الأمر ليس كما يبدو لك !!!

                         الأمر ليس كما يبدو لك !!!


          خطأ كبير و خطير يرتكبه بعض الناس عن غير قصد ، 

لعلهم يجهلون تأثيره و عواقبه ، ذلك أنهم يصطحبون معهم أبناءهم الصغار إلى المقاهي المتواجدة في شوارع المدن 

و أزقتها ، و التي ليس بها فضاء خاص بالأطفال ، فيجلسونهم بجانبهم في زحمة الزبائن ، و لا يعلمون أن الأطفال في هذا

السن المبكر شديدي الملاحظة كثيري الفضول سريعي المقارنة ، لأنهم في مرحلة يكتشفون فيها أسرار الحياة و ما يجري خارج بيوتهم ، و كل اختلاف يلاحظونه يبقى راسخا في أذهانهم الصغيرة ، محاولين في نفس الوقت معرفة 

الحقيقة بين هذا السلوك و ذاك ، و أيهما أقرب إلى الصواب ، هل ما يرونه داخل البيت و بين أفراد الأسرة و العائلة ، أم ما 

يلحظونه خارج البيت في تصرفات الناس و أحوالهم ، 

و مادام سنهم لا يسمح لهم بوضع الأمور في مسارها الصحيح

إذ ليس لهم من خبرات الحياة و تجاربها الحصانة اللازمة لترجيح كفة على أخرى ، و ليس لهم من المؤهلات ما يجعلهم يعارضون أو يؤيدون ، فأغلبهم ينبهر بالمظاهر مما يسهل لهم الطريق للتأثر ببعض التصرفات الدنيئة و السلوك الغير السليم ، ظنا منهم أنه الصواب ، فتختزنه ذاكرتهم في قرارتها و لا يطفو على السطح إلا عند بلوغهم سن المراهقة . 

فكما يعلم الجميع أن المقاهي خصوصا تلك التي لا تتوفر على فضاء خاص بالأطفال ، يرتادها زبناء من مختلف الأعمار 

و الأجناس ، فمنهم المدخنون ، و منهم من يتلفظون مع جلسائهم بكلام ساقط ، و منهم شباب و شابات يرتدون ملابس غير محتشمة ، تصفيفات شعرهم تثير التقزز ،

و تصرفاتهم الساقطة تبعث الاشمئزاز ، و هذه السلوكات أصبحت اليوم في مجتمعاتنا عادية تحت غطاء التمدن

 و التحضر ، الذي غزاها التقليد الأعمى للغرب ، و انسلاخ الأمة الإسلامية عن تعاليم دينها الحنيف ، و لكن لا ننسى القلة القليلة من ذوي العقول الراقية و الوعي الرصين و الفكر الثاقب ممن  تراهم ملتزمين في مظهرهم ، متأدبين في تصرفاتهم ، يمقتون التفاهة و التافهين و هذا الصنف قليل . 

         إذن تصور معي عزيزي  القارئ ، أي طفل بين الرابعة 

و العاشرة من عمره ، اصطحبه والده إلى هذا المكان الذي 

يعج بالتناقضات في كل شيء ، فلا شك أن مخيلة هذا 

الطفل ستختزن أمورا كثيرة ، و ربما قد يتأثر ببعض

السلوكات الغير الصحيحة ، سيما و أنه يرى أن أغلب الناس

يأتونها و كأنها أمر مرغوب ، و لا يظهر أثرها إلا عند بلوغه سن المراهقة ، حيث تتفجر كل المخزونات و كأنها بركان ثائر

يدمر كل ما حوله ، و لا يستطيع أحد إيقافه ، فقد ينجرف مع تيار التفاهة مقلدا السواد الأعظم من الشباب المنحل أخلاقيا ،

و ربما ينغمس في وحل الرذيلة و المخدرات ، فيضيع الأمل

الذي كانت الأسرة تعلقه على هذا الشاب ، و تنقلب حياتها 

تعاسة بعد أن يئست من إصلاحه .

        إن تربية الأبناء مسؤولية جسيمة ، تبدأ في المراحل المبكرة ، و لهذا ينبغي أن نغرس في نفوسهم المبادئ السامية و السلوك القويم و أن نجنبهم الأماكن الغير المناسبة لسنهم 

و من جملتها المقاهي أو أي تجمع لا يحترم خصوصيات الحاضرين .

نعم لا بأس أن نصطحب أبناءنا معنا في رحلة أو نزهة أو جولة قصيرة ، و إلى الأماكن التي تبني شخصياتهم كالمساجد  و دور الشباب لحضور الندوات و المحاضرات و الأنشطة الهادفة ، و نفتح أمامهم كل السبل التي تبعث فيهم الطموح لبلوغ الغايات النبيلة ، باختصار نختار لهم الأماكن التي لا يرون فيها إلا ما يوافق التربية السليمة ، و نعلمهم منذ الصغر كيف ينتقدون السلوك الغير الصحيح و أن نجعلهم ينظرون إليه بعين السخط والازدراء و الاستصغار ، و أن نبجل في أعينهم السلوك السليم و نكن المدح و الثناء لمن يتحلون به ليتخذهم أبناؤنا قدوة ، لعلنا بذلك نصل بهم إلى شط الأمان ، فعصرنا الحالي أشبه ببحر متلاطم الأمواج لا يمخر عبابه إلا من شب على القيم الاسلامية السمحاء و تسلح بالتربية الحسنة .

و الله جل في علاه نسأل أن يلهم أبناءنا طريق الرشاد ليكونوا صالحين مصلحين لأنفسهم و مجتمعهم .

ختاما أود أن أشير إلى السبب الذي جعلني أخط هذه السطور ، ذلك أنني عاينت بعض الحالات في مثل هذه المقاهي ، حيث يحضر بعض الأباء أبناءهم الصغار معهم لقضاء بعض الوقت ، و كنت أتمنى في قرارة نفسي لو تنبه الأباء لخطورة هذا الفعل ، فالمكان غير صالح للأطفال الصغار

نظرا لما أشرت إليه سابقا .


ما ذنبه ؟

                                   ما ذنبه ؟


      كان يوم التحاقه بالمدرسة و هو في سن السادسة ،  يوما فاصلا في حياته ، و نقطة تحول قلبت حياته رأسا على عقب فشهادة ميلاده لا تحمل اسم أبيه و إنما تقتصر على اسم الأم و نسبها و هو نفس النسب الذي التصق باسمه هو كذلك .

منذ تلك اللحظة زاد إصراره على معرفة اسم أبيه و مكان وجوده ، طالما سأل أمه قبل اليوم أسئلة صبي بريء  ،  فكانت تخبره و الدموع في عينيها أن اسم أبيه سليمان و قد فارق الحياة قبل ولادته ، و هو في تلك السن المبكرة كان يقتنع بجوابها و لا يولي الأمر أدنى اهتمام ، فقد استهواه اللعب و المرح و لا يهمه وجود الأب ، ما دام لا يحتفظ في مخيلته بأي صورة له ، لأن خروجه إلى الدنيا كان بعد أن غادرها أبوه كما أخبرته أمه  .

   أما الآن و هو في المدرسة يرى الأباء يصاحبون أبناءهم 

و يسمع الزملاء يفخرون بما اشتراه الأباء لهم ، و الأهم من هذا و ذاك أنهم  يحملون نفس الاسم العائلي لأبائهم إلا هو الذي يرى أن اسم أبيه غير مدرج في شهادة الميلاد ، و أن

اسمه منسوب لإسم أمه العائلي .

بدأت الشكوك تلعب برأسه ، إذ أصبح يرى في الأمر شيئا غير طبيعي مقارنة بأقرانه ، و بات همه الوحيد معرفة اسم أبيه كاملا و نسبه الأصلي منه ، و زاد إلحاحه على أمه في معرفة ذلك ، و لكن دموعها و هي تجيب كل مرة بنفس الجواب ، جعله يرق لحالها و يتجنب كثرة السؤال رفقا بها ، سيما 

و أنه كان يحبها كثيرا إذ ليس له غيرها في هذه الدنيا .

توالت الأعوام و نضج فكر الولد ، فعاد السؤال إلى الواجهة ،

و أيقن أن في الأمر سرا يجب أن يكتشفه ليستريح من عبء

السؤال الذي أرقه و أضناه خصوصا و أن أعين الزملاء 

و الجيران لا ترحم ، فهي و إن لم تتفوه بشيء إلا أنها ترمي 

بإشارات ملغومة تجمع بين الازدراء في أعين أغلبهم و الشفقة 

في أعين بعضهم .

سن المراهقة الذي يعيش الولد تقلباته الفيزيولوجية 

و النفسية لم يترك له مجالا للسكوت ، فقد آل على نفسه أن يعرف الحقيقة مهما كلفه ذلك من ثمن و لو كان على حساب صحة أمه التي تدهورت بفعل المرض الخبيث الذي ألم بها .

و رغم مرضها فهو مضطر لفتح الحوار معها عساه يظفر بالحقيقة كاملة ، حينها لم تجد الأم مفرا من الاعتراف ، 

فأخبرته أن أباه سليمان ما زال على قيد الحياة و لكنها لا تعرف له مكانا و لا عن أخباره شيئا ، فقد غرر بها و وعدها بالزواج ، صدقت كلامه المعسول ، و لفرط حبها له سلمته نفسها قبل أن يتم العقد ، و لما عرف أنها حامل ، اختفى و لم يعد له أثر أو ذكر منذ تلك اللحظة إلى يومنا هذا ، و مما زاد الأمر تعقيدا أن لها أخا وحيدا في مدينة بعيدة  التجأت إليه لينظر في أمرها و يساعدها و لكن لسوء حظها العاثر ، تبرأ منها و قام بتعنيفها و طردها لأنه خاف من تدنيس شرفه 

و عرضه إن هو قبل بها على تلك الحال .

 كانت تبوح بهذه الأسرار و الألم يمزق أحشاءها ، أخرجت ورقة كتب عليها عنوان خاله و سلمتها لابنها ، ما أن أمسكها يتفحصها حتى سمع شهقة صدرت من أمه نظر إليها فإذا هي جثة هامدة ، فقد أسلمت الروح إلى بارئها .

قام الولد بمساعدة الجيران بدفن أمه ، و بعد ثلاثة أيام سافر

إلى المدينة التي يقيم فيها خاله ، حاملا معه عنوان منزله ،

و بعد بحث لم يطل كثيرا عثر على البيت المقصود ، طرق

الباب و إذا برجل في بداية الخمسينات يفتح الباب ، بادره الشاب بالتحية ، رد عليه صاحب البيت التحية و سأله عن

مبتغاه ، طفق الشاب يبكي و أخبره أنه ابن أخته و أن أخته

قد توفيت قبل ثلاثة أيام مضت ، انفجر الرجل على الشاب

بوابل من الشتائم و القذف و اتهمه أنه ابن زنى و أن أمه 

زانية ، و هدده إن هو عاد مرة ثانية ليخبرن الشرطة 

و يتهمه بالهجوم على مسكنه .

كفكف الشاب دموعه و رجع إلى البلدة التي أتى منها ، باع كل أثاث المنزل و لم يترك غير الأمتعة الضرورية التي تلزمه ، سلم مفتاح البيت لصاحبه ، و اختفى تماما عن الأنظار ،

و لم يبق في نفسه غير ذلك الكلام الجارح الفاحش الذي تفوه به خاله ، و الذي لم يكن يخطر على باله أن يسمعه منه خصوصا و أنه جاء ليحتمي به من غدر الزمان و نوائبه ،

فوجد أن الزمان و فواجعه أرحم بكثير مما فعله أبوه بأمه 

و ما فعله خاله بهما معا .


هكذا قص علي أحد جلسائي بالمقهى هذه الوقائع التي حدثت لهذا الشاب ، و التي أثرت في نفسه تأثيرا بالغا ، خصوصا منها كلام خاله ،  إذ ما زالت تلك الاتهامات و الشتائم عالقة بذهنه لم يستطع أن يمحوها من ذاكرته .

تأثرت أنا كذلك بما سمعت ، و قررت كتابتها و لو  باختصار شديد ، فكانت على هذا النحو و ذيلتها بهذه الخاطرة .


   ##     كل الجروح العضوية و إن كانت غائرة و نزفت دما

 و أوجعت صاحبها إلا أنها تلتئم و تندمل مع مرور الأيام

 و يطويها النسيان ، في حين أن الجروح النفسية ، تبقى راسخة في الأذهان و لا يستطيع الزمن أن يمحوها من الذاكرة ، كلما تذكرها الإنسان تفيض نفسه حزنا و أسى ، 

و تمنى لو لم تحدث حتى لا تترك هذا الجرح الأليم في النفس .

و صدق الشاعر يعقوب الحمدوني إذ يقول :

 جِراحَاتُ السنانِ لها التئامُ *** ولا يُلْتأمُ ما جَرَحَ اللِّسانُ   ##



أظنك عشت مثل هذه اللحظة

 #   أظنك عشت مثل هذه اللحظة  #


             قد يميل الإنسان أحيانا للجلوس وحيدا ، فيختار لنفسه مكانا غير الذي ألفه مع الأصدقاء ، حيث يرغب في مجالسة نفسه و الاختلاء بأفكاره و أحلامه ، دون أن يعكر صفو مزاجه أحد . 

و هو الأمر الذي يستهويني أحيانا ، إذ أشعر في جلوسي وحيدا براحة نفسية و أجد في نفسي ميلا و شغفا شديدين لكتابة خاطرة أو مقال أستوحي مضمونه مما أراه أمامي و أعيشه في مجتمعي من الأمور التي أنجذب إليها إما استحسانا و مدحا 

أو انتقادا و ذما ، فأنصب نفسي حكما و كأن ليس بي عيوب إلا ما أراه في غيري .

في هذا اليوم المشمس من أيام الخريف ، قررت أن أجالس نفسي ، فاخترت إحدى المقاهي التي لم يسبق لي أن ارتدتها من قبل ، في موقع جميل يطل على شارع كبير  يعج بالحركة ، استرعى انتباهي كثرة الحركة بالشارع المكتظ بالمارة ، الراجلين منهم و الراكبين ، و اتخذت موقف المتفرج المتفحص لما أراه أمامي ، و سرعان ما انتابني شعور غريب عن الدنيا في تناقضاتها و اختلاف أحوال أهلها .

فهذا رجل ثري بهندام أنيق يركن سيارته الفارهة و يتجه نحو

المقهى في خيلاء .

 و هذا متسول رث الثياب يستجدي العطاء من رواد المقهى .

 و هذا كهل يدفع عربة يوصل بها متاع الناس إلى بيوتهم 

و العرق يتصبب من جبينه .

و هذه شابة متبرجة تستعرض مفاتنها و السيجارة بين أصابعها . 

و هذا طفل دون سن الرشد يعرض مناديل ورقية للبيع . 

و هذا رجل يحمل بين يديه كتابا ، لا يلهيه شيء مما يلهيني أنا ، فبصره لا يزيغ عن صفحات كتابه .

 و هذه امرأة منقبة لا يظهر منها شيء على الإطلاق و قد انزوت و زوجها في ركن بعيد من حديقة المقهى . 

و هذا ماسح أحذية ، شاب في مقتبل العمر ، بوجه ملأته النذوب و أسنان مخربة .

و هذا رجل يعرض بضاعته على الزبناء ، و لسانه لا يفتر عن مجاملتهم و الإشادة ببضاعته ، و عينه على كل حركة من أحدهم عساه يبتاع منه شيئا .

و هذا رجل مسن ، غزا الشيب شواة رأسه و لحيته ، و خط الزمان أخاديد على محياه ، فاضطره وهن بدنه ، و قلة حيلته ، أن يتخذ له مكانا دائما قرب مدخل المقهى يبيع بذور عباد الشمس و أنواع السجائر بالتقسيط .

 و هذه امرأة تمشي الهوينى ، و علامات اليأس و الكآبة تعلو تقاسيم وجهها ، تضع على كل طاولة أمام الزبناء ورقة تطلب من خلالها المساعدة لإجراء عملية جراحية . 

و هذا شاب بتصفيفة شعر غريبة و لباس يكاد يكشف عورته قد غادر المقهى و امتطى دراجة نارية كبيرة تثير ضجيجا مهولا ، 

و في لمح البصر انطلق بها بسرعة جنونية أرعبت المارة . 

و هذا شاب مختل عقليا ينام في الشارع على الرصيف ، يفترش الأرض و يلتحف السماء .

و هذا شاب أنيق بلباس لا يلفت انتباها يحمل محفظة

 و حاسوبا لعله طالب أو موظف مبتدئ .

 و هذا رجل يجري مكالمة بصوت مرتفع أزعج من حوله من الزبناء و لو تأدب لانتحى بعيدا تفاديا للإزعاج .

 و هذا سكير يدخل المقهى يترنح و يعربد و يتفوه بما لا يرضي ، فترى النادل قد توجه نحوه و بنوع من الاستعطاف و اللين يحاول أن يصرفه عن المقهى تفاديا لأي شر منتظر .

و هذه سيارة تمر في الشارع و أبواق مذياعها ذات الصوت الصاخب المزعج ترعب المارة . 

و هذه أسرة اجتمعت حول مائدة يتناول كبارها ما لذ  و طاب ، 

و صغارها يلعبون و يجرون هنا وهناك يخترقون الممرات بين الزبناء و ضجيجهم يكاد يصم الآذان .

و هؤلاء ثلة من الرجال تظهر عليهم علامات اليسر و سعة اليد

مجتمعين حول مائدة دسمة و قهقهاتهم تملأ أرجاء المقهى غير مبالين بمن حولهم .

