قلة عدد ساكنيه إلا أنه يحضى بمكانة رفيعة في نفوسهم ، حتى أن بعضهم يردد المثل الشعبي العامي المعروف :

           ⏺ قفة نحل خير من شواري ذبان ⏺

و هنا يحضرني قول الشاعر العربي السموأل :

 تعيرنا أنا قليل عديدنا ** فقلت لها إن الكرام قليل

            نعم هذا القصر الذي كان فيما مضى رمزا للتماسك و مبعث القيم الإنسانية النبيلة هو الآن عبارة عن أطلال ، يتخيل للناظر أنه قصر مهجور منذ زمن بعيد جدا ، و لكن حقيقة الأمر أنه لم يهجر إلا في أواخر الثمانينات ، إذ أصبحت البيوت المتواضعة فيه لا تستوعب الأسر التي تزايد عدد أفرادها ، و من ناحية أخرى أضحى الأهالي يتطلعون إلى السكن في بيوت أكثر صلابة 

و اتساعا تتوفر على كل وسائل الراحة و الرفاهية التي استجد بها العصر الحديث ، مما استدعى بناء منازل جديدة غير بعيد عن القصر ، على الأراضي السلالية التابعة له ، و بانتقال الناس إلى بيوتهم الجديدة بعدما أخذوا من بيوتهم القديمة كل ما يمكن أخذه من أخشاب و دعائم الأسقف و غيرها مما يمكن التزود به للسكن الجديد ، أصبح القصر خرابا ينعق فيه البوم بعدما كان يعج بالحركة 

و الحيوية ، فلا تستطيع أن تحبس دمعك و أنت تقف على أرسامه خصوصا إذا كنت ممن عاصر أمجاده .

          عزيزي القارئ ربما قد يستفزك  هذا المقال   و تتساءل ما السبب في عنونته باللسان الأمازيغي ، و ما الدافع لاختيار هذا القصر 

و الحديث عنه دون بقية القصور رغم أنه صار في خبر كان و لم يعد سوى أطلالا و أرساما دارسة ،

 و لكن صدقني إذا قلت لك أن هناك عدة عوامل دفعتني لاختياره و الحديث عنه ، لا لأنه محتد الأباء و الأجداد ، فهذا الانتماء لا يشكل لدي إلا جزءا بسيطا من مجموعة أشياء استرعت انتباهي و خلبت لبي و تركت أثرا لا تمحوه الأيام مهما تقادم العهد .  

           منذ نعومة أظافري كنت من حين لآخر أزور جدي و جدتي اللذان كان يسكنان بهذا القصر ، و كانت الأيام القليلة التي أقضيها فيه من أحسن الأوقات و أسعدها ، أعرفت لماذا ؟ 

قصر آيت عشة هذا ، قصر صغير جدا محصن بسور به أربعة أبراج ، و مدخل واحد كبير له باب من ألواح الصفصاف السميكة ( فم القصر ) ، خلفه من الداخل منضدات  من تراب ( الدكانات ) مرصصة على جانبي بهوه تنتهي بممر نحو المسجد الصغير ( تمزييدا ) و بين المنضادات تمتد سقيفة طويلة مظلمة تتفرع في آخرها ثلاث أزقة ( زقاقات ) ، كما أن للقصر مدخلين صغيرين تم نقبهما في السور ، يسميهما الأهالي ( النقبية ) لتسهيل الولوج إلى القصر من جهتي الشمال 

و الغرب ، بل هناك من البيوت من لها باب في السور يفضي إلى خارج القصر ، و كان الأهالي يتخذونها ممرا فيخترقون بيت صاحبه دون استئذان منه و هو أمر عادي بالنسبة إليه ، ما تبث يوما أن تضجر أحدهم من مرور أهل القصر بسقيفة بيته دخولا أو خروجا من و إلى القصر ، 

و هذه واحدة من مميزات قبيلة آيت عشة .

و لقد حبا الله هذا القصر بإمام للمسجد من خيرة و أطيب رجالاته ، إنه الفقيه " الطالب العماري "

رجل جمعت فيه كل الخصال الحميدة جعلته أعظم الناس في أعين الأهالي و كان رأس ما أعظمه عندهم صبره اللامنتهي و تواضعه الجم 

و حياؤه الدائم و قناعته و عفة نفسه الأبيتين ،

مما جعل منه الإمام و المصلح ذات البين 

و المستأمن على الودائع ، لا ترد له كلمة و لا يخيب له رجاء . 