و هذه مجموعة من الشباب يرتدون زيا موحدا بنفس اللون

و الشكل يعزفون بالمزامير و يدقون على الدفوف ، يتنقلون بين زبون و آخر لعلهم يظفرون بدريهمات قليلة من أحدهم .

و هذا ...و ذاك ... و هذه ... و هؤلاء ...و أولئك...

          و هذا أنا الذي أرقب عن كثب كل ما يدور في المقهى 

و خارجه ، أستغرب أحوال هذه الدنيا و ما تفعله بأهلها .

لا أنكر أنني حمدت الله و شكرته على ما أنا عليه ، و لكن لا

أخفي كذلك أنني تأثرت لأحوال المستضعفين و البؤساء ،

و ضجرت من طيش بعض الناس و جهلهم و تكبرهم ، و فوق هذا و ذاك وطنت نفسي ألا أتصرف أي تصرف من شأنه أن يزعج الناس أو أقوم بشيء مخزي يلفت انتباههم نحوي ، فينطبق علي قول الشاعر أبي الأسود الدؤلي :

          لا تنه عن خلق و تأتي مثله 

                           عار عليك إذا فعلت عظيم 

و بعد أن أخذت على نفسي عهدا بذلك ، شرعت مباشرة في كتابة هذه السطور ثم غادرت المقهى في اتجاه البيت .


              بقلم : زايد وهنا

متى يستيقظ الضمير ؟؟؟

 متى يستيقظ الضمير ؟؟؟؟


        كل الشعوب المتحضرة في العالم تجعل قطاع التعليم 

أولى الأولويات و تجعل المدرس في أعلى المراتب ، لأنها تعلم

يقينا بأن العلم و التعلم هو سبيلها الوحيد و الأوحد للنماء 

و الرقي ، و قد تنبهت كثير من الدول السائرة في طريق النمو  لهذا السر فأولت الاهتمام البالغ و العناية الكاملة لقطاع التعليم 

و للعاملين به ، و سرعان ما ظهر أثر التعلم جليا على مستوى جميع ميادينها و مرافقها ، و هي الآن تأكل ثمار اهتمامها بالتعليم و أهله ، في حين أن المسؤولين في بلادنا يقرون بأهمية التعليم علانية و لكن الفساد و الجشع و المصالح الشخصية و السعي وراء الثراء الفاحش ، أعمى بصائرهم و طمس أمامهم كل ما يعلي من شأن هذا الوطن ، و هو الأمر الذي سيترك البلاد في مؤخرة البلدان تتخبط في الديون الخارجية دون أثر إيجابي أو فائدة تذكر على أفراد الشعب .

و الغريب في الأمر أنهم يدعون حب الوطن و لكنهم في الحقيقة يحبون استنزاف خيراته لضمان مستقبل أبنائهم أما مصلحة الوطن فلا تعنيهم في شيء . الوطنية الصادقة حقا هي في قلوب  أفراد المجتمع البسطاء ، في قلب ذاك الجندي المرابط على الثخوم ، و في قلب ذلك الفلاح الذي  يهرق عرقه في سبيل لقمة العيش له و لغيره ، وفي قلب ذاك المدرس الذي يتعب و يصل الليل بالنهار في سبيل تربية النشء و تعليمهم ، في قلب ذاك الطبيب و الممرض الذي يسهر على راحة المرضى ، و في قلب ذاك الموظف النزيه الذي يخدم مصالح المواطنين ، و في قلب ذاك الصانع الذي يبدع من سديم خياله تحفا فنية ، و في قلب ذاك البناء الذي يشيد البيوت و المساكن ، و باختصار حب الوطن في قلب كل نزيه غيور يكسب لقمته حلالا و عينه على وطنه 

و مقدساته ألا تمس بسوء ، و إن مست تجده أول المنتفضين

 و المتطوعين  ، فرعيا لهؤلاء و لأمثالهم الذين يسعون حقا  لتحقيق أهداف أمتنا الدينية و الوطنية .

وصايا لبناتي

 وصايا لبناتي

         اعلمن حفظكن الله أن لكل نفس أجل محتوم ، لا بد أن 

تلقاه إن عاجلا أو آجلا ، و علمها كما يعلم الجميع في طي الغيب عند خالقها ، لهذا خوفا من مباغتتها لي ، ارتأيت أن أكتب هذه الوصايا مادامت روحي بين جوانحي ، إذن خذن ما أوصيكن به على محمل الجد ، و اعملن به ، لأن العمل به هو رأس الطاعة و البرور للوالدين ، به تنلن رضا الوالدين ،

و رضاهما هو دون ريب رضا الله .

بناتي العزيزات ، لقد عشت حينا من الدهر ، و خبرت الدنيا

و مصاعبها ، و تجرعت حلوها و مرها ، و أيقنت بعد عمر

طويل أن الدنيا زائلة فانية ، و سعادتها في تقوى الله ،

و العمل بأوامره و اجتناب نواهيه ، و عليه خذن مني هذه :

▪️عليكن بتقوى الله ، و اجتنبن المعاصي كبيرها وصغيرها .

▪️أحسن إلى والدتكن من بعدي ، و لا تعصين لها أمرا ، 

و تذكرن دائما ما قاسته من أجل تربيتكن .

▪️تحلين بالخلق الحسن ، يجعلكن عفيفات .

▪️لا تغترن بالمظاهر الزائفة فمآلها إلى زوال و عواقبها وخيمة .

▪️اتحدن و تآزرن فيما بينكن ، فقد خلقكن الله من نفس الرحم ، و رضعتن نفس الحليب من نفس الثدي ، لهذا إذا نبا الزمان بإحداكن فاعطفن عليها و واسينها ، و تحملن آذاها 

و اصطبرن على عيوبها .

▪️احتفظن بأسراركن ، فلا تفشينها لأحد ، سيأتي يوم تنقلب عليكن وبالا .

▪️لا تصاحبن إلا الطاهرات العفيفات ، و لا تكثرن من الصاحبات.

▪️ لا تنظرن إلى من هم فوقكن ، فتعشن تعيسات ، بل انظرن إلى من هم دونكن ، فتعشن سعيدات ، ففي القناعة تكمن السعادة .

▪️   لا تعنن ظالما ، و لا تحقرن ضعيفا ، و تواضعن مع جميع

الخلق .

▪️  الزمن بيوتكن و لا تكثرن الخروج منها إلا لمآرب تقضينها ، فكثرة التجوال مجلبة للمصائب .

             هذه بناتي العزيزات أهم الوصايا ، احفظنها ،

و احتفظن بها ، و اعملن بها ، و ترحمن علي و على والدتكن عند كل صلاة ، فقد عملنا كل ما في وسعنا لتنشئتكن 

و تربيتكن و تعليمكن ، حرمنا أنفسنا لنوفر لكن كل ما تطلبنه، و لم نتضجر يوما من طلباتكن ، بل كان أملنا أن نراكن سعيدات ، و الحمد لله الذي أطال أعمارنا حتى كبرتن 

و تعلمتن ،  فلا تنسيننا بالدعاء .

ختاما أسأل الله جل في علاه أن يسعدكن دنيا و آخرة و أن يجمعنا بكم في مستقر رحمته .


أكلنا يوم أكل الثور الأبيض

 أكلنا يوم أكل الثور الأبيض

لو اتحدنا من زمان كاتحادنا اليوم ، و وقفنا في وجه القرارات

المجحفة ، و تصدينا لكل ما يمس كرامة المدرس ، لكنا اليوم ننعم بقدر محترم من الحقوق ، و لكن للأسف الشديد كان القيمون على قطاع التعليم في كل مرة يمررون قرارات

تدني من شأن المدرس و تحمله ما لا طاقة له به ، و لا من يحرك ساكنا . السواد الأعظم من رجال التعليم وضعوا ثقتهم في النقابات و لم يدركوا حينها أن هذه النقابات تخدم بنسبة

كبيرة مصالحها الشخصية و تتواطؤ مع الحكومات ، و تجعل من مطالب الشغيلة التعليمية مطية لقضاء مآربها ، و لم تحقق

لهم سوى التسويف من خلال عقد اللقاءات المتكررة دون

تحقيق أدنى المطالب ، و لعل أفضع جريمة ارتكبت في حق

المدرسين هي تمديد سن التقاعد لما فوق الستين ، و كان

هذا القرار بمثابة جس النبض ، إذ مر القرار في صمت و لا

معقب عليه إلا تلك الفئة القليلة المسنة المقبلة على التقاعد

التي لقلتها غلب على أمرها ، و مادام أغلب المدرسين من الشباب و الكهول الذين يفصلهم عن سن التقاعد أمد بعيد ، لم يعيروا الموضوع اهتماما ، و لم يتحدوا مع إخوانهم المشرفين على التقاعد ، و هذا ما شجع الوزارة على التمادي في قهر المدرسين و دون خجل خرجت الوزارة بهذا النظام الأساسي الظالم ، مما أفاض كأس الصبر و التحمل لدى رجال و نساء التعليم ، و الحقيقة أننا كنا نأمل أن نقف مثل هذه الوقفة يوم تم إصدار قرار تمديد سن التقاعد ، و لو فعلناها يومها و وقفنا لها بالمرصاد لتراجعت الوزارة عن قرارها المشؤوم و لما  تجرأ  أيا كان اليوم  أن يصدر هذا النظام الأساسي بهذا الشكل لأنه يعلم أن أولئك الذين تصدوا لتمديد سن التقاعد و أبطلوه هم الذين سيتصدون لهذا النظام الأساسي و بنفس الاتحاد و القوة بل و أكثر ، و لكن سكوتنا 

و عدم اتحادنا في صد القرارات المجحفة السابقة أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم ، لهذا أقول أننا أكلنا يوم أكل الثور الأبيض .


القرار المجحف

 القرار المجحف


        لعل الذين وضعوا الأسس الأولى للسن المناسب للإحالة على المعاش و جعلوا حده الأقصى ستين سنة ، هم صادقون جدا ، و لا حق بجانب من يجادلهم في ذلك ، فهم لم ينطلقوا من فراغ أو أهواء نفس ، و إنما استندوا على أسس علمية و تجارب حياتية ، توالت عبر الحقب و الأزمنة ، و أثبتت أن حياة الإنسان مقسمة إلى مراحل ، و خصصوا  كل مرحلة بطاقات بدنية و أنشطة فكرية تناسبها ، و عرفوا بل تأكد لديهم أن الإنسان عند بلوغه سن الستين تتغير فيه أمور كثيرة ، حيث يظهر عليه بعض الفتور و العجز على المستوى الفيزيولوجي و تنتابه حالات اليأس و الملل على المستوى النفسي ، و لهذا ينبغي أن تتوقف مسيرته العملية عند هذا السن لأن بعدها سيقل عطاؤه ، مما يؤثر سلبا على مردوديته

و يزيد حالته الصحية و النفسية تأزما و سخطا ، خصوصا

إذا كان ينتمي لقطاع متعب كالتعليم ، فكيف بمن قضى أربعين سنة أو تزيد في التدريس أن يستمر بعد الستين بنفس الحماس 

و الجدية ، فهذه المدة الطويلة قد استنزفت تدريجيا كل قواه و لم تعد له الرغبة إلا في الراحة البدنية و الاستقرار  النفسي ، و التفرغ لأمور تناسب ما تبقى لديه من طاقة .

و لكن للأسف الشديد لا أحد من المسؤولين يقدر ما مر به هذا المدرس المسكين من محن ، و عوض تكريمه بالترقيات

و المكافآت و تحسين معاشه ، أضافوا له سنوات من المشقة 

و الضنك ، و قرروا ألا يخرجوه إلا محمولا على الأكتاف إلى قبره ، بئس ما قرروا و بئس الجزاء .

حوار بين القاتل و قتيله

 حوار بين جندي صهيوني جبان  و طفل فلسطيني يحتضر



الطفل : قتلتني أيها الهمجي و أنا طفل بريء أعزل ، و وقفت على رأسي و فرائصك ترتعد ، لتتأكد من موتي أتدري لماذا ؟ لأنك جبان .

الصهيوني : لدينا تعليمات بقتل الأطفال و الشباب ، لأنهم هم رجال الغد الذين سيثأرون ، و يحررون أرضهم .

الطفل : تبا لك و للتعليمات و لمن أصدرها إليك ، أتظن أن بقتلكم للأطفال و الشباب ستنعمون بالرفه في أرض 

اغتصبتموها .

الصهيوني : سنبيدكم جميعا من أجل أن نعيش في هناء 

و أمن ، و تكون فلسطين كلها لنا .

الطفل : أما تدري أيها الرعديد الخبيث بأن لي خمسة

إخوة و أمي حامل بالسادس ، و مثلهم عند جيراننا ، و اهل

حينا ، و أضعاف أضعافهم في مدننا و قرانا .

الصهيوني : سنمحقكم قريبا و لا نبالي كثرة عددكم .

الطفل : كذلك قلتم منذ ما يقرب من ثمانين سنة و أنتم

تقتلون و أعدادنا و الحمد لله في ازدياد ، يستشهد واحد

و يولد أربعة .

الصهيوني : سيمدنا حلفاؤنا بالأسلحة المحظورة دوليا لإبادتكم عن آخركم .

الطفل :  ذاك دأبكم لأنكم جبناء تختبئون وراء الأسلحة المتطورة ، و لولا حلفاؤكم لانمحى أثركم من زمان ، أما نحن فلا حليف لنا إلا الله وحده ، أمتنا الإسلامية لازمت الحياد ،

استعبدها الغرب فباعت ذممها و انغمست في الشهوات ،

و لكن مهما تفعلون ، ما تشاؤون إلا أن يشاء الله ، هو القادر أن يجعل كيدكم في نحوركم ، و يشتت شملكم .

في هذه اللحظة ، ابتسم الطفل و هو يصارع النزع الأخير ، 

و قال بصوت خافت :

 اغرب عن وجهي و أبعد دنسك عني ، إن الملائكة تحوم حولي و أبواب الجنة تفتح أمامي :

  أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله .

 

الأسلحة و الأطفال : السياب

     دائما مع هذا النوع من القصائد التي تحمل من الألم أكثر ما تحمله من الجمالية .

بدر شاكر السياب و قصيدة " الأسلحة و الأطفال "

بأقدام أطفالنا العارية

يمينا و بالخبز و العافية

إذا لم نعفر جباه الطغاة

على هذه الأرجل الحافية

و إن لم نذوب رصاص الغزاة

حروفا هي الأنجم الهادية

فمنهن في كل دار كتاب

ينادي قفي و اصدئي يا حراب

و إن لم نضو القرى الداجية

و لم نخرس الفوهات الغضاب

و نجل المغيرين على آسية

فلا ذكرتنا بغير السباب

أو اللعن أجيالنا الآتية ...


أمتي لعمر أبو ريشة

 قصيدة شعرية بقدر ما راقني نظمها ألمني مضمونها ، هي للشاعر الكبير عمر أبو ريشة ،بعنوان " أمتي  "  يقول فيها :

                                   أمتي

أمتي هل لك بين الأمم   

          منبر للسيف أو للقلم

أتلقاك و طرفي مطرق    

        خجلا من أمسك المنصرم

و يكاد الدمع يهمي عابثا 

          ببقايا كبرياء الألم

أمتي كم غصة دامية      

        خنقت نجوى علاك في فمي

أي جرح من إبائي راعف 

        إنه الأسى فلم يلتئم

كيف أغضيت على الذل ولم 

        تنفض عنك غبار التهم

أو ما كنت إذا البغي اعتدى

         موجة من لهب أو من دم

فيم أقدمت و أحجمت و لم

         يشتف الثأر و لم تنتقم

اسمعي نوح الحزانى و اطربي

         و انظري دمع اليتامى و ابسمي

و دعي السادات في أهوائها

         تتفانى في خسيس المغنم

رب وا معتصماه انطلقت

         ملء أفواه البنات اليتم

لامست أسماعهم لكنها

         لم تلامس نخوة المعتصم

أمتي كم صنم مجدته

         لم يكن يحمل طهر الصنم

لا يلام الذئب في عدوانه

        إن يك الراعي عدو الغنم

فاحبسي الشكوى فلولاك لما

         كان في القوم عبيد الدرهم


     تعليق :

  آه و ألف آه ...للأسف الشديد 

النخوة ، النعرة ، الإباء ، الكبرياء ، نصرة المظلوم.... ،  

كلمات لم يعد لها دور و لا قيمة في قواميس اللغة العربية ، يجب أن تحذف تماما  ما دامت لا تحرك ساكنا في نفوس العرب و المسلمين .

يافا تحتضر

         لعل المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في المواطنين الفلسطينيين العزل ، لأكبر دليل على همجيته و أقوى برهان على خذلان الأمة الإسلامية ، و على إثر هذه الأحداث المحزنة و المؤلمة ، تذكرت قصيدة للشاعر هارون هاشم رشيد 

و هو من أكبر الشعراء المعاصرين بفلسطين ، ولد و نشأ 

و تعلم بغزة ، من دواوينه :

-- حتى يعود شعبنا .

--  أرض الثورة .

--  مع الغرباء .