           إلى هنا لا أظن أن هناك فرق بين قصر آيت عشة و سائر القصور المجاورة ، و لا نراه يستفرد بما يثير الاهتمام ، و لكن هناك أشياء سنأتي على ذكرها هي التي جعلته يتميز عن غيره ، فلا تمل عزيزي القارئ و جاريني في تصوري حتى النهاية ، و بعدها لك الحق في إبداء رأيك إذ لا ملامة على الكاتب و لا حرج على الناقد ، فكلاهما في خدمة الثقافة .

هل تعلم أن عدد الأسر بهذا القصر لا يزيد عن الثلاثين كلهم من الأمازيغ باستثناء ستة أو سبعة أسر لا يعودون في أصلهم إلى الأمازيغ و لكنهم انصهروا مع الآخرين ، و اندمجوا اندماجا عجيبا قل نظيره ، بل أصبحوا يتكلمون الأمازيغية ، حتى أنه يصعب على الزائر التمييز بين هؤلاء و أولئك ، و الكل على قلتهم متعاونون متحابون ، لا نعوت استهزائية بينهم ، إذا دخلت بيت أحدهم تشعر 

و كأنك في بيت أهلك تستقبل بالحفاوة و لا تخرج منه إلا وفي يدك قطعة خبز أو حفنة تمر أو فاكهة من الفواكه الموسمية التي تجود بها البساتين و ما أكثرها آنذاك و ما أطيب طعمها .

ليتك حضرت عرسا من أعراسهم التي كانت تدوم أسبوعا كاملا يجسد فيه الأهالي كل الطقوس 

و الأعراف المتوارثة حيث لكل طقس منها أهازيجه و أشعاره و التي يسهر على تنظيمها 

و إتقانها المتمرسون من الرجال و النساء ، فلكل واحد منهم دوره المعروف الذي يسند له القيام به ، فالكل يساعد بما ملكت يده ، و الكل مدعو للوليمة دون استثناء فلا فرق بين الضيف 

و المضيف و كأن القصر بأكمله أسرة واحدة .

و ما قيل عن الأفراح يقال عن الأتراح و إن كانت هذه الأخيرة لا تستغرق إلا ثلاثة أيام ببيت صاحب المأتم ، إذ تتم استضافة الأسرة المكلومة من قبل

الساكنة بالتناوب .

باختصار شديد أرغمني عليه تخوفي من ملل القارئ ، سأمر مر الكرام على البرنامج اليومي لأهل آيت عشة .

ففي الصباح الباكر أيام الصيف و قبل أن ترسل الشمس أول شعاع لها ، يخرج الأطفال عن بكرة أبيهم إلى واحات النخيل لالتقاط البلح ، و لا يسمح لهم بذلك في عرفهم إلا بعد الترخيص من  "شيخ المزرعة " أي حارسها ، الذي ينادي بأعلى صوته قائلا عبارته المألوفة :

 🔹 وا  طيحوا 🔹و تعني انطلقوا ، و الويل كل الويل لمن يخرق قانون العرف المعمول به فقد يؤدي غرامة مالية تسمى ( النصاف ) ، 

يعود الأطفال من مختلف الأعمار و قد ملؤوا قففهم بما جاد به نخيل الواحة من بلح و ( ركم ) . بعد وصولهم مباشرة يخرجون قطعانهم إلى مشارف القصر حيث يتولى الراعي جمعها 

و الانطلاق بها نحو المرعى ، فيعودون لتناول وجبة الفطور التي غالبا ما تكون حساء و تمرا ثم خبزا  و شايا ، فينطلق الرجال نحو الحقول و لا يعودون إلا عند الظهر حيث يتناولون وجبة الغذاء 

الشهية التي تتكون من خبز بلدي تم طهيه في الفرن التقليدي ( الكوشة ) و مرق مكون من خضر محلية تم طهيها هي الأخرى في قدر من فخار 

( القنوشة ) تتميز بلذة عجيبة و قيمة غذائية صحية ، فإن شفعت بلحم القنية أو لحم ( الوزيعة) فتلك أكلة شهية و نكهة فريدة يقصر عنها الوصف.

بعد الغذاء يجتمع الرجال في سقيفة " فم القصر "

التي تم رش أرضيتها بالماء ، و يتخذ كل منهم موضعا بإحدى الدكانات ، يتجاذبون أطراف الحديث الذي غالبا ما يدور حول شؤون القبيلة ، 

و قد يذهب بأحدهم الحديث فيستذكر أيام الشباب و مغامرات العمل في الضيعات الفرنسية بالجزائر ، و إلى جانبه آخر يسترق السمع و هو منهمك في صنع قفة من سعف النخيل و آخر يومئ برأسه تعجبا و هو منشغل بإصلاح أداة من أدوات العمل ، و  آخر يخصف نعله و قد استند على الدكانة المقابلة لا يهمه من حديثهم شيئا سوى إصلاح نعله ، و منهم المستريح البال الذي يغط في نوم عميق و قد افترش التراب و توسد مرفقيه .

 أما الشباب من أبناء القصر فيفضلون قضاء وقت القيلولة في مكان وارف الظل تحت أشجار النخيل ( عش عسو و الحو ) حيث يلعبون الورق ( الكارطة ) ، أما الأطفال و المراهقون فلا شيء يستهويهم صيفا غير السباحة في الواد المجاور ( كلتة موحلي ) أو ( كلتة عيشة عقا ) و المرور بالبساتين لأكل بعض الفواكه التي يجنونها خلسة عن أعين أصحابها .

بعد أداء صلاة العصر يتوجه الرجال نحو الحقول ،

و تخرج النساء لجز الكلإ ( الفصة ) للماشية ،

حتى إذا أشرفت الشمس على المغيب ، عاد الرجال من الحقول و قد أخذ منهم التعب مأخذه ،

و عادت النساء و هن يحملن على ظهورهن حزم

الكلإ و الحطب ، أما الأطفال فيخرجون إلى مشارف القصر ينتظرون عودة القطيع ، ليدخل كل منهم قطيعه نحو الزريبة أو ( الحوش )  .

هذا دأبهم صيفا و هو نفس النمط شتاء غير أن  تجمع الرجال شتاء يكون في مكان مشمس بين

( فم القصر ) و ( برج بابا حا )  تحت السور 

و هو ما يعرف عندهم ب ( تسامرت ) نهارا ،

أما ليلا فقد جرت العادة عند أهالي آيت عشة أن الأسر تتسامر فيما بينها مجتمعين حول موقد النار 

( الكانون ) يتجاذبون أطراف الحديث و يستمعون للأحاجي التي ترويها العجائز ، كما أن بعض النساء  

يمدن يد المساعدة لجارتهن في صنع الحصائر 

و الأطباق و غيرها مما يمكن أن يصنع من سعف النخيل . بينما الكهول و الشباب ، يجتمعون بسقيفة( فم القصر ) حيث يوقدون النار بحطب النخيل( القرناف ) الذي تم جمعه نهارا لهذا الغرض ، فيتحلقون حول النار ( لفكيرة ) 

و يخوضون في أحاديث أغلبها يصب في التسلية و سرد المغامرات ، بجانبهم طبق من التمر غالبا ما يكون من النوع اليابس الصغير الحجم و إناء به ماء أوتي به من بئر المسجد ، علما أن واحة النخيل ببني وزيم بها أنواع من التمور لا توجد في غيرها من الواحات الأخرى بالجنوب الشرقي 

و أبرزها نوعين فريدين هما ( بو امحمد )

و ( عبوجو ) .

           خلاصة القول أن لكل فصل طقوسه و لكل عيد أفراحه و لكل موسم عاداته ، من حصاد

و دراس و تلقيح النخيل ( الدكار ) و جني التمور و ( خريط ) الزيتون و غيرها كثير .

         هذا غيض من فيض ، إذ هناك أمور كثيرة تعمدت إغفالها حتى لا أشق على القارئ ، و لو تناولتها بكل تفاصيلها لطال المقال و ربما قد يثير ملل القارئ إن لم يكن قد أثاره ما كتب لحد الآن .

و الحقيقة أن هناك مشاعر أعمق من أن يصفها القلم و لا يشعر بها إلا من اكتوى بنار الشوق 

و الحنين لذكراها .

            مسك الختام رحم الله الأباء و الأجداد ،

فقد عاشوا حياة بسيطة و لكنها سعيدة حقا ، و لا

يعرف جوهر سعادتها إلا من كان ( عشاويا ) عاصر تلك الحقبة و عاين نبل أهلها ، فلأمواتهم الرحمة 

و لأحيائهم السلام .


     🌴 من ذكريات طفولة و شباب زايد وهنا  🌴

         

الأمية الثقافية

 من أجمل ما قرأت لطه حسين مقالا بعنوان

           "" الأمية الثقافية ""

         في مقال صغير يتحدث عميد الأدب العربي عن الأمية و يصنفها إلى نوعين ، النوع الأول  هو الأمية الأبجدية و هذا النوع معروف بين الناس و ينعت به كل من لا يعرف القراءة و الكتابة ، و النوع الثاني هو الأمية الثقافية ، و يقصد به 

طه حسين أولئك المتعلمين الذين يتقنون تخصصاتهم 

و يهملون ما عدا ذلك من العلوم و المعارف الأخرى ، فأكسبهم تعلمهم خبرة مهنية في مجالهم و لم يكسبهم ثقافة ، و قد أعطى مثالا على ذلك بطبيب يعلم الكثير في الطب و يهمل المجالات الأخرى فلا يعرف عنها و لو ذلك القليل الذي يمكنه من مشاركة جلسائه في مناقشة المسائل البسيطة في الفقه 

و الأدب و التاريخ و الجغرافيا و الفلك و سائر العلوم

و الفنون الأخرى .