القصيدة بعنوان " يافا تحتضر " ، يقول فيها :


تعالوا هاهنا شيخ كبير و هو يحتضر

يقول صمدت في يافا فلا خوف و لا خور

وقفت بها كحد السيف أدفع غدر من غدروا

تطاردني رياح الغزو يتبع خطوي القدر

يحاربني بما لم تعرف الأيام و العصر 

و يسرق زاد أطفالي و ما للعمر أدخر

و يسكن بيتي المنهوب مني ظالم أشر

هنا امرأة تشق الثوب صارخة و تنفجر

أما من نخوة فيكم تضج بكم و تبتدر

هنا طفل نما في الشوك لا فرح و لا سمر

و لا علم و لا زاد و لا ماء و لا ثمر

يقول أنا امتدادكم أنا زيد أنا عمر 

أنا العربي في  يافا  أسام بها و احتقر

و كنت بكم أنا أزهو على الدنيا و أفتخر 

هنا أهلكم عاشوا على الأشواق و انتظروا

و قالوا في غد تأتون يأتي الفوز و الظفر

و قالوا في غد تأتون يأتي العون و المطر 

و قالوا في غد تأتون يأتي العسكر المجر

و قالوا في غد تأتون و الأعلام تنتشر

و قالوا في غد تأتون ..قالوا ..رددوا..ذكروا

و مرت تعبر الأيام و الأعوام و العمر

و ما منكم لهم أمل يلوح و لا لكم خبر 

و ما منكم سوى النسيان يطويهم و يعتصر

و ما منكم سوى النكران لا ذكر و لا ذكر 

تعالوا ها هنا أهل لكم أعيتهم الغير

أيكفي أنهم صمدوا كما الأطواد و اصطبروا

أيكفي أنهم جاعوا فما ضجوا و لا ضجروا

أيكفي أنهم ثبتوا على الإيمان ما كفروا

أيكفي أنهم في القيد ما ذلوا و لا قهروا

سؤال حائر و الله ماذا كيف نعتذر

أما آن لمعتصماه و هي الصوت ينفجر 

بأن ترجعنا يوما  لماضينا  فنقتدر

أما آن لهذا الصوت صوت الحق ينتصر 

أما آن لهذا الرعد يبعث كل من قبروا

أتبلغ صرختي الآذان أم تمضي و تنحصر 

فيافا أيها الأحباب  يافا اليوم تحتضر 


الغطرسة شيمة الجبان

                      الغطرسة شيمة الجبان


         تبا للأسلحة المتطورة التي أوهمت الجبان الرعديد أنه شجاع باسل ، فقد جنبته مواجهة عدوه في ساحة المعركة ، و سترت جبنه ، فيكتفي الجبان و هو في مخبئه بالضغط على الزر ليحدث دمارا عشوائيا في مناطق بعيدة ، و لو حدث أن خرج من مخبئه في مواجهة عدوه ، لألقى ببندقيته

و أطلق العنان لساقيه يسابق الريح من شدة جبنه ، و لا يترك خلفه إلا ريحا كريها ، إنهم اليهود لعنهم الله .

فقديما عندما كانت المعارك تدار بالسيوف و الرماح ، و بعدها

بالبنادق التقليدية القريبة المدى ، لم تكن لليهود كلمة بل 

عاشوا منكمشين مشتتين في كثير من بلدان العالم ، يحتمون

بأسيادهم ، و لما تطور السلاح البعيد المدى ، و وجدوا من

يزودهم به لأغراض و أهداف صهيونية ، فقد تدججوا به

و اختبأوا خلفه ، إذ جنبهم الكثير من المواجهات في الميدان ،  هناك بدأت غطرستهم و ظلمهم غير أن عتادهم المتطور هذا لم يوفق في نزع الخوف و الجبن من نفوسهم ، و تلك نقطة

ضعفهم التي ستهزمهم إن شاء الله .


الغربال

                           الغربال


        من الملاحظ أنه كلما تقدم العمر بالإنسان إلا و يقل عدد 

الأصدقاء الذين يعرفهم و الذين كانوا بأعداد كبيرة أيام الشباب ، و هذا أمرطبيعي لأن المراحل الأولى من العمر بدءا بالطفولة حتى الشباب ، تكون لدى الإنسان قابلية للتعرف على العديد من الأقران بفعل الزمالة في الدراسة و الجوار في الحي ، إضافة إلى آخرين يتعرف عليهم من خلال مزاولة الأنشطة الرياضية و الفنية أو غير هذه من الأسباب الأخرى التي تجعل الشاب يربط علاقات مع الكثير ممن هم في مثل سنه أو من يقاربونه سنا . و هي في الحقيقة السن التي تغيب عن صاحبها معايير انتقاء الأصدقاء خصوصا و أن العلاقات التي تربط بينه و بينهم علاقات سطحية مبنية على أمور اللهو و المرح و لا شيء سوى ذلك ، غير أن المعايير الجادة التي تظهر معادن الناس و فضائلهم و حسن سرائرهم ، فهذه المعايير القيمة لا يدركها الشاب إلا بعد أن يتجاوز مرحلة الشباب و يلج مرحلة الكهولة حيث يتحمل المسؤولية التي كان قبل ذلك معفى منها إذ كان الأبوان هما من يتحملاها بدلا عنه ، عندئذ يخوض غمار الحياة و يصارع عقباتها و محنها ، و كيف لا و قد أصبحت له زوجة و أبناء ، فتجده أحيانا في حاجة إلى دعم معنوي أو مادي فلا يجد

بجانبه إلا قلة قليلة ممن كان يعتبرهم أصدقاء مقربين ،

و هكذا تبدأ تلك الرابطة في الانحلال ، و مع مرور الوقت 

تسقط العديد من الروابط و العلاقات مع من كان يعرفهم 

فتتم غربلتهم و لا يبقى منهم إلا القليل ، و هذا القليل هو نفسه يتناقص مع الأيام حتى لا يحتفظ لنفسه إلا بصديقين أو ثلاث على أبعد تقدير ، ممن يراهم صفوة المعارف ، نظرا لأخلاقهم الفاضلة و مبادئهم الثابتة ، يبثهم شكواه و يبثونه ، يتقاسم و إياهم الأسرار ، يجدهم و يجدونه في السراء 

و الضراء .

و هكذا تجد الرجل الذي تقدم به السن ، و تشرب من نبع الحياة حلوها و مرها ، يقتصر في صداقته بعد غربلة 

و اقتناع على شخصين أو ثلاث ، و هو يعلم علم اليقين أن

لا أحد منهم يخذله سيما إذا أحسن الاختيار ، و وضع لنفسه أولا و للآخر ثانيا معايير مبنية على أسس متينة ، و روابط

صداقة صادقة لا يشوبها طمع و لا خداع ، و يكون الحب في الله بينهما متبادلا .

فاللهم يسر لنا من خلقك أقواهم إيمانا و أحسنهم خلقا ،

يخافك فينا و نخافك فيه ، و أبعد عنا كل من يريد بنا سوءا

إنك تعلم ما في أنفسنا ، و لا نعلم ما في نفسك ، إنك أنت علام الغيوب . 


                                      بقلم  زايد وهنا

اعتذار

                اعتذار

أخواتي الأستاذات الفاضلات ، إخواني الأساتذة الكرام ، 

أعتذر إن كنت أنشر في صفحة " أطر مدرسة المسيرة "

بعض المقالات و الأشعار ، فأنا لم أفعل إلا لنتشارك جميعا

في مناقشة ما ينشر ، بالردود  و التعقيبات و الإضافات

و النقد البناء الذي من شأنه أن يغني الموضوع المنشور ،

و يجعل ألفة التواصل العلمي و الأدبي بيننا ، فأنا العبد الضعيف واحد منكم و لا يرضيني أن أتعامل مع قراء 

كثر في بلدنا و خارجه و مع جرائد إلكترونية و ورقية ،

و لا أتعامل مع زملائي في العمل و هم أقرب إلي ، 

و كانت هذه الفكرة تراودني منذ التحاقي بالمؤسسة  على أن نجعل من منبرنا هذا فضاء للتدارس و المذاكرة و تبادل الأفكار في شتى المجالات ،

و عليه كنت بين الفينة و الأخرى أنشر موضوعا ما ، 

و أنتظر الردود و لكن للأسف الشديد لا أحد من أخواتي 

و إخواني يولي أدنى اهتمام لما نشر  ، باستثناء واحد منهم أو إثنين يكتفيان بوضع علامة الإعجاب ، و قد حدث هذا مرات عديدة و كنت في كل مرة ألتمس الأعذار لزملائي ، 

و لكن أن يتكرر الأمر ، فهذا يعني بالنسبة لي أن ما أنشره ربما لا يرقى إلى المستوى الذي يستحق الوقوف عنده 

و مناقشته ، لذلك يتم تجاهله و تجاهل كاتبه .

لهذا السبب لا غير ، قررت أن أتوقف عن النشر داخل هذا المنبر  ، و هو ما سأفعل لأنني اقتنعت أن منشوراتي دون ما ترغبون فيه و حتى لا أحرج أحدا ، ألتمس منكم المعذرة على ما سبق نشره من تفاهاتي ، و أعدكم أن الأمر لن يتكرر .

دمتم و دامت لكم المسرات .

                  زميلكم زايد وهنا يعتذر .

بين الخوف و الرجاء

 بين الخوف و الرجاء

              

  شعر متناثر كتبه زايد وهنا في لحظة ضعف ليلة الزلزال 

و نحن بالعراء ، نفترش الأرض و نلتحف السماء ، و فرائصنا ترتعد خوفا ، و لا شيء يهمنا إلا النجاة بأرواحنا .


ويح جسمي أثقلت خطاه السنون

           اعترته الأوهان و أضنته بالأورام

غرز الزمان في الأحشاء مخالبه

            ينهش بدنا أضر به طول الجمام

تكالبت على هرمي مواجع الدنيا 

           فزادتني عبئا على عبء الأثام

غرني طيش الشباب و عنفوانه 

           و تاه بي في لجج من غي و قتام

ذاقت نفسي هوى الدنيا و لم تدر

          أن هواها مجرد أوهام في أوهام

فأقبلت عليها أجتني من غرورها

          و سار العمر سريعا في غفلة الأيام

سلكت مسالك اللهو لم أستفق

            لهذا العمر يقرضه تعاقب الأعوام

فلما صحوت فزعت كحالم مذعور

            هالته كوابيس المعاصي في المنام

استفقت على صوت العمر يرثي

            تجاعيد و كدنة ترهلت بالأسقام

الآن و قد أدركت غرورها الفاني

            استصغرت متعها ما ليست بدوام

و أيقنت حقا أنني لن أجني إلا ما

             جناه المغترون قبلي من الأقوام

لله في خلقه شؤون لا نعلمها

             و أقداره مقدرة بنظام و إحكام 

لو علمناها ما استقام لنا عيش

          غيبها خير ولو في الكرب العظام

هزة أرض قدرها لغاية يعلمها

              استبدلتنا رفه البيوت بالخيام

تركنا خلفنا كل غال و نفيس

            و هرعنا إلى العراء حفاة كالأنعام

لا مطلب لدينا وقتها من الدنيا

            سوى النجاة من موت تحت الركام

و صارت فرائص كل مغرور ترتعد

             مقرا بعجزه في وجل و استسلام

حينها انفجر من أعماقي وازع 

              يعظني بالتوبة قبل نزول الحمام

إن لم يكن لك من هذه موعظة 

             فتلك لعمري قساوة القلب بالتمام

إن نجوت منها فلن تبقى و لكن

             انتظر أجلا خطه الغيب بالأقلام

إذا حان لا عراء يقي منه و لاخيام 

          وما منه استعصام بالخال والأعمام

إلا عملا تلقاه يوم البعث منشورا

           في كتاب تقرأه بنفسك عند القيام

إن بيمناك أوتيته فنعم الختام 

          و إن بيسراك فبئس مصير اللئام

 لا الندم يمحو ذنبا مضى و لكن 

             استجر بمن فضله يعم كل الآنام 

و عوض بصالح الأعمال ما فاتك

             عساها تمحو ما اقترف من الأثام

و احسن الظن بخالقك فهو بك

              و بغيرك أرحم من ذوي الأرحام

يغفر ذنوبك ما لم تشرك به 

              و لو كانت بعدد النجوم و الأجرام

فطوبى لمن جعل الاستغفار ذكرا

             و تاب بعد ظلمه ذاك حسن ختام

إلهي إليك أقررت بذنبي و إليك 

              أشكو ضعف حالي يا عالم الأعلام

 ها أنا واقف ببابك جودك أرتجي

                فلا تردني يا ذا الجلال و الإكرام 

من لي سواك أدعوه فيستجب 

                 أنت الغفور و القادر ذو انتقام

أذكر ذنوبي فيضيق صدري بثقلها

              و أذكر عفوك فينجلي كل غمام

إن تعذبني بذنوبي فبعدلك و إن

              ترحم فمنك السلام يا رب السلام


الجمعة الثامن من شتنبر 2023  على الساعة الحادية عشر

ليلا و إحدى عشر دقيقة ، حدث أمر عجز قلمي عن وصف هوله لأنني لم يسبق لي أن عشت مثله بل و لا أدنى منه   رعبا

 و خطورة ، و لكنني أدركت أنه الزلزال !!! و لا مفر من قضاء الله و قدره ، فمن لقي حتفه فبأجل محتوم لا يستقدم منه ثانيةو لا يستأخر ، و من نجا فلينتظر أجله في الغيب مكتوبا ، و ما الابتلاء إلا لحكمة يعلمها سبحانه و تعالى ، و لتكن لنا في المقادير عبرة لمن أراد أن يعتبر .

هو رابع من رفع عنهم القلم

 هو رابع من رفع عنهم القلم 


لا تلوموا عبد المجيد تبون فالجهل و الأمية صيراه بليدا ، فهو يتفيهق دون أن يدري للكلمات معنى ، مرارا و تكرارا   يقول أن الجزائر قوة ضاربة ، و كان الأولى به لولا غباءه أن يقول  قوة ضارطة ، ضاربة في البراز ، من أخمص قدميها إلى أم رأسها ، غاصة في وحل التخلف بكل أصنافه حتى أضحت الجزائر مضرب المثل في الجهل و الكذب و صارت أضحوكة العالم ، يروح الناس عن أنفسهم بخزعبلاتها التي لا يندى لها جبين كبراناتها و أتباعهم

 و هم يتفوهون بها ، و الغريب في الأمر أنهم يتمادون في هرطقاتهم دون خجل أو حياء ، و لا واحد من كبراناتهم صحا ضميره يوما فينبههم أن أكاذيبهم و خرافاتهم قد جاوزت الحد المسموح به من الحمق و البلاهة و السفاهة ، و كيف يصحو ضمير من عششت فيه كل هذه البلايا .

فإذا كان في كل بلد مارستان ( مستشفى ) للحمقى و المجانين ، فالجزائر هي مارستان العالم حيث جمعت فيها كل الحالات النفسية المعقدة التي استعصى على الطب  النفسي علاجها رغم ما وصل إليه من تقدم  .

 لقد أعمى الجهل و الحسد و التخلف بصيرة جارتنا و دأبت على إثارة الفتنة لما يقرب من خمسين سنة دون أن تظفر بشيء غير الوسطى من أصابع اليد ، و بعد أن  دب اليأس إلى نفسها ، و رأت أن قوافل الجيران كادت تبلغ غايتها من النماء ، بينما قافلتها هي لم تبرح مكانها بل تراجعت لأنها شغلت نفسها بالنباح و الاصطياد في المياه العكرة و أغفلت هموم شعبها ، لم تجد وسيلة لإسكات شعبها غير اختلاق قضية وهمية تجعلها ذريعة تنوم بها شعبها 

و تجعله يتلهى عن أموره الداخلية ، في الحين الذي تستنزف فيه شردمة الكابرانات خيرات البلاد و ثرواتها ، فتزداد غنى و ثراء 

و يزداد الشعب فقرا و تخلفا .

و لهذه الغاية ذات النوايا الفاسدة  انتهجت  شردمة الكراغلة

 و من سار على خطى جهلها كل وسائل الخداع و الكذب 

و الخرافات ، و نسيت أنها بهذه التصرفات البلهاء ، فضحت نفسها أمام العالم كله و كشفت عن سوأتها ، و أزاحت الغطاء عن مستنقعها المتعفن الذي يلوث هواء محيطها المغاربي 

و الإفريقي و العالمي .

بين الأمس و اليوم

 بين الأمس و اليوم 


                     عشت مخضرما بين القرن العشرين و القرن الواحد و العشرين ، و لا أنكر أن الأربعين سنة التي عشتها في القرن الماضي أجمل و أسعد من هذه الثلاثة و العشرين سنة التي عشتها و أعيشها في هذا القرن .

قد يقول قائل أن الزمان في تطور مستمر و متزايد ، و قد تغيرت أشياء كثيرة ، و ظهرت مستجدات جديدة في هذين العقدين الأخيرين ، لم تكن معروفة من قبل .

أرد عليه قائلا : أوافقك الرأي أن هذين العقدين عرفا تطورا كبيرا في مجالات الإتصال و التواصل و التكنولوجيا بمختلف

قطاعاتها ، و لكنهما في المقابل عرفا انحلالا في القيم 

و الأخلاق و العلم و المعرفة ، و انتشرت ظواهر غير طبيعية أستحيي أن أذكرها ما دام الجميع يعلمها .

أفضل الحياة البسيطة التي عشناها في القرن الماضي ، كانت لدينا هواتف عادية تنقل المكالمات ولا شيء غير ذلك ، 

و القليل من الناس من كان يملك واحدا ، كنا نعتمد على الكتب في تحصيل العلم و المعرفة ، كنا نتنافس على الفضيلة و كانت الرذيلة حالة شاذة يتقزز منها الناس و يعيبون على من اقترفها .