      كان هذا رأي عميد الأدب العربي آنذاك ، أما أنا ككاتب متواضع ، فلي رأي آخر أوضحه باختصار شديد و أرد عليه رغم أنني لست كفؤا له . 

ليتنا اليوم وجدنا من يتقن الإختصاص الموكول له ، 

و يخلص النية في عمله و يبحث في مجال تخصصه ليرقى به إلى مستوى أعلى ، فما أحوج المجتمع لمثل هؤلاء ، و لا ملامة عليهم إن أهملوا مجالات أخرى . فنحن اليوم لا نطمع أن نجد ذلك المثقف الموسوعي ، بل نأمل أن نجد من يتقن تخصصه ، و يتفانى في خدمة الآخرين ، و لكن للأسف لا هذه و لا تلك ، إذا استثنينا طبعا قلة قليلة من ذوي الضمائر الحية الذين يسعون لتحقيق أهداف أمتنا ، و لهم و لأمثالهم كل التقدير و الامتنان ، و لو شاء الله أن تبقى يا طه حيا إلى يومنا هذا لربما شاطرتني الرأي و أعدت النظر في مقالك .


             💼  بين طه حسين و زايد وهنا  💼

دعوة في ظهر الغيب

              🍎 دعوة في ظهر الغيب🍎


لا يمكنك مهما أوتيت من براعة التعبير أن تصف شعورك و أنت تتسلم هدية من أحب الناس إليك ،

ذلك أن هذا الإحساس يفوق كل الكلمات 

و التعابير ، فأنت و إن حاولت أن تنتقي من مفردات اللغة أجملها و أعذبها  ستبقى في نظرك قاصرة على أن توفي تلك الأحاسيس التي تختلجك في تلك اللحظة .

لهذا لن تجد ما تشكر به المهدي على هديته خيرا من هذا الدعاء : 

يا من خلقت الذكر و الأنثى و جعلتهم شعوبا 

و قبائل ليتعارفوا ، و يا من أودعت المودة 

و الرحمة بينهما ، أسألك بنور وجهك الكريم أن

تتقبل منه صالح أعماله و تحفظه بسترك العظيم

و ترعاه بعينك التي لا تنام ، إنك ولي ذلك و القادر عليه .

             

           💼  المهدى له  زايد وهنا  💼

      


لا عذر لك

                          🔍   لا عذر لك  🔎


         في زمان ما و مكان ما ، التقيت صدفة بأحد زملائي في الدراسة ، سعدت بلقياه إذ جعل ذاكرتي تنتعش من جديد و تستحضر ذلك الماضي

البعيد حيث كان يجمعنا فصل واحد و أمل واحد

أن نكسر حاجز الفقر و نحقق لأنفسنا مستقبلا زاهرا بالحصول على وظيفة محترمة  ننتشل بها أسرنا من براثين الفقر فنستمتع كغيرنا من الموظفين بملذات الحياة التي حرمنا منها أيام الصبا و الشباب .

جلسنا طويلا بأحد المقاهي و تجاذبنا أطراف

الحديث نتنقل بين الذكريات حلوها و مرها 

و حتى المر منها آنذاك أصبح الآن ذكرى حلوة ، يتمنى المرء لو أنها تعود ثانية و لكن هيهات !

سألته عن أحواله فطمأنني موضحا أنه يشتغل هو كذلك في قطاع التعليم و أن له زوجة و أبناء ، 

خضنا في أحاديث كثيرة كان جلها عن العمل 

و المصاعب التي تعترض رجل التعليم في أداء رسالته على الوجه المطلوب و كذا بعض الطرائف التي تحدث أحيانا ، و من جملتها طريفة حدثت لهذا الزميل ،  استرعت انتباهي و وقفت عندها كثيرا إذ تحمل من العبر و الدروس ما يجب أن يضعه في الحسبان كل مشتغل في هذا القطاع الحساس .

فقد حكى لي زميلي هذا أنه كان يدرس في إحدى 

القرى النائية و ذلك في بداية مشواره المهني ،

و حدث أن توفي رجل من أهل تلك القرية الصغيرة أثناء غياب إمام المسجد ، و ليس بالقرية

من ينوب عنه في الصلاة على الجنازة إذ كل أهالي

القرية لا يعرفون شيئا عن ذلك ، مما اضطرهم إلى

طلب المساعدة من الأستاذ هذا الأخير الذي لا 

يعجزه شيء في نظرهم ، فتوجه بعض أعيان

القبيلة نحو بيت الأستاذ - زميلي هذا - و طلبوا

منه أن يصاحبهم ليؤمهم في الصلاة على الميت ،

فإذا بصاحبنا يعتذر لهم بأعذار واهية حتى لا يضع

نفسه موضع السخرية إذ هو نفسه يجهل كيفية 

الصلاة على الميت ، و لم يبق أمامهم سوى 

الاستنجاد بإمام قرية تبعد عنهم بحوالي عشرين كيلومترا .

كان هذا آخر حديث بيننا ثم افترقنا على أمل أن

يتجدد اللقاء في وقت لاحق ، ودعته و أنا أشعر بالخجل مكانه ، إذ لا يليق في نظري بالأستاذ أن يجهل مثل هذه الأمور البسيطة ، فهي من

الأولويات التي ينبغي أن يحرص على اكتسابها ،

فهو قبل كل شيء مسلم و معلم الأجيال ، فلا بد أن يكون ملما ببعض الأمور البسيطة في الدين ،

كالوضوء و التيمم و الصلاة بكل أنواعها ، سيما 

و أنه يعمل في مجتمع صغير جدا ، حتى

لا يعرض نفسه للسخرية من الناس ، و يقلل من

تقديرهم له ، فتسقط عنه القدوة و الكفاءة في

أعينهم و أعين تلامذته ، و هو ما ينعكس على

مردوديته سلوكا و عملا .

فالشائع بين أهالي القرى الصغيرة النائية أن 

الأستاذ هو المرجع و المصدر الموثوق و المنقذ

في كل النوازل ، كثيرا ما يرجعون إليه ليستشرونه

في أمور شتى ، لهذا ينبغي أن يكون على جانب

من المعرفة خصوصا في الأمور البسيطة مثل

هذه ، أما الأمور الأكثر تعقيدا فهي لذوي الاختصاص و لا يلام على عدم الإلمام بها .

ختاما أرى من وجهة نظري المتواضعة أن الأستاذ

الناجح لا بد له من شروط أربعة إذا أخل بواحدة منها اختلت لديه قدسية الرسالة الملقاة على عاتقه

و هذه الشروط هي :

      ⏺ القدوة

      ⏺ الكفاءة

      ⏺ الإخلاص

      ⏺ التواصل .


                    💼   بقلم    زايد وهنا   💼



من الدرس إلى الرمس

             🛏   من الدرس إلى الرمس  🛏


        كان الأستاذ يحال على المعاش في سن الستين بعد أن يكون قد قضى زهاء أربعين سنة في التدريس ، استنفذ خلالها كل طاقاته الفكرية 

و البدنية في تربية الأجيال و تكوينهم ، وتراه ينتظر بشوق كبير ذلك اليوم الذي يودع فيه المؤسسة التعليمية ليتفرغ إلى شؤونه الخاصة ، إذ كل أمله أن يمتع نفسه بما حرم منه طيلة مشواره المهني و لو لسنوات قليلة ، إذ بعدها 

- إن طال عمره - ستبدأ لديه رحلة التردد على 

 المستشفيات و الأطباء عساه يرمم بعض ما خلفته سنوات العمل الشاق من أمراض مختلفة ، 

و لكن في الحقيقة أنى لها أن ترمم و قد استشرى داؤها و لم تعد تنفع معه إلا المسكنات في انتظار الرحيل الأخير ، لذلك تجد أغلب المتقاعدين لا يعمرون طويلا حتى يلتحقوا بالرفيق الأعلى فهم لا يقتنصون من راحتهم بعد التقاعد إلا سنوات عجاف .

هكذا كانت الأمور تسير و قد اعتاد الناس عليها رغم ضنكها و نصبها ، حتى خرجت الحكومة بقرارها المشؤوم فمددت سن التقاعد إجباريا إلى 

ثلاث و ستين سنة بدل الستين المعمول بها منذ فجر الاستقلال ، عساها هي الأخرى أن ترمم عجز 

الصندوق المغربي للتقاعد الذي أشرف على الإفلاس بسبب سوء التدبير و التسيير ، و عوض أن تحاسب المسؤولين عليه المتلاعبين بأمواله ، 

أو أن تدعم الصندوق من جهات أخرى أو من قطاعات غنية ذات فائض ، اتجهت في إصلاحها نحو الأستاذ المسكين لتزيده ثلاث سنوات من العمل فتعمق بذلك جراحه و تفقده الأمل في الاستمتاع بتلك السنوات القليلة المتبقية من عمره

لتستمر معاناته في العمل المضني ، فلا يغادر

المؤسسة إلا محمولا على الأكتاف إلى المقبرة ،

و عوض أن يقام له حفل امتنان و تكرم  ، يقام له حفل تأبين و ترحم .