كنا نطيع والدينا و نستحيي من كبار السن ، نحترم جيراننا في الحي ،  و نوقر أهل البلدة بأكملها ، نبجل أساتذتنا و نتخذهم قدوة ، لم يحدث قط أن سمعنا عن تلميذ أهان أستاذا أو هدده ، نادرا ما نسمع بحدوث جريمة ، و قد تمر سنوات عديدة دون أن نسمع بها ، و إن حدثت لا تصل في خطورتها و هولها و تكرارها ما تعرفه جرائم اليوم ، حتى بات أناس يومنا هذا يتخوفون ليل نهار من المشرملين الذين يجوبون الشوارع بأسلحتهم البيضاء ، و لا يلقى القبض على أحدهم إلا بعد أن يكون قد ألحق الأذى بأحد المواطنين .

 كان النجاح في أيامنا الماضية باستحقاق إذ لا ينتقل من مستوى الى آخر إلا من كان كفؤا ، لذلك كان المستوى العلمي و المعرفي عند أجيالنا راقيا ، فمستوى الحاصل على الشهادة الاعدادية يومها يوازي بل  يفوق علما و معرفة مستوى الحاصل على الباكلوريا في يومنا هذا ، و قس على ذلك التفاوت الحاصل في باقي المستويات . 

إضافة الى هذا فقد علمتنا الحياة البسيطة فيما مضى عدة مهارات يدوية و فكرية ، مارسنا أعمال الفلاحة و البناء 

و غيرها ، و تحملنا المشاق ، و صنعنا لعبنا بأيدينا ، و اكتسبنا علاقات اجتماعية مع الأقران دامت صداقتها و استمرت إلى اليوم . 

كنا لا نسمع عبر الإذاعة و التلفزة  إلا ما يفيد و يطرب ، برامج ثقافية و علمية و فنية مفيدة ، فلا تذاع إلا الأغاني الراقية ذات كلمات شعرية رائعة سواء بالفصحى أو بالعامية ، مما هذب أذواقنا، و جعلنا لا نقبل التفاهة و السفاهة و الأعمال الأدبية الساقطة .

         هذا باختصار بعض من فضائل القرن الماضي ، و لو أطلقنا 

العنان لذكر ما لم يذكر لطال بنا المقال ، و لاشتد بنا الأسى  

و الأسف على ما آلت إليه الأمور في أيامنا هذه ، لذلك فأنا شخصيا أحبذ ذلك الزمان ببساطته ، و لا أرى لتقدم هذا الزمان أي غاية و أي أثر على سعادة الإنسان ما دام قد ضرب بالأخلاق الفاضلة عرض الحائط ، و همش العلم و العلماء و بجل التافهين 

و السفهاء . 


                         من قناعات زايد وهنا

السراب

 كلما تقدم العمر بالإنسان ، إلا و زاد يقينا من تفاهة الدنيا 

و غرورها و سرعة مرورها و تقلب أطوارها وانعدام الأمان في طبعها ، إذ تفاجئك على حين غرة بما لم يكن يخطر ببالك 

و ما لم تكن على استعداد لاستقباله ، بل يأتيك بغتة فيقلب

موازين حياتك رأسا على عقب ، حينها تتغير نظرتك للدنيا

و تتيقن أنها مجرد سراب و أنك فيها أشبه بمسافر ضال في صحراء شاسعة لا زاد و لا ماء و لا سلاح ، تتربص بك الحيوانات الضارية و تداهمك العواصف الرملية و يعترض سبيلك قطاع الطرق ، فتسير مشتت الفكر ، مرتعدا من الخوف ، متوجسا من أي هذه الأخطار سيلاقيك و أنت الحلقة الضعيفة في كل هذا .

إذن هل عرفت الآن حقيقة وضعك في هذه الحياة ؟  هل

تأكدت من ضعفك في هذا الملكوت ؟ 

إذا أقررت بهذا و أيقنت به تمام اليقين ، 

فلماذا تسعى في جمع حطام الدنيا بكل الوسائل المشروعة 

و الغير المشروعة ؟

لماذا تتكبر و تتفاخر بما ليس لك ، و أنت تعلم أن الرحيل

أجل محتوم ، و أن ما لك سيصير لغيرك ؟

لماذا تؤذي الناس و لا تأخذك رأفة و لا شفقة بضعافهم .

لماذا تأتي الفواحش دون استحياء ؟

لماذا و لماذا و لماذا ....

إذا لم يكن لك فيما تراه من كوارث طبيعية و أمراض دروسا

و عبرا تتعظ بها ، فاعلم أن حب الدنيا قد تغلغل في نفسك 

و أن الله قد طبع على قلبك ، فلا داعي أن تتفاعل مع هذه

التدوينة ، لأنها لن تؤثر فيك و لن تنال من غرورك شيئا .


                           الدنيا كما يراها زايد وهنا

قاب قوسين

                                  قاب قوسين 


            قد ينسى الإنسان كل مقدور و كل مكروه يمر به ، 

و هو أمر طبيعي لأن حياة الإنسان تتقلب بين عسر و يسر بين نعمة و نقمة ، و معلوم أن الأويقات السعيدة و لو كانت قليلة و متباعدة تنسي صاحبها لحظات المحن و الأزمات التي

تتعاقب و تتكالب عليه في بعض اللحظات و ما أكثرها في حياته ،

و قليل منها تلك التي تترك أثرا نفسيا لا تمحوه الأيام خصوصا إذا كان الإنسان مرهف الحس ، ذا شخصية ليس لها من قوة في مجابهة الصعاب إلا قليل ، و هذه الأمور من البديهيات أو البدهيات في سلوك الناس و إن كان تأثيرها يختلف من شخص لآخر و من جنس لآخر ، غير أن ما أريد أن أشير إليه بعد هذه المقدمة هو شعور صادم مرعب يفوق في خطورته و هوله كل المحن التي عاشها الإنسان ، إذ لم يسبق لأحدنا أن تعرض لمثله أو

خبر شدة هوله ، هذا الشعور يضعك في موقف ترى فيه

نفسك قاب قوسين من موت محقق هو نصب عينيك و لا

منقذ منه إلا الله عز وجل ، فتصغر الدنيا في عينيك و لم يعد

يهمك منها ما جمعت يداك من أموال و ثروات ، و لا تبحث إلا عن مخرج عساك تنجو بنفسك و أهلك .

نعم هذا الشعور الذي يعجز العقل عن وصفه هو ما تعرض له أولئك الذين ضرب الزلزال مدنهم و قراهم و أنا واحد منهم .

تصور أن تكون جالسا في بيتك ليلا مع أفراد أسرتك ، كل فرد منشغل بما تهوى نفسه ، و تجدك تفكر في كل شيء يخطر ببالك ، و لكن الذي لم يخطر ببالك أن تهتز الأرض بغتة تحت

قدميك و تميل بك غرف المنزل بكامله و كأنك في سفينة تتقاذفها الأمواج ، فيتوقف تفكيرك تماما و لا ترى إلا الموت 

أمامك يتربص بك ، كل هذا في ثوان قليلة و بسرعة فائقة 

لا تترك للعقل مجالا كي يتصرف و كيف يتصرف و قد أفقده

الهلع و الرعب كل طاقة للتفكير ، فلا يملك لنفسه و لا لأهله 

شيئا من قوته و حيلته إلا التشهد و الهروب من المنزل تاركا

كل غال و نفيس و قد حانت النهاية ، أما النساء و الأطفال 

فيصرخون و يستنجدون و هم يعرعون خارج البيوت ، 

و أنى يجدي الفرار لو لم يتداركنا الله بلطفه و رحمته ، لكنا

جميعا تحت الركام و لكن شاءت حكمته أن ننجو من موت محقق حدق بنا في لمح البصر ، فأصبح جميع السكان يبيتون في العراء خوفا من الارتدادات الزلزالية ، و لا يهمهم من ملذات الدنيا شيئا إلا أن ينجوا بأنفسهم ، غير أن القرى القريبة من بؤرة الزلزال تضررت كثيرا حيث تهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها و مات منهم عدد كبير ممن وافاهم الأجل المحتوم ،

كما أصيب منهم مثل ذلك العدد بل و أكثر ، و لا يسع الجميع أمام هول الفاجعة إلا قول " إنا لله و إنا إليه راجعون ".

لذلك أعود و أقول أنني لا أظن أن أحدا ممن عاش لحظات

هذه الفاجعة ، قد عاش مثلها من حيث خطورتها و هولها

و خوفها ، لهذا فمهما عاش بعدها من أوقات طيبة ، فلا شك

أن أثر هذه الصدمة القاسية ستبقى خالدة في ذهنه تتناقلها الألسن و يحكيها الأجداد للأحفاد .

ختاما نسأل الله جل في علاه الرحمة و المغفرة للموتى 

و الصبر و السلوان لأهاليهم و الشفاء العاجل للمصابين

و العوض للمتضررين ، و أن يجنبنا الفواجع ، و أن يكتب لنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .

                  هكذا عاش زايد وهنا تلك اللحظات

رحماك ربي

             

             الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات و الصلاة 

و السلام الأتمان الأكملان على خير الورى و آله و صحبه و من سار على هديه إلى يوم الدين .

أنا كمواطن مغربي عشت فزع و هول الكارثة التي حلت بإقليم الحوز ، أود أن أشارك بهذا المقال المتواضع ، لأترحم على أرواح الشهداء و أقدم تعازي الحارة لأهلهم و ذويهم ،

كما أسأل الله جل في علاه أن يشفي المصابين و أن يخرجوا من محنتهم سالمين ، كما لا يفوتني بكل فخر و اعتزاز أن أنوه بالشعب المغربي قاطبة ملكا و شعبا على روح التضامن

و التآزر الذي أبانوا عنه و الذي لن تجد له مثيلا في بلد آخر ،

فقد هب الجميع مواطنون مدنيون و رجال الأمن و رجال الدرك و رجال الوقاية المدنية و القوات المسلحة الملكية 

و كل أطياف المجتمع المدني كل في إطار اختصاصه ، منهم المنقذون و المسعفون و حاملوا المؤونات أتوا من كل حدب 

و صوب ليآزروا إخوانهم المنكوبين ، و هذا ما يؤكد للجميع

الروح الوطنية التي جبل عليها المغاربة منذ القديم و ماتزال متجدرة في نفوسهم توارثوها أبا عن جد ، باختصار شديد فهم مفطورون على حب الخير للبلاد و العباد .

و رغم كل هذا لابأس أن نذكر أنفسنا بما ينفع و هذا الأمر كذلك نابع من حبنا لوطننا و لأهله و لا نريد لأحد أن يصاب بسوء ، و لكن أحيانا لا مرد لقضاء الله و قدره ، لهذا نسأله جلت قدرته اللطف فيما جرت به المقادير .

           لقد كان لنا في زلزال أكادير 1961 و زلزال الحسيمة و وباء كورونا و زلزال 2023 و فترات الجفاف المتعاقبة 

و بعض الفيضانات المتفرقة في مختلف أنحاء هذا الوطن الحبيب عبر و دروس لمن أراد أن يعتبر ، فالعالم بات يعرف التغيرات المناخية التي كان للتقدم التكنولوجي بجميع أشكال ملوثاته و الإهمال البيئي أثره المدمر على البيئة ، و بهذا لم يعد الإنسان بمنآى عن أي خطر قد يداهمه في أي لحظة ، وهو ما نراه من كوارث في العديد من بلدان العالم و في بلدنا العزيز كما هو الشأن مؤخرا في زلزال جهة مراكش أسفي 

و بعض المناطق المجاورة لها و الذي خلف عددا كبيرا من الضحايا و أعدادا من المصابين بجروح متفاوتة الخطورة ، 

و صدمات نفسية لدى الناجين كبارا و صغارا .

فإذا كان الأمر بهذه الخطورة و هذا الخوف و الهلع ، فلماذا لا نأخذ باحتياطات استباقية قبل وقوع الكوارث علما بأننا في زمن لا مزاح في تقلباته و لا أمان في عواقبه .

نعم لا يمكننا التنبؤ بالكوارث و لا يد لنا في إيقافها أو صدها قبل حدوثها ، و لكن أقل ما يمكن فعله على سبيل المثال لا الحصر :

-- إنشاء مستشفيات كبيرة في جميع المدن و تجهيزها بكل

المستلزمات الضرورية لمثل هذه الطوارئ علاوة على وسائل

العلاج في الأيام العادية .

-- تعبيد الطرق في المناطق الوعرة ليسهل الوصول إليها .

-- توفير عدد كبير من الخيام و الأفرشة و الأغطية في كل مدينة او على الأقل في كل عمالة لاستعمالها عند الطوارئ .

-- مراقبة المباني أثناء البناء للتأكد من متانة بنيانها .

-- منع بناء البيوت قريبا من المجاري المائية ( الأنهار ) .

-- توفير طوافات ( هيلوكوبتر ) في الأقاليم التي بها مسالك وعرة في القرى المجاورة لها .

-- و غير هذا مما يمكن أن يحتاجه الناس بالضرورة في حالة وقوع كارثة لا قدر الله .

          قد يتساءل القارئ عن الميزانية التي تخصص لكل هذا 

و عن الموارد التي تغطي هذه الاحتياجات ، أقول من وجهة نظري المتواضعة أن الأمر لا يحتاج لكثير من التفكير إذا

أحسنا التدبير و التسيير ، فهناك أمور تافهة  تصرف فيها

 أموال طائلة لو استغنينا عليها و حولنا ميزانيتها نحو الطوارئ لحققنا الهدف ، و أذكر على سبيل المثال لا الحصر 

ما ينفق على المهرجانات و المواسم و الأضرحة و السهرات

و غيرها من الأمور الغير الضرورية في الوقت الحالي ،

إضافة إلى اقتطاع نسبة قليلة جدا من أرباح الشركات الكبرى 

و مباريات كرة القدم و غير هذا مما يزود صندوق الطوارئ لتوفير ما سبقت الإشارة إليه ، و لا أظنه قد يستغرق أكثر من

ثلاث سنوات حتى نبلغ المراد .

أخيرا نسأل الله جلت قدرته أن يحفظ بلدنا و أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن و أن يسترنا من الكوارث بستره الجميل ، إنه ولي ذلك و القادر عليه .

 

الأنانية و الطمع

 لعل أخطر الأمراض النفسية انتشارا و أكثرها شيوعا في أغلب أناس عصرنا ، نقيصتان اثنتان تثيران التقزز 

و الاشمئزاز في نفوس الأسوياء و هما الأنانية و الطمع ، صحيح أن كل القيم الإنسانية النبيلة السامية التي يدعو إليها الدين الإسلامي و التي دأب الناس منذ القدم  على التمسك بها قد انحلت أواصرها و أصبحت في نظر هؤلاء تخلفا 

و رجعية ، و لكن تبقى الأنانية و الطمع لدى الأغلبية صفتين طاغيتين أكثر من غيرهما ، و لا غرو إذا صنفنا الأنانية في المقام الأول ، لأنها إذا تملكت نفس الإنسان تقوده إلى الطمع مباشرة ، و منه إلى النفاق فتراه يميل حيثما مالت مصالحه الشخصية و لو على حساب حقوق الآخرين ، و هو ما نلاحظه في المعاملات اليومية بين الناس ، لأن المبتلى بالإنانية لا يرى إلا نفسه و امتيازاتها و لا يهمه من أمر العامة شيئا إذا لم يكن له فيه مصلحة ، بل قد يمتد به الأمر إلى معارضة المصلحة التي لا يرى فيها لنفسه نفعا ، و يؤيد المفسدة إذا رآى فيها لنفسه عائدا .

و الجدير بالذكر أن هذين المرضين هما السبب الرئيس في فقدان الثقة بين الناس في كثير من المعاملات ، إذ أصبح إنسان عصرنا يشك في كل شيء من حوله و يحتاط ألا يقع في شباك النصب و التدليس ، حتى فاعل الخير أمسى مرتابا مما قد يترتب على عمله الخيري من عواقب لم تكن في الحسبان بفعل المكر و الخداع ، و هذا ما أثر سلبا على الكثير من العلاقات الاجتماعية التي كان من المفروض أن تنبني على الثقة و حسن المعاملة .

إذن بفعل الأنانية و الطمع ضاعت الكثير من القيم الحميدة 

و حلت محلها النقائص و المكائد بشتى أنواعها ، و بالتالي غابت الثقة و غاب معها الهناء ، و فقد التراحم و قلت أعمال البر و الإحسان .

جزاء من كاد أن يكون رسولا

 جزاء من كاد أن يكون رسولا


                ألم يان للذين يتخوفون من إفلاس صندوق التقاعد ، أن يتخوفوا بالدرجة الأولى  على مصير قطاع التعليم ، فهم يبحثون عن  الحلول الترقيعية ، فلم يجدوا حلا غير تمديد سن التقاعد إلى ما بعد الستين ، و هذا الحل هو بمثابة آخر مسمار يدق في نعش التعليم ، إذ بفعلهم هذا  تناسوا أن بعد هذه السن لا يستطيع المدرس الذي قضى أكثر من أربعين سنة في التدريس أن يواصل بنفس الجدية و المردودية ، نظرا للعجز الذي ينتابه والأمراض التي تعتريه ، 

و هو الفتور الذي ينعكس على أدائه ، و بالتالي ينعكس على تحصيل التلاميذ .

فأي حل هذا الذي يطيل مؤقتا عمر صندوق التقاعد و يقضي تماما على المدرس و على قطاع التعليم بأكمله . و لو أرادوا أن يكونوا منصفين حقا ، و لهم النية الصادقة في الإصلاح ما نحوا هذا المنحى المجحف بل يستجلون الحقيقة في البحث عن أسباب إفلاسه ، و عمن له يد من قريب أو بعيد فيما آل إليه هذا الوضع ، و محاسبة كل متورط تلاعب بأموال الصندوق  ، واسترجاع -- على الأقل --  بعض ما اختلس منه ، ثم البحث لإيجاد موارد أخرى دائمة تطعم هذا الصندوق ،

و لو أننا أحسنا التدبير لاستغللنا ما يصرف من أموال على الزوايا و الأضرحة و المواسم و المهرجانات و السهرات المائعة و تخصيص بعض ما تنتجه البلاد من معادن و أسماك و فواكه و خضر و بعض ما تكسبه من الضرائب و السياحة 

و الاستثمارات لدعم التعليم و صندوق التقاعد و لو فعلوا لكان أفضل و أنفع بكثير للبلاد و العباد ، و لكن للأسف نزلوا بكل الثقل على المدرس باعتباره الحلقة الضعيفة في بنية المجتمع ( الحيط القصير ) ، الذي كان و ما يزال يراهن على النقابات في الدفاع عن مصالحه ، و لكنها في الحقيقة لا تدافع إلا عن مصالحها و امتيازاتها ، و ما دام الأمر كذلك  فلتكن الحلول على حساب صحة المدرس و راحته و معاشه ، أما أمله في قضاء ما بقي من عمره الذي أفنى زهرته في التدريس في حياة هادئة و سعيدة فهذه بينه و بينها أمد بعيد ، بل أضحت الحلم الذي لم و لن يتحقق ، لأن بعد الستين سيغادر المدرس المؤسسة التعليمة إلى مؤسسة استشفائية عساها ترمم بعضا من أوجاعه و لكن هيهات أن يترمم ما أفنته سنوات العمل الطويلة الشاقة المضنية ، و لا سيما منها تلك التي أضافوها له بعد الستين ، غير مدركين أن مهنة التعليم أكثر المهن مشقة و صعوبة ، تستنزف طاقة مزاولها البدنية و العقلية ، و هذا التمديد قد أثار استياءا 

و تدمرا لدى فئة عريضة ممن أنهوا المشوار المتفق عليه مبدئيا عند ولوجهم سلك التعليم و الذي ينتهي ببلوغهم سن الستين ، فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام هذا التمديد المفروض و الغير المرغوب فيه ، لأنهم و بكل صدق أصبحوا غير قادرين على مواصلة العمل نظرا لظروفهم الصحية و العقلية .

و لعل أولئك المشرعين الأوائل الذين حددوا سن التقاعد في ستين سنة كانوا على حق و كانوا يدركون تمام الإدراك معاناة رجل التعليم . أما هؤلاء  فبقصد أو بغير قصد يجهزون على حقوق المدرس و يخنقون ما تبقى من أنفاس التعليم  ، فلا  المدرس أنصف و كرم  و لا التعليم تحسن و ارتقى ، و الكل في دوامة الارتجالية و العشوائية ، و المآسي تزداد يوما بعد يوم ، و لا حول و لا قوة إلا بالله .

لا حول و لا قوة إلا بالله

             لا حول و لا قوة إلا بالله


        جميع الناس و لا أبالغ إذا قلت بدون استثناء سواء كانوا  مسؤولين أو مثقفين أو حتى الأميين من آباء و أمهات الجميع يقر بتدني مستوى التعليم ببلادنا إلى درجة مخيفة خصوصا و أن وضعه يزداد سوءا سنة بعد أخرى مما ينذر بكارثة قد تأتي على ما تبقى من ذلك النبض القليل ، 

و لعل أسباب سقمه كثيرة و متنوعة تكالبت عليه حتى أضحى كمريض يصارع الموت في غرفة الإنعاش ، و من أفضع الأسباب التي أوصلته لما هو فيه باختصار :

-- الفهم الخاطئ لحقوق الإنسان .

-- فقدان هيبة الأستاذ .

-- عدم تطبيق العقوبات الزجرية الرادعة .

-- المناهج و البرامج العقيمة .

-- فقر في التجهيزات و البنى التحتية .

-- الخريطة المدرسية ، نجاح من غير استحقاق .

-- انعدام دور الأسرة في التربية و المراقبة .

-- عدم اهتمام الإعلام بالعلم و العلماء .

-- نقص حاد في البحث العلمي .

-- الرفع من شأن التفاهة و التافهين .

-- عدم انتداب النجباء الأكفاء لمهنة التدريس .

-- ضعف التكوين القبلي و التكوين المستمر .

-- عدم تحسين وضعية الأستاذ المادية و المعنوية.

-- تمديد سن التقاعد لما فوق الستين .

-- و...و...و....و...

و غيرها من الأعطاب التي ساهمت من قريب أو بعيد فيما آل إليه الوضع ، و رغم أن بعض الغيورين ممن لهم نية صادقة في الإصلاح ينبهون

و يدقون جرس الخطر عسى أن تبعث روح جديدة في هذا القطاع و تدب الحياة في أوصاله ، إلا أن

صيحاتهم تمضي و تنحصر و لا أحد يعيرها اهتماما أو يحرك ساكنا ، و هذا ما جعل الناس غير

مطمئنين على مصير هذا القطاع الذي يحتضر .


عندما يتعدى الكذب الحد المقبول

 عندما يتعدى الكذب الحد المقبول


            الحقيقة أني ترددت كثيرا قبل أن أخط هذه السطور لأسباب عدة أولها أنني أخجل أن أخوض في مثل هذه المواضيع التي ليست في الحقيقة إلا هراءا لا فائدة منها و لا يليق بكل ذي عقل سليم أن يثيرها و ثانيهما أن القارئ الذي تعود على قراءة كل ما هو مفيد يجد نفسه هذه المرة أمام لغو لا طائل منه ، و ثالثها حقا هو الدافع الأساس الذي حتم علي إثارة هذا الهراء ، و أعتذر من القراء لأن الغرض منه هو إطلاع الناس على ما وصل إليه المسؤولون الجزائريون من خساسة لم يسبقهم إليها أحد منذ وجد الإنسان على هذه

البسيطة ، و لم أجد لها خانة أصنفها فيها ، بل سأكون ممتنا لمن يستطيع من القراء أن يصنفها .

إذن سأعرض عليكم بعضها مما صدر من رئيسهم  

و مستشاريه و مسؤولين كبار في حكومته  و برلمانيه ، أما ما

يصدر عن بسطاء القوم فهؤلاء لا ملامة عليهم فهم تابعون يصدقون و يرددون هذه الخزعبلات بنوع من الفخر 

و الاعتزاز ما دام قد أقرها كبار أغبيائهم . و من تلك الأمثلة باختصار   :

-- كذبة المسدس التي حدثت بين الأمير عبد القادر و رئيس أمريكا جورج واشنطن ، علما بأن بين وفاة هذا و ولادة الآخر ثلاثين سنة .

-- كذبة اللقلاق ( بلارج ) الشهيد المقاوم الذي نزع علم فرنسا سنة 1961 و طار به نحو عشه حيث مزقه و دنسه ، مما دفع الفرنسيين إلى إطلاق الرصاص عليه ، فسقط أرضا و قد أصيب بكسر في رجله ، فقرر الجيش الفرنسي بعد مداولات بين كباره الحكم على اللقلاق بالسجن المؤبد في زنزانة مع الأسرى المقاومين ، و الأغرب أن اللقلاق أضرب عن الطعام بسبب ما يتعرض له إخوانه الأسرى من تعذيب و تنكيل أمام عينيه ، و بذلك ينضاف بلارج إلى عدد الشهداء الذين لم يستقر عددهم لحد الساعة . و ما يزيد الطين بلا أن المستشار البليد قال بعظمة لسانه و دون أن يخجل من نفسه أنه قام في تلك اللحظة من تلك السنة 1961 بالتقاط صورة من هاتفه النقال لذلك اللقلاق الجريح و أضاف أنه يحتفظ بها في جواله ، و نسي الأبله أن في ذلك الوقت لم يكن الجوال قد اخترع بعد .

-- كذبة حائط البراق بفلسطين ، يدعي الجزائريون أن هذا الحائط لهم و سيسترجعونه متى شاءوا .

-- كذبة انضمام الصين للأمم المتحدة ، قال كبير المهرطقين الأغبياء أن الجزائر هي من كانت وراء انضمام الصين للأمم المتحدة . 

-- كذبة الحجر المجاهد ، ادعت امرأة جزائرية أنها تحتفظ بحجرة تزن عشر كيلوغرامات باعتبار هذه الحجرة مباركة 

و مقدسة لأنها ساعدت في المقاومة و ذلك أن الحجرة اعترضت سبيل شاحنة عسكرية فرنسية و قلبتها فمات جميع ركابها الفرنسيين ، و هكذا تنضاف الحجرة إلى قائمة الشهداء .

-- كذبة واد مكرة ، هذا الواد كما قال أحد البلداء يقع في ولاية بلعباس و اسمه في الأصل واد مكة بحذف تلك الراء الزائدة ، و بالتالي فمكة الحقيقية في الجزائر و ليست في شبه الجزيرة العربية .

-- كذبة العلاقة بين شنقريحة و أبي بكر الصديق 

قال أحد الأغبياء أن شنقريحة من ذرية أبي بكر الصديق .

و هلم جرا من مثل هذه الخزعبلات و ما أكثرها و لكن المجال لا يتسع لذكرها و لا يمكن إحصاؤها ، و لو سألت  الكذابين و الحمقى و المجانين أنفسهم عن هذه الهرطقات لاستنكروها ، و لا يرضون أن يأتوا مثلها ، و من

شدة بلادة المسؤولين الجزائريين  يظنون أن الناس بلداء أمثالهم قد يصدقون هذه الأكاذيب و الخرافات ،فحتى الكذب و الافتراء لهما ضوابط و حدود و تقنيات الحكي تترك مجالا و لو صغيرا للتصديق ، أما هذه فلا تتوفر على مقدار ذرة

من المنطق .

إذن عزيزي القارئ أين يمكنك أن تصنف ما سمعت من خبل ، و الأدهى أن يصدر ممن يسوسون البلاد الذين حشرنا الله معهم في الجوار ، و العجب لا يخجلون و لا يكترثون و لا ينتهون رغم ما وصلوا إليه من جهل و غباء حتى أضحوا أضحوكة الأمم  و مضرب المثل في العالم كله ، و كأن الجزائر برمتها مستشفى الأمراض العقلية المزمنة الميؤوس من علاجها .

لهذا لقد صدق من قال :

( بين القرويين و القيروان حديقة حيوان )

بل ( بين القيروان و القرويين مارستان المجانين )

ختاما عزيزي القارئ ، إن لم تجد ما يفيد فيما ذكر و هذا طبيعي ، فإنك على الأقل قد تنفجر ضحكا ، و لكن في الوقت نفسه قد تتأسف أن يوجد مثل هؤلاء في عصر غزا فيه الإنسان الفضاء و عرف التقدم العلمي طفرة كبيرة في جميع المجالات في كل البلدان بدون استثناء إلا بلدهم هو الوحيد الذي يغرد خارج السرب ، و يعيش الأوهام و يخذر شعبه ليستنزف خيراته و هو راض على وضعه ،

و ذاك دأب من ليس له تاريخ و لا حضارة ، فهو كاللقيط الذي يخبط خبطى عشواء ليجد له أبا أو أما و لو كانا غير شرعيين .

مشاهد مؤلمة

 💉   مشاهد مؤلمة  💉


          ليس من سمع كمن عاين ، فمهما سمعت عن الأوضاع المزرية التي تعرفها المستشفيات العمومية لن يبلغ بك الحزن و الأسى مبلغ من قادته الظروف إلى الاستعانة بخدماتها 

و عاين تلك المشاهد المؤلمة و عاشها عن كثب .

و هو ما حدث ليلة ، فقد اضطررت تحت ظرف قاهر لا داعي لذكره أن أزور مستعجلات أحد المستشفيات الجامعية الكبرى بإحدى المدن الكبرى المشهورة ببلدنا ، فرأيت ما لم يكن يخطر على بالي من المشاهد المحزنة ، بدءا من المدخل

الرئيسي مرورا بالأروقة و انتهاءا بغرف الفحص ، كل هذه الأماكن مكتظة بالمرضى من مختلف الأعمار ذكورا و إناثا ، يملؤون الممرات و الفناءات منهم المصابون بجروح خطيرة 

و قد تلطخت أجسامهم و ملابسهم بالدماء ، يصرخون من الألم و منهم فاقدو الوعي و هم ملقون على الأرض 

و المحظوظ منهم  من وجد سريرا متحركا يستلقي عليه في انتظار الفرج الذي ربما لن يأتي حتى بعد فوات الأوان 

و الأكثر حظا من كان مصحوبا بأحد أفراد أسرته ، يعينه 

و يقف بجانبه و يسعى بكل الوسائل  للتسريع بإسعافه ، خصوصا إذا كان أحد معارفه أو أصدقائه ضمن الطاقم الطبي ، فهذا النوع ربما يتم التعجيل بإسعافه ،أما المرضى الآخرون فمنتشرون هنا و هناك يئنون تحت وطأة الألم ، 

و مرافقيهم لا يسعهم إلا الامتعاض و الاحتجاج و التأفف على هذا الوضع الكارثي و لكن ما باليد حيلة ، فأفراد الطاقم الطبي قليلون جدا ، و بعضهم ممن مات لديهم الضمير المهني متهاونون و غير مبالين بآلام الناس من حولهم ، كما أن جل الاسعافات تتطلب بالضرورة قبل تقديمها القيام بالأشعة السينية أو صورالصدى المغناطيسي أو تحليلات أخرى تختلف حسب نوع المرض ، بعضها يتم داخل المستشفى 

و بعضها مطالب أصحابها القيام به خارج المستشفى و هو ما يبطئ في كثير من الحالات عملية الإنقاذ ، هذا ناهيك عن الأعطال التي تطال بعض الأجهزة الطبية بالمستشفى مما يجعل الاستفادة من خدماتها غير ممكنة ، و غير هذه من الاكراهات و العراقيل ، خاصة و أن عدد المرضى كثير جدا ، بسبب حوادث السير أو الاعتداءات بالأسلحة البيضاء أو الحروق من درجات خطيرة أو أمراض فقدان الوعي باختلاف أنواعها و خطورتها ، فالوضع بأقسام المستعجلات كارثي بالنهار ، أما ليلا فتزداد المعاناة أضعافا .

إذن باختصار شديد ، استنتجت أن الضحايا هم أولئك الناس البسطاء الذين ليست لهم القدرة المالية لولوج المصحات الخاصة ، فهؤلاء معاناتهم كبيرة و مؤلمة ، و من هؤلاء البسطاء من بلغ به اليأس من الاستشفاء العمومي أن يقترض أو يبيع أعز ما لديه ليقصد المصحات الخاصة .

أما الذين لهم القدرة المالية ، أو الموظفون التابعون لإحدى التعاضديات ، فهؤلاء قطعوا علاقتهم بتاتا بالمستشفيات العمومية ، و لعل هذا ما جعل المصحات الخاصة ترفع من سعر الاستشفاء ما دامت ترى أن الناس مضطرون إلى طرق أبوابها ، و الغريب في الأمر أن جل الأطباء و الممرضين الذين يعملون في المستشفيات العمومية ، هم أنفسهم الذين يعملون في أوقات فراغهم و في غيرها بالمصحات الخاصة .

و قد أسر إلي أحد الأطباء أن هذا الاكتظاظ الذي يعرفه المستشفى الجامعي هو بسبب افتقار المستشفيات بالمدن الصغيرة و القرى التابعة لهذه العمالة للأطر الطبية 

و التجهيزات مما يضطر معه الناس إلى الاستعانة بخدمات المستشفى الجامعي الذي لم تعد طاقته الاستيعابية تتحمل هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين عليه ، و لو دعمت

مستشفيات المدن و القرى المجاورة بالأطقم الطبية 

و المعدات الاستشفائية ما رأيت هذا الازدحام و هذه

المعاناة .

الصحة أغلى ما يملك الإنسان و الاهتمام بها ينبغي أن يكون أولى الأولويات ، و لكن للأسف ....


     ✏وصف زايد وهنا ما عاينه دون مبالغة ✏

لماذا نكتب إن لم يكن من أجل ...

 ✒   لماذا نكتب إن لم يكن من أجل ... ✒


          يا معشر المثقفين --  فقهاء كنتم أو علماء أو كتابا أو شعراء أو دكاترة أو أساتذة  أو ...   -- 

ما فائدة علومكم و معارفكم إذا لم تجعل منكم أنتم أنفسكم صالحين مصلحين ثابتين على المبادئ الحقة لا يزحزحكم عنها طمع في منصب أو مال ؟ . و ما الغاية من وعيكم  إن لم تسخروه في نشر الوعي و محو الجهل و إظهار الحق 

و دحض الباطل و الدعوة إلى الأمن و الأمان و العدل 

و الكرامة و العيش الرغيد و كل ما يسعد بني البشر 

و نبذ الخوف و الظلم و التهميش و الفقر و كل ما يسبب اليأس و القنوط  ؟ .