فنعم التبجيل هذا الذي وفيتموه للذي كاد أن يكون رسولا . 


            💼   بقلم   زايد وهنا   💼

  

ارحموا الناشئة

                         ✏  ارحموا الناشئة  ✏


            سبق و نشرنا مقالا حول بعض التدوينات التي تكتب بلغة عربية ذات مواضيع تافهة و تعابير ركيكة و أخطاء نحوية و إملائية كثيرة تستفز القارئ المتضلع و لا يندى لها جبين الكاتب المتنطع .

كلنا نعلم أن ناشئتنا و شبابنا أصبحوا مدمنين على

تصفح مواقع التواصل الاجتماعي ، فلماذا لا نستغل هذا الإدمان فيما يعود عليهم بالنفع ، فلا

ننشر إلا المقالات الهادفة ، و أن يتحرى كل كاتب الدقة في اختيار المواضيع المفيدة ، و يكتبها بأسلوب راق خال من الأخطاء ، فإذا كان ممن لا يجيدون الكتابة بلغة عربية سليمة ، فلا عيب في أن يستشير خبيرا يساعده في صياغة المقال حتى يخرج في حلة بديعة تستهوي القراء و تنال إعجابهم ، و بذلك يكون من ناحية قد ساهم في إحياء اللغة العربية وفق ما تقتضيه قواعدها 

و ضوابطها و من ناحية أخرى يكون قد ساعد الناشئة في تحصيلها و إتقانها نطقا و كتابة .

أما ما نراه اليوم في أغلب التدوينات فلا يعدو 

إلا أن يكون معولا ينضاف إلى سلبيات الإدمان ،  في هدم جمالية اللغة و إفساد معارف و أذواق الناشئة .


          💼   وجهة نظر الأستاذ  زايد وهنا   💼           

التبعية العمياء

                      🔼 التبعية العمياء 🔼


يقال :

        🍎 كل بشهوتك و البس بشهوة الناس 🍎

         مثل شائع في ثقافتنا الشعبية ، ورثناه عن السلف و ما زلنا نتداوله كلما وجدناه يوافق سياق

الحديث ، و معناه أن تختار لنفسك من المأكولات ما تشتهيه ، و لكن اللباس ينبغي أن تلبس ما يروق

الناس و يوافق أذواقهم ، بحيث لا يكون لك في

اللباس خيار إلا ما يرضي الناس و يبهرهم إذا رأوك

ترتديه . غير أن لي رأيا مخالفا للشطر الأخير من 

المثل ، فكما أنني أتناول من الأكل ما أشتهيه ، فما

المانع أن أرتدي من اللباس ما أشتهيه كذلك ، بغض

النظر عن رأي الناس في ذلك ، إذ المطلوب من

اللباس أن يكون نظيفا ساترا يريح صاحبه ، و قد يزيد على ذلك حسنا إذا كان يوافق خصوصيات

الانسان و يعبر عن أصالته ، أما إذا حاولنا أن نرضي الناس فيما يعشقونه سيما في وقتنا الحاضر ، فالسواد الأعظم من الناس اليوم يرتدون

ثيابا لا أشتهي أن أراها عليهم ، فهي إما ضيقة 

تثير الحرج في الحركة و إما سافرة تبدي مفاتن

لابسها وإما ممزقة و مدلاة تكشف عن أماكن يستحيي الإنسان النظر إليها إلا اختلاسا ، و هذا النوع من اللباس أصبح عاما بين الناس يرون فيه 

الحداثة و الموضة ، فكيف لي أن أرتديه و أنا غير مقتنع به ، و لا مستريح فيه ، فهل أرتديه لأن الجميع يشتهيه ؟ لا أبدا إنه لأمر في غاية السخافة 

أن أفعل شيئا عن غير اقتناع لأرضي غيري سواء

في أكلي أو لباسي أو حتى سلوكي و تصرفاتي ، 

فالمطلوب من الإنسان أن تكون لديه قناعة شخصية في كل المواقف و ألا يغتر بأي تصرف

صدر من الناس ما لم يقتنع بجدواه ، لدى عليه أن يستحضر عقله و يتصرف وفق ما يرضي الله 

و يرضاه الضمير و ذاك لعمري عين الصواب الذي 

يستحسنه عقلاء القوم . 


                 💼   هكذا يرى  زايد وهنا  💼


كيف ننهض بتعليمنا

 ***  كيف ننهض بتعليمنا ؟ ***


            لعل ما نسمعه و نطلع عليه في الاعلام الالكتروني و الصحافة المكتوبة عن جهود الدولة في الرفع من مستوى التعليم الذي وصل حدا من التدني لا يمكن السكوت عنه ، بعدما خضع في العقود الأخيرة لتجارب عديدة لم تزد حالته إلا سوءا ، فقد ارتأت وزارة التربية الوطنية بعد أربع سنوات من البحث و التمحيص أن تحدث  بعض التغييرات على البرامج و المناهج الدراسية في الأسلاك الثلاث مركزة جهودها على التعليم الإبتدائي باعتباره اللبنة الأساس و المنطلق السليم نحو مسيرة علمية موفقة ، و ركزت اهتمامها على إدماج اللغات الحية في سنوات التمدرس الأولى ، ناهيك عن بعض الإصلاحات و الإضافات البيداغوجية التي تساير النظرة الشمولية لتحقيق الأهداف المرجوة .

فإذا سلمنا جذلا أن نية الوزارة صادقة في تحسين صورة التعليم ببلادنا من خلال بحثها عن حلول مناسبة و ملائمة لنساير العصر الحديث و نلحق بالركب الحضاري ، فالذي يعاب عليها هو تركيزها على الجانب البيداغوجي في المناهج و المقررات و إغفالها لجوانب أخرى أكثر أهمية بل و لن يستقيم أمر التعليم إلا بها و أي إصلاح أو بحث أو اجتهاد لن يؤتي أكله في غيابها و هي ما تغفله الوزارة و الباحثون في هذا المجال عن قصد أو غير قصد .

فالطبيب الكفؤ  لا يقتصر في علاجه لمريض يشكو تقيحا في أحد أعضائه بوضع البلسم و الضماد على  العضو المصاب ، بل يدعم ذلك بمضادات حيوية و تنظيف وتعقيم مستمرين ، و يحتفظ بالمريض تحت المراقبة الدائمة لمدة من الزمن 

و غيرها مما يعرفه أهل الاختصاص ....،  و هذا ما ينبغي أن ينطبق على إصلاح التعليم ، فالاهتمام بالمناهج و البرامج و اللغات و البيداغوجيات هي فقط جزء من الإصلاح العام و لن نجني منها ثمارا في غياب النقط التالية :

  ●  الاهتمام بالبنية التحتية للمؤسسات

  ●  توفير مختبرات و مكتبات و معلوميات

  ●  انتقاء الكفاءات العلمية العالية للتدريس ، فقطاع التربية و التعليم هو العمود الفقري ، و هو 

الركيزة الأساسية لنهضة المجتمع و تقدمه ، و رسالته انسانية نبيلة لا يمكن أن يقوم بها إلا الأكفاء ، علما و سلوكا .

  ●  تكوين بيداغوجي لا يقل عن سنتين

  ●  الرفع من مستوى رجل التعليم ماديا 

و معنويا ، و تحسين أوضاعه ليتبوأ المنزلة الاجتماعية اللائقة  ، لأنه هو القدوة و هو مكون أجيال المستقبل .

  ●  تخفيف العبء عن الأستاذ ، خصوصا أستاذ التعليم الإبتدائي .

  ⚫ فتح باب الترقية إلى خارج السلم أمام الجميع .

  ⚫ التراجع عن قرار تمديد سنوات العمل فوق الستين ، فالأستاذ فوق هذا السن يقل مردوده 

و تتكالب عليه الأمراض لأنه قضى أكثر من 38 سنة في القسم ، علما أن مهنته أكثر المهن تعبا .

  ●  إرجاع الهيبة و الانضباط للمؤسسات ، 

و جعل كلمة المدير و الأساتذة فوق كل اعتبار . 

  ●  التصدي الرادع و العقوبات الزجرية لمن تسول له نفسه المساس بالتنظيم الداخلي للمؤسسة أو المس بكرامة الأستاذ تحت أي ظرف كان ، و محاربة الفوضى و التسيب بيد من حديد ، و لا تأخذنا رأفة بمن لا رغبة له في الدراسة ، فطرده أفيد للآخرين .

  ●  الفهم الصحيح و السليم لحقوق الإنسان .

  ●  لا نجاح إلا بالإستحقاق دون خضوع للخريطة المدرسية .

  ●  التركيز على هندام الطالب و حلاقة شعره ، بحيث تكون تربوية أخلاقية غير منافية لقيمنا 

و خصوصياتنا .

  ●  تقديم المساعدة الضرورية و العاجلة لرجل التعليم و لأسرته في قضاء مآربهم بالادارات العمومية الأخرى ، ليتسنى له الالتحاق بعمله .

  ●  جعل الاعلام في خدمة العلم و الأدب ....

بحيث يتم القطع مع التفاهة و كل ما يسيء إلى تربية الأبناء .