أنتم مصابيح المجتمع حباكم الله علما و معرفة لتنيروا طريق الجاهلين و الفقراء و العاطلين و اليتامى و الأرامل 

و المرضى و المعاقين والحمقى و المجانين و كل من لا حول له و لا قوة ، و تدافعون عنهم بخطبكم و كتاباتكم 

و أشعاركم و تساهمون بما أوتيتم من علم و أفكار نيرة في تنمية البلاد و إسعاد الناس ، لا أن تهيموا على وجوهكم 

و تنساقوا وراء مناصب عالية أو ثروة زائلة أو شهرة زائفة 

و تعيشوا في عوالم الخيال و الرومانسية بعيدا عن الواقع غير آبهين بما يتخبط فيه المجتمع من مشاكل ، علما بأن لكم النصيب الأوفر في التنبيه و التحذير ، و لكن للأسف الشديد تضربون ما لديكم من علوم و معارف عرض الحائط 

و تتجردون من مبادئكم في سبيل إرضاء نزوات نفوسكم ، فلا أنتم ثبتتم على المبدأ و عشتم ناصرين للحق -- و تلك هي السعادة بعينها -- و لا أنتم حققتم مكاسب للبلاد و العباد ، فأصبحتم كما يقول المثل العامي :

   ( العسل في جلد الكلب )

بمعنى ها هي الشهادات العليا و ها هي الموسوعية في الثقافة و لكن لا أثر لها على أرض الواقع ، و بالتالي فهذا النوع من هؤلاء المثقفين الانتهازيين و ما أكثرهم ، مثلهم كمثل الأميين من بني جلدتهم بل أضل و أخطر ، لأنهم هم من يتولى المناصب بفعل شهاداتهم ، فينغمسون في الملذات و يتنافسون في جمع الثروات بشتى السبل المشروعة و غير المشروعة ، مما جعل الفساد و التخلف يستشريان في أوساط المجتمع و هكذا تضيع حقوق العباد و تتعطل عجلة التنمية ،  و حتى تلك القلة القليلة من ذوي الضمائر الحية لا يد لها في إصلاح ما أفسده هؤلاء لأن لا أحد يقيم لهذه الفئة المصلحة وزنا بل بالعكس أصبحت هذه الفئة التي لا تخشى في الحق لومة لائم و التي تنتقد الفساد و ترنو إلى الإصلاح ، هي الحالة الشاذة المهمشة .

ختاما لا تدعي علما و لا تتفاخر بشهادة إن لم تسخرهما في خدمة البلاد و العباد ، و لا تظن نفسك أفضل من ذلك المواطن الأمي البسيط ، فهو على بساطته و قلة زاده العلمي و المعرفي يعيش حلالا و يضع كرامته فوق كل اعتبار ،

و إذا ما أوى إلى فراشه يبيت مطمئنا لأنه لم يظلم أحدا و لم يأخذ درهما واحدا من مال ليس له ، و لو اطلعت عليه لوجدته أكثر منك سعادة ، إذن لا تغتر و راجع نفسك و اسألها ما دمت حيا قبل أن تسأل ميتا .

 ماذا عملت بعلمك ؟

و ما الأثر الذي تركته بين الناس ؟ 

و ماذا قدمت لآخرتك ؟

 

                        ✏  بقلم  زايد وهنا   ✏

كلمة شكر في حق جمعية

 🎻  كلمة شكر في حق الجمعية 🎻


            نظمت جمعية الازدهار للتنمية الحرفية و بشراكة مع مجلس مقاطعة سيدي يوسف بن علي و مجلس جهة مراكش أسفي النسخة الخامسة لتكريم ثلة من الحرفيين و الصناع التقليديين من كلا الجنسين ، بمقر الجهة  يوم الجمعة 5 ماي 2023 و نظرا لقيمة هذه الالتفاتة النبيلة في حق الصناع 

و الحرفيين أقامت الجمعية أمسية ملحونية حضرها عدد من المهتمين و قد تمت دعوتي لحضورها من قبل الأخوين عبد الرزاق حيحي و عبد الجليل بدزي     مشكورين ، كما فاجأنا الصديق الشاعر عبد اللطيف خوسي بحضوره ، فاكتملت البهجة و تم الاستمتاع .

 و لا أخفي إعجابي بجوق جمعية الورشان لفن الملحون الذي شنف أسماع الحاضرين بقصائد  في مختلف الأغراض أنشدها شبان و شابات الجمعية الذين و بحق كلما زرتهم أرفع لهم القبعة على براعة إنشادهم ، و حسن تذوقهم لهذا الفن الأصيل ، و الفضل يرجع في ذلك للإخوة القيمين على الجمعية و أخص بالذكر الأخ الزجال السيد محمد العمداوي الذي دعاني لإلقاء كلمة  شكرت من خلالها الجمعيتين 

و أشدت بمهارة الصانع المغربي و شجعت المواهب الشابة المهتمة بفن الملحون .

كما تم بين الوصلات الإنشادية تكريم السيدات و السادة الصناع الحرفيين الذين يرجع إليهم الفضل في إحياء هذا الموروث الذي يفخر به المغرب و الذي يخلب أنظار المغاربة 

و السياح الأجانب .

و هكذا أسدل الستار على هذه النسخة بالتقاط صورة جماعية أمام المقر ، حيث ذهب كل إلى حال سبيله .

غادرت المقر رفقة الإخوة الأربعة المذكورة أسماؤهم و قادنا النقاش و حلو الحديث أن انتهى بنا الأمر على مائدة عشاء ، حيث جمعنا بين غذاء الوجدان و غذاء البدن .


                ✏  لحظات جميلة اقتنصها   زايد وهنا ✏

وليد صالح الخليفة

 



 ✏  وليد صالح الخليفة  ✏


        


            قد يعشق المرء الشيء ، فينجذب إليه ، و يولع به ولعا شديدا حتى يصير متيما و لهانا يهيم بحبه ، و هو الأمر الذي حدث بيني و بين معشوقتي اللغة العربية منذ أيام الدراسة الأولى ، و لعل شغف قراءة الكتب و القصص 


و المجلات في تلك السن كان لها أكبر الأثر في وضع الحجر


الأساس لهذه العلاقة الغرامية و التي أخذت تنمو و تتوطد سنة بعد أخرى ، و شاء لها القدر أن تصادف رجلا توج مسيرتها علما و معرفة و وضع على رأسها إكليلا  من إبريز صارت تحمله في زهو و اعتداد ، و ظل بريقه يخلب المهج 


و الألباب ، كما ظلت صورة صاحب الفضل فيه عالقة بالأذهان . هذا الرجل هو السيد الفاضل


 " وليد صالح الخليفة " من العراق


أستاذي في مادة اللغة العربية بمركز تكوين المعلمين بالرشيدية .


و الصراحة أنه مهما حاولت أن أقول لن أستطيع أن أوفي هذا الرجل حقه ، فهو وبكل صدق و موضوعية موسوعة في اللغة العربية و آدابها ، نثرها و شعرها ، قديمها و حديثها في النحو و البلاغة و الخط و كل ما يحوم في فضاء اللغة العربية ، هو الخبير الجهبد الذي لا يشق له غبار في هذا المجال .


كان يدرسنا و كنت أتمنى أن يطول الوقت معه ، لأنني كنت أجد في تلقينه متعة لا تضاهيها متعة ، تنساب اللغة من فيه انسياب الشهد من الجبح ، يدعم الأفكار باستشهادات من القرآن و السنة و سير القدامى ، يأخذ بلبك و يسافر بك في


الأزمنة و الأمكنة ، فينسيك  كل شيء من حولك ، فتشعر 


و كأنك تعيش في زمن و بيئة ذاك الشاعر أو ذاك الكاتب ، يتناول النص بالتحليل ، فتتجلى لك معاني النص و تستمتع ببلاغته ، فيرتقي فهمك و ذوقك .


أقول بكل تواضع أن هذا الأستاذ كان يلاحظ ميولي و عشقي للغة العربية من خلال انتباهي  و تجاوبي معه مما تحتفظ به ذاكرتي من الرصيد السابق ، و هذا ما نال إعجابه بي ، و لم نكد نستفق من سكرة الأدب حتى انتهت سنة التكوين


و التحق كل منا بمقر عمله ، و من طريف الحديث أن أستاذنا هذا أمدنا بمجموعة من القصائد انتقاها من عيون الشعر العربي ، و من جملة تلك القصائد قطعة شعرية جميلة للشاعر العراقي " حسن المرواني "


بعنوان " أنا و ليلى و اشطبوا أسماءكم "


و بعد مدة سمعتها مغناة من طرف المغني " كاظم الساهر " 


فتعجبت و أعجبت بها خصوصا و أنا أحفظها عن ظهر قلب ، فقلت في نفسي سيكتب الخلود لهذه القصيدة خصوصا بعد أن أصبحت أغنية تتداولها الألسن .


قبل أن أتطرق لسيرة هذا الأستاذ الكبير ، اتصلت مع أحد أصدقائه المقربين بالرشيدية ألا و هو السيد الفاضل


" محمد حجاجي" مفتش التعليم سابقا و المتقاعد حاليا ، 


و أطلعني على أمور أخرى في مسيرة السيد  "وليد صالح الخليفة " بعد مغادرته للرشيدية ، و هذا ما قاله السيد حجاجي من غير زيادة و لا نقصان :


" الأستاذ وليد صالح الخليفة، من أطيب خلق الله أخلاقا وقيما إنسانية نبيلة، ومعرفة وعلما وتواضعا وتواصلا إنسانيا دافئا... بعصامية لافتة جدد حياته بإسبانيا بعد مغادرته المغرب فتعلم الإسبانية وأحرز شهادة الدكتوراه التي أهلته للتدريس بجامعة مدريد المستقلة التي رأ س قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بها إلى أن أحيل على المعاش وأقامت له الجامعة حفلا تكريميا كبيرا لا تقيمه للإسبان الأصليين، اعترافا بكفاءته ومعارفه وأخلاقه وقدرته الفائقة على التواصل الإنساني مع الجميع.


عاشق للمغرب والمغاربة وإقليم الرشيدية على الخصوص. غادر المغرب مكرها، ويتردد عليه باستمرار، آخر مرتين زار فيهما الرشيدية: 2018 و2022.


لك أجمل التحايا وأعطر المتمنيات."


على هذا الرابط، معلومات عنه في ويكيبيديا:



https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%AF_%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9


انتهى كلام السيد محمد حجاجي  .



و عند تصفحي للرابط وجدت هذه المعلومات 


و نقلتها كما هي للمزيد من الإيضاح خصوصا لمن يهمهم الأمر .



  الأستاذ : وليد صالح الخليفة


ولد بالعراق سنة 1951. حصل على شهادة البكلوريوس في اللغة والأدب العربيين من كلية التربية بجامعة بغداد سنة 1972. عمل مدرساً في عدد من الثانويات والمعاهد العراقية. غادر العراق سنة 1978 واستقر بالمغرب حيث مارس التعليم في المدارس العليا للمعلمين بأكثر من مدينة. يقيم في إسبانيا منذ سنة 1984، حيث أنجز دراسته العليا ونال شهادة الدكتوراه من جامعة أوتونوما بمدريد سنة 1990. مارس التعليم في العديد من مراكز التعليم والجامعات الإسبانية. كما تم تعيينه من قبل وزراة الخارجية الإسبانية كمترجم محلف في 14 مايو 1992.[1] يعمل حالياً أستاذاً للدراسات العربية الإسلامية بقسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أوتونوما بمدريد. وقد رئس هذا القسم ما بين سنة 2002 و2005.



ختاما كانت تلكم التفاتة لرجل ترك بصمة واضحة المعالم في أذهاننا ، و من لا يشكر الناس ، لا يشكر الله ، أطال الله في عمره و عمر صديقه السيد 


محمد حجاجي ، و أدام المحبة بينهما ، وجعل عملهما خالصا لوجهه و السلام عليهما و على القارئ .



                          ✏   بقلم  زايد وهنا   ✏




           جواب وليد صالح


كان هذا ردا من أستاذي وليد صالح الخليفة على 

المقال الذي كتبته عنه .


الأخ الكريم والأستاذ الفاضل السيد زايد وهنا:

اسمح لي أولا أن أنقل لك شعوري بالفرح والامتنان لما ذكرته عني ودونه قلمك بلغة شفافة وروح طيبة تنم عن رقي الخلق الذي يحضك على الوفاء والاخلاص لأصدقائك وأساتذتك، وكل هذا جدير بالتقدير والاحتراام والاعتزاز. صدقا أنا لم أكن أتوقع بعد أربعين عاما من خروجي من مدينة الرشيدية القريبة من نفسي أن يصلني هذا الثناء والتكريم من أحد طلابي الأعزاء. لا أخفيك سرا لو قلت لك بأنني طيلة حياتي المهنية التي اقتصرت على التربية والتعليم كنت أعتبر الطلاب أثمن رأس مال للعملية التربوية. فهم الأساس وهم المعنيون وهم الهدف من كل جهد تعليمي ولولاهم لما وجد المعلمون ولا المربون. ولكوني مقتنعا بأن التعليم مهنة نبيلة فلم أرض عنها بدلا على الرغم من توفر الفرص. وماذا أقول عن لغتنا العربية الزاهية التي نجتمع على حبها وتثمينها. لغة ثرية عذبة في رنينها، غنية في مفرداتها، دقيقة في دلالاتها ومفاهيمها، متناسقة في حروفها وألفاظها، فهي في منتهى الجمال وغاية الكمال. إنها البيان والايجاز معا.

قال عنها الشاعر السوري سليمان العيسى:

أنا ما برحت تألقا وسنى             لغة العروبة والبقاء أنا

وماذا عساي أن أقول بحق صديق عزيز وأخ كريم وأستاذ متميز مثل السيد محمد حجاجي الذي كان لي ولا يزال بمثابة الأخ حيث بعُد الأخوان وعائلته بمثابة الأهل حيث حالت ظروف الحياة بيني وبين الأهل في العراق الساكن في القلب. حجاجي الأديب المرهف لم يقتصر كرمه على بذل مشاعر الأخوة فحسب بل كان كريما في علمه، إذ ليس لي أن أنسى كم من كتب مكتبته قرأت وكم تعلمت من معارفه الغزيرة. أما المغرب فهم بلدي الثاني الذي استقبلني في مرحلة صعبة من حياتي وأكرمني ووفر لي سبل العيش الكريم، وأدركت من خلال فترة التعايش الطويلة كم هو أصيل بشعبه وتراثه وتأريخه. كنت أقول لأصدقائي حينها لو شاءت الظروف وأخرجوني قسرا من هذا البلد سأموت موت السمكة التي تُسل من الماء. وقُدر لي أن أذوق مرارة الإبعاد عن هذا البلد الحبيب، لكن حبي له ولشعبه لم ينقص بل زاد متانة وقوة. إنها سنة الوفاء التي تُنشد من كل كائن حي.

كثيرا ما أتذكر أبيات شاعري المفضل السياب في قصيدة "وصية من محتضر" والتي يقول فيها:

أنا ميت لا يكذب الموتى وأكفر بالمعاني

إن كان غير القلب منبعها

فيا ألق النهار

أغمر بعسجدك العراق

فإن من طين العراق جسدي

ومن ماء العراق.

وأنا الذي عشت في العراق وفي المغرب وإسبانيا، يمكنني أن أقول وعذرا للسياب:

"فإن جسدي من ماء وطين العراق والمغرب وإسبانيا.

أرى ذلك واجبا عل ي من باب الوفاء وعرفان الجميل وشكر العديد من رجال ونساء هذه البلدان الثلاثة والذين لقيت منهم العون والمساعدة لتجاوز مشاق الحياة.

أما عن قصيدة "أنا وليلى" للشاعر الصديق حسن مرواني التي تذكرها في رسالتك، أخي زايد، فقصتها تطول أوردها فيما يلي:

يقول المثل: "زهرة واحدة لا تصنع الربيع". لكنني أضيف أن قصيدة عصماء واحدة يمكن لها أن تصنع شاعرا، خاصة إذا كانت بمستوى "أنا وليلى" .

عام 1970 عندما كنت طالبا في السنة الثانية من قسم اللغة العربية بكلية التربية في جامعة بغداد كان لي زميل يدعى حسن المرواني. إنسان مؤدب وخجول وقليل الكلام. علمت من بعض الزملاء بأن المرواني كان يحب زميلة لنا في القسم حبا افلاطونيا والتي لم تعلم بحبه لها إلا بعد زمن. حدثها بعد ذلك بما يجيش به صدره من مشاعر نحوها وقرر أن يطلب يدها من عائلتها التي تنتمي إلى طبقة عالية من المجتمع، على خلاف عائلة المرواني المتواضعة. جاءه الجواب بالنفي فشعر بالإحباط والحزن الذي دفعه لكتابة هذه القصيدة التي لم نعلم بها إلا في مهرجان الشعر الذي قامت كليتنا بتنظيمه في ربيع ذلك العام. ففي ذلك اللقاء وبعد الاستماع إلى الكثير من قصائد الطلبة صعد المرواني إلى المنصة وبدأ بقراءة قصيدته. صُدم الجمهور بمتانة أبياتها وقوة أسلوبها وجمال معانيها وكان الطلاب يهتفون ويصفقون بعد سماع كل بيت من أبياتها. وبعد انتهاء المهرجان تم نسخ القصيدة وتوزيعها على طلاب الكلية. وفي اليوم التالي دُعي المرواني لالقائها في إحدى إذاعات بغداد وانتشرت شهرته سريعا على مستوى العراق كله. وبقيت قصيدة "أنا وليلى" يتيمة أو لنقل دون أخوات.

بعد تخرجنا من الجامعة م رت الأعوام وفقدت الاتصال بالمرواني وت م تعييني مدرسا للغة العربية في ثانوية "طوزخورماتو" في شمال العراق. فوجئت بزيارة حسن لي في تلك المدينة وأخبرني بأنه تم تعيينه في قرية قريبة من مدينتي. كان يزورني في المنزل بين الحين والحين حيث كنت أسكن مع أساتذة آخرين يعملون في طوزخورماتو وتسكن عوائلهم في مدن أخرى. وفي إحدى الليالي كنا مجتمعين على العشاء ومعنا الصديق المرواني. طلب منه بعض الزملاء أن ينشد أبيات قصيدته. ألقاها وسط تصفيق وإعجاب الحاضرين وقمت بتسجيلها على شريط كاسيت ما زلت محتفظا به حتى اليوم.

وبعد خروجي من العراق عام 1978 فقدت من جديد الاتصال بالمرواني. أقمت بالمغرب العزيز حتى سنة 1984 ثم انتقلت إلى إسبانيا. وفي أحد الأيام من عام 1998 كنت أستمع لإذاعة بي بي سي اللندنية وكانت المذيعة تجري مقابلة مع المطرب العراقي كاظم الساهر. تحدث عن ألبومه الجديد والذي سماه على اسم قصيدة المرواني حيث ضمنه أغنية بهذا الاسم. تذكرت صداقتي بحسن المرواني والأيام التي قضيناها سوية في الجامعة وفي مدينة "طوزخورماتو"، ولم أكن أعلم عنه شيئا إن كان ما يزال يعيش في العراق أم لا أو أنه زاد على قصيدته تلك قصائد أخرى أم لا.

وعلمت بعدها من خلال الصحافة العربية بأن الساهر كان يبحث عن المؤلف الحقيقي لقصيدة "أنا وليلى" لأن العديد من الأشخاص وخاصة من المقربين من السلطة ادعوا بأن القصيدة من تأليفهم كي يحصلوا على حقوق التأليف. فكتبت حينها مقالا مفصلا أتحدث فيه عن صاحب القصيدة وظروف انتشارها وصلة الصداقة التي تربطني بالمرواني. ونُشر المقال في صحيفة الزمان اللندنية. وبعد ذلك بشهور قامت الصحيفة المذكورة باجراء لقاء مطول مع حسن المرواني يتحدث فيه عن ملكيته لحق تأليف القصيدة ويشكر هؤلاء الذين أكدوا على حقيقة تأليفها ونسبتها له ويقدم خلال ذلك اللقاء شكره لي بشكل خاص لدفاعي عن الحقيقة. وعلمت من خلال ذلك اللقاء بأن المرواني كان آنذاك مقيما في ليبيا حيث كان يعمل أستاذا للغة العربية في إحدى المؤسسات. ثم علمت بأنه قد عاد للعراق بعد تغيير النظام السياسي السابق في 2003 وأصيب بعدها بجلطة في الدماغ شلت نصف جسده. أتمنى له الشفاء وطول العمر. وعلمت أيضا بأنه لم يكتب بعد "أنا وليلى" سوى بعض القصائد القليلة التي لا تضاهي قصيدته العصماء هذه.

هذا كما يقال غيض من فيض أستعيد خلاله بعض الذكريات الحلوة منها والمرة لسنوات مضت في العراق والمغرب وفي إسبانيا التي أقيم بها حاليا.

الشكر الوفير للأخ العزيز السيد زايد وهنا وللأخ والصديق حجاجي محمد، متمنيا للاثنين الصحة

والسلامة والازدهار والتوفيق.

وليد صالح

مدريد في 4 مارس 2023

مات و السلام

 🔘   مات و السلام  🔘


            من المؤسف جدا إلى درجة تكاد الأنفاس تختنق عليه حزنا و أسى ، أن أغلب شبابنا إن لم نقل كله يجهل تماما تاريخ بلاده و لا يعرف و لو القليل عن رجالاتها الذين بصموا تاريخها في كل المجالات .

و العيب ليس في شبابنا ، و لكن العيب كل العيب في تعليمنا و إعلامنا ، فهذان القطاعان هما المسؤولان عما يعانيه الشباب من فقر في ثقافته العامة عموما ، ذلك أن الإعلام انساق وراء التفاهة و جعل من التافهين رموزا يقتدى بهم في حين

همش رموز المقاومة و علماء الدين و رجالات الفكر و الأدب البارعين و الفنانين المبدعين ، و كل صالح مصلح ترك بصمة واضحة في أحد المجالات من المجالات المذكورة إلا و أصبح مهمشا لا يعتد برأيه .

كما أن المناهج التعليمية هي الأخرى لا تتعرض في مقرراتها للتعريف بهؤلاء الجهابدة أحياء كانوا أو أمواتا ، و لو اهتم الإعلام و التعليم بهم و رفع مكانتهم عاليا بين الناس لظهر أثر هذا التقدير واضحا في نفوس شبابنا و لاتخذوهم قدوة في أخلاقهم و علمهم و فنونهم ، فلا تجد التفاهة لأنفسهم سبيلا لأنهم حصنوها بالأعمال الجادة الهادفة .

و لعل ما دفعني لإثارة هذا الموضوع هو ما عاينته عن كثب حيث صادفت مرة أربعة شبان يحضرون لامتحان الباكلوريا في الأدب ، و كان من بينهم ابن أحد جيراننا ، مما شجعني على محاورتهم ، فتعمدت أن أسألهم عن بعض رجالات المقاومة و العلم و الأدب و الفن ممن حضرتني أسماؤهم لحظتها من أمثال :

🔫 عبد الكريم الخطابي

🔫 علال بن عبد الله 

🔫 محمد الزرقطوني 

📚 محمد المكي الناصري 

📚 عبد الله كنون

📚 المختار السوسي 

✏ المهدي المنجرة

✏ محمد عابد الجابري

✏ طه عبد الرحمان 

🎻 الحسين التولالي

🎻عبد القادر راشدي ، الخياط ، الدكالي ، الحياني

🎻 المجموعات الغيوانية الثلاث

⚽ العربي بن امبارك 

⚽ أحمد فرس

⚽ عبد المجيد الظلمي 

و الحقيقة أنني لم أهتد إلى جواب منهم ، فقد أجمعوا على أنهم لا يعرفون عن هؤلاء شيئا ، إلا واحد منهم أخبرني أنه يعرف عبد الهادي بلخياط كصورة فقط و ما عدا ذلك فلا شيء ، و هنا تجرأ أحدهم و نطق ليته لم يفعل إذ أخبر

الجميع بنوع من التفاخر أنه يعرف إحدى التافهات السفيهات لا داعي لذكر إسمها ، و هذه هي الطامة الكبرى التي أشرنا إليها و التي غرسها الإعلام في أذهان هؤلاء الشباب .

و الأغرب من هذا كله أنه عند وفاة أحد المفكرين أو الفنانين ، تكتفي الإذاعة و التلفزة بنعي الخبر في ثوان قليلة ، فيسدل الستار إلى الأبد ، و كأن أعمال هذا الرجل قد دفنت معه ، فلا حاجة لنا لآحياء ذكراه و لا يهمنا ما تركه لنا من إرث فكري

أو فني و لو كان هادفا و مفيدا ، لقد مات و السلام

و هو الملام إذ لم يكن قيد حياته يجاري التفاهة كباقي التافهين و لو تجرد من مبادئه و تسفه لكان نجما ساطعا تتهافت على استضافته وسائل الإعلام .


                    ✒  بقلم    زايد وهنا   ✒

مولاي الطاهر الاصبهاني

 صباح هذا اليوم الأربعاء 3 ماي 2023 ، غادرنا أحد أيقونات مجموعة جيل جيلالة المرحوم مولاي الطاهر الاصبهاني بعد معاناة طويلة مع المرض ، و سيوارى الثرى عصر اليوم نفسه بمقبرة حي الازدهار بمراكش .

بقلوب مؤمنة بقضاء الله و قدره تلقينا هذا الخبر الذي كان له وقع كبير في نفوسنا نحن الذين نعرف هذا الرجل و عاصرناه لأزيد من ثلاثة عقود استمتعنا خلالها بأروع الأغاني صحبة أفراد المجموعة الآخرين أطال الله في أعمارهم الذين صالوا و جالوا و أبدعوا و أجادوا كلمات و ألحانا و أصواتا متميزة ستبقى خالدة في أذهاننا نستمع إليها من حين لآخر فتنسينا ما يروج في أيامنا هذه من رداءة و تفاهة .

رحم الله الفقيد و تغمده برحمته الواسعة و ألهم ذويه

 و زملائه في المجموعة و محبيه أينما كانوا الصبر

 و السلوان ، و إنا لله و إنا إليه راجعون .

صداقة من نوع آخر

 ✏  صداقة من نوع آخر 🎤


            من الطبيعي أن يربط الإنسان علاقات اجتماعية مع الناس الذين يرتاح إليهم سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو جيران أو زملاء و هذا أمر بديهي لا خلاف فيه مادام الإنسان يعيش و يتعايش مع غيره في نفس البيئة يؤثر و يتأثر بكل ما يحيط به ملتزما بالقوانين السماوية المفروضة و المسلمة و التي لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها 

و منضبطا كذلك للقوانين الوضعية المتفق عليها و التي قد تكون قابلة للنقد البناء و التعديل لتلائم حياة الناس و تضمن لهم الأمن و الاستقرار و العيش الكريم ، بل هناك من يتعدى عنده هذا الارتباط فيشمل حتى الحيوان كلبا كان أو قطا أو أي حيوان ممن يأنس بالإنسان ، فتربطهما علاقة ألفة 

و صداقة متبادلة قد تفوق في صفائها و وفائها بعض العلاقات الإنسانية الأخرى المبنية على غير الصدق و الوفاء .

          كل ما ذكر ليس فيه من غريب القول شيئا ، فالجميع يعلمه و لم نضف إليه بكلامنا جديدا ، و لكن الأمر الغريب هو أن لي ارتباطا وثيقا و صداقة متينة تثير الغرابة و ما يزيد في  غرابتها أنها ليست مع إنسان أو حيوان و لكنها مع جهازين لا روح فيهما ، امتدت صداقتي بهما لسنوات عديدة قد تزيد على الأربعين ، هذان الجهازان هما القلم 

و الميكروفون ، و هنا أود الحديث عن هذا الأخير الذي لم يسبق لي أن تحدثت عنه ، أما القلم فقد أكثرت عنه الحديث ، فهذا الجهاز المسمى بالميكروفون له معي حكايات قد لا يتسع المقال لذكرها كلها ، ألفته و ألفني -- و لزمن غير يسير -- لم يخذلني قط ، و لم يحرجني في أي موقف ، متى مسكته بين يدي و قربته من فمي وجدته مطواعا مطيعا لي في محاضراتي و ندواتي و سهراتي و كل الأنشطة التي مارستها في حياتي و التي كان لوجوده ضرورة في تقديمها ، بل حتى في البرامج الإذاعية و التلفزية التي شاركت فيها .

و رغم أنه جهاز لا روح فيه إلا أنني رأيت فيه من الوفاء 

و التشجيع ما لم ألمسه في بعض البشر .

و لعل ما أستغربه أنا كذلك أنه كلما أمسكت هذا الجهاز إلا 

و كأني به يقول لي لا ترتبك أمام هذا الجمع الغفير ، ستؤدي عملا رائعا ينال إعجاب الحضور ، و فعلا لا أشعر بأي ارتباك أو حرج بل بالعكس أجد في نفسي الشجاعة و الجرأة ،

فتتوافد الأفكار و يستقيم التعبير ، فأشعر بأن المستمع يرتاح و يستمتع بما يقدم له ، و ما زلت أذكر مرة أنه عند نهاية إحدى الأمسيات الشعرية التي كنت قد نشطت فقراتها ، اتصل بي أحد الحاضرين و بعد أن أثنى على أسلوب التنشيط ، سألني سؤالا غريبا إذ قال كيف يستقيم لك ارتجال الكلام بلغة عربية سليمة ممتعة من غير تحضير أو إعداد قبلي ، 

و كيف أنك تحفظ هذا الكم الهائل من الأشعار ، و العجيب أن لك سرعة البديهة إذ تتصرف بشكل عفوي و سريع فيما يعترضك من المواقف دون تردد أو تلعثم فتضفي عليها مسحة من المتعة و الإفادة ، و كثيرة هي الأنشطة التي تشارك معك فيها أحد الحضور أو بعضهم و كأنهم طرف في ذلك النشاط مما يزيح الملل و يزيد من الحماس و التشويق 

و هو الأمر الذي تفردت به في التنشيط و لا يجاريك فيه أحد ، حتى أن البعض يعتقد أنك تلقيت تكوينا عالي المستوى في هذا المجال .

شكرته على نبل مشاعره و أجبته : أنا يا أخي و بكل تواضع أقوم بذلك رغبة مني ، خصوصا إذا رأيت أن النشاط هادف 

و يعود بالفائدة ، أتواصل مع الحاضرين بقلبي و لا أجد حرجا في مخاطبة الناس ما دمت صادقا مع نفسي و لا أحمل لأحدهم غلا ، و لو صادف أن لمست من الحاضرين تقززا في طريقة مخاطبتهم لانسحبت و تركت المكان لمن له القبول عندهم .

         ختاما أعود و أقول أن علاقتي بالميكروفون لها جذور أينعت بيني و بينه أزهار الألفة و المودة و وطدت بيننا صداقة متينة لازمتني سنين طويلة كان عربونها الوفاء 

و الاعتراف من جهاز هو في حقيقته آلة جامدة لا روح فيه 

و لكنني في قرارة نفسي أشعر بأنفاسه و كأنه كائن حي  .

فأنا و إن كنت قد فارقت الأحباب و الصحاب ، و انتقلت بعيدا عنهم فقد انتقل معي صديقان وفيان لم يطيقا فراقي هما القلم و الميكروفون ، يتناوبان على مجالستي و مؤانستي و إن كان القلم حاليا هو من يلازمني دوما أما الميكروفون فمنذ انتقالي لم يعد يزور إلا غبا و له العذر الكامل إذ تغيرت الأمكنة و الأشخاص و الظروف ، و مهما يكن فالعلاقة قائمة متينة لا تتزحزح نحيي أواصرها معا متى سمحت الظروف 

و تهيأت الأسباب .


                  ✏  عاشقكما الوفي زايد وهنا 🎤

الثراء الحقيقي

 🕋  الثراء الحقيقي  🕋


   ◾ سبب النزول ◾


         هذه الأقصوصة مستوحاة من لقطة واقعية عاينتها عندما كنت في زيارة ترفيهية لإحدى القرى الصغيرة ، و بينما أنا أجوب دروبها و أزقتها ، نادى المؤذن لصلاة العصر ، توجهت صوب المسجد لأداء الصلاة ، و في طريقي رأيت طفلة متحجبة ذات حسن و جمال تمشي على استحياء و هي تمسك بيد والدها الضرير لتدله على الطريق نحو المسجد 

و رغم صغر سنها الذي قد لا يتجاوز الإثنى عشر تظهر عليها سمة الحشمة و الوقار ، أعجبت بها و بتصرفها هذا الذي ينم عن حسن خلقها ، و عند عودتي إلى المنزل عاودني ذلك المنظر ، فأطلقت العنان لخيالي و قمت ساعتها أكتب تتمة القصة من خيالي و أنا أتمنى في قرارة نفسي أن يكون مستقبل هذه الطفلة كما تخيلته و أتخيله .

 

                🔽   التتمة كما تخيلتها  🔽


         في إحدى القرى النائية ، و في بيت صغير ملتصق بمسجد القرية يسكن رجل مسن كفيف البصر هو إمام هذا المسجد و خطيبه .

اسمه عبد الله و لكن الجميع يناديه بالفقيه ، كما  ينادون على زوجته زينب بامرأة الفقيه ، و على ابنته صفية بابنة الفقيه ، و رغم طول مدة زواجه بزينب إلا أنهما لم يرزقا إلا بهذه البنت الوحيدة .الكل في هذه القرية يحترم الفقيه و أسرته ، و لا يبخلون عليه بشيء مما تجود به الأرض من حنطة 

و خضر و فاكهة ، لأنهم يعلمون أن ما يتقاضاه كأجر مقابل الإمامة هزيل جدا لا يكاد يسد ضروريات العيش كما أن إعاقته تمنعه من مزاولة مهام أخرى اللهم ما كان من الإعانة التي يقدمها له أهالي القرية لتعليم أبنائهم في كتاب المسجد ما دامت القرية لا تتوفر على روض للأطفال كتعليم أولي قبل الالتحاق بالمدرسة .

كان الفقيه يصطحب ابنته معه إلى الكتاب صباحا و رغم صغر سنها فقد أبانت عن ذكاء و نباهة قل نظيرهما بين أقرانها ، و فوق هذا و ذاك كانت تتحلى بمكارم الأخلاق 

و حسن السلوك و لعل ذلك راجع لتربية والديها لها ، إذ نشأت في بيئة محافظة ، و كيف لا و هي ابنة الفقيه الذي ينصح 

و يرشد و يستشار في كل ما يهم أمور الجماعة .

و نظرا لفطنتها حفظت ثلث القرآن ، و أتقنت بعض أبجديات اللغة العربية ، مما جعلها تتفوق على زملائها عند التحاقها بالمدرسة ، حتى صار الأهالي يضربون بها المثل في حسن السلوك و الانضباط و الحرص في تحصيل العلم و المعرفة .

 طوت سنوات الابتدائي الست بتفوق ملفت و حصلت على شهادة الدروس الابتدائية ، و لكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفينتها ، إذ فصلها والدها عن الدراسة لأن القرية تفتقر لإعدادية ، و متابعة الدراسة تلزم الأهالي على إرسال أبنائهم إلى المدينة التي تبعد عنهم بحوالي مائتي كيلومتر ، و هو الأمر الذي استعصى على الأب تحقيقه لها لاعتبارات كثيرة ، يأتي في مقدمتها خوف الوالدين على ابنتهما إذ ليس لهما غيرها ، و هي من يملأ عليهما البيت أنسا ، إضافة إلى ضيق اليد و إعاقة الأب سيما و أن صفية هي دليله الذي يأخذ بيده متى أراد أن يذهب بعيدا في زقاقات القرية ، و هكذا تقبلت صفية أمر انقطاعها عن الدراسة بصدر رحب دون تضجر 

و صنعت لنفسها عملا إذ تولت نيابة عن والدها تعليم الصغار في كتاب المسجد و نظرا لما حققته من مردودية ، لقي الكتاب إقبالا منقطع النظير إذ اكتظ بالأطفال ، و لم تكتف بذلك بل غدت تقدم دروسا إضافية في الدعم للمتمدرسين ، و هذا ما خفف العبء عن والدها و أكسبها سمعة طيبة ناهيك عن الأجر المقبول الذي أصبحت تتقاضاه عن عملها هذا .