و غير هذا  مما يعضد و يدعم العملية التربوية التعلمية ، و يهذب السلوك ، و يوقظ الحس الوطني لدى أبنائنا ليكونوا على كامل الأهبة لتحمل المسؤولية و الرفع من شأن امتنا بين الأمم.

حينها يقينا سنصل الى ما نصبو إليه ، و لن تذهب الجهود سدى ما دمنا قد عقدنا العزم و أخذنا بكل الأسباب الممكنة ، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، فلننتظر الأسوأ ، و هذا ما لا يرغب فيه عاقل غيور محب لوطنه .


            💼 وجهة نظر الأستاذ  :  زايد وهنا 💼

الوتر الحساس

                    🎸  الوتر الحساس 🎸


        مشهد حقيقي من واقع حياتنا اليومية عاينته في وقت مضى ، لا داعي لذكر أسماء الأشخاص و الأماكن لأنني أهفو من وراء هذه القصة إلى استنباط العبرة من أحداثها و ما عدا ذلك لا يهمني و لا يهمك عزيزي القارئ في شيء .

كان الفصل صيفا و منطقة الجنوب الشرقي المغربي معروفة بشدة حرارتها التي تكاد لا تطاق ،

مما يدفع بالكثير من الأهالي إلى السفر لقضاء بعض الوقت من العطلة الصيفية في مناطق 

ذات طقس منعش طلبا للاستجمام و الترويح عن

النفس من عناء العمل الرتيب خلال السنة كلها ، 

جمعت أمتعتي و اصطحبت معي شقيقي ، وتوجهنا نحو منطقة الأطلس المعروفة صيفا

باعتدال طقسها و انتعاش هوائها ، و استقر رأينا على أجمل مدينة بها و التي يؤمها الناس من كل حدب و صوب .

عند وصولنا مباشرة بدأنا رحلة البحث عن شقة

مجهزة بكل الضروريات التي يحتاجها المقيم لبعض الوقت ، شريطة أن تكون تكاليفها على قدر

استطاعتنا ، و نظرا للقيمة السياحية للمدينة لم نجد ضالتنا إلا في حي شعبي ، و هي عبارة عن غرفة واحدة داخل شقة بها ثلاث غرف مكترات لزوار أمثالنا و يبقى المطبخ و الحمام مشترك بين

جميع القاطنين بالشقة .

اشترط علينا صاحب الشقة أن نؤدي المبلغ الكلي مسبقا لعدد الأيام التي ننوي قضاءها علما أن كل يوم بخمسين درهما ، و لم يكتف بذلك بل طلب منا أن نسلمه نسختين من بطاقتي التعريف الوطنية كإجراء عادي يقوم به مع جميع القاطنين بالشقة .

لاحظت أن لسانه العامي تطغى عليه لكنة الأمازيغية ، مما جعلني أتواصل معه باللسان الأمازيغي ، فما كدت أنطق بها حتى تغير كل شيء في الرجل و اعتلت البشاشة ملامحه ، و كيف لا وقد  اكتشف أنني أمازيغي مثله ، حينها تغيرت 

لهجته في الخطاب و ظهر انفراج و انشراح على محياه فأصبحنا نتواصل بالأمازيغية عوض العربية ، و سار بنا الحديث إلى أبعد من ذلك ، حتى أنه شاركنا بعض الأكل و هو يقول  :

  "  لا بأس ، نشركوا الطعام "

 قالها طبعا باللسان الأمازيغي ، فما كان منه إلا أن همس لي قائلا :

 " ما دمتما من أصول أمازيغية فلا داعي لبطاقتي تعريفكما ، و لا داعي للمبلغ مسبقا ، أقضيا ما شئتما من الأيام و أديا أي مبلغ يرضيكما ، فالأمازيغ معروفون بصدقهم و صفاء سرائرهم لا يخدعون أحدا من الناس أبدا " .

هم بالانصراف بعد أن شكرته ، ثم استدار نحونا

قائلا :

  " لا تترددا في طلب أي شيء ينقصكما ، اطرقا باب شقتي بالطابق العلوي متى احتجتما لشيء "

دلفت إلى داخل الغرفة و أغلقت الباب و بقدر ما

استحسنت تعامله معنا و مساعدته لنا وجدتني أقول لشقيقي :

"  سبحان الله ، ما كنت أظن أن التواصل باللسان 

الأمازيغي سيحقق لنا كل هذه التسهيلات "

و لكن شيئا ما في داخلي غير مقتنع بهذا المعيار الذي اعتمده هذا الرجل في المفاضلة بين الناس ، إذ لا يقوم على أساس الأخلاق الفاضلة و القيم 

النبيلة بقدر ما يقوم على النعرة القبلية الطائفية .


       💼  مشهد من الواقع عاينه زايد وهنا 💼