استمرت الحياة على هذا المنوال ، و صفية تكبر و تزداد حسنا و جمالا و لم يغير ذلك من سلوكها شيئا فهي البنت العفيفة الطيبة التي استمالت قلوب الناس بشمائلها .

 و كان في القرية تاجر ثري كلما ازداد له ولد إلا و اختطفته يد المنون قبل أن يبلغ الفطام و لم تكتب الحياة إلا لرابعهم 

و هو الوحيد الذي قضت مشيئة الله أن يعمر و يعيش في كنف والديه ، عيشة الرفه و الدلال طبعا ، و قد سماه أبوه محمود حمدا لله على ما وهب .

و من شدة خوف التاجر و زوجته على ابنهما الوحيد محمود ، كانا شديدي الحرص عليه ، مما سبب في انقطاعه هو أيضا عن الدراسة حتى لا يكون بعيدا عن أعينهما ، و بذلك تفرغ للعمل إلى جانب والده في المتجر .

و رغم أن محمود ينتمي إلى أسرة ثرية إلا أنه كان على جانب من حسن الخلق ، و ما أن بلغ سن العشرين حتى قرر والده أن يزوجه صفية قبل أن يظفر بها غيره ، و هو ما تم الاتفاق عليه بين الأسرتين .

تمت الخطوبة بمنزل الفقيه المتواضع ، و تم حسم موعد عقد القران و موعد حفل الزفاف ، و طلب والد محمود من والد صفية أن يحدد مهرا لابنته و لكن الفقيه أجاب بكلام فيه من الحكمة الكثير إذ قال : 

" يابني أنا أزوجك ابنتي و لا أبيعك إياها ، ادفع لها من المهر اليسير الذي لا يثقل عليك ، غير أن لي شرط واحد أود أن أشترطه عليك ، فاقبله مني " .

 تدخل والد محمود و قال :

 " اشترط ما تريد ستجدنا إن شاء الله عند حسن ظنك " .

قال الفقيه :

 " شرطي يا سيدي ألا يعيرها زوجها بالفقر مهما وقع ، لأن صفية لها ثروة كبيرة لا تملكها إلا قلة قليلة من الشابات ، 

و سينالكم من ثروتها النصيب الأوفر ، و ما تبقى سيكون من نصيب أبنائها من زوجها محمود مستقبلا " .

 أجاب والد محمود على الفور :

 " كلنا فقراء و الله هو الغني الحميد ، لن يكون إلا ما يرضيها 

و يرضيكم " .

انفض الجمع بعدما تم الاتفاق على كل شيء ، و بعد شهرين تم الزفاف و التحقت صفية ببيت الزوجية .

باختصار تولت صفية أمور بيتها بنفس السلوك الحسن 

و العشرة الطيبة ، و سادت الرحمة و المودة بين الزوجين ، كلاهما يبذل جهده في إسعاد الآخر ، و قد رزقهما الله ولدا 

و بنتا ، سهرت صفية على تربيتهما تربية اسلامية فاضلة ، أثلجت قلوب الأسرتين .

مرت السنوات على هذا النهج السعيد ، و في أحد الأيام مرض الفقيه مرضا شديدا ، فكانت أسرة محمود تعوده في كل يوم لتطمئن على حالته الصحية ، و في إحدى الزيارات سأل محمود  صهره الفقيه و هو يمازحه مزاحا محترما ليخفف عنه وطأة المرض قائلا :

 " أتذكر يا سيدي شرطك الذي اشترطته علي أثناء الخطوبة ، و قلت حينها أن زوجتي صفية تملك ثروة كبيرة لا يملكها غيرها ، فكيف ذلك ؟ " .

طلب الفقيه من صهره و صفية أن يقتعدوه قليلا و قال : 

" لقد حان الوقت لأخبرك عن ثروتها ، و لكن قبل ذلك أود أن أسألك ، هل أنت و والداك  سعداء مع صفية ؟ " . 

أجاب محمود فورا :

" كلنا نشعر معها بسعادة غامرة ، يعجز اللسان عن وصفها " . تبسم الفقيه رغم الألم و قال : 

" يا بني هناك الكثيرون ممن يرغبون في مثل سعادتكم و لم يجدوها ، و لو كانت تشترى بالأموال الطائلة لاشتروها ، أليس هذا ثراء جلبته لكم صفية  ؟ " . 

أعجب محمود بكلام صهره و أومأ برأسه موافقا . حينها أردف الفقيه قائلا :

" ألا ترى أن صلاح أبنائكما يغار منه الكثيرون و يودون لو يبتاعونه بما ملكت أيديهم في سبيل أن يكون لهم أبناء صالحين مثل أبنائكما ؟ أليست هذه ثروة كذلك يفتقدها الكثير و تملكها صفية ؟ " .

أجاب محمود : 

" بلى سيدي نحمد الله و نشكره أن حبانا بهذه الزوجة الصالحة ، الآن قد فهمت قيمة الثراء الذي تملكه زوجتي صفية و الذي نالنا منه الكثير ، شافاك الله و عافاك و أطال عمرك ، فالشكر بعد الله لكما أنت و أمها ، ألستما من لقنها التربية الحسنة و سهرتما على تنشئتها على التقوى 

و مكارم الأخلاق ؟ ، اطمئن صهري الفاضل فقد تركتما بنتا صالحة تدعو لكما ، و هو ما يتمناه كل أب و أم من هذه الدنيا الفانية " .

بعد أسبوع من هذه الزيارة ، أسلم الفقيه عبد الله الروح إلى بارئها ، و انتقلت زينب للعيش ببيت ابنتها صفية بإلحاح 

و إصرار من محمود و أسرته .   


                         ✏ بقلم زايد وهنا  ✏

غفرانك ربي

 🕋  غفرانك ربي  🕋


          لا يكاد يمر شهر أو أقل حتى أتلقى خبر وفاة أحد أبناء البلدة ممن أعرفهم حق المعرفة ، و كيف لا و قد قضيت معهم ما يقرب من ستين سنة ، و لم أغادرهم إلا مؤخرا لظروف عائلية ، فكنت كلما سمعت نعي أحدهم إلا و تعود بي الذاكرة إلى الوراء ، فتجدني أستعرض حياة الفقيد مستحضرا بعض المواقف التي جمعتني به فيما مضى ، أغلبها كانت مواقف جميلة لا يشوبها خلاف ، و هذا ما يبعث في النفس خصوصا حين أتلقى الخبر نوعا من الانكسار و الحزن ، فتراني لحظتها أستعرض أسماء المتوفين و ما أكثرهم ، و كأني بالموت يحصد الأرواح تباعا و يتوعد الأحياء أن دورهم قادم لا محالة .

اللهم في هذا الشهر المبارك ارحم من غادرنا إلى دار البقاء ، فهم السابقون و نحن اللاحقون و هادم اللذات لا يستثني صغيرا و لا كبيرا ، و اجعل خير أعمالنا خواتمها ، و لا تتوفانا إلا و أنت راض عنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين .


            ✏ خاطرة رمضانية لزايد وهنا   ✏

دفين أغمات

                         دفين أغمات


        هذه الصورة لضريح بأغمات ، و ما دامت

أغمات غير بعيدة عن المدينة التي أسكنها ، و لم يسبق لي أن زرتها ، قررت أن أزورها و أقف عن كثب على أحداث ما يزال صداها يرن في أذني ،

و ما تزال ذاكرتي تحتفظ بالكثير عن هذه القرية التي طالما حدثت تلامذتي عنها في دروس التاريخ و عن دورها كمحطة في الطريق التجارية

الغربية التي كانت تعتمدها القوافل التجارية نحو بلدان جنوب الصحراء ، و رغم طولها فقد كانوا يتحملون مشاق السفر عبرها و يفضلونها عن  الطريق الوسطى المارة عبر سجلماسة رغم قصرها طلبا للأمن ، حيث أن إمارة بني مدرار و بعض القبائل الخارجة عن حكم الأدارسة التي كانت تقطن قريبا من سجلماسة كانت تعترض قوافلهم ، و لم يتم القضاء على هذه الإمارات المتمردة إلا في عهد المرابطين ، فعاد للطريق الوسطى المارة عبر سجلماسة نشاطها التجاري بفعل قصرها 

و سهولة مسالكها .

دخلت أغمات فإذا هي بلدة صغيرة جدا ، محاطة بحقول أشجار الزيتون و بعض الأنواع الأخرى من الأشجار الغير المثمرة ، مما يضفي عليها جمالا في طبيعتها الخضراء الخلابة ، بها بضعة متاجر توفر للساكنة ما تحتاج إليه في معيشها اليومي ، السواد الأعظم من سكانها فلاحون و أغلب نشاطهم يتمثل في العناية بالمشاتل من أغراس متنوعة

و أزهار مختلفة الأنواع و الألوان و الأشكال تجذب إليها الناظر و تخلب لبه ، إذ يرى من النباتات ما لم يره من قبل .

غير أن ما أكسب أغمات شهرتها و جعلها قبلة للسياح المغاربة و الأجانب إضافة إلى تاريخها

الضارب في القدم هو وجود ضريح " المعتمد بن عباد " بها ، و هو المكان الذي كنت أرغب في زيارته لا للتبرك ، فأنا لا أزور أي ضريح إلا إذا كان

دفينه شخصية تركت بصمة في التاريخ و زيارتي له ليست قصد التبرك و إنما لأقف عن كثب على

منجزاته و أستزيد معرفة بأمور كثيرة قد أجهلها

فأجدها مكتوبة في مخطوطات أو أستقيها ممن

لهم ذراية واسعة بهذه الشخصية ، خصوصا و أن

معاينة المكان بهدوئه يوحي للزائر الباحث بأن

يستحضر محطات من حياة الدفين ، و هو الأمر

الذي شعرت به ، فقد تذكرت سلسلة من دروس التاريخ التي كنت ألقنها لتلامذتي حول الممالك

الطائفية بالأندلس خلال القرن الخامس الهجري

و لا داعي للخوض فيها ما دام القارئ يعلم عنها 

الكثير ، و لكن هذا القبر أمامي هو لأحد ملوك

الطوائف الذي انتهى به الحال أن يدفن بأغمات

و إلى جانبه قبر زوجته و ابنه ، فهو للتذكير فقط :

أبو القاسم المعتمد على الله محمد بن عبَّاد ولد سنة 431 هـ و توفي سنة 488 هـ هو ثالث وآخر ملوك بني عبَّاد على اشبيلية  بالأندلس، تولى الحكم بعد أبيه  أبي عمرو المعتضد سنة 461 هجرية ، تزوج من السيدة اعتماد الرميكية .

كان المعتمد بن عباد حين آل إليه حكم إشبيلية في الثلاثين من عمره، شابا ، فارساشجاعا و شاعرا موهوبا، وأميرا جوادا ، يحب الأدب ومجالسة أهله فقرب إليه في بلاطه أدباء و شعراء من صفوة ذلك العصر  من أمثال أبي بكر بن عمار ، وابن زيدون وابن اللبانة ، وابن حمديس الصقلي ، كما  كانت زوجته اعتماد الرميكية شاعرة كذلك ، تتمتع بجمال فاتن و براعة في الشعر والأدب ، وكانت إشبيلية حاضرة دولته آية في الروعة والبهاء ، تزدان بقصور بني عباد وقوادهم وكبار رجال دولتهم .

غير أن أطماع المعتمد بن عباد في سبيل التوسع على حساب ممالك المسلمين الأخرى جعله يتحالف مع ألفونسو السادس ملك قشتالة على حساب إخوانه المسلمين، ولم يجد في نفسه غضاضة وهو يقوم بدفع الجزية للملك القشتالي و هذا التحالف

أشعل نار الغضب في نفس قائد المرابطين يوسف

بن تاشفين و هو من اجتاز إلى الأندلس دفاعا عن الممالك الاسلامية ضد النصارى ، فأمر  بحمل المعتمد بن عباد وآل بيته إلى منفاهم بالمغرب ،  وخرج الناس لتوديعهم محتشدين وقد ملأ الدمع أعينهم ، وذابت قلوبهم حسرة وألما على ملكهم الذي أدبرت عنه الدنيا ، فخرج هو وأسرته على هذه الصورة المخزية بعد الجاه والسلطان ، وقد سجل الشاعر الأندلسي الكبير ابن اللبانة هذا المشهد الحزين بقصيدة مبكية جاء فيها:


حان الوداعُ فضجّت كل صارخة

              وصارخٍ من مُفداة ومن فادِي

سارت سفائنُهم والنوْحُ يتبعها

            كأنها إبل يحدو بها الحادي

كم سال في الماء من دمعٍ وكم حملت

          تلك القطائعُ من قطعاتِ أكبادِ


وبعد أن وصلت السفينة إلى المغرب أقام المعتمد وأسرته أياما في طنجة، ثم أُخذوا بعد ذلك إلى مكناسة، وقضوا هناك أشهرا قبل أن يرحلوا إلى منفاهم  بأغمات .

وفي أغمات عاش المعتمد عيشة الذل و المهانة ، كسير القلب ، يُعامَل معاملة سيئة، ويتجرع مرَّ الهوان ، و هو  ينظر إلى بناته الحسناوات المدللات يغزلن الصوف ليحصلن على القوت، ولكنه كان يتجلد ويتذرع بالصبر، ويلجأ إلى شعره، فينفس عن نفسه بقصائد مُشجية مؤثرة . 

حدث أن دخلت عليه بناته في سجنه يوم عيد ، فلما رآهن في ثياب رثة ، تبدو عليهن آثار الفقر والفاقة ، انسابت قريحته بشعر شجي حزين فأنشد :


فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا

         فساءك العيدُ في أغمات مأسورًا

ترى بناتك في الأطمارِ جائعة

          يغزلْن للناس لا يملكْنَ قِطميرا

برزْن نحوَك للتسليمِ خاشعةً

         أبصارُهنَّ حسيراتٍ مكاسيرا

يطأْنَ في الطين والأقدام حافية

          كأنها لم تطأْ مسكا وكافورا


واشتدت وطأة الأَسْرِ على اعتماد الرميكية زوجة المعتمد، ولم تقوَ طويلا على مغالبة المحنة ، فتُوفيت قبل زوجها ودُفنت بأغمات على مقربة من سجن زوجها ، أما زوجها المعتمد فقد عاش بعدها أربع سنوات حتى أنقذه الموت من هوان السجن وذل السجان ،  فلقي ربه في (11 من شوال 488 هـ = 1095م) ودُفن إلى جانب زوجته .

سبحان الله تذكرت كل هذا و أنا أنظر إلى قبره 

و قبر زوجته و ابنه ربيع ، و أجول بنظري في كل ما يحيط بهم ، و أرى تقلب الدهر بالإنسان ، فمن

ملك تنصاع له الدنيا إلى سجين ذليل ، شعرت شعورا غريبا و كأنه يحدثني هو نفسه ،  فبعد أن أتيت أغمات فرحا بزيارتها منشرح الصدر لرؤيتها ، ها أنا أغادرها منقبض النفس و لا أدري سببا لهذا الانقباض غير ما تفعله الدنيا بأهلها . 

فوجدتني أردد قول أبي البقاء الرندي :

لكل شيء إذا ما تم نقصان

         فلا يغر بطيب العيش إنسان 

كانت هذه القصيدة مما واسيت به نفسي و أنا 

في طريق العودة .


       ✏بقلم الباحث عن الألم :  زايد وهنا ✏



ورقة عن بوذنيب

             


مقترح لورقة تقنية للتعريف بتاريخ بوذنيب


العنوان :  

 بوذنيب المجال و الإنسان 


الإهداء :


المقدمة :


الباب الأول  :  منطقة كير عبر التاريخ 


الباب الثاني : النشأة و أصل التسمية 


الباب الثالث : الأجناس البشرية 


الباب الرابع  :  بوذنيب قبل الحماية

     الفصل الأول : الحياة السياسية

     الفصل الثاني : الحياة الاقتصادية

     الفصل الثالث : الحياة الاجتماعية 

     الفصل الرابع : الحياة الثقافية 

    الفصل الخامس : الحياة الفنية 


الباب الخامس : بوذنيب إبان الحماية 

   الفصل الأول  :  المقاومة و الحياة السياسية

    الفصل الثاني : الحياة الا قتصادية 

    الفصل الثالث : الحياة الاجتماعية 

    الفصل الرابع : الحياة الثقافية 

     الفصل الخامس : الحياة الفنية 


الباب السادس : بوذنيب بعد الاستقلال

    الفصل الأول : الحياة السياسية

    الفصل الثاني : الحياة الاقتصادية 

     الفصل الثالث : الحياة الاجتماعية 

     الفصل الرابع :  الحياة الثقافية

     الفصل الخامس : الحياة الفنية


الباب السابع : رجالات بصموا تاريخ بوذنيب من

النشأة إلى اليوم .

المجال الأول : المقاومة

المجال الثاني : العلم و الأدب 

  ( علماء ، فقهاء ، كتاب ، شعراء الفصيح ، شعراء         الملحون .....)

المجال الثالث : الفنون ( الموسيقى ، الغناء ، الفكاهة ......)


خاتمة